• السبت , 23 نوفمبر 2024

جماعات الضغط ودورها في رسم السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط (2)

سلسبيل سعيد مركز الفكر الاستراتيجي للدراسات:4/11/2022

ثانياً: جماعات الضغط الداخلية وطبيعة حضورها في المشهد الأمريكيجماعات الضغط لا توجد بشكل فعال إلا في بيئة مجتمعية مواتية تتصف بالحرية، والتنوع، والاستجابة التلقائية، والاستقلال، حيث تمثلُ تلك المقومات شروطاً ضرورية لقيام تلك الجماعات. إذ تحتاج جماعات الضغط إلى الحرية التي تسهل لها الدعاية والإعلان وطرح رأيها بسهولة على المجتمع، بالإضافة إلى التنوع الذي يمثل الركيزة الأساسية لجماعات الضغط المختلفة، والاستجابة التلقائية لحاجات المجتمع ومشاكله، وأخيراً التمتع بالاستقلالية بعضها عن بعض في نشأتها وتطورها، واستقلالها عن الدولة أيضاً[25].

وهذا ما توافر في المجتمع الأمريكي، فضلاً عن انسجام أساليب الإدارة القائمة في الولايات المتحدة مع ما يمارسه لوبي الضغط. وصحيح أن شروط الوجود الفعال لجماعات الضغط تتوافر معظمها لدى المجتمعات الغربية، إلا أنه من الملاحظ عدم وجود فعالية قوية لجماعات الضغط في أوروبا، ولعل ذلك يعود إلى شكل المجتمعات الأوروبية الهرمية، فالمجموعات المهاجرة، التي تعد جزءاً من تشكيلة المجتمع الأوروبي، تظل في مستوى أقل عن تلك المجموعات التي تميل جذورها الأولى للقارة الأوروبية.

وجود جماعات الضغط وتأثيرها القوي في التشريع الأمريكي يعد من الأهمية بمكان، فقواعد اللوبي وآليات الضغط مستقرة داخل أروقة السياسة الأمريكية، وعقلية الفرد الأمريكي متقبلة لفكرة اللوبي، ومستوعبة لأسلوبه في التأثير والضغط على إدارة الحياة الأمريكية، وهذا ما يُشاهد من حجم قواعد جماعات الضغط المنتشرة في الولايات المتحدة، والأعداد الضخمة المنتمية لتلك الجماعات، والتي تنافس ربما القواعد الشعبية للحزبين الرئيسين في الولايات المتحدة الأمريكية (الجمهوري والديمقراطي). ومن أهم جماعات الضغط المؤثرة داخلياً:

1. الرابطة الأمريكية للمتقاعدين (AARP)تقف الرابطة الأمريكية للمتقاعدين على رأس هرم تلك الجماعات. وقد أُسست في العام 1958، وتمارس نشاطها على نطاق واسع كمنظمة وطنية رائدة لمن تبلغ أعمارهم 50 عاماً أو أكبر. تحصد الرابطة مليار دولار تقريباً من الإيرادات سنوياً، ويبلغ عدد أعضائها قرابة 36.3 مليون عضو[26].

تمارس الرابطة نفوذها وتأثيرها في القرار التشريعي الفيدرالي والمحلي في مختلف القضايا، وبما ينسجم مع أطروحاتهم، كقضايا الحروب الخارجية، وبيع الأسلحة للخارج، وإصلاح الضمان الاجتماعي، والسلاح، والأدوية، وما إلى ذلك

.2. شركات السلاح الأمريكية

تعد شركات السلاح الأمريكية إحدى أهم جماعات الضغط في الولايات المتحدة، ويعدهم بعض المراقبين صانعي القرار الحقيقيين، فهم القوى الخفية التي تدير وتنتج برامج ومخططات الحرب للحزب الحاكم في أمريكا ما بعد الحرب الباردة[27]، إذ لم تتوقف مصانع السلاح في الولايات المتحدة منذ تسعينيات القرن الماضي، وهو ما جعل شبكة مصالح تجار السلاح تتطور وتمارس كل ما تملكه من وسائل الضغط والتأثير.

