• الثلاثاء , 26 نوفمبر 2024

عالية منصور :روسيا تشحذ كل أسلحتها لمواجهة «قيصر»

29يونيو2020المجلة

روسيا تشحذ كل أسلحتها لمواجهة «قيصر»، لكن الجديد أنها باتت تستخدم سوريين يزعمون موقفا معارضا ليواجهوا هم قانون قيصر، وهو ما تراهن عليه موسكو لإحراج الإدارة الأميركية التي يبقى تطبيق قانون قيصر بيدها.قبل ما يُقارب الثلاثة أعوام، خرجت وثيقة باسم «وثيقة عهد حوران»، قيل حينها إن محامين وأكاديميين وناشطين من محافظة درعا عملوا عليها كمشروع بهدف العودة لما سموه «الشرعية الثورية المتمثلة في الشعب».لم ير مشروعهم النور بسبب الرفض الكبير له، حيث رأى الكثيرون في الوثيقة أنها تتجاوز كونها وثيقة تنظيمية لاحتوائها على صيغ دستورية، وأن القائمين عليها لم يميزوا بين الحكم الذاتي والإدارة المحلية، فالوثيقة بمضمونها أقرب إلى إعلان الفيدرالية لطرحها فكرة البرلمان وإقرار القوانين والرجوع للوثيقة نفسها عند تنازع السلطات الثلاث.أصدر حينها كل من هيثم مناع، رئيس تيار قمح آنذاك، ورجل الأعمال خالد المحاميد (نائب رئيس هيئة التفاوض لاحقا) بيانا مشتركا، يتبرأ من الوثيقة ويؤكدان موقفهما من وحدة سوريا «والطابع السيادي لأي قرار يتعلق بطبيعة الحكم والإدارة أوضح من الشمس».ما يعيدني إلى تلك الحادثة، هو إعلان أحمد العودة قائد اللواء الثامن في الفيلق الخامس التابع للروس حاليا، وقائد فصيل «شباب السنة»التابع للجيش الحر سابقا، عن قرب تأسيس «جيش حوران»، مشيراً إلى أن الهدف من تأسيس جيش حوران هو «محاربة إيران»، وأن «حوران ستكون قريبا تحت جيش واحد، وأن مهمته ليست لحماية حوران فحسب، بل ليكون الأداة الأقوى لحماية سوريا».إعلان العودة (صهر خالد المحاميد الذي طالما تفاخر بأنه هو من يقف وراء الفيلق الخامس من البداية ويرعاه) جاء خلال إلقائه كلمة في عزاء عناصر الفيلق الخامس الذين قتلوا بتفجير استهدف حافلتهم في ريف درعا الشرقي. التفجير الذي وقع يوم 6 الجاري في قرية كحيل التي تبعد عن بصرى الشام مسافة 22 كلم، استهدف باصاً كان يحمل عناصر من اللواء الثامن الذي يقوده العودة، أودى بحياة خمسة عشر شاباً من درعا كانوا عائدين من جبهات القتال في الشمال عبر مطار حميميم. وُجهت أصابع الاتهام إلى إيران، وبدأ الحديث عن صراع روسي إيراني للسيطرة على المنطقة الجنوبية، وخرجت تظاهرات حاشدة في مدينة بصرى الشام تطالب بخروج إيران من المنطقة. ويتساءل أحد المختصين في وضع المنطقة الجنوبية، لماذا انتظرت إيران الباص القادم من منطقة حميميم ليقطع مسافة أكثر من 500 كلم لتستهدفه حال وصوله إلى قرية كحيل التي تبعد فقط 22 كلم عن وجهته النهائية، أي بصرى الشام، خاصة وأن منطقة كحيل يسيطر عليها أحمد العودة ولواؤه الثامن، ومع الأخذ بالحسبان أن عناصر اللواء الثامن التابعين للعودة قاتلوا مع الميليشيات الإيرانية ومع حزب الله في معارك الكبينة بريف اللاذقية، وقتل لهم عدد من القتلى في هذه المعارك قبل شهور.بعد التفجير خرجت مظاهرات تطالب بالإفراج عن المعتقلين في درعا، ليُفاجأ الناس بعدها بأيام بإصدار رئيس النظام السوري بشار الأسد عفواً خاصاً عن عدد من المعتقلين من سجني صيدنايا وعدرا أغلبهم من درعا، فهل يمكن تجاهل هذا الترابط والتعاقب الزمني بين الأحداث؟ يسأل مراقب آخر، كيف خرجت هذه المظاهرات التي «تهتف ضد إيران والنظام»، تحت حماية روسيا وأعين النظام، محذرا من «لعبة خبيثة روسية».وهل يمكن تجاهل عشرات المطالب الدولية بالإفراج عن المعتقلين من سجون الأسد، ومئات بل آلاف البيانات والمظاهرات التي قام بها السوريون على مدى الأعوام التسعة الأخيرة والتي كان مطلبها الأساسي إطلاق سراح المعتقلين؟الأمر لا علاقة له بنظرية المؤامرة التي تستهوينا في هذه البقعة الجغرافية من العالم، هو مجرد محاولة لربط الأحداث بعضها ببعض، فكيف لمن كان أول المهرولين لمصالحة الأسد وتسليم سلاح المعارضة وتسليم مدن وقرى حوران لنظام الأسد، أن يُقنعنا بأن هدفه اليوم هو تشكيل جيش لمحاربة إيران وحماية سوريا؟ وكيف لمن يرسل شباب درعا ممن ينضوون تحت الفيلق الخامس، للقتال إلى جانب النظام بريف حماة واللاذقية وغيرهما، أن يُقنعنا أن مشروعه هو لحماية سوريا بأكملها؟ حمايتها ممن؟ أليس الأسد هو من أتى بالميليشيات الإيرانية إلى سوريا؟ أليست الميليشيات الإيرانية هي التي لا تزال تُقاتل إلى جانب قوات الأسد؟قد تنطلي مسرحيات من نوع المهرجان الذي أقيم قبل أسابيع احتفالاً بإعادة بعض العائلات المسيحية المهجرة إلى بيوتها في قرى حوران على البعض، وخصوصا عندما يكون «البطل»وراء عودتهم، هو أحمد العودة وروسيا، ولكن ما يحصل اليوم أكبر وأخطر، ولا يجب أن ينطلي على أحد.قانون قيصر الذي حاصر النظام ومعه روسيا وإيران وأي طامع بمشاريع إعادة الإعمار بظل نظام الأسد، ينص بأحد فقراته على أن المناطق التي تخضع له هي المناطق التي تقع تحت سلطة بشار الأسد وروسيا وإيران، وقد يكون إحياء فكرة «فيدرالية»المنطقة الجنوبية، ليس إلا محاولة للتملص من تبعات القانون ولتكون تلك المنطقة منفذاً جغرافياً ومالياً لهم.روسيا تشحذ كل أسلحتها لمواجهة «قيصر»، لكن الجديد أنها باتت تستخدم سوريين يزعمون موقفا معارضا ليواجهوا هم قانون قيصر، وهو ما تراهن عليه موسكو لإحراج الإدارة الأميركية التي يبقى تطبيق قانون قيصر بيدها.توجسنا أن تأتي محاولات التقسيم من الشمال والشرق، لتفاجئنا وهي تطل برأسها من الجنوب، فليت من تبقى من المعارضة يعمل على إفشال المخطط الروسي لابتكار وسائل للتهرب والتحايل على قيصر.

مقالات ذات صلة

USA