• الثلاثاء , 26 نوفمبر 2024

ماذا يعني خرق “قسد” لعقوبات “قيصر” من خلال تزويد النظام السوري بالنفط؟”

مركز الحوار السوري

على الرغم من صدور قانون “قيصر” وتحذيراته من التعامل الاقتصادي مع النظام السوري؛ فقد واصلت “قوات سوريا الديمقراطية” المعروفة محلياً بـ “قسد” والمدعومة أمريكياً تزويدَ النظام السوري بالنفط، ولا يبدو أن عمليات نقل النفط من المناطق التي تسيطر عليها “قسد” إلى النظام تتم عبر “طرق تهريب” كما يصفها الكثيرون وتتناقلها بعض وسائل الإعلام؛ لأن الشاحنات تدخل بأعداد كبيرة تصل إلى المئات في اليوم الواحد أحياناً[1]، وهي تدخل من المعابر والطرق الرئيسة التي تسيطر عليها “قسد” كطريق M4 الدولي.ويثير هذا الأمر التساؤلات حول حقيقة موقف واشنطن من “خرق” “قسد” التحذيرات من التعامل اقتصادياً مع النظام السوري، وحول دلالات ذلك على المستوى المحلي والتنافس بين مختلف الفاعلين شرق الفرات.ويبدو أن نقل النفط من مناطق سيطرة “قسد” إلى النظام السوري مستمر على الرغم من تداول بعض وسائل الإعلام السورية المعارضة أخباراً حول طلب الولايات المتحدة من “قسد” وقف بيع النفط إلى النظام السوري

[2].

على عمليات نقل النفط شركة “القاطرجي”، وهي للتاجر الموالي للنظام السوري وأحد أذرعه الاقتصادية “حسام القاطرجي” المدرج على لائحة العقوبات الأمريكية، وتؤكد مصادر محلية في شرق الفرات أن الشاحنات تدخل إلى أهم الحقول النفطية في محافظة الحسكة لنقل النفط الخام، كحقل “رميلان” في أقصى شمال شرق سوريا؛ ما يعني أن هذه الشاحنات تسلك طرقاً طويلة تُقدَّر بمئات الكيلو مترات للوصول إلى الحقل الذي تشرف على حمايته قوات أمريــكيـة، كحال بقية حقول النفط والغاز[3]، وهذه الحقول هي التي أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن مهمة الجزء المتبقي من القوات الأمريكية في سوريا ستكون حمايتها[4]، في خطوةٍ لمنع النظام السوري وإيران وتنظيم “داعش” من الوصول إليها.ومع تعليل ترامب سبب بقاء القوات الأمريكية بحماية حقول النفط إلا أن هذه القوات لا يبدو أنها اتخذت موقفاً رافضاً لدخول شاحنات نقل النفط؛ بل إن العملية مستمرة منذ سنوات إلى اليوم، على الرغم من العمليات التي قامت بها طائرات التحالف الدولي ضد بعض شحنات التهريب بين ضفتَي الفرات، ويمكن أن تُوصف تلك العمليات بالمحدودة،

ولعل الهدف منها تذكير الطرفين المحلييَن “قسد” والنظام السوري أن جميع التعاملات الاقتصادية بينهما مكشوفة، ويجب أن تبقى منضبطة بالحدود التي يحددها التحالف الدولي؛ فما الذي يمنع التحالف الدولي من تكرار استهداف تلك الشحنات؟ وهل يعني غضُّه الطرف عنها أنه موافق على نقل النفط للنظام السوري ضمن حدود معينة؟ما يظهر هو أن لا صرامة من الإدارة الأمريكية في تطبيق عقوبات “قانون قيصر”، ويمكن ملاحظة التغاضي عن تزويد “قسد” النظام السوري بالنفط رغم التحذيرات المتكررة من أي تعامل اقتصادي معه، وربما يشبه ذلك غضّ الطرف عن بعض التحركات الدبلوماسية المتمثلة بتوجه بعض دول الخليج للتقارب مع نظام الأسد، وعن إعادة سلطنة عمان سفيرها إلى دمشق[5]؛

