• الثلاثاء , 26 نوفمبر 2024

كيف ستكون سياسة جو بايدن في سورية وتركيا؟

مروة شبنم اوروج

بينما يستعدّ الرئيس الأميركي الجديد للاستقرار في المكتب البيضاوي، ينتاب العالم فضولٌ بشأن ماهية السياسة الخارجية التي سيتبعها جو بايدن بعد دونالد ترامب، ومن ضمنها موقفه تجاه المسألة السورية.

انتهت فترة ولاية جو بايدن، كنائب للرئيس باراك أوباما، قبل أربع سنوات؛ ومع ذلك، ما تزال الأزمة في سورية وحولها مستمرة. وعلى الرغم من أن بايدن يرفض التعليقات القائلة بأن رئاسته ستكون الولاية الثالثة لأوباما، فإن فريق السياسة الخارجية الذي بدأ تشكيلَه، يتكوّن من أشخاص عمل معهم باراك أوباما الرئيس الرابع والأربعون للولايات المتحدة، وهذا ما ينفي الصدقية عما يقوله بايدن.

كانت قراءة سياسة ترامب في سورية أكثر صعوبة من قراءة سياسة أوباما؛ إذ لم يكرر ترامب مقولة أوباما: “على الأسد أن يرحل”، ولم يتوان عن تنفيذ هجمات جوية ضد نظام الأسد، لاستخدامه السلاح الكيمياوي في 2017 و2018، ومع أن تلك الهجمات لم تلحق ضررًا جسيمًا بنظام الأسد، فقد كان هناك إجراء ما على الأقلّ. من ناحية أخرى، على الرغم من عدم انزعاج ترامب من الوجود الروسي في سورية، لم يستطع تكرار عبارته “فلنترك سورية لبوتين، ليهتم بها هو”، كما فعل قبل وصوله إلى البيت الأبيض، وذلك لأن معظم الهجمات التي تعرّض لها في واشنطن كانت بسبب ارتباطه بروسيا.

ومع ذلك، قطعَ تمويل برنامج CIA ضد الأسد، ومن ناحية أخرى، لم يتردد في فرض عقوبات قيصر.على الرغم من أن ترامب ليس لديه مشكلة مع روسيا، فإنه أضعف أنشطة إيران (الداعم الآخر للنظام في سورية)؛ حيث إن انسحابه من الاتفاق النووي الإيراني، وفرض عقوبات على إيران التي أصبحت قويةً بعد تعاون أوباما معها بشكل غير مباشر، وضعا إيران في موقف صعب جدًا، خاصةً بعد مقتل قاسم سليماني (قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني)، حيث كان مقتل زعيم التوسعية الإيرانية الذي كان مسؤولًا عن مقتل الآلاف من السوريين أكبرَ ضربةٍ تتلقاها إيران.مما لا شك فيه أن سيطرة YPG الذراع السوري لـ PKK على مدينة الرقة، بدعم من الولايات المتحدة، ومقتل زعيم تنظيم (داعش) أبو بكر البغدادي، هما من أهم النجاحات التي حققها ترامب في سورية.

ومع ذلك، نجد أن الصحافة الدولية التي بدأت تُظهر صورة الأسد على أنه “أهون الشرّين”، من خلال تسليط الضوء على هجمات (داعش) الوحشية ابتداءً من 2013، فضّلت عدم تضخيم مقتل البغدادي أكثر من اللازم.

بالطبع، كان للبيان الصحفي السخيف للرئيس الأميركي تأثيرٌ على ذلك؛ لكن الأهم هو أن مقتل البغدادي سيكون ذريعة لترامب لسحب القوات الأميركية من سورية، وهو الأمر الذي كان يريده منذ مدة طويلة. وفي الواقع، بدأ ترامب يذكر ذلك الانسحاب، مرارًا، مواجهًا البنتاغون ووزارة الخارجية.في النهاية، قرر الرئيس الأميركي سحب القوات الأميركية، قبل عملية “نبع السلام” العسكرية التركية في 2019، وهي العملية البرية التركية الثالثة، حيث استهدفت بها عناصر YPG التي تشكل تهديدًا على حدود تركيا، شرق الفرات.

لاقى هذا القرار ردات فعل في واشنطن وفي بعض الدول الأوروبية، مثل فرنسا. وانتُقد ترامب بشدة حتى من مؤيديه، كـ السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام. ومن الواضح أن ترامب لم يكن يبدي أي تعاطف تجاه PKK الذي يحاول إضفاء الشرعية على نفسه، تحت اسم “قوات سوريا الديمقراطية”: (قسد). لكن تصوير حزب PKK على أنه ممثل عن الأكراد جعلَ الأمر صعبًا، باختصار، لم يتحمل ترامب الضغط، وقرر الإبقاء على بعض الجنود الأميركيين، ودعم عناصر PKK/YPG بدعوى حماية النفط السوري.

اتهم دونالد ترامب بأنه أصبح تحت تأثير الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وذلك لأن الدعم الأميركي لـ PKK كان أقلّ مما كان عليه في فترة أوباما. وفي عهد ترامب، لم تكن العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة في مرحلة شهر العسل، بدءًا من سورية كان الخلاف بين الحليفين في الناتو في تزايد، لكن قياسًا بفترة أوباما الثانية، كان الوضع أكثر هدوءًا، بالرغم من حصول بعض التوترات بين الحين والآخر. على سبيل المثال، أخّر ترامب تمرير قرار فرض العقوبات على تركيا: العقوبات المعروفة بـ “قانون مكافحة أعداء أميركا بالعقوبات”، وكان مجلس الشيوخ الأميركي قد فرضها ردًا على شراء تركيا منظومة S400 من روسيا.إن كثرة الأحاديث عن “قانون مكافحة أعداء أميركا بالعقوبات”، في الأيام الماضية، في الوقت الذي تتجهز فيه واشنطن للبدء بفترة جديدة مع بايدن، تعطينا فكرة عن كيفية العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة في الفترة المقبلة.

