– هشام ملحم
النهار العربي:3/1/2021
مع حلول الذكرى الاولى للغارة التي أمر بها الرئيس دونالد ترامب لقتل الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الثالث من كانون الثاني ( يناير) قرب مطار بغداد الدولي، ازدادت التكهنات والتوقعات باقتراب حدوث مواجهة عسكرية بين الولايات المتحدة وايران اما مباشرة أم داخل العراق.وتأتي هذه التكهنات على خلفية تقارير صحفية تحدثت عن اجتماعات بين مسؤولين ايرانيين وقياديين في قوات الحشد الشعبي المؤلفة من ميليشيات عراقية تدعمها ايران، وعن حشود عسكرية اميركية واسرائيلية في منطقة الخليج.
كما جاءت هذه التكهنات والمخاوف في اعقاب تصعيد في هجمات الميليشيات المؤيدة لايران ضد السفارة الاميركية في بغداد والقواعد العسكرية التي تنتشر فيها القوات الاميركية في العراق.وكان الرئيس ترامب قد حّذر ايران قبل ايام من انه سيحملها مباشرة مسؤولية قتل ولو جندي اميركي واحد في العراق. ولكن، في تطور مفاجئ، قرر وزير الدفاع بالوكالة كريستوفر ميلر، قبل يومين من ذكرى اغتيال سليماني، استدعاء حاملة الطائرات نيميتز التي كانت تبحر قرب ايران الى قاعدتها في الولايات المتحدة، في خطوة اعتبرها المحللون تخفيفاً للتوتر بين البلدين.ويتعامل المحللون بجدية مع تحذيرات ترامب بعد الكشف عن انه قد ناقش مع كبار مساعديه المعنيين بالشؤون الخارجية والامنية في اجتماع عقده بعد الانتخابات خيارات توجيه ضربة عسكرية ضد بعض المنشآت النووية الايرانية. جاء الاجتماع عقب تقرير لوكالة الطاقة النووية اتهمت فيه ايران بتخصيب كميات من اليورانيوم تفوق ما يحق لها تخصيبه وفقا للاتفاق النووي الذي وقعته ايران مع الدول ذات العضوية الدائمة في مجلس الامن والمانيا في 2015، والذي انسحب منه ترامب في 2018 .
وذكرت التقارير الصحفية آنذاك ان مساعدي ترامب، بمن فيهم الصقور المعروفون بتصلبهم ضد ايران مثل وزير الخارجية مايك بومبيو، والقادة العسكريون نصحوا ترامب بعدم مهاجمة ايران .وجاء قرار الرئيس ترامب بقطع اجازته في منتجعه في ولاية فلوريدا للعودة الى واشنطن قبل ليلة رأس السنة الجديدة لتزيد من هذه التكهنات .
وخلال السنوات الاربع الاخيرة لم يهدد ترامب بمهاجمة أي دولة كما فعل ضد ايران. ولكنه تفادى الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة ضدها حتى بعد ان أسقطت طائرة استطلاع اميركية مسيرة، وبعدما هاجمت ايران ناقلات نفط في مياه الخليج، وبعدما اطلقت الصواريخ والطائرات المسيرة لتقصف أهم منشآت النفط السعودية. رد ادارة الرئيس ترامب انحصر بارسال امدادات عسكرية مثل نشر بطاريات صواريخ باتريوت المضادة للصواريخ، وطائرات مقاتلة في امدادات مؤقتة.وفي الاسابيع الاخيرة ازدادت وتيرة ارسال الحشود العسكرية الاميركية الى المنطقة، ومع توجيه ”رسائل” التحذير الاميركية الدورية لايران بما في ذلك تحليق طائرات استراتيجية قاذفة من طراز ب -52 من قاعدة في ولاية نورث داكوتا دون توقف لمدة 36 ساعة، كانت تقوم خلالها بالتحليق قبالة السواحل الايرانية في الاجواء الدولية، قبل العودة الى قاعدتها. القاذفات الاميركية قامت بثلاث “زيارات” من هذا النوع لايران.
ومنذ تشرين الأول (أكتوبر) الماضي طلبت القيادة المركزية المسؤولة عن القوات الاميركية المنتشرة في الشرق الاوسط ارسال الفي عسكري اضافي، وسرب من الطائرات المقاتلة الى منطقة الخليج. كما أبقت حاملة الطائرات نيميتز قرب مياه الخليج، كما اعلنت في خطوة لافتة عن ارسال غواصة مسلحة بصواريخ توماهوك القادرة على ضرب اهداف في العمق الايراني الى منطقة الخليج. وفي تطور لافت أرسلت اسرائيل، عبر قناة السويس غواصة مسلحة بالصواريخ الى منطقة الخليج. وكانت ايران قد اتهمت اسرائيل بقتل العالم النووي محسن فخري زادة قبل شهرين.ويقول المسؤولون الاميركيون ان الهدف من هذه الحشود هو ردع ايران عن القيام بأي اجراء عسكري أو أي عمل ارهابي عبر ميليشياتها إما ثأرا لقتل قاسم سليماني، أم ثأراً للعالم فخري زادة.