فواشنطن تسمح بوجود هوامش لمختلف الفاعلين الإقليميين أو المحليين[6]، ولا يخرج هامش “قسد” في تزويد النظام السوري بالنفط عن السياق ذاته.ويبدو أن ثمة مصالح متبادلة أدت إلى هذا التعاون بين النظام السوري و”قسد”؛ فالنظام بحاجة إلى النفط ولا تزال مناطقه تعاني أزمات متكررة فيما يتعلق بالمحروقات، و”قسد” تريد تصريف النفط والاستفادة من عائداته المالية الكبيرة، مع تأكيد أن ذلك التعاون لا يشمل مقايضة الغذاء بالنفط؛ لأن منطقة شرق الفرات تُعد غنية بالقمح والشعير، وتصدّر المواد لبقية المناطق السورية، وفي الوقت نفسه فإن “قسد” تحصل في بعض الأحيان على البنزين النظامي الذي لم توفره حتى اليوم في مناطقها، إذ تعتمد على مصافي النظام السوري وتقوم بما يشبه المقايضة على النفط الخام[7].

وليس أمام “قسد” بوابات لبيع النفط سوى للنظام السوري؛ فتركيا مغلقة أمامها، وتَعدُّها أنقرة في الأصل امتداداً لحزب العمال الكردستاني المصنَّف على لائحة “الإرهاب”، ما يعني استبعاد التعاون بين الجانبين أياً كان شكله، كما أن علاقة “قسد” بإقليم كردستان العراق ليست على ما يرام، فيكون تصدير النفط إليه مستبعداً كذلك رغم العلاقة الاقتصادية بين الطرفين في وقت سابق[8].

ولا تقوم “قسد” في الوقت نفسه بتزويد مناطق سيطرة فصائل المعارضة بالنفط بشكل مستمر أو بالكمية التي تحتاجها المنطقة لأسباب تعود إلى عدم التوافق بين الطرفين، لاسيما وأن مناطق المعارضة باتت تعتبر تحت النفوذ التركي المعادي لـ “قسد” بدرجة كبيرة، ولذلك فإنها وجدت في التعامل مع النظام السوري الحل الأنسب لتعزيز التعاون النفطي وتصريف النفط إليه، فضلاً عن وجود تفاهمات قديمة في هذا الشأن والشؤون الأمنية بين الطرفين[9].ولعل قيادة “قسد” تستذكر التخلي الأمريكي -جزئياً- عنها قبيل عملية “نبع السلام” التي أطلقتها القوات التركية وفصائل المعارضة في تشرين الأول من العام 2019، حيث مهَّد الانسحاب الأمريكي الجزئي إلى خسارتها منطقتَي تل أبيض ورأس العين، الأمر الذي أعاد إلى الذاكرة التصريحات التي أطلقها السفير الأمريكي السابق لدى سوريا روبرت فورد، حينما قال: إن العلاقة الخاصة بين الولايات المتحدة و”قوات سوريا الديمقراطية” سوف تنتهي يومًا ما[10]،

وهذا ربما ما يدفع “قسد” إلى محافظتها على العلاقات مع النظام السوري، وتحاول باستمرار الحصول منه على اعتراف بالحكم الذاتي، وربما يكون النفط ورقة مهمة لها في المفاوضات مع النظام السوري؛ فتبدو “قسد” وكأنها تريد الموازنة في العلاقات، سواء مع النظام السوري أو مع الروس، بهدف تأمين خط عودة لها، ومما يعزز موقفها أنها تسيطر على سلة سوريا الغذائية والنفطية في شرق الفرات، أي إن بيدها أوراق قوة قد تحصل في مقابلها على مكتسبات في الحكم الذاتي من النظام السوري، ومن المؤكد أن موسكو تدرك أهمية المناطق التي تسيطر عليها “قسد”، ولذلك فإنها دائماً ما كانت تشجّع تقريب وجهات النظر بين الطرفَين والسعي إلى انخراط “قسد” في صفوف قوات النظام السوري[11]، وعلى الرغم من ذلك فإن النظام السوري لم يُظهِر حتى اليوم أي موقف إيجابي بخصوص ما تطمح إليه “قسد” فيما يتعلق بقضية الحكم الذاتي والفيدرالية؛