من أبرز جماعات الضغط المرتبطة بالسلاح: الاتحاد القومي الأمريكي للأسلحة (National Rifle Association)، الذي يمارس نشاطه على نطاق واسع في الولايات المتحدة الأمريكية، ويضم نحو مليون عضو موزعين على 12 ألف ناد منتشرة في جميع الولايات، فضلاً عن تمثيلها من عشرات أعضاء الكونجرس في كل جولة انتخابية يدافعون عن مصالح الاتحاد[28].

كذلك ينشط الاتحاد بقوة في حملات التبرعات لمرشحي الانتخابات الرئاسية والتشريعية، وذلك ضمن آليات حماية مصالح تُجار السلاح في الولايات المتحدة. ولا تقتصر أنشطة وحملات دعم الاتحاد على حزب بعينه، إذ يوجه دعمه للمرشحين من كلا الحزبين الديمقراطي والجمهوري، بهدف ضمان منع إصدار أي مشروعات قوانين تحد أو تمنع تصنيع وتسويق وحمل كل أنواع الأسلحة[29].

وهناك أيضاً لوبي الصناعات العسكرية، الذي تتصدره شركات مثل لوكهيد مارتن وبوينغ، ويعمل على تشجيع مبيعات الأسلحة والمعدات العسكرية خارجياً بشكل أساسي[30].

3. شركات الطاقة والتعدين

تبرز جماعات ضغط أخرى في الولايات الأمريكية كتلك الخاصة بشركات صناعات التعدين، التي لها دور كبير في التأثير والنفوذ على القوانين الخاصة بصناعات الفحم الحجري وخفض انبعاثات الكربون، بالإضافة إلى تعديل قوانين العمل الجماعية في القطاع. وهناك أيضاً لوبي الشركات النفطية الذي يتولى الدفاع عن شركات النفط الكبرى التي تملك أصولاً عالمية[31].

وهكذا نجد أن سيطرة جماعات الضغط على القطاعات المركزية داخل الولايات المتحدة، فضلاً عن القطاعات الأخرى، منحها شرعية راسخة مارست من خلالها التأثير في السابق، والاستمرار في المضي قدماً؛ من خلال استغلال قنواتها ووسائلها لتحقيق أهدافها المؤمنة بها.

والأمر لم يتوقف عند هذا الحد، فتأثير اللوبي يصل إلى قطاعات السياسة والاقتصاد والأمن العالمي، التي تتفاعل فيما بينها في ظل عولمة النظام الدولي الذي تعد الولايات المتحدة على رأسه في عملية التفاعل والتأثير.

كما تتسم طبيعة عمل اللوبيات وجماعات الضغط في الولايات المتحدة بالتعقد والتشعب الشديدين، فطبيعة النظامين الاقتصادي والسياسي في الولايات المتحدة تتسم بتعدد مستوياتها ونقاط تقاطعها، فهناك المستوى المحلي والمستوى الفيدرالي، وفي كل مستوى يحدث التأثير الرسمي وشبه الرسمي وغير الرسمي[32].

يعتمد الشكل الرسمي على الضغط المباشر لمجموعة من الأفراد والجماعات من ذوي المصالح المشتركة على المشرعين الأمريكيين، سواء من حيث تمويل الحملات الانتخابية أو التكتلات التصويتية وغيرها. أما التأثير شبه الرسمي فيعد قريباً من التأثير الرسمي، ولكنه بمستوى أقل، كاللعب على الانتماء الحزبي لأفراد المصالح، وما إلى ذلك.أخيراً، يعتمد الشكل غير الرسمي بالأساس على العلاقات الشخصية، ومن ثم يؤثر أصحاب النفوذ ورؤوس الأموال في التشريعات الداخلية للولايات المتحدة الأمريكية[33].ينتسب 65% من الشعب الأمريكي رسمياً إلى إحدى جماعات الضغط الموجودة على الساحة، إذ إن لهذه الجماعات دوراً في التعبير عن الرأي العام الأمريكي وتمثيلها لأهم قضاياه، بل وتؤثر بطريقة ما في مشاريع القوانين العامة في البلاد.

