لم تنطفئ محرّكات النظام السوري حتى اللحظة الأخيرة، لمواكبة “انتخاباته” الرئاسية، والمقررة اليوم الخميس للسوريين المقيمين في الخارج (تجرى الانتخابات في سورية في 26 مايو/أيار الحالي، أي يوم الأربعاء المقبل)، ومن ضمنهم السوريون في لبنان، حيث الثقل الأكبر لهم، ولا سيما اللاجئون (تصرّ السلطات اللبنانية على توصيفهم بالنازحين).
ويهدف النظام السوري إلى حشدِ أعلى نسبة أصواتٍ لصالح رئيسه بشار الأسد، وحصد التواقيع التي تضمن “تجديد البيعة” بشتى الوسائل والممارسات، والتي وصل بعضها إلى حدّ التهديد والترهيب، بحسب إفادات سوريين وتقارير حقوقية.
إغراءات وترهيب
يقول عامل سوري مقيمٌ منذ العام 2013 في مدينة طرابلس، شمالي لبنان، وفضّل عدم الكشف عن اسمه لدواعٍ أمنية، لـ”العربي الجديد”، إن “مجموعةً من الشبّان، يرجح أنهم تابعون لجهات سياسية لبنانية موالية للنظام السوري وحزب الله، زاروه في منزله، وأملوا عليه التصويت لصالح الأسد، مقابل ضمان إيجاد فرصة عمل لابنه، وتسهيل أموره مع التكفل بنقله إلى مقرّ السفارة السورية في منطقة اليرزة – بعبدا (شرقي بيروت) للإدلاء بصوته، وإلا فإن عليه تحمَّل مسؤولية قراره”.
ويؤكد العامل السوري أنه “لا يخشى التهديدات، وهو لم يقترع في (انتخابات الرئاسة السورية) العام 2014 ولن ينتخب اليوم أيضاً، حيث إن العملية الانتخابية لا تعنيه لعدم ثقته بنتائجها أو بجدوى صوته في تغيير المعادلة”.
تتمثل الضغوط بالتهديد بالاعتقال والترحيل إلى سورية والطرد من المنطقة أو من العمل
ويلفت عامل سوري آخر يعيش في باب الرمل (طرابلس)، إلى أن عدداً من الشبان أتوا إليه خلال شهر رمضان وطلبوا منه انتخاب الأسد وحاولوا أخذ هويته، لكنه رفض تسليمهم إياها، مؤكداً أن محاولات الترهيب لا تنفع معه، خصوصاً بعدما قُتِلَ أفراد عائلته في تلكلخ السورية (محافظة حمص)، ولم يعد هناك شيء يخسره”. ويشير العامل، الذي فضّل أيضاً عدم الكشف عن اسمه، في السياق، إلى أنّ “سوريين كثرا يعرفهم تعرضوا بدورهم لضغوطات”، وأن أحدهم “فرض عليه في فترة عيد الفطر (13 مايو الحالي) إزالة البسطة التي يعمل عليها في ساحة النجمة، في حال لم ينتخب الأسد”.
ويشرح المدير التنفيذي لمركز “وصول” لحقوق الإنسان (آي سي أتش آر)، محمد حسن، أنه “في إطار العملية الانتخابية للرئاسة في سورية، بدأ فريق المركز منذ إبريل/نيسان الماضي بمراقبة أشكال الضغوط التي يتعرض لها اللاجئون”، لافتاً إلى أن الضغوط “التي تم تسجيلها بعد مقابلات وإبلاغات عدة من مصادر مختلفة، بسحب الأوراق الثبوتية، تتمثل بالتهديد والترهيب بالاعتقال، الترحيل إلى سورية، الإخلاء والطرد من المنطقة، التهديد بحرق المخيمات، الطرد من العمل، والتهديد باعتقال أقارب اللاجئين في الداخل السوري”.
ويرى حسن، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن “اللاجئين السوريين في موقف ضعيف للغاية”، لأن “من أبرز الحجج التي تتسلح بها الجهات المناهضة لوجود اللاجئين (في لبنان)، والساعية لدعم حكومة النظام السوري من أجل إعادة اللاجئين إلى سورية، هي عدم امتلاك اللاجئين أوراق إقامة قانونية، ما يجعل التهديد بالترحيل من أبسط أشكال الضغط المباشر وغير المباشر”.
