وكالة زيتون – تقرير
لم تكتف إيران بمحاربة الشعب السوري عبر الآلة العسكرية والعشرات من الميليشيات التي استقدمتها إلى سوريا لدعم نظام الأسد، بل تجاوزت ذلك إلى الشروع في عمليات التغيير الديمغرافي ونشر المذهب الشيعي واختراق المعاهد والجامعات وافتتاح أخرى باللغة الفارسية.
إيران، لم تخفِ يوماً أن تدخلها العسكري في سوريا انطلق من أساس طائفي مذهبي في الدرجة الأولى، ودفاعاً عن “بشار الأسد” الأداة الأساسية في تنفيذ مشروعها في المنطقة المعروف باسم “الهلال الشيعي” ثانياً.
ففي منتصف عام 2013، صرح وزير الخارجية الإيراني “حسين أمير عبداللهيان” أن “العتبات المقدسة في سوريا تتعرض لهجمات من قبل الإرهابيين ويبقى عالم التشيع متفرجاً”، مضيفاً أن بلاده تتخذه إجراءات “لحماية العتبات الشيعية المقدسة في دمشق”.
وعقب ذلك، تحولت بلدة “السيدة زينب” على أطراف العاصمة دمشق من مجرد مكان يحمل رمزية لدى معتنقي المذهب “الشيعي” إلى غرفة عمليات وعاصمة إيران في سوريا ومركزاً لإدارة العمليات العسكرية ضد المناطق الثائرة، ونقطة جذب للمقاتلين الشيعة من أفغانستان والعراق وباكستان ولبنان وبالطبع من إيران.
بدأ نفوذ إيران يتوسع وبدأت مطامعها تكبر، كما وجدت من انبطاح بشار الأسد لها واستعداده للتخلي عن أي شيء مقابل أي شيء يحافظ على بقاءه في الحكم وقمع المعارضين له فرصة ثمينة وأرضية خصبة لتحقيق حلمها في تحويل سوريا إلى ضاحية جنوبية جديدة.
تهجير السوريين وتوطين الأفغان والباكستانين
استهلت طهران أولى خطوات تنفيذ مشروعها بتهجير السكان الأصليين من المناطق التي تتعرض لعمليات عسكرية وتوطين عوائل مقاتليها الأفغان والباكستانين محلهم، ومنحهم جنسيات سورية انطلاقاً من مقولة “بشار الأسد” بأن “الوطن لمن يحميه لا لمن يحمل جنسيته”.
وتركزت عملية التوطين في منطقة “السيدة زينب” والقرى والبلدات المحيطة بها جنوب دمشق، وفي مدينتي “داريا” و”معضمية الشام” في الغوطة الغربية، إضافة مدينة “القصير” بريف حمص الجنوبي والقرى التابعة لها.
ونالت محافظة دير الزور النصيب الأكبر من تلك العمليات، حيث استولت الميليشيات الإيرانية على معظم مدينتي “البوكمال” و”الميادين” بالريف الشرقي، واستقدمت عشرات عوائل مقاتلي “زينبيون” الباكستانية و”فاطميون” الأفغانية، و”لواء أبو الفضل العباس” العراقي
.ويعود سبب تركز إيران على محافظة دير الزور والتي نفذت نشاطات فيها قبل اندلاع الثورة السورية في آذار/ مارس من عام 2011 إلى قربها من الحدود العراقية، ووقوعها على طريق “طهران – بيروت” التي تطمح إيران من الوصول إلى البحر المتوسط من خلاله.
ومن أجل ذلك بدأت إيران بمحاولة اختراق المجمتع في المحافظة وهذه المرة ليست عبر الطرق العسكرية بل عن طريق الترغيب واستغلال سوء الأوضاع المعيشية وحاجة الأهالي إلى المساعدات ومنحهم إياها مقابل دخولهم في المذهب الشيعي.
مراكز ثقافية وحسينيات لنشر المذهب الشيعي
أوضح المتحدث باسم شبكة “عين الفرات” المتخصصة بنقل أخبار المنطقة الشرقية “أمجد الساري” أن موضوع نشر التشيع ليس بجديد على المنطقة، إلا أنه بدأ يتوسع ويظهر للعلن بعد انطلاق الثورة وتدخل إيران بشكل واضح في سوريا.وأكد “الساري” في حديث لـ”وكالة زيتون”، أن جميع المناطق التي تدخل إليها إيران تبدأ بشكل فوري بتنفيذ مشروعها الطائفي فيها متبعة أساليب عدة، تبدأ بالتغيير الديمغرافي من خلال طرد العوائل السُنيّة وتوطين عوائل عناصرها محلها، كحي “الجمعيات” في “البوكمال”.
يضاف إلى ذلك -بحسب الساري- تحويل بعض المساجد إلى حسينيات وأماكن للمارسة الطقوس الشيعية، وبناء مزارات وهمية داخل المناطق السنة كمزار “عين علي” قرب “البوكمال” و”قبة علي” في منطقة “السويعية” بهدف استقطاب الشيعة من العراق وإيران وتغيير هوية المنطقة.
وأشار “الساري” إلى أن إيران أقدمت أيضاً على افتتاح مراكز ثقافية مخصصة للأطفال بالدرجة الأولى بهدف تغيير أفكارهم وتأسيس جيل يحمل فكر “ولاية الفقيه” يمكن أن تعتمد عليه في حال خرجت من سوريا مستقبلاً، موضحاً أن عمل المراكز يقوم على عرض أفلام وثائقية وتعليمية حول المذهب الشيعي ومن ثم تقديم هدايا ومبالغ مالية للأطفال للحضور وذويهم.
