لم يطو الجانبان الروسي والتركي – إلى حد الآن – ملف التفاوض المباشر وغير المباشر حول تحديد مصير مدينة تل رفعت (شمال حلب)، وحوالي 15 قرية محيطة بها، والتي تسيطر عليها الوحدات الكردية.
على طاولة التفاوض
هذا التوقف تبعه دخول ضباط روس وأتراك في مفاوضات مباشرة جرت في نقطة للقوات الروسية في بلدة “كفرناها” قضاء تل رفعت، دون التوصل إلى اتفاق حول مستقبل المدينة وريفها، حيث تشير المعلومات الواردة من أروقة الاجتماعات بأن الروس يتمسكون بعدم دخول قوات الجيش الحر إلى المدينة، ويصر الأتراك على إبعاد “وحدات الحماية” عنها بشكل كامل، فيما اقترح الروس إدخال قوات النظام إليها، مبررين ذلك بتأمين الحماية لبلدتي “نبل والزهراء” القريبتين، ذات الغالبية الشيعية واللتان تسيطر عليهما قوات النظام وميليشيات شيعية، لكن الأتراك تشددوا في دخول القوات التركية مع قوات الجيش الحر من أبناء المدنية التي أُبعدوا عنها مع آلاف النازحين المدنيين من أبناءها؛ وبين ذلك وذاك، ذكرت معلومات، أن اقتراحاً وسطاً طرحه الروس، يفضى إلى انسحاب الوحدات والنظام من تل رفعت وريفها، مقابل دخول القوات التركية وبقاء القوات الروسية، لإنشاء نقاط مراقبة مشتركة (روسية – تركية)، لكن يبدو أن هذا الطرح لم يلق استحسان أنقرة.
ورغم لقاء (بوتين – أردوغان) ضمن جدول أعمال القمة الثلاثية (أردوغان – بوتين- روحاني)، التي اختتمت مساء الأربعاء الماضي في أنقرة، إلى أنه يبدو معضلة تل رفعت لم تتوصل إلى حلها خلال القمة، وسط تقليلٍ في حدة التصريحات بين الطرفين، حيث قال الرئيس التركي أن “تركيا على استعداد للعمل مع روسيا وإيران لجعل مدينة تل رفعت منطقة مؤهلة كي يعيش فيها إخواننا السوريون”، فيما أشارت تصريحات تركية على هامش القمة، على لسان المتحدث باسم الرئاسة التركية (إبراهيم قالن) إلى أن روسيا أبلغت تركيا بأن “وحدات الحماية ستنسحب من مدينة تل رفعت وريفها بشكل كامل”، وأن “بلاده ستراقب تنفيذ ذلك”، فيما لم تصل أية أنباء حول بدء الانسحاب حتى الآن.
مكاسب روسيا سياسياً
وبناء على ذلك، يبدو أن الروس يريدون من الأتراك موقفاً سياسياً مقابل تل رفعت أكثر منه محاصصة أو تنازلاً عن اتفاقيات جغرافية سابقة، ولاسيما بعد بروز للدور الفرنسي الذي أراد تفعيل مكانه في المشهد السورية بالتحالف مع تركيا، من خلال ما أسماها الإليزيه “خارطة طريق دبلوماسية” أعلنتها باريس في شباط الماضي، بعد مكالمة بين الرئيسين (ماكرون- أردوغان)، ما جعل موسكو تخشى تقدماً في استعادة باريس لمكانها في الملف السوري على حساب نفوذها. وربما التجاوب التركي في هذا الإطار، تمثل في التصعيد السياسي بين أنقرة وباريس على أعلى المستويات، وتهديد أنقرة لباريس “بعدم تدخلها فيما لا يعنيها”، وذلك بعد مبادرة طرحها الجانب الفرنسي على تركيا للوساطة بينها وبين “وحدات الحماية” إثر زيارة وفد كردي للإليزيه ولقائه الرئيس ماكرون.
وأيضاً، تريد روسيا موقفاً تركياً أكثر تشدداً حول مطالبة الأخيرة انسحاب القوات الأميركية من منبج بشكل كامل، وهذا ما يتمثل بتعنت أنقرة حيال ذلك.
عليطو: لا مكان للمقايضات
لكن كيف يرى أبناء تل رفعت والقائمون على ترتيب إعادة تفعيل مؤسساتها في حال التقدم التركي أو انسحاب “وحدات الحماية” والروس، مصير مدينتهم وريفها في ظل التجاذبات الحالية حولها؟
وهنا يشير (بشير عليطو)، رئيس المكتب السياسي في مجلس مدينة تل رفعت، إلى أن المفاوضات الجارية بين الروس والأتراك “لا تحمل برنامجاً وجدولاً محدداً ولا بنود، بقدر ما هو اتفاق قد يتم اليوم أو غداً وربما، وربما خلال أيامٍ قليلة، سيتم بنهايته تراضي الطرفين على صيغة من ثم نشر نقاط المراقبة التركية داخل المدينة”.
