أولاً: خلفية:قدمت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في 25/ آب، تقريراً إلى اللجنة المعنية بحقوق الإنسان المنشأة من قبل العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية بهدف إطلاعها على أبرز الانتهاكات التي مارسها النظام السوري لعدد كبير من مواد العهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وقد توسَّعت كثير من تلك الانتهاكات وبلغت مستوى الجرائم ضدَّ الإنسانية، وذلك قبل اعتماد اللجنة لقائمة القضايا المتعلقة بالجمهورية العربية السورية في الدورة 130 (التي ستنعقد بين 12/ تشرين الأول و6/ تشرين الثاني/ 2020).مهمة اللجنة هي مراقبة تنفيذ التزامات الدول بنصوص العهد، وهي لجنة محايدة ومنتخبة وأعضاؤها يمثلون مختلف مناطق العالم، وبالنسبة إلى سوريا فقد صادقت على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية منذ عام 1969، وبالتالي يتوجب على السلطة الحاكمة أن تقدم تقارير عن التدابير التي اتخذتها والتي تمثل إعمالاً للحقوق المعترف بها فيه، وعن التقدم المحرز في التمتع بهذه الحقوق كلما طلبت منها اللجنة ذلك. لكن النظام السوري برئاسة بشار الأسد لم يقدم أي تقرير للجنة منذ عام 2004، وهو بالتالي مستمر في إهماله واحتقاره لحقوق الإنسان ومبادئ العهد الدولي السياسية والمدنية، إضافة إلى ذلك، وعلى اعتبار أن دولتنا سوريا قد تعرضت لموجة هائلة من انتهاكات حقوق الإنسان على يد السلطة الحاكمة ما بعد اندلاع الحراك الشعبي في آذار/ 2011، فكان يفترض باللجنة أن تطلب من النظام السوري إعداد تقارير إضافية عن التقارير الدورية، أو تقديم موعد تقديم التقرير الدوري.ونحن نعتقد أنه لا يوجد ما يمكن أن يقوم النظام السوري بكتابته في التقرير كونه منتهك للغالبية العظمى من مواد العهد وعلى نحو منهجي وواسع النطاق، وفي حال استمرار تجاهل النظام السوري لتقديم أي تقرير فإنه يتوجب على اللجنة أن توضح ذلك للجمعية العامة للأمم المتحدة ضمن تقريرها السنوي.والشبكة السورية لحقوق الإنسان باعتبارها منظمة غير حكومية تقوم برصد وتوثيق أنماط مختلفة من الانتهاكات منذ قرابة تسع سنوات، ثم أرشفتها ضمن قاعدة بيانات واسعة، قامت بتقديم تقرير ظل يتضمَّن أبرز الانتهاكات التي قام بها النظام السوري خلال السنوات الأربع الأخيرة، وسوف تقوم لجنة حقوق الإنسان بعرض التقرير الذي قدمته الشبكة السورية لحقوق الإنسان ضمن دورتها الـ 130 عبر الرابط التالي:https://tbinternet.ohchr.org/_layouts/15/treatybodyexternal/SessionDetails1.aspx?SessionID=1375&Lang=en. ثانياً: أبرز محتويات التقرير الذي تقدمت به الشبكة السورية لحقوق الإنسان إلى اللجنة المعنية بحقوق الإنسان:لقد استند التقرير المقدم إلى قاعدة بيانات الشبكة السورية لحقوق الإنسان، وركَّز بشكل أساسي على القتل خارج إطار القانون والاعتقال والاختفاء القسري والتعذيب وحرية التعبير واعتناق الآراء السياسية وتشكيل الأحزاب السياسية، والتشريد القسري للمدنيين ونهب الممتلكات، وذلك منذ آب/ 2016 حتى آب/ 2020.واحد: القتل خارج نطاق القانون:أوردَ التقرير أن قوات النظام السوري مارست عمليات القتل خارج نطاق القانون عبر ثلاثة أنماط رئيسة ما زالت مستمرة حتى الآن، هي: التعذيب المؤدي للموت، الإعدام عبر محاكم تفتقر إلى القانونية والشرعية، القصف العشوائي أو المتعمد على الأحياء السكنية.