ويلفت حسن إلى أنه “تبعاً لأرقام مفوضية اللاجئين في لبنان،
بلغ عدد اللاجئين السوريين المسجلين لديها حتى 31 مارس/آذار الماضي، 855,172 لاجئاً، أما العدد الإجمالي فهو غير معروف نتيجة غياب أرقام دقيقة ومحدّثة”. ويضيف أن “39 في المائة من اللاجئين السوريين المسجلين، يقيمون في البقاع، فيما يعيش 27 في المائة منهم في شمال لبنان، و23 في المائة في العاصمة بيروت، و10.8 في المائة في الجنوب”.
كما يشير المدير التنفيذي لمركز “وصول” لحقوق الإنسان، إلى أن “معظم اللاجئين السوريين في لبنان غير حائزين على إقامة قانونية، فبحسب تقرير الأمم المتحدة لتقييم ضعف اللاجئين السوريين في لبنان لعام 2020، فقط 20 في المائة منهم ممن هم فوق عمر 15 عاماً، يحملون إقامة قانونية”.وبحسب متابعة فريق “وصول”، يلفت حسن إلى “أننا أُبلغنا من قبل عدد من النشطاء، بأن السفارة السورية في لبنان تقوم بتقديم الدعم المالي إلى بعض الأفراد ليقوموا بدورهم بتقديم رشاوى لمسؤولي المخيمات، وللأشخاص الناشطين المتعاونين معهم لتسجيل أسماء على قوائم الناخبين، وعلمنا من مصادر مختلفة أنه عُرضت على بعض الناشطين تسهيلات أمنية لبعضهم، ودعمهم وتبييض صفحتهم في سورية”.
ويضيف حسن من ناحية أخرى، أن “بعض الأشخاص أكدوا أن أحزاباً سياسية لبنانية وعدت بتقديم بطاقات حزبية وتسهيلات أمنية لهم”. وفي هذا الإطار، يلفت حسن إلى “إنشاء أحزاب سياسية لبنانية مكاتب فرعية تركّزت بشكل أساسي في مناطق بيروت، بعلبك، البقاع، عكار شمالاً، والجنوب، وتمت الاستعانة بأفراد يقومون باستهداف اللاجئين لتسجيل أسمائهم على قوائم الناخبين، كالنشطاء الذين لديهم وصول كبير لمجتمعات اللاجئين ومسؤولي المخيمات”.
ويضيف: “قمنا في مركز وصول، بتوثيق ثلاث حالات خطف، ومنها حالتان لناشطين رفضا تسجيل اسميهما. كما تمّ استدعاء وجهاء سكّان المخيمات والناشطين والفاعلين من اللاجئين إلى مراكز بعض البلديات في بعلبك، للتشديد على ضرورة المشاركة في الانتخابات الرئاسية وأهميتها، وهو ما ترافق مع تهديدهم”.
بلغ عدد اللاجئين السوريين في لبنان المسجلين لدى مفوضية اللاجئين 855,172 لاجئاً
ويؤكد المدير التنفيذي لمركز “وصول”، أنه “طالما بقيت السلطات اللبنانية الرسمية صامتة عن هذه الممارسات غير القانونية، فسيكون الأمر مشابهاً لما جرى في الانتخابات الرئاسية السورية في 2014، والتي أعطت صورة للشعب اللبناني توحي بأن اللاجئين السوريين لم يخرجوا (من سورية) لأسباب سياسية كما هو الواقع، ولم يلحظ الشعب اللبناني حجم الضغوطات والترهيب الذي تعرّض له اللاجئون آنذاك”. ويشدّد حسن على أن “السلطات اللبنانية تتحمّل المسؤولية بشكلٍ أساسي لتجاهلها التام للضغوطات والتهديدات التي يتعرض لها اللاجئون على أراضيها، والسماح لأحزاب هي جزء من الحكومة اللبنانية، بممارسة الضغوطات على هؤلاء اللاجئين”. ويؤكد حسن على “أنه يتوجب على المجتمع الدولي تقديم الضمانات اللازمة لحماية السوريين من المخاطر الأمنية التي يتعرضون لها في لبنان، والإعادة القسرية إلى سورية، وعلى رأسها مفوضية اللاجئين المعنية بشكل رئيسي بحماية اللاجئين”.
