الطائرات الروسية تجدد قصفها على مناطق عدة في محافظة إدلب، بعيدة جدا عن خطوط التماس وتتسبب في تشريد مئات السوريين
بيان صحفي:
أصدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان اليوم تقريرها الشهري الخاص الذي يرصد حالة حقوق الإنسان في سوريا، واستعرضت فيه حصيلة أبرز انتهاكات حقوق الإنسان على يد أطراف النزاع والقوى المسيطرة في سوريا في تشرين الأول 2020، مشيرة إلى أن الطائرات الروسية جددت قصفها على مناطق عدة في محافظة إدلب، بعيدة جداً عن خطوط التماس وتسبَّبت في تشريد مئات السوريين. واستعرَض التَّقرير -الذي جاء في 30 صفحة- حصيلة أبرز الانتهاكات التي وثقها في تشرين الأول، من حصيلة الضحايا المدنيين، الذين قتلوا على يد أطراف النزاع والقوى المسيطرة، إضافة إلى حصيلة حالات الاعتقال/ الاحتجاز والاختفاء القسري، ويُسلِّط الضوء على الهجمات العشوائية وعلى عمليات الاعتداء على الأعيان المدنيَّة.
اعتمدَ التَّقرير على عمليات المراقبة المستمرة للحوادث والأخبار وعلى شبكة علاقات واسعة مع عشرات المصادر المتنوِّعة، إضافة إلى تحليل عدد كبير من الصور والمقاطع المصورة. سجَّل التقرير في تشرين الأول مقتل 126 مدنياً، بينهم 18 طفلاً و8 سيدة (أنثى بالغة)، و1 من الكوادر الإعلامية. و 10 ضحايا قضوا بسبب التعذيب، وما لا يقل عن 3 مجازر. وثَّق التقرير في تشرين الأول ما لا يقل عن 154 حالة اعتقال تعسفي/ احتجاز، بينها 5 طفلاً و3 سيدات على يد أطراف النزاع والقوى المسيطرة في سوريا، كانت النسبة الأكبر منها على يد قوات النظام السوري في محافظة درعا ثم ريف دمشق. ووفقَ التقرير فقد شهدَ الشهر المنصرم ما لا يقل عن 14 حادثة اعتداء على مراكز حيويَّة مدنيَّة، كانت 5 منها على يد قوات النظام السوري، و1 على يد كل من القوات الروسية وهيئة تحرير الشام والمعارضة المسلحة/ الجيش الوطني، و6 على يد جهات أخرى، وكان من بين هذه الهجمات 2 على أماكن عبادة، و3 على أسواق، و1 على مراكز تابعة للدفاع المدني. طبقاً للتقرير فإن العمليات العسكرية والقصف المدفعي والصاروخي لقوات النظام السوري، قد تصاعدت وتيرتها بشكل كبير في الأسبوع الأخير من تشرين الأول، وطالت مناطق بعيدة عن خطوط التماس كمدينة أريحا، وخلفت ضحايا بين المدنيين.