مهما اُدعي أن العقوبات المفروضة على تركيا هي بسبب شرائها المنظومة الدفاعية من روسيا، فإننا نرى أن خلفياتها تحيلنا إلى الملف السوري.باختصار: إن أولوية تركيا في شراء نظام دفاع جوي بعيد المدى في المناقصة التي أطلقت في 2013، هي منظومة باتريوت الأميركية، لكن الشركات المنتجة مثل Raytheon وlockheed Martin رفعت السعر أربعة أضعاف، ورفضت شروط أنقرة، التي كان من ضمنها شرط نقل التقنيات والمشاركة في الإنتاج.وبينما كانت عملية الشراء مستمرة، قررت الولايات المتحدة وألمانيا وهولندا عام 2015، في أوج التهديدات الموجهة من سورية نحو تركيا، سحب منظومة باتريوت التي نصبت عام 2013 على حدود حليفتهم تركيا، فأثار ذلك صدمةً كبيرة. أما تصريحات الحلفاء فقد كانت لا تُصدّق، حيث إنهم باتوا يرون أن “التهديدات السورية الموجهة نحو تركيا قد زالت”، وبدت تصريحاتهم مضحكة كأنها نكتة، وفي ذلك الوقت، كان تنظيم (داعش) وتنظيم PKK يهاجمان تركيا، من خلال عبور الشريط الحدودي، وكان نظام الأسد في أوج قوته، وكانت تركيا تدعم المعارضة العدو الأكبر للأسد، أما روسيا فكانت قد سيطرت فعليًا على سورية، وأحكمت السيطرة على مجالها الجوي أيضًا، وبينما كان يتم سحب منظومة باتريوت من الحدود التركية-السورية في خريف عام 2015، بدأت روسيا اختراق المجال الجوي لتركيا. وبعد اختراقات عدة، عدّلت أنقرة قواعد الاشتباك، وهنا كانت البداية، حيث أسقطت تركيا مقاتلة روسية اخترقت المجال الجوي التركي، في 24 تشرين الثاني/ نوفمبر 2015، وأدى إسقاط الطائرة إلى تصاعد التوتر بين أنقرة وموسكو سريعًا، وكان الحديث عن نشوب حربٍ بين روسيا وتركيا يدور، في الوقت الذي تستعد فيه تركيا لبدء أولى عملياتها البرية في سورية، أما حلفاء تركيا في الناتو، وعلى رأسهم أميركا، فلم يتحرّكوا ولم يحركوا ساكنًا.في تلك الفترة، عاشت تركيا أشهرًا عصيبة، وبعد 15-20 يومًا، من تحسّن العلاقات التركية الروسية التي بدأت بعد تصريحات السابع والعشرين من حزيران/ يونيو 2016؛ أصبحت تركيا في مواجهة أخطر هجوم عليها في 15 تموز/ يوليو 2016: محاولة الانقلاب التي نفّذها عناصرُ من تنظيم FETÖ تغلغلوا في الجيش التركي، وهم تابعون لفتح الله غولن المقيم في الولايات المتحدة.بعد الـ 15 من تموز/ يوليو، أظهرت تصريحات واشنطن مدى أسفها من فشل محاولة الانقلاب، وقد استدعت زيارة بايدن إلى الحليفة في الناتو تركيا، لتقديم التعازي باستشهاد المئات من الأتراك في محاولة الانقلاب، الانتظارَ أربعين يومًا. وفي لحظة وصول طائرة بايدن إلى مطار أنقرة، أعلنت تركيا بدء عملية (درع الفرات)، وكانت تلك رسالة شديدة لإدراة أوباما.على عكس وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون، كان جو بايدن دائمًا مشككًا في الحرب الأهلية السورية.

ومن المعلوم أنه لا يميل إلى تسليح المعارضين ضد النظام. وقد قال مرارًا إن المتطرفين في صفوف المعارضة سوف يصبحون أقوى. كما كان أحد المدافعين الرئيسيين عن دعم PKK، بذريعة أنهم يحاربون تنظيم (داعش). إن امتعاض جو بايدن من تركيا معروفٌ طوال سنوات عضويته الأربعين في مجلس الشيوخ، وواضح أيضًا ازدياد ذلك مع بدء الحرب الأهلية في سورية.إن سياسة الولايات المتحدة تجاه تركيا في المرحلة القادمة باتت معروفة، من خلال (قانون مكافحة أعداء أميركا بالعقوبات). في الواقع جاء القانون إلى جدول الأعمال مع بدء تركيا إجراء محادثات مع روسيا، بشأن منظومة S400 عام 2017، وتمت قوننتها بالتوازي مع المحادثات؛ وهذا يعني أن الهدف الأساسي من قانون العقوبات هو تركيا

.في مقابلةٍ أُجريت مع المبعوث الأميركي الخاص إلى سورية جيمس جيفري، حديثًا، قال: “يجب على الولايات المتحدة التعامل مع تركيا، كما تعاملت روسيا معها بعد إسقاطها المقاتلة الروسية عام 2015″، وقال أيضًا إن “الولايات المتحدة الأميركية جاهزة لسحق تركيا، اقتصاديًا”، ومن المرجح أن تتزايد الضغوط على تركيا في مرحلة جو بايدن، وذلك بالتزامن مع احتمالية إجراء اتفاق نووي إيراني جديد، مع زيادة الدعم لـ PKK. باختصار: على المعارضة السورية أن تستعدّ للمرحلة القادمة، كما تفعل تركيا.ترجمة فارس جاسم

مقالات ذات صلة

USA