وأضاف عليطو: “موضوع المقايضات بخصوص المدينة أمر مبالغ فيه، فالأتراك واضحون بأنهم يريدون إبعاد تنظيم إرهابي عن حدودهم، وإعادة آلاف النازحين من أهالي تل رفعت المدنيين إلى بيوتهم. فلا أعتقد أن يكون هناك مكان للمقايضة خلال المفاوضات، الموضوع متعلق بأهمية المنطقة بالنسبة لأي الطرفين، وهنا نجد أن الأهمية لصالح تركيا أكثر من الروس، وهذا واضح، لكن روسيا تريد تحقيق مكاسب، سياسية ربما”.
وأشار عليطو: “ما تريد ترويجه روسيا حول انسحاب عناصر وحدات الحماية من تل رفعت لتبرير بقائها أو بقاء النظام ليس صحيحاً، فالعناصر موجودون بالآلاف وكذلك القيادات بعد فرارهم من عفرين، وأي حل لا يقضى بانسحاب الوحدات والنظام والروس من تل رفعت لن يكون مجدياً لأهلها، اللذين يريدون العودة دون وجود من يتربص بهم”.
وبخصوص المطلب الروسي القاضي بعد دخول الجيش الحر إلى المدينة، أوضح عليطو: “أن هذا المطلب قبل أن يكون روسيا أو غير ذلك هو مطلب شعبي لكن ليس وفق الرؤية الروسية، فلا أحد في تل رفعت وغيرها بات يريد مشاهدة المظاهر المسلحة، لكن وجود الجيش الحر حول المدن والبلدات ضرورياً لحمايتها، وحتى العناصر كأفراد من أبناء المنطقة هم أهلها ويحق لهم دخولها متى يشاؤون، وهذا ما لا تريده روسيا ولا النظام ولا الوحدات”.
تركيا أمام امتحان مبادئها
ويرى الكاتب والصحفي (عبو حسّو) المتابع للشأن التركي، أن “روسيا تريد من تأخير تسليم تل رفعت إلى تركيا والجيش الحر، تحسين موقعها على طاولة التفاوض في ملفات عدة، وابتزاز تركيا للتنازل عن دورها كمراقب وضامن في بعض المناطق المختلف عليها والغير واضحة المعالم على خارطة النفوذ. وأيضاً تريد دفعها للوقوف بوجه الولايات المتحدة ولاسيما في موضوع منبج وربما بعد منبج”.
وتابع حسّو: “الروس باتوا يبدون مرونة أكثر حيال هذا الملف، وربما نرى حلا وسطاً يقضى بانسحاب الوحدات الكردية مع بقاء القوات الروسية ربما بشكل رمزي، ودخول الجيش التركي لإقامة مناطق مشتركة دون دخول الجيش الحر، مع أهمية السماح للأهالي بالعودة إلى ديارهم”.
وأشار: “تركيا أمام امتحان كبير أمام مصداقيتها والتزاماتها اتجاه الشعب السوري وأهالي تل رفعت تحديداً لدخولها، بعد المطالبة من قبل أهلها بتوسيع عمليات غصن الزيتون إليها، وهذا ما تدركه الحكومة التركية ولن تقع في خطاياه، وبالتالي الدخول التركي إلى تل رفعت قادم لا محالة”.
ترحيب ومطالب شعبية
ويؤكد الناشط الإعلامي وابن مدينة تل رفعت (محمد أبو وحيد) أن “أهالي تل رفعت يرحبون بدخول القوات التركية إليها، بالإضافة لعناصر الجيش الحر من أبنائها وقوات غصن الزيتون، وتطهيرها من وحدات الحماية التي شردت الآلاف في سبيل مخططات توسعية ليس لها أساسا جغرافي وتاريخي، وأن من حق أهالي تل رفعت أن يديرها أهلها بعد تحريرها”.
تجدر الإشارة، إلى أن تل رفعت وريفها من القرى التي تسيطر عليها قوات “قسد”، تحتل 250 كم مربع من مساحة ريف حلب الشمالي؛ كان يقطنها حوالي 225 ألف نسمة من سكانها الأصليين، بالإضافة لحوالي 60 ألفاً من النازحين إليها من أهالي المنطقة الشرقية الفارين من مناطق سيطرة “داعش” سابقاً، قبل أن تهجّرهم جميعاً “وحدات حماية الشعب” الكردية، بعد دخولها للمدينة وريفها تحت غطاء جوي روسي عنيف في شباط 2016. حيث يبلغ عدد النازحين من المدينة وريفها أكثر من 200 ألف نازح، يعيشون في خيامٍ غير جيدة ضمن مخيمات عشوائية، تنتشر في الأراضي الزراعية قرب اعزاز بريف حلب الشمالي، ويطالبون الحكومة التركية وفصائل الجيش الحر باعدتهم مدينتهم وقراها.
المصدر: أورينت نيوز