كما استمرَّ الطيران الروسي في شنِّ غاراته على شمال غرب سوريا بحسب التقرير.وأضافَ التقرير أنَّ تشرين الأول شهدَ عدة حوادث قتل ناجمة عن استهداف طيران مُسير يُعتقد أنه تابع للتحالف الدولي، واستهدفت في معظمها سيارات عسكرية تابعة لتنظيمات إسلامية متشددة. إلا أنها أسفرت عن مقتل ستة مدنيين.كما سجَّل التقرير استمرار وقوع ضحايا من المواطنين السوريين بسبب الألغام في محافظات ومناطق متفرقة من سوريا، وقد وثقَ التقرير في تشرين الأول المنصرم مقتل 12 ضحية بينهم 3 أطفال إثرَ انفجار ألغام لترتفع الحصيلة الكلية لضحايا الألغام في هذا العام إلى 86 مدنياً بينهم 15 طفلاً، وهي من الأعلى في العالم، ورأى التقرير أن هذا مؤشر على عدم قيام أيٍ من القوى المسيطرة ببذل أية جهود تذكر في عملية إزالة الألغام، أو محاولة الكشف عن أماكنها وتسويرها وتحذير السكان المحليين منها.ووفقاً للتقرير لم تتوقف أيضاً عمليات التفجير بعربات مفخخة وعبوات ناسفة، وقد شهدَ تشرين الأول عمليات عدة من هذا النوع في عدة مناطق في أرياف محافظات حلب والحسكة والرقة، وأسفرت عمليات التفجير تلك عن سقوط ضحايا مدنيين وأضرار في مراكز حيوية بحسب التقرير. مضيفاً أنَّ معظم مناطق سوريا تعاني من حالة انفلات أمني وموضحاً أنَّه سجل مقتل العديد من المدنيين جراء إطلاق رصاص من قبل جهات لم يتمكن من تحديدها، وذلك في محافظات درعا وإدلب ودير الزور على وجه الخصوص. ورصد التقرير ارتفاعاً في معدل جرائم القتل والسرقة وحوادث الانتحار في مناطق سيطرة النظام السوري، ورجّح أن السبب الرئيس وراء هذه الحوادث هو تردي الأوضاع المعيشية. موضحاً أنّ المواطنين السوريين -في عموم مناطق سوريا- يعانون من تردي الأوضاع الاقتصادية وخصوصاً في مناطق سيطرة النظام السوري، وعلى الرغم من ذلك قام النظام السوري برفع أسعار مواد الوقود والخبز في تشرين الأول. وتذرّع بالعقوبات الأمريكية المفروضة عليه وعلى أفراد ومؤسسات موالية له.
تحدث التقرير عن الحرائق التي اندلعت في عدة محافظات وسط سوريا وغربها، مشيراً إلى أن النيران التي اندلعت في الأحراج والأراضي الزراعية والقرى التهمت عشرات المنازل ومئات الهكتارات من الأراضي التي تُعد من أبرز الثروات الوطنية، وأسفرت عن سقوط ضحايا، مؤكداً تعامل النظام السوري مع تلك الحرائق باستخفاف وعدم مبالاة، حيث لم يُرصد تدخل الطيران المروحي لإطفاء الحرائق. كما لم يعلن النظام السوري عن قيامه بتحقيقات لتحديد سبب اندلاعها، ووفقاً لذلك فقد حمَّل التقرير النظام السوري المسؤولية الكاملة عن هذه الحرائق، وأضاف أنه يقع على عاتقه تعويض المواطنين الذين يعتمدون على المحاصيل المحترقة كمصدر دخل لهم بشكل كامل، مشيراً إلى أنه ما يزال يُسخِّر كل إمكاناته وموارده في خدمة الأجهزة الأمنية والعسكرية لتثبيت حكم العائلة. أضاف التقرير أن تشرين الأول كان الأسوأ على صعيد جائحة كوفيد-19 -مقارنة بما سبقه من أشهر- في جميع مناطق سوريا، فقد أعلنت وزارة الصحة التابعة للنظام السوري عن 1528 حالة إصابة، و88 حالة وفاة خلال هذا الشهر. كما أعلن نظام الإنذار المبكر EWARN عن 3666 إصابة و44 حالة وفاة في شمال غرب سوريا وقعت في تشرين الأول في قفزة هي الأعلى منذ ظهور الوباء في تلك المناطق. وشهد شمال شرق سوريا تضاعفاً في حصيلة الإصابات المعلن عنها، حيث سجَّل في هذا الشهر 2986 إصابة و61 حالة وفاة بفيروس كورونا المستجد.