وهذا ما أكده رسميا الجنرال كينيث ماكينزي قائد القوات المركزية بقوله : “تواصل الولايات المتحدة نشر قواتها وقدراتها القتالية في منطقة عمليات القيادة المركزية لردع أي خصم محتمل، ولكي نوضح باننا مستعدون وقادرون على الرد على أي عدوان موجه ضد الاميركيين او ضد مصالحنا”.
ولعل أكثر التطورات التي اثارت قلق الفريق الانتقالي للرئيس المنتخب جوزف بايدن، والمحللين العسكريين، وبعض الحلفاء الاوروبيين هو قرار وزارة الدفاع ، بايعاز من البيت الابيض تعليق او تقليص الاتصالات والاجتماعات بين فريق بايدن الانتقالي والمسؤولين في وزارة الدفاع والاجهزة الاستخباراتية، ربما لكي لا يطلع طاقم الرئيس المنتخب على أي خطط عسكرية طارئة بشأن التوتر المستمر مع ايران.
وكان ترامب عقب إقالته لوزير الدفاع مارك أسبر، فور انتهاء الانتخابات، عين عددا من الموالين له كمسؤولين مؤقتين في وزارة الدفاع ، ما اثار قلق الاوساط الامنية والاستخباراتية. وخلال الاسبوع الماضي، بعثت وزارة الدفاع برسائل متناقضة حول احتمالات المواجهة مع ايران، فقد قال مسؤولون فيها ان مستوى التهديدات الايرانية هو الاعلى الان منذ عملية قتل سليماني، بينما قال مسؤولون اخرون ان بعض الإجراءات الايرانية مثل زيادة تسليح الميليشيات العراقية او نشر صواريخ قصيرة المدى في العراق، هي اجراءات دفاعية واحترازية تحسبا لاي هجوم أميركي، وليس بالضرورة للتحضير لشن هجمات ضد الاميركيين في العراق. وخلال الاسبوع ذاته، حلقت طائرات ب-52 الاستراتيجية قبالة السواحل الايرانية، في الوقت الذي قال فيه مسؤولون ان وزير الدفاع بالوكالة كريستوفر ميلر قد رفض توصيات بابقاء حاملة الطائرات نيميتز قرب ايران، وأمر بسحبها من المنطقة. ويقول المحللون الذين يراقبون وزارة الدفاع عن كثب ان هيئة الاركان العسكرية المشتركة لا تريد مواجهة عسكرية مع ايران، وخاصة في غياب استفزازات ايرانية كبيرة، ونظرا لان البلاد هي في منتصف فترة انتقالية حساسة، وفي غياب أي غطاء سياسي اوروبي لمثل هذا التصعيد.
كما ان هناك معارضة قوية في أوساط الديموقراطيين في الكونغرس لاي ضربة عسكرية لايران في غياب استفزاز واضح، وهذا موقف القادة الجمهوريين في مجلس الشيوخ أيضاً.ومن الصعب التنبؤ بما يمكن ان يفعله الرئيس ترامب الذي يركز كل جهوده في أيامه الاخيرة في البيت الابيض على قلب نتائج الانتخابات، وهي جهود يعتبرها معظم المحللين والمشرعين الاميركيين عبثية. تقليديا، يتفادى الرؤساء الاميركيون خلال الفترة الانتقالية بين الانتخابات وتنصيب الرئيس الجديد اتخاذ أي قرارات جذرية وخاصة في مجال السياسة الخارجية والامنية. ولكن الذين يتخوفون من ان يجازف ترامب بضرب ايران يشيرون الى انه ربما يعتقد ان مثل هذه الضربة يمكن ان تؤخر استلام بايدن للسلطة، على الرغم من ان هذا الاحتمال مستحيل لان الدستور الاميركي ينص على ان الرئيس المنتخب يجب ان يستلم صلاحياته الدستورية في العشرين من كانون الثاني (يناير). ولكن هؤلاء يضيفون ان قيام ترامب باصدار الاوامر لتوجيه ضربة جوية مكثفة للمنشآت النووية الايرانية سوف يؤدي الى قتل الاتفاق النووي مع ايران بشكل نهائي، لان الرئيس المنتخب أعلن أكثر من مرة انه يرغب باحياء وتطوير الاتفاق، وبأنه يريد أن يسير على الطريق الديبلوماسي في تعامله مع ايران، اذا كانت القيادة في طهران مستعدة لذلك.
أي ضربة عسكرية لايران يأمر بها ترامب سوف تقوّض فرص الرئيس بايدن حتى باستئناف الاتصالات الديبلوماسية المباشرة مع ايران في المستقبل المنظور ناهيك عن احياء الاتفاق النووي….بدأ الرئيس ترامب سنة 2020 باستخدام العنف ضد هدف ايراني هام سياسياً وعسكريا، فهل يبدأ سنة 2021 قبل ايام من مغادرته للبيت الابيض بعنف جديد ضد ايران؟