مراكز الثقل وتدخل الأحزاب
من جهته، يرى الصحافي صبحي منذر ياغي، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن “نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية من جانب سوريين يعيشون في منطقة البقاع اللبنانية، ستكون كبيرة، تبعاً لأعداد مراكز التجمع الكثيرة وتعدد نقاط الانطلاق نحو السفارة السورية في بيروت، والتي تبدأ من منطقة القصر في الهرمل على الحدود السورية والبقاع الشرقي مروراً بالبقاعين الغربي والأوسط”. ويلفت ياغي إلى أنّ “السوريين المعارضين للنظام، وإن بصورة غير علنية، هم بغالبيتهم موجودون في مناطق عرسال والفاكهة والجديدة، وهي مناطق ذات الأكثرية السّنية، والتي لجأ إليها بشكل خاص أهالي القلمون والقصير (حيث كانت تحت سيطرة المعارضة السورية)، إضافة إلى مناطق بر الياس ومجدل عنجر وغيرها”، مرجحاً أن “يلجأ هؤلاء رغم معارضتهم للنظام، للتصويت لصالح الأسد، نتيجة التسويات التي تحصل في المنطقة ومحاولات تعويم النظام، ولضمانهم العودة إلى سورية عند انتخاب الأسد من جديد”.ويقول ياغي، وهو ابن محافظة البقاع، إن “منطقة بعلبك – الهرمل، تخضع لنفوذ حزب الله، وبالتالي فهي مع النظام السوري وحزب البعث العربي الاشتراكي، وحلف ما يسمى بالممانعة، ولكن السوريين هناك كذلك، لا يدلون بمواقف سياسية أو ينظمون أي نشاط سياسي، لعلمهم بطبيعة المنطقة ووجهتها السياسية العامة، أي مع النظام”.
بدوره، يشرح المحامي في شمالي لبنان مصطفى عويك، لـ”العربي الجديد”، أن “الثقل السوري الأكبر شمالاً موجود في بلدات قبة شمرا، منيارة، ببنين، بحنين المنية، وفي مناطق السهل باعتبار أنّ أكثريتهم يعملون في البساتين والأراضي الزراعية ويعيشون في المخيمات، مقابل وجود سوريين أتوا إلى الشمال اللبناني قبل الأحداث السورية (انطلقت عام 2011)، ويعملون منذ سنوات في مختلف المناطق الشمالية، سواء في البداوي أو الميناء أو طرابلس وغيرها”. ويلفت عويك إلى أنّ السوريين من “العمّال”، وليس اللاجئين، هم بغالبيتهم يدورون في فلك النظام السوري، الذي يعتمد عليهم كثقل في الانتخابات، ويستخدمهم كورقة توظيف للتصويت لصالح الأسد، بعكس اللاجئين الذين هربوا من الجرائم التي يرتكبها النظام القمعي.
ويشير المحامي إلى أنّ “الأحزاب والجهات السياسية اللبنانية تلعب حتماً دوراً في الانتخابات السورية، مثل الحزب السوري القومي الاجتماعي وبعض المرجعيات الشمالية في عكار والمنية وطرابلس المحسوبين على النظام السوري، وقد حصل أكثر من لقاءين في عكار، كان لافتاً الحشد المشارك والجمهور الذي عبّر عن تأييد الأسد، والمهرجانات الانتخابية دعماً لرئيس النظام، منها بدعوة من رئيس المركز الوطني في الشمال كمال الخير، الذي يطالب بالزحف نحو السفارة للاقتراع للأسد”.
ويلفت عويك أيضاً إلى “تنفيذ مسيرات في جبل محسن تأييداً لبشار الأسد، قابلها امتعاض من أهالي باب التبانة، الذين اعتبروا الخطوة استفزازية، وحاولوا اعتراضهم بمسيرة مضادة، لكن سرعان ما حصلت تدخلات لمنع تطور الأحداث والحؤول دون ارتفاع حدة التوتر”.
عويك: السوريون من العمّال يدورون بغالبيتهم في فلك النظام عكس اللاجئين الذين هربوا من جرائمه
ولدى سؤالها عن الوضع، توضح المتحدثة باسم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان، ليزا أبو خالد، لـ”العربي الجديد”، أن “المفوضية تلقت إفادات تفيد بحصول حوادث تنطوي على ضغوطات وتهديدات ومضايقات، من شأنها أن تؤثر على اللاجئين السوريين في لبنان ربطاً بالانتخابات الرئاسية السورية”، لافتة إلى أنّ من بين التقارير “التبليغ عن مصادرة وثائق شخصية وهويات والتهديد بإلحاق أذى جسدي”.