حيث تساهم جماعات الضغط بعون تنظيمي في تقديم مقترحات القوانين أو مراجعة التشريعات القائمة لتنقيحها، وهو ما يعد مهمة أساسية لجماعات الضغط التي تستثمر كثيراً في طرح كل ما يلزم للحصول على التشريع المراد إقراره[34].

ولهذا فإنه من الطبيعي أن تنشر دورياً مئات بل آلاف الوظائف المتعلقة بجماعات الضغط تحت تسميات مختلفة، أبرزها وظيفة المنسق التشريعي (Legislative Coordinator)، ومدير العلاقات الحكومية (Government Relation Director)، ويشترط أحياناً للحصول على الوظيفة خبرة لا تقل عن 3 سنوات في إحدى لجان مجلسي الشيوخ أو النواب أو العمل في مكاتب أحد أعضاء الكونجرس، ويبدأ متوسط راتب هذه الوظيفة من 60 ألف دولار ويصل إلى 90 ألفاً سنوياً[35].

يبلغ عدد ممارسي الضغط المُسجَّلين (الذين سجلوا عن أنشطتهم وعن عملهم بمجال الضغط السياسي لدى الجهات الرسمية) في عام 2019 حوالي 11 ألفاً و885 شخصاً[36]، وينشط آلاف الأعضاء من جماعات الضغط المختلفة داخل الكونجرس بعد أن كانت أعدادهم لا تتجاوز ١٠٠ عضو في عام 1970[37]. “

وتشير بيانات مركز السياسات المستجيبة (The Center for Responsive Politics) -وهو مركز بحثي متخصص في شؤون اللوبيات والشفافية- إلى إنفاق 3.5 مليار دولار خلال عام 2020 على أنشطة اللوبيات والضغط والتأثير على الحكومة الأمريكية من مختلف القطاعات والصناعات والجمعيات الأمريكية، إضافة إلى لوبيات الدول الأجنبية”[38].

تُظهر هذه الأرقام حجم التأثير الذي تمارسه جماعات الضغط، والذي أصبح أمراً لا بد منه في الحياة السياسية الأمريكية، فليس ثمة قرار أو تشريع يمر دون ممارسة اللوبي لنفوذه وتأثيره، وهو ما يثير التساؤل حول مدى الشرعية القانونية التي يتمتع بها القرار بعد صدوره نتيجة تأثير لوبي ما، وهل يجعل ذلك الولايات المتحدة منسجمة مع ما تدعيه من قيم الديمقراطية والشفافية والالتزام الأقصى بتنفيذ آليات الحكم الرشيد؟

ثالثاً: جماعات الضغط الأمريكية.. وسائل التأثير وأدوات الاستقطاب

هناك عدد من وسائل الضغط الرئيسة لجماعات الضغط الأمريكية، ويعد المال الركيزة الأولى التي تستند إليها جماعات الضغط في سبيل تحقيق أهدافها، وهناك أمثلة كثيرة على استخدام الأموال للتأثير في القرار التشريعي في الولايات المتحدة، مثل ما قامت به الجمعية الطبية الأمريكية عام 1965 من إنفاق أكثر من مليون دولار خلال ثلاثة أشهر في حملتها ضد التشريع الذي اقترحه الرئيس جونسون المتعلق بالعلاج في الولايات المتحدة الأمريكية[39].

