موقع تلفزيون سوريا
طغى العاطفي على العسكري، دونما رغبة مني، على مقالي السابق الذي حمل عنوان “نجمتنا حلب، سقطت أم أُسقطت”، وآثرت حباً ويقيناً الإشارة إلى بطولات لن تُنسى، لا من الثوار المقاتلين، بل من ذويهم وأمهاتهم وجميع الأبطال العاملين في حلب رغم أن قصف النظام وحلفائه حولها إلى جحيم، وأردت التأكيد أن سقوط حلب لا يعني في حال من الأحوال النهاية، أي نهاية الثورة ونهاية حلم إسقاط العصابة المتوحشة التي تحتل بلادنا وعاصمتنا دمشق.المقال السابق ليس إلا باكورة سلسلة مقالات، تتناول المسار العسكري منذ البدايات إلى آخر رصاصة أُطلقت في الأحياء الشرقية من حلب قبيل التهجير الكبير، فيما يمكن وصفه برصد الصعود والهبوط في حلب، عبر رسم مشهد متكامل، معزز بروايات موثقة، ولاحقا ستُعزز بخرائط تساعد على المتابعين من خارج حلب فهم طبيعة الحالة العسكرية فيها.
سأجتهد في المواطن المناسبة التوضيح والتفسير، وأتحرى في كل ذلك الأمانة في سرد ما رأيت وعاينت وعايشت، أو ما سمعت من ثقات.المنهج المتبع في هذه السلسة هو اعتماد السرد على أساس زمان وقوع الأحداث ومكانها، كعامل أول، والثاني هو تحرياً للتبسيط والتوضيح، وفك المتداخل بين الأحداث المتسارعة في ذلك الوقت، وهو التمييز بين نشاطيْن عسكريين اثنين، الأول في الريف، والثاني في المدينة، والتمييز تفرضه خصوصية وطبيعة كل منهما، وسهولة رصد الحدود والأدوار، والانتقال إلى لحظة التقائهما الفعلية، وهي دخول مدينة حلب.
توحش الأسد ورد الفعل
من نافل القول إن رد الفعل العسكري كان نتيجة طبيعية لتوحش نظام الأسد وزجه بآلته العسكرية وقطعان شبيحته للتنكيل بمتظاهرين عزل معظمهم من الشباب، وكلما استفحل توحش هذا النظام وبربرية شبيحته، ارتفعت الأصوات المطالبة لمواجهة السلاح بالسلاح، وتلبية لهذه الدعوات تداعى الأصلاء والشرفاء، وحملوا بنادقهم في مواجهة ماكينة الأسد العسكرية التي استمر عقودا في بنائها من أموالنا.
ساعة الصفر
شملت عمليات النظام العسكرية معظم مدن وبلدات ريف حلب الشمالي، اقتحمت قواته حريتان وعندان وتل رفعت ومارع، وصولا إلى مدينة اعزاز على الحدود التركية، وغربا من الأتارب إلى دارة عزة، لم توفر قرية أو مدينة.
بعد هذه الممارسات صار الشعور بضرورة تنظيم حَملة السلاح والإعداد للمواجهة يتنامى، وفي نيسان 2012 شُكل المجلس الثوري لحلب وريفها، بالاستفادة من حرية حركة ومناورة نسبية في الريف، وبدأ تشكيل الكتائب ضمن حدود كل بلدة أو مدينة، يقود هذه التشكيلات “حجي”، ولم يكن حينها للحجي دلالة إسلاموية، ولم يكن كذلك المقاتلون من الثوار، كان النحو إلى تشكيل قوة ضاربة جارفة عابرة لكل الانتماءات.
أدرك النظام جدية “سلاح الريف” وفعاليته، والثوار أيضا صاروا أكثر وعيا لقوتهم الكامنة القادرة على مواجهة آلة نظام الأسد العسكرية
شوكة الثوار أضحت أقوى يوما وراء يوم وهو ما انتبه له النظام، وفيما يشبه ساعة الصفر، ولأول مرة، زج النظام بسلاح مدفعيته المتمركز في كتيبة المدفعية غرب حي الزهراء،
لم يتأخر النظام عقب ذلك القصف، ودفع بقوات في محاولة لاقتحام عدة مناطق أبرزها حريتان وعندان، لكن هذه القوات ورغم كثرة عددها وعتادها، تتقدمها الدبابات، إلا أن المقاومة العسكرية أفلحت وصدت على بساطة السلاح المتوفر في أيدي الثوار، وكانت الصاعقة التي نزلت على رأس النظام وأزلامه.
هنا أدرك النظام جدية “سلاح الريف” وفعاليته، والثوار أيضا صاروا أكثر وعيا لقوتهم الكامنة القادرة على مواجهة آلة نظام الأسد العسكرية.
في جهة الجنوب، الكليات العسكرية/ المدفعية والتسليح والمدرسة الفنية الجوية: ومستودعات التسليح وكتيبة الصواريخ في خان طومان وكتائب الدفاع الجوي في ريف حلب الجنوبي، وإلى الجنوب الشرقي معامل الدفاع ومركز البحوث العلمية بالقرب من مدينة السفيرة بالإضافة إلى مطار النيرب العسكري والكلية الجوية ومطار كويرس شرق المدينة.ومع دخول العام 2012 شهره السابع وبعد طرد قوات النظام من مدينة الأتارب بعد معارك بطولية قادها أسد هصور هو الملازم أول أحمد الفج وامتدت من تاريخ 28 أيار إلى الأول من تموز، معارك سيخلدها التاريخ في صفحات ناصعة كُتبت بدماء الشهداء النقيب مصطفى عبد الرزاق والملازم أول محمد اليوسف وثلة من أبطال ريف حلب الغربي البررة.انتقل بعدها الثوار مباشرة الى أقصى الشمال السوري حيث دارت رحى معارك غير متكافئة بالعتاد والسلاح بين أبطال سلاحهم الأمضى الإيمان بعدالة قضيتهم وإرادة قتال تعانق الجبال الشواهق، مدافعين عن أرضهم وعرضهم في وجه مجرمين غاصبين بدباباتهم ومدافعهم وطائراتهم.استمرت تلك المعارك أكثر من أسبوعين في معركة أطلق عليها فيما بعد “مقبرة الدبابات” اختلطت فيها دماء الثوار من جميع القرى والبلدات ومنشقين من جميع المحافظات، مستعيدين العزة والحرية لمدينة اعزاز ودحر الغزاة وتحرير معبر باب السلامة الحدودي.صنّاع تلك الانتصارات كان بينهم قاسم مشترك واحد، وهو أن الثورة شكلت بالنسبة لهم ولادة جديدة لذواتهم وإمكانياتهم وتطلعاتهمعلى بعد كيلومترات قليلة من ساحة المعركة التي بدت ملامح النصر فيها للثوار وبتاريخ 18 تموز 2012 كانت صيحات التكبير تصدح عاليا من جموع غفيرة من الثوار اجتمعت لتعلن عن توحيد معظم الفصائل والمجموعات في الريف والمدينة بتشكيل عسكري هو الأكبر سمي “لواء التوحيد”