وتشدد أبو خالد على أن الموضوع “قيد المتابعة من قبل المفوضية حيث كان ذلك ممكناً، أو حيث تدعو الحاجة، وذلك مع المعنيين لضمان حق اللاجئين بحرية الاختيار واتخاذ القرار سواء بالتصويت أم لا في الانتخابات الرئاسية، من دون ضغوطات أو التعرض لأعمال انتقامية”.
وتؤكد المتحدثة باسم مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان، أن التصويت “هو قرار شخصي لا يؤثر بأي شكل من الأشكال على المساعدات الإنسانية أو الحماية التي تقدمها المفوضية للاجئين في لبنان، والتي هي منظمة إنسانية غير سياسية، ولا تلعب أي دور في الانتخابات السورية”.
وتؤكد أنه “في الوقت نفسه، عندما يصار إلى إبلاغنا من قبل لاجئين عن حوادث أو ضغوطات يتعرضون لها، فإننا نعمل مع أصحاب الشأن المعنيين في لبنان لضمان حماية اللاجئين”.
لكن رئيس “رابطة العمّال السوريين في لبنان” (موالية للنظام السوري)، مصطفى منصور، ينفي ممارسة أي تهديدات أو ضغوطاتٍ على المواطنين السوريين لانتخاب رئيس النظام بشار الأسد، حيث إن الرابطة على حدّ قوله “تشرف على الانتخابات وتتواصل مع السوريين في مختلف المناطق اللبنانية وتشرح لهم آلية الاستحقاق، وستؤمن كافة وسائل النقل بالتعاون مع السفارة السورية في بيروت، للتوجه الى مقرّها في اليرزة – بعبدا، لكنها حتماً لا تملي عليهم الاسم الذي سيصوتون له”.ويؤكد منصور، لـ”العربي الجديد”، أن كلّ من يحمل الهوية السورية والمسجّل في السفارة، له الحقّ في الاقتراع والتصويت من بيروت، لافتاً إلى أن “لا إحصاء رسمياً حول عدد السوريين في لبنان أو اللاجئين تحديداً، بيد أن الناخبين الذين تتجاوز أعمارهم الـ18 عاماً والمسجّلين في الجداول المعدة للمشاركة في الانتخابات يتخطون عتبة الـ700 ألف شخص”.
تخوف أمني
وتأتي التدخلات السياسية أيضاً في وقت خرج رئيس “التيار الوطني الحر” وصهر الرئيس اللبناني ميشال عون، النائب جبران باسيل، وهو حليف “حزب الله”، بجملة مواقف لافتة بتوقيتها من موسكو في أواخر شهر إبريل/نيسان الماضي، دعم فيها رئيس النظام السوري، مشدداً على أن “الانتخابات الرئاسية السورية وتثبيت الأسد سيكونان عاملين مسرعين ومشجعين لعودة اللاجئين السوريين (إلى بلدهم)”، في “مغازلةٍ” وضعت في الإطار التمهيدي لدعم الأسد باسيل نحو رئاسة الجمهورية اللبنانية.وفي السياق الأمني، سرت أنباء في لبنان عن تظاهرات قد تخرج يوم الانتخابات (اليوم) في الشمال، لمنع وصول مواكب السوريين الذين يعتزمون الاقتراع، إلى سفارة بلادهم في بيروت، وسط خشية من تسجيل أحداث وإشكالات. وفي هذا الصدد، أكدت مصادر أمنية أن “الأجهزة الأمنية والجيش اللبناني تتحضر لاستنفار واسع لمواكبة اليوم الانتخابي”. ويقول مصدر مسؤول في وزارة الداخلية اللبنانية، لـ”العربي الجديد”، إن “لا مخاوف من أحداث أمنية خلال يوم الاستحقاق”، مضيفاً أن “الإجراءات الأمنية تأتي في سياق تسهيل وصول المقترعين السوريين إلى مراكز الاقتراع وتفادي الزحمة أيضاً التي حصلت في العام 2014 وعرقلة حركة السير في العاصمة اللبنانية ومحيط مقرّ السفارة السورية”.