محمد أمين العربي الجديد:10/7/2023
مع كل انتهاء لمدة التفويض الخاص بآلية إدخال المساعدات الإنسانية الأممية إلى سورية، والتي ينقضي تمديدها الأخير اليوم الاثنين، يعود السجال حول الآلية، التي اعتمدها مجلس الأمن منذ العام 2014، بين الجانب الروسي والغرب. وهذه الآلية قد حرفتها موسكو عن بعدها الإنساني وحوّلتها إلى بازار مناكفات سياسية، تحاول من خلاله فرض مبدأ إيصال المساعدات الإنسانية للنظام وتسليمها لمناطق المعارضة عبر خطوط التماس، وزيادة دعم مشاريع “التعافي المبكّر” (مصطلح ورد ذكره في قرار مجلس الأمن 2642 في 9 يوليو/ تموز 2021 الخاص بتمديد المساعدات الإنسانية عبر معبر باب الهوى) في مناطق النظام.
وتمارس روسيا ضغطها إما من خلال التهديد باستخدام حق النقص “الفيتو”، أو من خلال طرح آليات بديلة تحقق مكاسب إضافية للنظام، وتقلص مدة التفويض الممنوح لإدخال المساعدات.
بدء آلية إدخال المساعدات الإنسانية إلى سورية
وكان مجلس الأمن الدولي أقرّ هذه الآلية في عام 2014، لتسهيل تدفق المساعدات الإنسانية الدولية للسوريين من دون الحصول على إذن من النظام عبر 4 نقاط حدودية، هي معبرا باب الهوى (شمال إدلب) شمال غربي سورية، وباب السلامة (شمال حلب) شمال البلاد، الحدوديان مع تركيا، واليعربية (أقصى الشرق – حدود العراق)، ومعبر الرمثا الحدودي مع الأردن (جنوب)
.وكان النظام في ذلك العام قد فقد السيطرة على معظم المعابر الحدودية باستثناء معبر جديدة يابوس مع الجانب اللبناني. وبقيت المساعدات تتدفق من دون عوائق من هذه المعابر حتى عام 2020، حيث أصر الجانب الروسي حينها على حصر دخول المساعدات من معبري باب الهوى وباب السلامة، لمدة ستة أشهر، ثم إلى معبر واحد (باب الهوى)
.إدخال المساعدات الإنسانية من معبر واحد
وفي عام 2021، فرض الروس مبدأ دخول المساعدات من معبر واحد وعبر خطوط التماس بين قوات النظام السوري وفصائل المعارضة السورية في شمال غرب سورية. ولطالما كان التصويت على تجديد التفويض الأممي الخاص بإدخال المساعدات إلى سورية مثار جدل وخلاف بين روسيا والدول الغربية.
فهذه الدول ترفض حصر دخول المساعدات بالنظام السوري، كيلا يُحرم ملايين السوريين في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام من هذه المساعدات التي باتت شريان الحياة لهم.ولكن الجانب الروسي نجح في زيادة حصة النظام في مشروعات التعافي المبكّر، وجعله المسؤول عن دخول المساعدات إلى الشمال السوري من خلال خطوط التماس.
وتزعم روسيا أن الآلية المتبعة حالياً تهدد “سيادة سورية ووحدة أراضيها”، في حين تؤكد الوقائع أن موسكو حوّلت المساعدات إلى ورقة ضغط على الغرب في سياق التناحر حول العديد من القضايا أبرزها الأزمة الأوكرانية.ولكن التلويح الغربي باتباع آليات وخطط بديلة بعيداً عن مجلس الأمن لإدخال المساعدات إلى الشمال السوري يدفع موسكو دائماً إلى إبداء “مرونة” في مجلس الأمن الدولي كيلا تُحرم مناطق النظام السوري من هذه المساعدات. وتؤكد الأمم المتحدة أن لديها “خطة طوارئ” في حال فشل مجلس الأمن الدولي في تمديد الآلية عبر معبر باب الهوى وخطوط التماس، إلا أن هذه الخطة لن تفي باحتياجات الملايين الذين يعتمدون على المساعدات الدولية.