وأكد محدثنا أن إيران استطاعت من خلال تلك الطرق من التمدد إلى ريف حمص الشرقي وريفي حلب الشرقي والجنوبي، ونشر المذهب الشيعي فيها.
زواج متعة والمال مقابل التشيع
وعملت الميليشيات الإيرانية على نشر “زواج المتعة” في المناطق التي سيطرت عليها، وقد تم تسجيل عدة حالات في منطقة “حطلة” بريف دير الزور لفتيات يحملن الجنسية العراقية ويقيمن في البلدة، ووفقاً لـ”الساري” فإن الفيتات من عوائل عناصر ميليشيا “زينبيون” الذين تم توطينهم في المنطقة.
وتطرق محدثنا إلى أسلوب آخر تتبع إيران للسيطرة على المجتمع، يقوم على تجنيد الشبان المطلوبين للخدمة العسكرية في جيش الأسد ضمن صفوف “الحرس الثوري” وتأمين الحماية لهم ومنحهم رواتب مغرية مقارنة برواتب عناصر نظام الأسد مقابل دخولهم في المذهب الشيعي.
مركز تكنولوجي لبث المحتوى الديني الإيراني!
وفي السياق ذاته، وفي محاولة أوسع تشمل كامل الأراضي السورية ومنها إلى الوطن العربي، شرعت إيران بافتتاح مكتب للتقنيات الإيرانية في سوريا، والذي سيعمل على بث “المحتوى الديني الإيراني” على السوريين.
وأوضح الرئيس التنفيذي لـ”اتحاد إنتاج ونشر المحتوى في الفضاء الإلكتروني” الإيراني “سعيد مشهدي” أن المكتب سيكون مسؤولًا عن “تبادل التكنولوجيا بين البلدين، وتصدير التقنيات الإيرانية إلى سوريا، وأساساً للتواصل مع الجماهير الناطقة باللغة العربية في البلدان الأخرى”.واعتبر في تصريح لـ”وكالة فارس” الإيرانية، أنه إذا أسست إيران منصات مناسبة باللغة العربية في بلد يتحدث العربية، ستكون “أرضية للدخولن إلى المجتمع الناطق بالعربية في العالم”.
وأوضح الباحث والكاتب السوري “مطيع البطين” أن إيران تسعى من خلال إنشاء هذا المركز التكنولوجي إلى زيادة حضورها في سوريا ومحاولة جديدة لتغريب المجتمع السوري باتجاه الثقافة الإيرانية، مضيفاً أن هذه الخطوة سبقها عدة خطوات إعلامية لصبغ سوريا بثقافة “الولي الفقيه”.
وأضاف “البطين” في حديث لـ”وكالة زيتون”، أن إيران تستغل جميع المواد الممكنة للمضي في مخططها في سوريا، مشيراً إلى أن ذلك المركز هو مكمل للخطوات التي بدأتها قنوات “الميادين” و”المنار” و”العالم” في نشر الثقافة الإيرانية.وشدد على أن إيران تصر على نشر المذهب “الشيعي” في سوريا لتمرير أجندات “الولي الفقيه”، ولتنفيذ ذلك هي بحاجة إلى تيار كبير موالي وتابع لها وحاضنة واسعة تكون مستعدة من خلالها لأي حل قد يخرجها من سوريا.
وحذر “البطين” من أن أي اختراق للمجمتع من الجانب الديني والثقافي يعتبر غاية في الخطورة لأنه يمزق النسيج السوري ويعتدي على الثقافة السورية ويخلق صراعاً مستمراً، لأن الوسائل التي تتبعها إيران في الدعوة إلى التشيع تقوم على التحريض بين الناس وإذكاء الروح الطائفية واستدعاء التاريخ والأحقاد.
إيران تخترق التعليم في سوريا
استخدمت إيران ملف التعليم كغيره من الوسائل التي اعتمدت عليها في التمدد بسوريا ونشر ثقافتها، بل وأولت الجانب العلمي والثقافي اهتماماً خاصاً نظراً لكونه يستهدف فئات عدة من المجتمع السوري لا تقتصر على المناطق الثائرة فقط.
وفي سبيل ذلك، افتتحت إيران مدارس ومعاهد خاصة لتعليم اللغة الفارسية في العديد من المحافظات وبشكل خاص في العاصمة دمشق واللاذقية ودير الزور، كما أنها خصصت مبالغ مالية كرواتب للمواظبين على حضور المحاضرات، وجوائز للأشخاص الذين يتقنون اللغة بشكل سريع.
كما وقعت اتفاقيات مع نظام الأسد لافتتاح فروع لأكثر من 8 جامعات إيرانية في العديد من المدن السورية، كان آخرها قبل أيام حيث أعلنت وكالة “سانا” عن توقيع اتفاقية تعاون بين جامعتي دمشق و”أهل البيت” “لتطوير وتعزيز علاقات التعاون العلمي والأكاديمي المشترك”.
وخلاصة القول إن إيران تسعى لترسيخ وجودها الثقافي والمذهبي في سوريا، وتعزيز نفوذها في المجتمع المدني ليكون رديفاً لوجودها العسكري الذي من الممكن أن تفقده في أي وقت إذا ما توافقت الدول الكبرى على ذلك، كما أنها تأمل بإنشاء جيل جديد يكون أداة لها في سوريا ويحقق أطماعها مهما كانت الظروف