لكن هذا لا يعني عدم إمكانية حدوث تغييرات مستقبلاً، خاصة إن تدخلت موسكو. نجد كذلك أن الولايات المتحدة تتغاضى عن تعاملات “قسد” المالية مع النظام السوري كون “قسد” تموّل نفسها بهذه الطريقة، ويبدو الأمر ضمن هوامش “قسد” المعقولة في علاقتها مع الولايات المتحدة والتحالف، وربما يقبل التحالف بذلك في محاولة لإبقاء خط مع النظام السوري متمثل بدعمه بالنفط مقابل تقليل اعتماده الكامل على إيران،

ومن المعلوم أن بعض الدول العربية التي توجهت للتطبيع مع النظام السوري كانت حجتها عدم تسليم سوريا للمحور الإيراني، وأنه لابد من إيجاد علاقات مع النظام السوري لمنع ارتمائه تماماً في الحضن الإيراني، وهو ما انعكس في موقف الجامعة العربية التي لم تُبدِ اعتراضاً على عودة مقعد سوريا للأسد في حال تخلّيه عن المحور الإيراني[12].خاتمة:في ضوء ما سبق يظهر أن مصطلح “تهريب النفط” من مناطق سيطرة “قسد” إلى مناطق النظام السوري ليس في محله؛ فما يجري إنما يندرج ضمن عملية منظَّمة تتم بعلم أبرز الأطراف الفاعلة على الأرض في شرق الفرات ووفق اتفاقات غير معلَنة فيما بينهم، ويبدو أن لكل طرف دوافعه للقبول بذلك؛ لكن ما يمكن تأكيده بشكل واضح أن “قسد”، وبوصفها سلطة أمر واقع غير شرعية، تقوم بتسخير موارد المنطقة لخدمة مشروعها المليشياوي الخاص الذي لا ينفصل فيما يبدو حتى الآن عن أجندات حزب العمال الكردستاني الانفصالية، ولا يصبّ في مصلحة السوريين ومستقبلهم.

[1] بحسب وكالة الأناضول التركية فإن “قسد” تقوم بتزويد النظام بما يقرب من 500 صهريج يومياً للنظام السوري الذي يفترض أنه يرزح تحت عقوبات الولايات المتحدة وفق قانون قيصر:Syria: YPG/PKK continues to sell oil to Assad regime.[2] أكدت مصادر محلية لنا استمرار نقل النفط دون تغيير حتى الآن، وكانت بعض وسائل الإعلام السورية المعارضة قد نقلت خبراً قالت فيه: “إن الولايات المتحدة طلبت من قوات “قسد” التوقف عن بيع النفط للنظام السوري”؛ الأمر الذي دفعنا في وحدة تحليل السياسات وأثناء إعدادنا هذا المقال التحليلي للتقصي من بعض المصادر المحلية في كل من الرقة ودير الزور، وأكدت بدورها عدم صحة ما يُشاع عن توقف نقل النفط، وأن العملية مستمرة،