توظيف روسي لآلية إدخال المساعدات إلى سورية
وفي هذا السياق، أوضح الباحث السياسي في مركز “الحوار السوري” أحمد القربي، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن “الآلية التي أُقرت في عام 2014 كانت محل توافق دولي في ذلك العام وخصوصاً بين روسيا والولايات المتحدة الأميركية”.
وأضاف أن النظام السوري استعاد في 2018 معبر نصيب الذي يربط بين سورية والأردن، مع تراجع الانخراط الأميركي في الملف السوري، وهو ما أتاح الفرصة أمام روسيا لتوظيف الآلية في المساومة السياسية والحصول على تنازلات من الدول المنخرطة في ملف سورية. وأشار القربي إلى أن “هذه الآلية أضحت عبارة عن بازار سياسي وورقة توظفها روسيا، ما أدى إلى خروجها عن معناها الإنساني”.
وأضاف أن روسيا ترفع السقف للحصول على مكاسب مع كل تجديد للآلية، لافتاً إلى أن هذا الأمر انعكس من خلال تكثيف المساعدات التي تمر عبر النظام السوري من جهة، ورفع حجم المساعدات التي تدخل في إطار التعافي المبكر، والتي تستهدف المناطق التي يسيطر عليها النظام.
وأعرب القربي عن اعتقاده أن روسيا ستستمر في محاولة الابتزاز السياسي، وهو ما يعتبره تهديداً بإيقاف الآلية من خلال حق النقض في حال عدم موافقة مجلس الأمن على زيادة حجم المساعدات.من جهته، رأى الباحث السياسي فراس الفحام، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن دخول المساعدات الإنسانية إلى سورية “بات ملفاً سياسياً بامتياز”.
ولفت إلى أن روسيا تحرص على أن تكون فترة التمديد قصيرة حتى تضمن استمرار التفاوض، ووضع شروط جديدة، وإجبار المجتمع الدولي على التعامل مع النظام على أنه شريك في حلّ الأزمة وليس طرفاً مسبباً لها.
أهمية المساعدات الإنسانية في الشمال السوري
إنسانياً، وصف الباحث الاجتماعي في مركز “جسور” للدراسات بسام أبو عدنان، في حديث لـ”العربي الجديد”، الدور الذي تؤديه المساعدات الدولية في حياة نحو 6 ملايين سوري، نصفهم من النازحين، بـ”الإسعافي”.
ولفت إلى غياب خطط دولية لتحقيق تنمية مستدامة في شمال سورية، معتبراً أن عدم تجديد الآلية يهدد الأمن الغذائي للشمال السوري، حيث الضغط السكاني الكبير والموارد القليلة.
في غضون ذلك، بيّن إحصاء أعلنه فريق “منسقو استجابة سورية”، الذي يرصد الأحوال الإنسانية والمعيشية في شمال سورية، أخيراً، أن عدد السكان في مناطق سيطرة المعارضة السورية، شمال غربي سورية، بلغ ضمن ثلاث مناطق (محافظة إدلب وريفها، ودرع الفرات، وغصن الزيتون) ما يقارب 6 ملايين نسمة. وأشار إلى أن النازحين في المخيمات وخارجها يشكلون نسبة 49,32 بالمائة من العدد الكلي للسكان.
ولم يشمل الإحصاء منطقة “نبع السلام” في شرق نهر الفرات، والتي يعيش فيها عشرات الآلاف من السكان. وأكّد الفريق أن مئات الآلاف وصلوا إلى نقطة “الانهيار”، خصوصاً بعد الزلزال المدمر الذي ضرب الشمال السوري فجر السادس من فبراير/ شباط الماضي.