ذكر التقرير أن حصيلة الضحايا المدنيين الذين قتلهم النظام السوري قد بلغت 13,278 مواطناً سورياً مدنياً بينهم 2,773 طفلاً (1,805 طفل ذكر، 968 طفلة أنثى) أي ما يعادل قرابة 21 % من نسبة الضحايا و1,445 سيدة (أنثى بالغة) أي ما يعادل قرابة 11 % من نسبة الضحايا، كما أشار إلى أنه قد تم توثيق 52 هجوماً كيميائياً منذ آب/ 2016 حتى آب/ 2020، إضافة إلى ذلك تحدث التقرير عن سياسة الحصار والتجويع ومنع إدخال المساعدات الإنسانية، وسجَّل مقتل 109 مدنياً، بينهم 33 طفلاً و19 سيدة بسبب ذلك في المدة التي يشملها التقرير. اثنان: الاعتقال والاحتجاز غير المشروع والاختفاء القسري:أكد التقرير استمرار قوات النظام السوري في اعتقال المواطنين على خلفية انتمائهم السياسي ومعارضتهم له، كما أكد أن عملية الاعتقال هي أقرب ما تكون إلى الخطف وتنتهك كمَّاً واسعاً من الحقوق الأساسية، تتم غالباً من قبل قوات الأمن، دون إبراز هويتهم أو التعريف بأنفسهم، أو ما هي التهمة، ولا يوجد معهم مذكرة قضائية، ولا يتمكن الشخص من إبلاغ عائلته، أو توكيل محامٍ، أو الاتصال بالعالم الخارجي، ويتحول أكثر من 85 % من إجمالي حالات الاعتقال إلى اختفاء قسري.وثَّق التقرير ما لا يقل عن 18,642 شخصاً بينهم 184 طفلاً و207 سيدة لا يزالون قيد الاعتقال التعسفي منذ آب 2016 حتى آب 2020، تحول ما لا يقل عن 16,921 شخصاً منهم إلى مختفين قسرياً بينهم 156 طفلاً و186 سيدة.ألف: مراسيم عفو مخادعة وعديمة الفعالية:ذكر التقرير أن النظام السوري أصدر ما يقارب 17 مرسوماً للعفو على مدى السنوات التسع السابقة اتَّسمت بكونها متشابهة في كثير منها واستثنت الحصيلةَ الأكبر من المعتقلين الذين لم يخضعوا لأية محاكمة على مدى سنوات من اعتقالهم وتحولوا إلى مختفين قسرياً. ووفق سجلات الشبكة السورية لحقوق الإنسان فإن ما لا يقل عن 163 حالة اعتقال قام بها النظام السوري منذ صدور مرسوم العفو رقم 6 في 22/ آذار/ 2020 حتى آب/ 2020، مما يشير على استمرار سياسة الاعتقالات بل إنها أكثر من الحالات التي تم الإفراج عنها.باء: تسجيل المختفين قسرياً على أنهم متوفون في دوائر السجل المدني:تحدث التقرير عن صدمة العديد من أُسر المختفين قسرياً في مراكز الاحتجاز التابعة للنظام السوري منذ مطلع عام 2018 بوجود اسم قريب لها مختفٍ قسرياً على أنه متوفى ومسجل ضمن واقعات الوفاة في دوائر السِّجل المدني من دون علم الأسرة المسبق بذلك، بشكل يخالف نصوص قانون الأحوال المدنية السوري المتعلقة بإجراءات الوفاة في السجون. وأشار التقرير إلى أنه من ضمن قرابة 85 ألف حالة اختفاء قسري لدى النظام السوري، تمكنَّا منذ مطلع عام 2018 حتى 26/ آب/ 2020 من توثيق 991 حالة كشفَ النظام السوري عن مصيرهم بأنَّهم قد ماتوا جميعاً، من بينهم تسع حالات كانوا أطفالاً لدى اعتقالهم وسيدتان اثنتان.تاء: اختفاء المعتقلين الخاضعين للمحاكم من السجون المركزية:ذكر التقرير أن عمليات الاختفاء القسري لم تقتصر على المعتقلين في مراكز الاحتجاز التابعة للأفرع الأمنية الرئيسة الأربعة أو في السجون العسكرية والسرية بل طالت المعتقلين في السجون المركزية في المحافظات السورية، الذين يخضعون لمحاكم لا تتصف بأية صفة قانونية، وحذَّر التقرير من تنفيذ النظام السوري أحكام سرية صادرة عن محاكم الميدان العسكرية بحق معتقلين أخفوا من السجون المركزية منذ مطلع عام 2018 حتى تاريخ إعداد التقرير، أو أن يكون هناك قرارات أمنية