بسام يوسف
تحية وبعد:
في شهر آذار من عام 2014م، أجرت جريدة “كلنا سوريون” حديثاً معكم، كان ذلك بعد انتهاء الجولة الثانية من المفاوضات، التي كانت تعقد في جنيف بين النظام السوري والائتلاف الوطني المعارض، وكنت حينها تحمل صفة كبير مفاوضي المعارضة، وكنت يومها تفاوض باسم الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية.سأنقل لك حرفيا بعضا من إجاباتك في ذلك الحديث الطويل.عن مبررات موافقة الائتلاف الوطني للمعارضة على التفاوض مع النظام:اتخذنا قرار المشاركة كائتلاف وبشكل فاعل وإيجابي، لكي نتمكن من وضع النظام أمام استحقاقات جنيف 2، وعدم التهرب من طرح القضايا الأساسية، والتي تتمثل بحصر التفاوض بسبل تطبيق بيان جنيف 30-6-2012م كاملاً، وبدء التفاوض على عملية الانتقال السياسي، وتشكيل هيئة حاكمة انتقالية كاملة السلطات التنفيذية، بما فيها على الأمن والجيش، والشرطة وأجهزة المخابرات.
– أعاب عليكم المواطن السوري عدم تلويحكم بالانسحاب من الجلسات، وليس من المفاوضات، أثناء قصف المدن الآهلة بالسكان ببراميل الموت، خاصة وأن النظام كثّف من عمليات القصف خلال أيام المؤتمر؟ كيف تبررون ذلك؟في بعض الأحيان يكون صاحب القرار في وضع لا يُحسد عليه، ولا ألوم إخوتنا وأهلنا في عتبهم هذا، ولكن كان هذا تماماً ما يتأمل به النظام، أن ننسحب نحن من المفاوضات، ونسلمه حبل النجاة من مأزقه إن فعلنا نكون قد خنا الأمانة، ولم نتحمل المسؤولية، أو نصل للنتيجة المحددة.
وإن لم ننسحب من المفاوضات، وانسحبنا من جلسة، أو اثنتين نكون مساهمين في إطالة أمد المفاوضات وبالتالي استمرار النظام بإجرامه. كان علينا الوصول لنتيجة محددة إيجاباً أو سلباً، ووصلنا لها، وثبت للمجتمع الدولي أن هذا النظام لا يؤمن بأي حل سياسي).
ـ قلت في حوار سابق قبل بدء التفاوض: “إن حضرت الإرادة الدولية سينجح المؤتمر، وإن انعدمت سننزع ورقة التوت عن النظام، ونظهر عدم جديته في السعي نحو أي انتقال سلمي للسلطة”، هل برأيك وبعد جولتين من التفاوض، هل تحقق هذا الأمر.
نعم لقد تحقق ذلك، وفعلياً نزعنا ورقة التوت عن النظام، وأثبتنا بالدليل والبرهان القاطع، عدم جديته في السعي نحو أي انتقال سلمي للسلطة.
والأهم أننا وضعنا المجتمع الدولي كله أمام مسؤولياته، والتي مازال يتقاعس عن تحملها حتى يومنا هذا. انتهى ما أخذته من حديثك.
بعد ست سنوات من تفويضك من قبل المعارضة بالتفاوض حول هيئة الحكم الانتقالية، أي بعد ست سنوات من الألم والمعاناة والموت للسوريين، ها أنت تفاوض اليوم حول صياغات في دستور، أنت تدرك أكثر من كل السوريين أنها لا تُسمن، ولا تغني من جوع مع عصابة كعائلة الأسد، وأن الأمر كله مجرد وهم. منذ عدة أيام، قرأتُ لك تصريحاً بمناسبة انعقاد الجولة الخامسة من عمل اللجنة الدستورية، التي تترأسها بالشراكة مع مندوب عن “النظام”، أوضحت فيه الأهمية الفعلية للجولة بالقول:
إنّها تكمن في إظهار مواقف الأطراف كافة تجاه العملية الدستورية ككل، ومن يعيق أعمالها ويضع العثرات في طريقها، ليمنعها من ممارسة ولايتها، وإنجاز مهمتها، في أسرع وقت ممكن، وأوضحت أنه لا يمكن لأي عملية تفاوضية أن تنجح، دون وجود طرفين راغبين في التوصل إلى حل، يؤدّي للتنفيذ الكامل والصارم لقرار مجلس الأمن رقم 2254.
حسناً أيها الرئيس المُشترك، هل تسمح لي بأن أذكّرك أنه عندما أجريت حديثك معنا في جريدة “كلنا سوريون”، أي قبل ست سنوات كان نصف مدينة حلب ومعظم ريفها خارج عن سيطرة النظام، وكانت محافظة إدلب بكاملها ما عدا المدينة، وعدة مناطق من ريف دمشق، ودرعا بكاملها عدا بعض الأحياء من مدينة درعا، ودير الزور والرقة والقنيطرة و..و… وكانت القضية السورية تحظى باهتمام دولي جيد، وفي تلك الفترة خرجت إلى العلن الفضيحة الكبرى، والتي تكفي وحدها لتفجر ثورة في الرأي العام العالمي ضد النظام، وأن تقوده إلى محكمة الجنايات الدولية وأقصد صور قيصر، واسمح لي أيضاً، أن أذكّرك أنه بعد أشهر من حديثك ذاك، تم انتخابك رئيساً للائتلاف الوطني
.لن أسألك هنا أن تسمح لي بأن أذكّرك ما هو حالنا اليوم، فلم تعد هيئة الحكم الانتقالية تذكر في جلسات المفاوضات، وأصبحتم تستجدون النظام بأن يحترم الحد الأدنى من آداب التفاوض، وبدل من وفد معارضة واحد، أصبحتم منصات وهيئات وزعامات، تتقاتلون وتختصمون، وتشتكون بعضكم لمبعوث الأمم المتحدة، وتتقاسمون المناصب…. إلخ.
بينما يستعيد النظام سيطرته على مناطق واسعة من سوريا، ويُعيد ترتيب عودته إلى المجتمع الدولي، ويستعد لإجراء انتخاباته المهزلة.في بيانك الذي وزعته منذ أيام قلتَ: (شعبنا ينتظر نتائج لا وعود فارغة)، أسألك بكل هدوء، ماذا قدمت أنت وكل المتصدرين لما يسمى معارضة سورية للسوريين غير الوعود الفارغة؟ أصبحت الثورة السورية حرباً أهلية، وأصبح ملف المعتقلين ملف تبادل أسرى، وأصبحت قضية المعارضة الشاغلة، الاتفاق على كتابة سوريا بالألف أو بالتاء المربوطة، وهل نضيف “العربية” إلى اسم الجمهورية أم نحذفه!!
بعد قليل من الوقت، سيُدير النظام السوري ظهره لكل هذا التفاوض، وسنكتشف نحن السوريين، أنكم لم تفعلوا شيئاً، سوى منح هذا النظام الذي دمّر سوريا وشعبها، ما يحتاجه من الوقت والمهل، لترتيب أموره وأمور مرتزقته، بينما تغرق سوريا أكثر فأكثر في مأساتها الفاجعة.