• الأحد , 24 نوفمبر 2024

تحقيق لأورينت يكشف الجانب الخفي لـ”صفقة” مشروع “التعافي المبكر” بين واشنطن وموسكو

اورينت

لم تكن تفصل إحدى شركات النفط الروسية المقرّبة من نظامي بوتين وأسد سوى خطوة واحدة فقط من العودة لاستثمار حقلي نفط في منطقة سيطرة “الإدارة الذاتية” شمال شرق سوريا، وبتمهيد من الولايات المتحدة، لكن اندلاع الحرب في أوكرانيا أوقف هذا المشروع وأبقاه معلّقاً.

هذا ما كشفت عنه لـ”أورينت نت” مصادر في المعارضة السورية موجودة بالولايات المتحدة، بناء على معلومات سابقة كان قد نشرها أحد المواقع المتخصصة بالطاقة، وأكدتها لاحقاً بشكل غير مباشر مصادر أخرى.

التعافي المبكر”.. صفقة

وحسب المعلومات التي حصلت عليه “أورينت” فإن إقرار الإدارة الأمريكية مبالغ مالية ضخمة مخصصة لما بات يُعرَف بمشاريع “التعافي المبكر” والتي خصصتها للتنمية والاستثمار في شمال وشمال شرق سوريا، في شباط/فبراير ٢٠٢٢، كانت تمثّل الإطار العام لهذه الصفقة.

المصادر قالت “إن الخطة الأمريكية جرى وضع التصوّر الأولي حولها خلال المفاوضات التي مهّدت للاتفاق الذي توصلت إليه إدارة الرئيس جو بايدن مع روسيا، في تموز/يوليو ٢٠٢١، والذي أدى إلى صدور قرار من مجلس الأمن بتمديد السماح بدخول المساعدات إلى الشمال من خلال معبر باب الهوى الخارج عن سيطرة النظام، مقابل مرور جزء آخر من هذه المساعدات عبر مناطق سيطرة النظام، وزيادة الكميات المخصصة لهذه المناطق من المساعدات الدولية”.

وتضيف: “بناء على هذه المفاوضات جاء قرار إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، عدم تمديد قرار الإعفاء من العقوبات بحق شركة النفط الأمريكية “دلتا كريسنت إنرجي” التي نشطت لوقت قصير في شمال شرق سوريا، بناء على قرار إدارة سلفه دونالد ترامب، في نيسان/أبريل ٢٠٢٠.

وكانت هذه الخطوة قد تسبّبت بغضب كبير لدى نظام أسد وحليفتيه إيران وروسيا، الذين وصفوا عمل الشركة الأمريكية بمثابة “سرقة للنفط السوري” لكن الطرف الذي كان أشد غضباً هو شركة “غلف ساندرز” التي تمتلك امتياز التنقيب والاستثمار في أهم حقول النفط التي كان يُفترض أن تعمل فيها الشركة الأمريكية، بناء على عقد مع حكومة أسد وقعته قبل الثورة.

معلومات أكدها تقرير نشرته صحيفة الشرق الأوسط في عددها الصادر بتاريخ ٢٠ آذار/مارس الجاري، حيث أشار التقرير إلى أن قرار ترامب بهذا الخصوص أغضب أيضاً بعض “الشركات الأجنبية التي لها حقوق سيادية في حقول النفط شمال شرق سوريا، ومن بينها شركة غولف ساندز التي وقعت عقداً مع الحكومة السورية عام 2003 لاستثمار وتطوير (بلوك 26) شرق نهر الفرات، حيث أعربت الشركة عن قلقها بشأن هذا النشاط غير القانوني”.

المصادر رأت أن قرار بايدن إنهاء التصريح الممنوح لشركة “كريست انريجي” كان قد أثار لغطاً منذ صدوره، حيث اعتبر البعض من خبراء الاستثمار في الطاقة محاباة لـ”غولف ساندز” الشركة الصغيرة والمشبوهة، التي يستحوذ رجل الأعمال الروسي مايكل كروبيف على الحصة الأكبر من أسهمها.

وتشير إلى أنه ومنذ ذلك الوقت بدأت هذه الشركة بترتيب أمور استئناف نشاطها في سوريا بموافقة أمريكية وتفضيل روسي-سوري، وأنها كانت تنتظر فقط أن يصدر القرار التالي من البيت الأبيض بإعفاء بعض الشركات والمشاريع التي تنفذ في سوريا من العقوبات.

عودة لعام ٢٠٢١

ومع تقاطع المعلومات التي حصلت عليها “أورينت” مع تلك التي وردت في تقرير صحيفة الشرق الأوسط، وإن كان بشكل غير مباشر، فقد وجد المحرر أن ما سبق أن نشره موقع “mees” المتخصص في شؤون الاستثمار في النفط والطاقة، في حزيران/يونيو ٢٠٢١ عن الاستعدادات التي بدأتها “غولف ساندز” من أجل هذه العودة إلى سوريا، تبدو مهمة جداً من أجل تفسير العديد من الإجراءات التي اتخذت.