بإعادتهم للفرع الأمني المسؤول عن اعتقالهم وإيقاف محاكمتهم وإبقائهم قيد الاختفاء القسري لديه. ثلاثة: التعذيب:أكَّد التقرير أن التعذيب في مراكز الاحتجاز التابعة لقوات النظام السوري يمارس كأداة انتقام من المعتقلين المعارضين للنظام السوري ومن سائر المعتقلين الذين اعتقلوا لأسباب مختلفة. وغالباً ما يبدأ منذ اللحظة الأولى للاعتقال ويتصاعد في أثناء التحقيق وطوال مدة اعتقال المعتقل كعقوبة له، ويتزامن مع الإهمال الصحي المتعمَّد والتجويع، وظروف احتجاز غير صحية سواء في مقرات الأفرع الأمنية الأربعة الرئيسة والسجون العسكرية، أو في السجون المدنية المركزية، وهذا كله أدى إلى ارتفاع حصيلة الضحايا بسبب التعذيب وإهمال الرعاية الصحية وتسبَّب في وفيات شبه يومية في صفوف المعتقلين. وفي كثير من الأحيان اتخذت عمليات التعذيب طابعاً طائفياً ومناطقياً.بحسب التقرير إن ظروف الاحتجاز الوحشية هي تكتيك متبَّع من قبل النظام السوري على نحو مقصود وواسع، تهدف إلى تعذيب المعتقلين وجعلهم يصابون بشتى أنواع الأمراض، ثم يُهمل علاجهم بعدها على نحو مقصود ليتألم المعتقل ويتعذب إلى أن يموت. ومع انتشار جائحة كوفيد-19 يزداد الوضع خطورة، وفي ظلِّ ظروف الاعتقال في مراكز الاحتجاز المواتية والمؤهلة لانتشار فيروس كورونا المستجد، فإن ذلك يُهدِّد حياة قرابة 130 ألف شخص لا يزالون قيد الاعتقال أو الاختفاء القسري لدى قوات النظام السوري بحسب قاعدة بيانات الشبكة السورية لحقوق الإنسان.أورد التقرير أن عمليات التعذيب طالت كافة المعتقلين بمن فيهم النساء والأطفال والكهول والمرضى وذوي الاحتياجات الخاصة ولم تستثني أحداً، وتشكل جريمة التعذيب التي يقوم بها النظام السوري على هذا النحو المنهجي والواسع النطاق جريمة ضد الإنسانية.ألف: العنف الجنسي:تحدث التقرير عن ممارسة العنف الجنسي على نحو واسع وممنهج في مراكز الاحتجاز، وطال الذكور والإناث معاً وفي حالات كثيرة وصل حد الاغتصاب، ومورس في أثناء المداهمات للمنازل وعمليات الاقتحام للمناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري. وأورد التقرير توثيق الشبكة السورية لحقوق الإنسان إجبار قوات النظام السوري ما لا يقل عن 11 معتقلة بينهن فتيات دون سن الـ18 على الظهور على شاشات التلفزيون الرسمي للإدلاء باعترافات تفيد بممارستهن الجنس مع فصائل المعارضة وقد تحولن جميعهن إلى مختفيات قسرياً عقب ظهورهن. كما تُشير تقديرات الشبكة السورية لحقوق الإنسان إلى ارتكاب قوات النظام السوري ما لا يقل عن 231 حادثة عنف جنسي، بينهن قرابة 203 حادثة حصلت داخل مراكز الاحتجاز، وما لا يقل عن 43 حالة عنف جنسي لفتيات دون سن الـ 18، منذ آب 2016 حتى آب 2020.باء: المحاكم غير القانونية:أكد التقرير أن الغالبية العظمى من المعتقلين يحاكمون أمام محكمة الإرهاب أو الميدان العسكرية، وهما أقرب إلى أفرع أمنية من كونهما محاكم، لأنهما تخرقان كافة أسس ومعايير بناء محكمة، حيث تقوم الأفرع الأمنية بتوجيه تهم متعددة تحت الإكراه والترهيب والتعذيب، ويتم تدوين ذلك ضمن ضبوط، ثم يبصم المعتقل على الضبط، وتحال هذه الضبوط الأمنية إلى النيابة العامة، ومن ثم تحويل الغالبية منهم إما إلى محكمة الإرهاب أو محكمة الميدان العسكرية، وربما تستغرق هذه العملية أشهراً وربما سنوات، وتحدث التقرير عن طبيعة وهيكلية تلك المحاكم البربرية.