• الإثنين , 23 ديسمبر 2024

ملاحقة مجرمي الحرب السورية في ألمانيا: سفاح اليرموك أحدث المحاكَمين

تتواصل في ألمانيا محاكمة المدعو موفق دواه (أبو عكر) الملقب بسفاح مخيم اليرموك، والمتهم بقيامه، في 23 مارس/آذار 2014، بمهاجمة حشد من الناس بقذيفة “آر بي جي”، ما أدى إلى مقتل 7 أشخاص، وسقوط عدد كبير من الجرحى.

وعُقدت، يومي الخميس والجمعة الماضيين، جلستان جديدتان ضمن هذه المحاكمة، التي بدأت في 24 أغسطس/آب الماضي، وذلك في إطار المحاكمات التي تشهدها ألمانيا لبعض المتهمين بارتكاب جرائم حرب في سورية.

وكتب المحامي أنور البني، على صفحته في “فيسبوك”، أن القضاة في جلسة المحكمة الجنائية في برلين الخميس الماضي، وهي السابعة في إطار هذه المحاكمة، استمعوا إلى شاهد جديد كان موجوداً أثناء المجزرة التي نتجت عن إطلاق المتهم قذيفة باتجاه حشد المدنيين في مخيم اليرموك جنوب دمشق.

أنور البني: تم عرض مجموعة فيديوهات عن المجزرة وأوضاع المخيم أثناء الحصار

وأضاف البني، الذي حضر الجلسة بصفته شاهداً، أن الشاهد لم ير المتهم يطلق القذيفة، لكنه وصف الأثر الذي خلّفته من ضحايا وأشلاء حيث كان موجوداً.

دور موفق دواه في حصار مخيم اليرموك

وأشار البني إلى أن أهمية شهادته أنه توسع في الحديث عن حصار المخيم ومعاناة المدنيين، ووفاة العديد منهم نتيجة هذا الأمر، ودور المتهم ومجموعته في الحصار، ومنع وصول أي مواد غذائية أو طبية للمدنيين، وهو ما يوفر فرصة جيدة أمام الادعاء العام والمدعين، لإضافة تهمة جديدة للمتهم بجرائم ضد الإنسانية، وهي حصار المدنيين وتجويعهم بهدف القضاء عليهم. واعتبر أن محامي الدفاع أخفق في التشويش على شهادة الشاهد، برغم محاولاته المتكررة.

وجرى، أول من أمس الجمعة، الاستماع إلى شاهد جديد، وهو مدع بالحق أمام المحكمة، باعتباره أصيب في إطلاق القذيفة. وأوضح البني، في حديث مع “العربي الجديد”، أن الشاهد في جلسة أمس الجمعة شرح للمحكمة تفاصيل آثار القذيفة التي أطلقها موفق دواه على المدنيين المتجمعين لاستلام معونات غذائية، ومعاناة المدنيين من الحصار ودور المتهم فيه. وأضاف أن الجلسة تأجلت إلى 13 أكتوبر/تشرين الأول الحالي للاستماع إلى إفادة شاهد جديد.

عرض فيديوهات عن مجزرة اليرموك

وأوضح البني أنه في جلستي الخميس والجمعة تم عرض مجموعة فيديوهات عن المجزرة وأوضاع المخيم أثناء الحصار، حيث صرخ الشاهد موجهاً كلامه للمتهم: “لماذا قتلتَ كل هؤلاء الأطفال والنساء والأبرياء من المدنيين؟ من أجل سيدك بشار؟ لنرَ كيف سينقذك الآن من أصوات الضحايا المطالبين بالعدالة”.

وأشار إلى أن كلام الشاهد أبكى معظم من كان في قاعة المحكمة، بمن فيهم القضاة، ما دفعهم إلى إيقاف الجلسة وطلب استراحة.وأوضح البني أنه بعد استكمال الجلسة، تحدث الشاهد عن طفل أصيب في الهجوم. وكانت رئيسة المحكمة قد سألت البني إن كان يعرف مصيره، فأفاد بأن الطفل قد تم إنقاذه وهرب إلى دولة مجاورة.

وكان الادعاء العام الألماني ذكر أن المشتبه به كان عضواً فيما يسمى مليشيا “حركة فلسطين الحرة” برئاسة المدعو ياسر قشلق، والتابعة لقوات النظام السوري في مخيم اليرموك جنوب دمشق. وقام في 23 مارس 2014 بمهاجمة حشد من الناس في ساحة الريجة بقذيفة “آر بي جي”، ما أدى إلى مقتل 7 أشخاص وسقوط عدد كبير من الجرحى.

وذكرت تقارير إعلامية في حينه، أن المتهم أطلق القذيفة على مدنيين بعد أن تسلموا مساعدات غذائية من وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في المخيم، بدعوى الانتقام لمقتل أحد أقاربه في معارك مع المعارضة السورية المسلحة داخل المخيم.

اتهام دواه بالقتل والإيذاء الجسدي

ووجّه المدّعون تهماً إلى دواه تشمل القتل والشروع في القتل، والإيذاء الجسدي، على خلفية مسؤوليته عن حاجز أمني على مدخل مخيّم اليرموك، ومشاركته في القتال كقائد مجموعة في “حركة فلسطين حرة”.