وسيلة أخرى تستخدمها جماعات الضغط الأمريكية تتعلق بالتأثير في الإعلام بمختلف أنواعه؛ من قنوات تلفزيونية وصحف يومية ومجلات شهرية، فضلاً عن وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة.

وتهدف جماعات الضغط من خلال التأثير في الرأي العام من خلال وسائل الإعلام إلى جعل عملية صنع القرار تصب في مصلحة قضايا تلك الجماعات؛ إذ إنه من المعروف أن للرأي العام دوراً فعالاً في عملية صنع القرار، سواء الداخلي أو الخارجي، والحصول على تأييد الرأي العام يجلب استقراراً سياسياً للإدارة الحاكمة، ويساهم في اتخاذ قرارات مصيرية خارجية كما حصل مع القرارات الأمريكية بشأن أفغانستان والعراق وإيران وغيرها، من خلال الدعاية الإعلامية والمغالاة في تضخيم العدو “الخصم المستهدف”، وتقبل الرأي العام لما أقدمت عليه الولايات المتحدة من إجراءات[40].

كذلك تستخدم جماعات الضغط للوصول إلى غايتها التأثير في قرارات المحاكم الأمريكية، بحيث تعمل المجموعات على إقناع القضاة بعدالة القضية التي يدافعون عنها؛ ويكون ذلك بتقديم المعلومات في صورة مذكرات قانونية أو عن طريق استخدام ما يسمى بأصدقاء المحكمة (friends of the court)[41]،

وربما يسبق تأثير جماعات الضغط على التشريع الأمريكي بالتأثير المسبق على اختيار القضاة وبذل كل ما يلزم لضمان أصوات مشرعين تقف إلى جانب مصالحهم.ومن الوسائل الجماهيرية التي تقوم جماعات الضغط من خلالها بالتأثير في مكونات المجتمع تكليف الأعضاء بإلقاء الخطب الداعمة للقضايا التي تناصرها في مختلف المدن الأمريكية، فضلاً عن إلقاء المحاضرات ونشر الكتب والمطبوعات، والمشاركة في المناقشات السياسية. كما تشجع أعضاءها على الكتابة في الصحف والنشرات الدورية، والتفاعل مع المواضيع التي تطرح في الإذاعة والتلفاز، وطرح وجهات نظرهم حتى تصل إلى جمهور أوسع[42].

وفي حال قرب موعد إقرار مشروع يدعم أو يهدد مصالح جماعة الضغط، فإنها تلجأ إلى حشد الرأي العام للوقوف إلى جانب قضيتها؛ وذلك من خلال المظاهرات الكبيرة في الساحات العامة، وحشد الآلاف من المجتمع لمقابلة ممثليهم في الكونجرس وحثهم على إرسال الرسائل الداعمة لهم، بالإضافة إلى إرسال الرسائل إلى المسؤولين الحكوميين تأييداً أو رفضاً للقرارات المزمع إصدارها[43].

وكما ذُكر سابقاً، لا تسعى جماعات الضغط للوصول إلى الحكم مثلها مثل الأحزاب السياسية، وإنما يقتصر مرادها على التأثير بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في أصحاب السلطة؛ لدفعهم للاستجابة لمطالب معينة، سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية[44]، وتتمثل الوسائل المباشرة في الاتصال بأصحاب القرار في الدولة، وبذل كل ما يمكن لإقناعهم بإصدار القرارات التي تخدم المصالح الخاصة بجماعات الضغط، في حين تشتمل الوسائل غير المباشرة على تعبئة الرأي العام لدفع أصحاب القرار إلى اتخاذ قرارات معينة تصب في مصلحة اللوبي.

المحور الثالث: آليات وأدوات جماعات الضغط وتأثيرها في بناء سياسات الولايات المتحدة تجاه المنطقة العربيةتحتل المنطقة العربية أهمية استراتيجية في السياسة الأمريكية؛ نظراً لموارد النفط والموقع الهام، بالإضافة إلى وجود الكيان الإسرائيلي الحليف الرئيس للولايات المتحدة في تلك المنطقة.

