عبد الرزاق دياب
موقع تلفزيون سوريا:17/5/2021
تعيد الحرب المتوحشة التي تدور في فلسطين المحتلة رسم مشهد غاب عقوداً، وربما أجيال عربية اليوم تكتشف أن اللدّ والبيرة ويافا والخليل وعكا مدن عربية وإن أطلقت عليها الفضائيات ومنها العربية اسم المدن المختلطة التي يعيش فيها العرب والصهاينة الذين يحكمونها بقوة الاحتلال.
توضحت خلال أيام قليلة صورة فلسطين التاريخية التي نهضت كما لو أنها خرجت من موتها المؤقت دفعة واحدة، وترى الفلسطيني بحكم جيناته المتوارثة يرمي بإبداع حجارة مقاومته كأنه منذ أن كان نطفة عاجزة بدأ تدريبه الشاق على الجري وراء محتليه وقذفهم بذراع ثابتة.
هي حرب غير متكافئة بالتأكيد، وكانت كذلك منذ سبعين عاماً من هذا الصراع الأخلاقي، ومنذ أن عاد العرب أدراجهم إلى بيوتهم المنفردة حيث كل قطر محكوم بكرسيه فقط، وصارت الدول الصغيرة تلهث وراء سلامها المحدود وصولاً إلى معاهدات التطبيع مع الكيان الصهيوني بقوة البقاء على قيد الحياة حيث الحصارات والعقوبات والجوع، وآخرون مغرمون بالصهيوني المسالم في تلك الحواضر التي نشأت بعد احتلال فلسطين على رقعة غير متناهية من الرمل الساخن.
في غزة يستعيد السوري ذكريات الحرب كما لو أن الصواريخ تنهال على رأسه للتوّ (وهي لم تتوقف)، وهاهي البيوت تصير ركاماً في الشيخ رضوان كما حصل في الخالدية بحمص، وها هي المساجد ترمى بقنابل الغاز، والمصلون بالرصاص المطاطي كما تساقطت القذائف على مسجد سيدي خالد ومصليه، وبينما يجبر أهالي الشيخ جراح في القدس على ترك بيوتهم تستعاد صورة المطرودين من بيوتهم في كل المناطق الثائرة في سوريا ليحتلها الغرباء القادمون بصيحات الثأر.
كما لو أنها كل الحكايات والصور مكررة، كما لو أنه مشهد يعاد تمثيله وإن اختلف القاتل والقتيل، ولكن الصدور العارية يصيبها الرصاص بالبنادق نفسها، والقبور حتى القبور يتم نبشها بوحشية، من يبحث عما بقي من لحم وشعر ضحيته لاعتقاده أنها ربما تنمو لتصير شجرة أو طفلا يبحث عن انتقامه..
لكنها ذروة الحقد الذي تمت تربيته على مهل.لتكتمل الصورة لا بد من معلّق عليها، وصوت محلل يرسم لمن لا يرى مشهداً يريد عقله أن يراه، ولذلك تسمع (إيلي نيسان) المحلل الصهيوني يقول على الهواء (الفلسطينيون يدخلون للصلاة في المسجد الأقصى ومعهم حجارة ومفرقعات)، ثم تأتي عبارات التعاطف الأوروبي والأميركي مع المدنيين الإسرائيليين الذين تطولهم صواريخ حماس الإرهابية مترافقة مع صور غزة التي تقصفها الطائرات عند الفجر.ثمة فجور مكرر، الشاشات القاتلة تشبه بعضها، والأصوات الكاذبة تصرخ بالعبارات الفاجرة نفسها، وهنا ألا تتذكرون معي بالضبط روايات مذيعة المطر، وصياح فيصل عبد الساتر وجوزيف أبو فاضل، ومربعات خالد العبود، وتأتأة بسام أبو عبد الله.. أ
لا ترون فلاشة الشعيبي تغلق شاشة التلفزيون السوري، حيث ثمة أدلة على أن القتيل قاتل يتنكر في زي الضحية؟كما تتشابه صرخات وأنفاس الضحايا الأخيرة تتوافق أرواح الكاذبين على الهواء، وثمة صناعة سردية ومظلومية تتوافق مع أهواء القاتل والقوي، الذي يضرب بلا رحمة ويلقي باللوم على دماء القتيل الواضحة.ثمة صناعة لوهم التضامن تمارسها قنوات الممانعة، والتي لا هم لها سوى زج حزب الله وإيران في المعركة، ومنها قناة الميادين التي توزع شاشتها على زبائن استفاقوا على هواتف مستعجلة حيث هناك ما يجب قوله عن عودة المقاومة وانتصارها الحتمي، وعن معارك تنسخ بعضها مع العدو، وأما عن الواقع فصمت مطبق سيستمر وهو ما حصل في كل المعارك السابقة التي خاضتها غزة وحدها، وأما القدس وطريقها فما زال يمرّ فوق أجساد السوريين.سننتظر معاً جلسات مجلس الأمن التي يفشلها الأميركي، وبيانات الإدانة والتأييد، فيما وحدها فلسطين تستيقظ كلها.. كلها.