وكان دواه لجأ إلى ألمانيا في عام 2018، عن طريق لمّ شمل من قبل زوجته. لكن أحد ضحاياه، عمار حجو، الذي لجأ إلى ألمانيا في 2015، قدم شكوى بحقه.

وقد اعتقلت السلطات الألمانية المتهم في 4 أغسطس 2021 في برلين، وذلك بعد قيام الحكومة بتطبيق قاعدة “الولاية القضائية العالمية”، والمتضمنة السماح بملاحقة الجرائم الجسيمة المرتكبة خارج البلاد.

واتهم ناشطون دواه بالمشاركة بجرائم اغتصاب للنساء في مخيم اليرموك ومجزرة حاجز “علي الوحش” التي راح ضحيتها العشرات.

وكان النظام السوري فرض حصاراً محكماً على مخيم اليرموك آنذاك، حيث عانى السكان من نقص في الغذاء والماء والإمدادات الطبية.

ويقول الناشط الفلسطيني أبو مصطفى قاعود، لـ”العربي الجديد”، إن دواه كان منخرطاً في نشاط مع قوات النظام السوري وأجهزة مخابراته في مجمل مناطق جنوب دمشق، خاصة مخيم اليرموك والحجر الأسود ويلدا وببيلا في مواجهة فصائل المعارضة السورية التي تشكلت في تلك المنطقة.

فضل عبد الغني: إدانة المتهمين هي إدانة للنظام كلهولفت إلى وجود العديد من المقاطع المصورة التي ترصد هذه المشاركات، ويظهر فيها بسلاحه الكامل. وأضاف قاعود أن دواه وآخرين شاركوا في مجزرة شارع علي الوحش في مخيم اليرموك مطلع 2014.

محاكمات أخرى في ألمانيا

وتستمر أيضاً أمام محكمة فرانكفورت الجنائية محاكمة الطبيب علاء موسى. واستمعت المحكمة، الثلاثاء الماضي، لموظفة في إدارة الهجرة التي نظرت في طلب اللجوء لأحد الشهود.

كما استمعت الخميس الماضي إلى خبير ترجمة، للتحقق من الترجمة المصاحبة للفيلم الذي أنتجته قناة “الجزيرة” حول ملاحقة المجرمين، إضافة إلى تدقيق ترجمة رسائل التهديدات التي تلقاها الشهود. وقررت المحكمة إلغاء الجلسات يومي 4 و6 أكتوبر بسبب تغيّب أحد القضاة، وفق البني.وكانت المحكمة الألمانية وجهت في فبراير/شباط الماضي تهماً لموسى تتعلق بتعذيب معتقلين في دمشق وحمص خلال عامَي 2011 و2012، إضافة إلى تهم بالقتل العمد عبر استخدام حقنة قاتلة لسجين قاوم الضرب وفقاً لمدعين فيدراليين.

ووصل موسى إلى ألمانيا منتصف 2015 بتأشيرة دخول للعمال المهرة، حيث عمل في عدة أماكن كطبيب تقويم العظام، قبل أن يعتقل في يونيو/حزيران 2020 بعد شكاوى من شهود سوريين ضده.

وسبق ذلك محاكمة العقيد السابق أنور رسلان في 13 يناير/كانون الثاني الماضي، لارتكابه جرائم ضدّ الإنسانية، حيث قضت بسجنه مدى الحياة، ومحاكمة عنصر الاستخبارات السابق إياد الغريب في 24 فبراير 2021، والذي تلقى حكماً بالسجن لمدة أربعة سنوات ونصف السنة. جدوى محاكمة مجرمي الحرب في ألمانيا

وحول الانتقادات التي يوجهها بعض السوريين لهذه المحاكمات التي تتم في الخارج لمتهمين بارتكاب انتهاكات وجرائم، بأنها لا تمثل عدالة حقيقية، بل عدالة انتقائية، ولن تطاول بمسارها الحالي رموز الإجرام الحقيقيين في سورية، قال البني: “بدأنا بملاحقة رموز الإجرام في سورية منذ 2017، وقدمنا ملفات ضدهم، وصدرت بحقهم مذكرات اعتقال، لكن لم يتم القبض عليهم حتى الان لتتم محاكمتهم”.

واعتبر البني أن المغزى الأهم من هذه المحاكمات أن القرار والاتهام ليس لهم شخصياً، بل هو “لكل النظام، لأن الجرائم ضد الإنسانية لا يرتكبها شخص، بل نظام كامل بكل أركانه، وهذا هو المغزى الحقيقي لهذه المحاكمات”.

من جهته، اعتبر مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فضل عبد الغني، في حديث مع “العربي الجديد”، أن هذه المحاكمات، وإن كانت تمثل خطوة محدودة في مسار العدالة، لأن المتهمين يقعون في أسفل هرم النظام، فإن إدانتهم هي إدانة للنظام كله، لأنه كانوا يمتثلون لأوامر صادرة من المستوى الأعلى، وهذه المحاكمات تكشف كيف يتعامل النظام مع المعتقلين، وأبناء شعبه.

مقالات ذات صلة

USA