وأن الشاحنات تدخل بشكل يومي أو شبه يومي لنقل النفط الخام إلى مناطق النظام السوري.[3] من لقاء أجريناه مع ناشط على الأرض شرق الفرات.[4] ترامب: هدفنا في سوريا النفط ولتقاتلوا أنتم تنظيم “الدولة” – عنب بلدي.[5]سلطنة عمان.. أول دولة عربية خليجية تعيد سفيرها إلى سوريا – روسيا اليوم.[6] وثمة مَن يفسّر أن بقاء تلك الهوامش ليست نتيجة سياسة مركزية أمريكية صارمة تقبل توزيع الأدوار، بقدر ما هي انعكاس لاضطراب السياسة الأمريكية الخارجية فيما يتعلق بالملف السوري بشكل خاص، وهو ما شهدناه سابقاً من وجود تدافعات مختلفة فيما يتعلق بقرار الرئيس ترامب تنفيذ انسحاب جزئي من سوريا. يُنظر على سبيل المثال مقالة:

عن أسباب اضطراب السياسة الأميركية في سوريا- الشرق الأوسط.[7] من لقاء أجريناه مع ناشط على الأرض في مناطق قوات “قسد” في شرق الفرات.[8] كانت “قسد” تقوم بتهريب جزء من نفط شرق الفرات في وقت سابق إلى كردستان العراق، لكن العملية توقفت في بعد ذلك. يُنظر: أرقام مثيرة عن النفط السوري.. مستقبل شرق الفرات الخفي – الجزيرة نت. حتى إن بعض التقارير تحدثت عن وصول النفط السوري إلى تركيا عبر كردستان العراق. يُنظر: تركيا اشترت النفط من “الوحدات الكردية”- عنب بلدي.

9] من البديهي القول إن سلطة “قسد” سلطة أمر واقع غير شرعية، ولا يحق لها التصرف بالنفط والاستفادة منه، خاصة لصالح مشروعها الخاص.[10] مما قاله السفير الأمريكي السابق روبرت فورد: “أعتقد أن ما نقوم به مع الأكراد ليس فقط غباء سياسي، بل غير أخلاقي. الأميركيون استخدموا الأكراد لسنوات طويلة خلال حكم صدام حسين. هل تعتقد أن الأميركيين سيعاملون «الاتحاد الديمقراطي» و«وحدات حماية الشعب» في شكل مختلف عما عامل (وزير الخارجية الأسبق) هنري كيسنجر الأكراد العراقيين (عندما تخلى عنهم)؟ بصراحة مسؤولون أميركيون قالوا لي ذلك: الأكراد السوريون يقومون بأكبر خطأ لدى ثقتهم بالأميركيين”.

تُنظر التصريحات في صحيفة الشرق الأوسط، فورد: الأكراد سيدفعون ثمن ثقتهم بالأميركيين… وأوباما لم يترك لترمب الكثير من الخيارات.[11] وقد رعت روسيا مؤخراً لقاءً بين مجلس سوريا الديمقراطي “مسد” الذراع السياسي لـقوات سوريا الديموقراطية “قسد” وحزب الإرادة الشعبية بقيادة “قدري جميل” في العاصمة الروسية موسكو؛ وقد نتج عن اللقاء بين الطرفين “مذكرة تفاهم” تعهَّد وزير الخارجية الروسي “لافروف” بدعمها، ويبدو أنّ التوجه الرئيس لهذه المذكرة يتمثّل بالعمل على إدخال “مجلس سوريا الديمقراطي” في المسار السياسي الهادف إلى إيجاد حل للقضية السورية، والاتفاق على مبدأ انخراط “قوات سوريا الديمقراطية” ضمن “الجيش السوري” باعتباره صاحب “الشرعية الوطنية”، وإضفاء نوع من الاعتراف والشرعية على نموذج إدارة “قسد” باعتباره “ضرورة موضوعية وحاجة مجتمعية”، مع تأكيدها “ضرورة الاستفادة من تجربة الإدارة الذاتية بما يعزز وحدة الأراضي السورية”، إضافة إلى بنود أخرى تتعلق بالشكل المستقبلي للدولة السورية

مقالات ذات صلة

USA