تاء: قوانين تحمي مرتكبي عمليات التعذيب:تحدث التقرير عن شرعنة النظام السوري جريمة التعذيب التي تحظرها المادة 53 في الدستور السوري الحالي الصادر عام 2012 بموجب المرسوم رقم (94)، والمادة 391 في قانون العقوبات العام، عبر نصوص قانونية تُشرعن الجريمة، وتخالف حتى دستور عام 2012 من أبزرها: المرسوم التشريعي رقم (14) بتاريخ 25/ كانون الثاني/ 1969، والمادة (74) من قانون التنظيمات الداخلية لإدارة أمن الدولة وقواعد خدمة العاملين فيها الصادر بالمرسوم التشريعي رقم (549) بتاريخ 25/ أيار/ 1969، والمرسوم التشريعي رقم (69) الصادر عام 2008، والمرسوم رقم (55) الصادر في 21/ نيسان/ 2011 والمتعلق بمكافحة الإرهاب. أربعة: الإعلام وحرية التعبير عن الرأي:أكد التقرير على عدم وجود وسيلة إعلام واحدة مستقلة في مناطق سيطرة النظام السوري. كما يهيمن النظام السوري على الصحف الرسمية الأربعة (الوطن، تشرين، البعث، الثورة) والتي تدافع عنه وتبرر أفعاله، وأشار إلى حظر النظام السوري دخول كافة وسائل الإعلام المستقلة بشكل كامل بعد انطلاق الحراك الشعبي في آذار/ 2011، وحجب مئات المواقع الإلكترونية المعارضة له أو التي تقوم بنقده وإيصال حقيقة ما يجري، ومن ضمنها موقع الشبكة السورية لحقوق الإنسان. خمسة: حرية اعتناق آراء سياسية والمشاركة في انتخابات حرة:جاء في التقرير أنه على الرغم من أن دستور شباط/ 2012 قد قام بإلغاء المادة 8، لكنه بقي تغييراً شكلياً، فكافة الأحزاب التي تشكلت بعد ذلك كانت أحزاب وهمية لا قيمة لها، ومراقبة بشكل لصيق من الأجهزة الأمنية، لم يتجرأ أي منها على نقد الحزب الحاكم على الرغم من كافة الانتهاكات والجرائم التي قام بها رئيس الجمهورية المرشح من قبل حزب البعث، كما أن مجلس الشعب الذي يهيمن حزب البعث على قرابة ثلثي مقاعده لم يقدم أي نقد للسلطة التنفيذية على الرغم من كل ما حلَّ بالشعب والدولة السورية.ستة: التشريد القسري للمدنيين ونهب ممتلكاتهم:تحدث التقرير عن عمليات نزوح جماعي وتشريد لسكان المناطق التي تتعرض لقصف عشوائي من قبل قوات النظام السوري بنسبة قد تتجاوز الـ 98 % من سكانها، وخصوصاً لدى اقتراب هذه القوات من السيطرة على منطقة معينة. وأكد التقرير أن النظام السوري لم يقدم أية رعاية للمشردين قبل تشريدهم أو بعده، بل ساهم في سرقة ونهب المساعدات الأممية المرسلة إليهم. كما كرس ممارسات تساهم في استدامة تشريدهم قسرياً مثل: عمليات النهب الواسعة التي تتم لمنازل المشردين قسرياً.وأكد التقرير على أن شحِّ الاستجابة الإنسانية والكثافة السكانية العالية، في المخيمات النظامية والعشوائية على وجه الخصوص، ومراكز الإيواء غير المؤهلة للسَّكن، في ظلِّ انتشار فيروس كورونا المستجد، يجعل المشردين داخلياً واحدة من أكثر فئات المجتمع عرضة للإصابة بالفيروس. ثالثاً: توصية:توصي الشبكة السورية لحقوق الإنسان أن تقوم المنظمات غير الحكومية وغيرها من أعضاء المجتمع المدني بتقديم ما لديها من بيانات ومعلومات عن انتهاك النظام السوري للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، ونشجع على عدم ترك الساحة خالية لتقرير النظام السوري، أو حتى في حالة عدم وجود تقرير من النظام السوري، كون الحالة في سوريا تقتضي فضح ممارسات السلطة الحاكمة على جميع المستويات، على اعتبار أن الانتهاكات في سوريا لمواد العهد من قبل النظام السوري تكاد تكون غاية في القسوة والعنف مقارنة مع الغالبية العظمى من دول العالم.