وهذا ما جعل دول المنطقة تسعى للحصول على دعم أمريكي في القضايا التي تلامس مصالحها؛ كصفقات الأسلحة والنفط والقيود التجارية والحرب على الإرهاب وغيرها من القضايا.

وفي هذا الصدد تعتمد دول المنطقة العربية على النخبة من أعضاء الكونجرس السابقين، والدبلوماسيين السابقين ووسطاء السلطة العاملين في شركات العلاقات العامة الضاغطة بهدف التأثير في القرار التشريعي الأمريكي.

ويعد الكيان الإسرائيلي أهم لوبي ضاغط على القرار الأمريكي، لا على مستوى الشرق الأوسط فحسب، بل على المستوى الدولي أيضاً؛ إذ بدأ بممارسة نفوذه في الضغط والتأثير منذ ما يزيد على مئة عام، يليه بذلك التأثير لوبي دول الخليج بمباشرة نشاطهما في فترات متقاربة في فترة الثمانينيات والتسعينيات، ويتبعه بعد ذلك تأثير اللوبي الإيراني والتركي، اللذين بدأ نشاطهما في تسعينيات القرن الماضي.يحاول هذا المحور التعرف على أهم وسائل هذه الجماعات، ومدى نجاعة تأثيرها في القرار الأمريكي، والمسائل التي أخفقت فيها، وأسباب هذا الإخفاق.

أولاً: آليات وأدوات جماعات ضغط الكيان الإسرائيلي

يعد لوبي الكيان الإسرائيلي من أكثر جماعات الضغط الأجنبية تنظيماً على المستوى السياسي والإعلامي والمالي داخل الولايات المتحدة الأمريكية، ويتألف معظم اللوبي من يهود أمريكيين ملتزمين بالدفاع عن الكيان الإسرائيلي، والضغط من أجل تبني الولايات المتحدة سياسة تحمي مصالحه من حيث الوجود والأمن.

ولا يقتصر تأثير اللوبي على السياسة الخارجية الأمريكية، ولكنه يمتد ليتفاعل مع شريحة واسعة من القضايا الأمريكية الداخلية.

وتعود نشأة اللوبي إلى هجرة اليهود من القارة الأوروبية إلى الولايات المتحدة على شكل دفعات متفاوتة، والبدء بتنظيم أنفسهم داخل المجتمع الأمريكي في مجالات السلطة والتأثير. وبعد إنشاء دولة الكيان الإسرائيلي في فلسطين عام 1948، قرر عدد من اليهود الأمريكان الانتقال إليها، لتبدأ مرحلة جديدة في ارتباط اليهود الموجودين في الولايات المتحدة بالوطن الجديد المعلن لهم، حيث أصبح الالتزام بالكيان الجديد عاملاً أساسياً لهوية اليهود الأمريكيين، الذين أصبحوا يوجهون جزءاً كبيراً من أنشطتهم الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لمنفعة الكيان الإسرائيلي[45].

يمارس لوبي الكيان الإسرائيلي مهامه داخل الولايات المتحدة على نمطين: رسمي، وغير رسمي. إذ تحاول أجهزة اللوبي الرسمية بصفاتها التنظيمية المحددة قانوناً التأثير في الكونجرس وتوجيه قراراته لمصلحة الكيان الإسرائيلي.

وحينما لا ينجع النهج الرسمي يتجه لوبي الكيان الإسرائيلي إلى الوضع غير الرسمي؛ من خلال تشجيع أعضائه ومؤيديه على المشاركة في الضغط العام لخدمة قضايا اللوبي، أو التأثير في نتائج الانتخابات بما يساهم في الضغط على البرلمان الأمريكي لخدمة قضاياه[46].