قال التقرير إن الأوضاع المعيشية في عموم المخيمات في سوريا تشهد تدهوراً جراء الظروف الإنسانية السيئة وغلاء المعيشة، يضاف إلى ذلك تفشي وباء كوفيد-19 وسطَ ظروف غاية في السوء تمنع من اتخاذ أية إجراءات احترازية، يُضاف إلى ذلك أنَّ قاطني مخيمات شمال شرق سوريا يعانون من ظروف احتجاز غير إنسانية من قبل قوات سوريا الديمقراطية.توسّع التقرير في الحديث عن جائحة كوفيد-19، مشيراً إلى تعامل النظام السوري باستخفاف وإهمال شديدين مع هذه الجائحة منذ بداية تفشي الوباء عالمياً، وتحدَّث التقرير عن أن المجتمع في سوريا يعاني من سوء إدارة أزمة فيروس كورونا المستجد، على اختلاف مناطق السيطرة، وأوردَ أمثلة على ذلك، وذكر أن كافة المناطق التي شهدت عمليات قصف وتدمير وتشريد قسري تعاني من تحديات إضافية، وبشكل خاص إدلب وما حولها، بسبب حركات النزوح المتواصلة التي تشهدها؛ ما يستوجب وفقاً للتقرير تركيز جهود المساعدات الإنسانية بشكل استثنائي على النازحين في المناطق التي تشردوا إليها.
وذكَّر التقرير أن النظام السوري وحليفه الروسي متَّهمان بشكل أساسي بتدمير وقصف معظم المراكز الطبية في سوريا، وبقتل واعتقال/ إخفاء المئات من الكوادر الطبية بحسب قاعدة بيانات الشبكة السورية لحقوق الإنسان، وأضافَ التقرير أنَّ عدم الإفراج عن المعتقلين تعسفياً وبشكل خاص الموقوفين دون أية تهمة، وكبار السن، هو دليل واضح على مسؤولية النظام السوري الأساسية عن انتشار جائحة كوفيد-19 باعتباره يتحكم بمؤسسات الدولة وإدارتها. ذكر التقرير أنَّ الأدلة التي جمعها تُشير إلى أنَّ الهجمات وُجّهت ضدَّ المدنيين وأعيان مدنية، وقد ارتكبت قوات الحلف السوري الروسي جرائم متنوعة من القتل خارج نطاق القانون، إلى الاعتقال والتَّعذيب والإخفاء القسري، كما تسبَّبت هجماتها وعمليات القصف العشوائي في تدمير المنشآت والأبنية، وهناك أسباب معقولة تحمل على الاعتقاد بأنَّه تم ارتكاب جريمة الحرب المتمثلة في الهجوم على المدنيين في كثير من الحالات. وأكَّد التقرير أنَّ الحكومة السورية خرقت القانون الدولي الإنساني والقانون العرفي، وقرارات مجلس الأمن الدولي، بشكل خاص القرار رقم 2139، والقرار رقم 2042 المتعلِّق بالإفراج عن المعتقلين، والقرار رقم 2254 وكل ذلك دون أية محاسبة. وبحسب التقرير فإنَّ عمليات القصف العشوائي غير المتناسب التي نفَّذتها قوات سوريا الديمقراطية ذات القيادة الكردية تعتبر خرقاً واضحاً للقانون الدولي الإنساني، وإن جرائم القتل العشوائي ترقى إلى جرائم حرب. طالب التَّقرير مجلس الأمن باتخاذ إجراءات إضافية بعد صدور القرار رقم 2254 وشدَّد على ضرورة إحالة الملف السوري إلى المحكمة الجنائية الدولية ومحاسبة جميع المتورطين، بمن فيهم النظام الروسي بعد أن ثبت تورطه في ارتكاب جرائم حرب.وأوصى التقرير مجلس الأمن بإصدار قرار خاص بحظر استخدام الذخائر العنقودية والألغام في سوريا على غرار حظر استخدام الأسلحة الكيميائية وأن يتضمَّن نقاطاً لكيفية نزع مخلفات تلك الأسلحة الخطيرة.