الموقع المعروف على نطاق واسع في الأوساط الاقتصادية المتخصصة بالطاقة كان تساءل في ذلك التقرير: “كيف يمكن أن يتفاءل مالكو شركة غولف ساندز بدنوّ هذه اللحظة في ظل العقوبات المشددة المفروضة على النظام وسوريا؟”.

إلا أن هذا التقرير لم يكن الوحيد الذي تداول معلومات بهذا الخصوص، الأمر الذي كان شكّل أبرز دوافع التشكيك والتخوف من وجود توجهات مبكرة لدى إدارة بايدن بعدم تطبيق العقوبات المفروضة على النظام، أو التساهل فيها، ومنح اعفاءات خاصة، حيث أصدر العديد من أعضاء الكونغرس بيانات ووجّهوا استجوابات ورسائل للمسؤولين في الإدارة يحتجّون فيها على هذا التوجه.

آخر الاحتجاجات بدون رد

آخر هذه المواقف الغاضبة تمثلت برسالة وقّع عليها ثلاثة من أعضاء لجنة الدراسات الجمهورية في الكونغرس الأمريكي، في الحادي عشر من آذار/مارس الحالي، ومنحت مهلة حتى الثامن عشر منه لوزير الخارجية أنتوني بلينكن من أجل الرد عليها، لكن النائب جو ويلسن، أحد الموقعين على هذه الرسالة، أكد قبل ثلاثة أيام عدم تلقيهم أي إجابة، معرباً عن أسفه الشديد بهذا الخصوص.

وكانت الرسالة قد تضمّنت تشكيكاً بالنوايا التي تقف وراء إقرار إدارة بايدن إعفاءات في شباط/فبراير الماضي لمناطق سيطرة “قسد” وجزء من مناطق سيطرة الجيش الوطني من العقوبات، حيث أبدى الموقّعون عليها مخاوفهم من أنها ربما تؤدي إلى خدمة نظام أسد وشركات روسية وإيرانية، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، بينما يتم الترويج لها تحت شعارات إنسانية وتنموية، ضمن ما بات يُعرَف بخطة “التعافي المبكر” للمناطق الخارجة عن سيطرة النظام.

شكوك ومخاوف مُحقّة

ويبدو أن هذه المخاوف كانت مُحقّة، على الرغم من احتفاء طيف واسع من المعارضة السورية بالقرار الذي اعتبره الكثيرون مُنقِذاً للمناطق التي يستهدفها، وسيؤدي إلى انتشالها من واقع الفقر والبؤس الذي تعيشه، حيث كشف تقرير “الشرق الأوسط” عن أن خطة التعافي المبكر “تتضمن هيكلاً رسمياً لمقدمي الخدمات المختارين والمدققين بشكل خاص، مثل عودة شركات النفط الأجنبية، وتجار النفط المفضلين، والممولين الضامنين، مقابل الإعفاء من العقوبات، والشفافية الكاملة والمساءلة عن التنقيب عن النفط والغاز وتطويرهما وإنتاجهما وتسويقهما وبيعهما من خلال القنوات الدولية القائمة”

.مصير الصفقة

وبناء عليه، ترى المصادر أن هذه الاعفاءات التي صدرت قبل أقل من أسبوعين على قرار روسيا غزو أوكرانيا، كانت في الغالب ضمن صفقة واسعة كانت تعمل عليها الإدارة الأمريكية مع روسيا، وأنها جزء من خطوات أخرى تعهدت بها هذه الإدارة وتم البدء بها رسمياً، وتشمل إعفاء مرور الغاز المصري والكهرباء الأردنية إلى لبنان عبر سوريا، بالإضافة إلى التغاضي عن، أو حتى تشجيع الدول الإقليمية على التطبيع مع نظام أسد وتقديم المساعدات له.

وحول مصير هذه الإعفاءات التي تم التوقيع عليها بالفعل في الثامن من الشهر الماضي، تقول المصادر إن واشنطن توقفت عن الحديث حولها بشكل كامل منذ بدء الهجوم الذي تشنّه القوات الروسية ضد أوكرانيا، الأمر الذي يتوقع أن يؤثر بالفعل على تنفيذها عملياً،

كإجراء عقابي ضد موسكو، وخاصة أن قطاع النفط في سوريا بات تحت سيطرة روسية كاملة، من خلال عقود وامتيازات جرى توقيعها بشكل مطرد بين نظام أسد وموسكو خلال السنوات الأخيرة الماضية، وإحدى هذه الشركات بالطبع هي “غولف ساندرز”.