لوبي الكيان الإسرائيلي مثله مثل أي حركة اجتماعية أو سياسية، حدودها الشاملة لا تكون واضحة تمام الوضوح، لذلك لا يمكن تحديد لوبي الكيان بدقة، حيث يظل دوماً أشخاصاً ومنظمات خارج الحدود العامة للوبي[47]،

في حين يسهل تصنيف منظمات عديدة أخرى في هذا الكيان كأمثال منظمة إيباك، والمؤتمر الأمريكي اليهودي، والمنظمة الصهيونية في أمريكا، واللجنة الأمريكية اليهودية، والرابطة المناهضة للتشهير، والمنتدى السياسي الإسرائيلي، وأصدقاء الليكود الأمريكيين، ومركز العمل الديني للإصلاح اليهودي، والأمريكيين من أجل إسرائيل آمنة، والمؤسسة اليهودية لشؤون الأمن القومي، ومنتدى الشرق الأوسط، ومعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى[48].

ويمكن اختصار الجانب الرسمي للوبي الكيان الإسرائيلي في ثلاث مجموعات ضغط رئيسة، وهي: اللجنة الإسرائيلية الأمريكية للشؤون العامة (AIPAC)، التي تمارس ضغوطاً مباشرة على الكونجرس الأمريكي، ومؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الأمريكية الكبرى، التي تعد جهة الاتصال الرئيسة بين الجالية اليهودية والسلطة التنفيذية للحكومة الأمريكية، وأخيراً اتحاد المسيحيين من أجل إسرائيل، اللوبي الأمريكي “الأكبر” الموالي للكيان الإسرائيلي[49].

ومن هذه الكيانات الثلاثة يتفرع لوبي الكيان الإسرائيلي إلى منظمات فرعية أخرى في عموم الولايات المتحدة، وبهذا تصبح تشكيلة اللوبي مشابهة للهيكل الهرمي؛ تتلقى فيه منظمات اللوبي الموجودة في عموم الولايات الصياغة العامة بشأن الموقف اليهودي الموحد في أي شأن من شؤون السياسة الخارجية الأمريكية من جهات التنسيق الأولى، وعلى رأسها مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الأمريكية.

ولا يُكتفى بتوحيد موقف اليهود الأمريكيين، بل تتوجه جهود اللوبي إلى اصطفاف شرائح واسعة من المجتمع الأمريكي إلى جانب قضايا الكيان الإسرائيلي، وذلك بالتنسيق مع اتحاد المسيحيين من أجل إسرائيل وغيرها من المنظمات التي تنشط في تعزيز قضايا اليهود الأمريكيين لدى الشارع الأمريكي بشقيه الجمهوري والديمقراطي.

وقد تمكن لوبي الكيان الإسرائيلي من إقناع المشرع الأمريكي خلال الحرب الباردة بأنه خير حليف له في الدفاع عن مصالحه الاستراتيجية في الشرق الأوسط ضد النفوذ السوفييتي، وهو ما أتبعه زيادة الاعتماد الأمريكي على الأطروحة السياسية التي يسوقها اللوبي بين أروقة الإدارة الأمريكية، ولا سيما بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، حيث نشط لوبي الكيان الإسرائيلي نشاطاً كبيراً على حساب اللوبي العربي في تسيير الرأي العام وصناع السياسة بما يتوافق مع مصالحه.

ومنذ ممارسته التأثير والضغط، ضمن لوبي الكيان الإسرائيلي صوته داخل الكونجرس ولدى كلا الحزبين الديمقراطي والجمهوري، وحصل على التزام واضح بالكيان الإسرائيلي وأمنه، وهو موقف يشدد عليه جزء كبير من مسؤولي الدولة والتشريع الأمريكي دون تردد، إذ يشكل دعم الكيان الإسرائيلي عقيدة أساسية للسياسة الخارجية الأمريكية، وذلك انطلاقاً من القيم الديمقراطية المشتركة، حسب ما يصفونه[50].

مقالات ذات صلة

USA