كما طالب كل وكالات الأمم المتحدة المختصَّة ببذل مزيد من الجهود على صعيد المساعدات الإنسانية الغذائية والطبية في المناطق، التي توقَّفت فيها المعارك، وفي مخيمات المشردين داخلياً ومتابعة الدول، التي تعهدت بالتَّبرعات اللازمة. دعا التَّقرير إلى تطبيق مبدأ مسؤولية الحماية (R2P)، خاصة بعد أن تم استنفاذ الخطوات السياسية عبر جميع الاتفاقات وبيانات وقف الأعمال العدائية واتفاقات أستانا، مؤكداً على ضرورة اللجوء إلى الفصل السابع وتطبيق مبدأ مسؤولية الحماية، الذي أقرَّته الجمعية العامة للأمم المتحدة.كما أوصى المجتمع الدولي بالعمل على إعداد مشاريع تهدف لإعداد خرائط تكشف عن مواقع الألغام والذخائر العنقودية في كافة المحافظات السورية؛ مما يسهل عملية إزالتها وتوعية السكان بأماكنها. وأوصى التقرير كلاً من لجنة التحقيق الدولية المستقلة (COI) والآلية الدولية المحايدة المستقلة (IIIM) بفتح تحقيقات في الحوادث الواردة فيه وما سبقه من تقارير وأكَّد على استعداد الشبكة السورية لحقوق الإنسان للتَّعاون والتزويد بمزيد من الأدلة والتَّفاصيل.
ودعا إلى التركيز على قضية الألغام والذخائر العنقودية ضمن التقرير القادم. طالب التقرير المبعوث الأممي إلى سوريا بإدانة مرتكبي الجرائم والمجازر والمتسببين الأساسيين في تدمير اتفاقات خفض التَّصعيد وإعادة تسلسل عملية السلام إلى شكلها الطبيعي بعد محاولات روسيا تشويهها وتقديم اللجنة الدستورية على هيئة الحكم الانتقالي. كما أكَّد التقرير على ضرورة توقُّف النظام السوري عن عمليات القصف العشوائي واستهداف المناطق السكنية والمستشفيات والمدارس والأسواق واستخدام الذخائر المحرمة والبراميل المتفجرة، وإيقاف عمليات التعذيب التي تسبَّبت في موت آلاف المواطنين السوريين داخل مراكز الاحتجاز والكشف عن مصير قرابة 84 ألف مواطن سوري اعتقلتهم الأجهزة الأمنية وأخفت مصيرهم حتى الآن والامتثال لقرارات مجلس الأمن الدولي والقانون العرفي الإنساني. كما أكَّد أنَّ على الدُّول الداعمة لقوات سوريا الديمقراطية الضَّغط عليها لوقف تجاوزاتها كافة في جميع المناطق والبلدات التي تُسيطر عليها، وإيقاف جميع أشكال الدعم بالسِّلاح وغيره، ما لم توقف قوات سوريا الديمقراطية جميع انتهاكاتها للقانون الدولي لحقوق الإنساني والقانون الدولي الإنساني.وأضاف أن على قوات سوريا الديمقراطية التَّوقف الفوري عن تجنيد الأطفال ومحاسبة الضباط المتورطين في ذلك، والتَّعهد بإعادة جميع الأطفال، الذين تمَّ اعتقالهم بهدف عمليات التَّجنيد فوراً.
وأوصى المعارضة المسلحة والجيش الوطني بضمان حماية المدنيين في جميع المناطق وفتح تحقيقات في الهجمات التي تسبَّبت في ضحايا مدنيين، وضرورة التميِّيز بين الأهداف العسكرية والأهداف المدنية والامتناع عن أية هجمات عشوائية. وطالب التقرير النظام السوري وجميع أطراف النزاع والقوى المسيطرة بتقديم خرائط تفصيلية بالمواقع التي قام بزراعة الألغام فيها، وبشكل خاص المواقع المدنية أو القريبة من التجمعات السكنية.وأخيراً شدَّد التقرير على ضرورة قيام المنظمات الإنسانية بوضع خطط تنفيذية عاجلة بهدف تأمين مراكز إيواء كريمة للمشردين داخلياً. وبذل جهود في عمليات إزالة الألغام على التوازي مع العمليات الإغاثية كلما أتيحت الفرصة لذلك.