ما هي غولف ساندرز؟

لا تتوفر الكثير من المعلومات عن الشركة من مصادرها الرسمية، ولهذا على ما يبدو فإنها توصف بـ”المشبوهة”، لكن “أورينت” تمكنت من جمع معلومات عنها من مصادر مختلفة، كشفت عن أن الشركة تأسست في لندن عام ٢٠٠٣، من قبل عدد من الشركاء السوريين والروس، حيث كان على رأسهم رامي مخلوف، ابن خال بشار أسد، الذي باع حصته من الشركة إلى رجل الأعمال السوري المقرّب من النظام أيمن الأصفري بعد مغادرة الشركة سوريا عقب اندلاع الثورة، ما عرضها لخسائر كان من الطبيعي أن تواجهها، وخاصة أن استثماراتها في سوريا كانت النشاط الوحيد لها حتى ذلك الوقت، قبل أن تحاول إيجاد مجالات عمل جديدة لها في أمريكا اللاتينية.

وحتى عام ٢٠١١ كانت الشركة تستحوذ على 50% من انتاج النفط في حقلي اليوسفية والصينية الذين يضمّهما البلوك ٢٦ بالحسكة، والذي بدأ إنتاجه عام ٢٠٠٨ من خلال “غولف ساندرز” التي بلغ إنتاجها من هذين الحقلين في آب ٢٠١٠ نحو ٢٤ ألف برميل يومياً، وكان مقرراً أن تصل الكمية إلى ٣٣ ألف برميل في اليوم مع حلول عام ٢٠١٢.

وحسب موقع mees فإن حماس الشركة واستعدادها للعودة إلى هذين الحقلين الذي بدأ منتصف العام ٢٠٢١ كان مضاعفاً.

مع الكشف عن سلامة المعدات التي خلفتها هناك، وأنها بقيت كما هي دون أن تتعرض للتخريب (على الرغم من تعاقب السيطرة عليهما من قبل تنظيم داعش وقسد والعمليات العسكرية التي دمرت مدناً كاملة في المنطقة والتي نفذتها قوات التحالف وقوات النظام المدعومة من روسيا وإيران !). الموقع أكد أن الدراسات التي أجريت خلصت إلى أن هذا البلوك يمكن أن يصل إنتاجه إلى ١٠٠ ألف باليوم خلال عامين، معتبراً أن العودة التي كانت تعتبر خيالية بالنسبة لغولف ساندز قبل حزيران/يونيو ٢٠٢١ بسبب التزام الشركة بتنفيذ العقوبات البريطانية والعالمية، بدت وشيكة بسبب روابطها مع النظام ووجود مكتب لها بدمشق لم يتم إغلاقه. ويكشف الموقع أنه في أيار/مايو ٢٠٢١ استحوذ رجل الأعمال الروسي المقرب من بوتين، مايكل كروبيف، على حصة الأصفري في هذه الشركة والتي تبلغ ٢٠ بالمئة من الأسهم كانت بالأصل حصة رامي مخلوف فيها.

إشارة ربما تُعدّ دليلاً على أن المفاوضات بين الجانبين الروسي والأمريكي من أجل هذا النوع من الإعفاءات والمشاريع كانت قد بدأت قبل الإعلان الرسمي عن المفاوضات بخصوص التوصل لاتفاق السماح بدخول المساعدات عبر بوابة باب الهوى، الذي تم التوصل إليه بعد ذلك بشهرين، لكن المعلومة الأكثر إثارة للانتباه والتي كان قد تطرق إليها موقع mees تتمثل في الكشف عن أن مالكي الشركة قاموا بإزالتها من بورصة لندن عام ٢٠١٨ كتمهيد للعمل في سوريا على ما يبدو. بينما تروّج الإدارة الأمريكية لمشروع “التعافي المبكر” أنها خطة إنسانية تهدف إلى التخفيف من معاناة السوريين وتحسين أوضاعم وتنمية مناطقهم، تتضامن المعلومات الجديدة والقديمة لتكشف عن أهداف سياسية واقتصادية تقف خلف هذا المشروع، لكنها بالمجمل تخدم رجال الأعمال التابعين لنظام أسد وحليفتيه روسيا وإيران، الأمر الذي يعزز من قيمة التشكيك والتحفظات الواسعة التي عبر عنها نواب في الكونغرس الأمريكي طيلة ١٥ شهراً، كرروا خلالها التأكيد أن إدارة الرئيس جو بايدن تعمل على إضعاف تطبيق العقوبات المفروضة على النظام، وتعمل على إعادة تأهيله بل وتقديم رشاوٍ له مقابل ذلك.

مقالات ذات صلة

USA