• الثلاثاء , 26 نوفمبر 2024

أحمد البرقاوي :البسيط في الحرية

حين كنت أحضر الدكتوراه في الإتحاد السوفيتي كان الحديث النقدي يجري،في غالب الأحيان، همساً وبين الأصدقاء الحميمين،خوفاً من أن يُنقل الحديث إلى من يهمه الأمر. وإذا جرى الحديث في الغرفة وكان صديق سوفياتي نقدي حاضراً فإنه كان يشير لنا بحركات إيمائية تفيد : أن لا تتحدثوا حول هذه القضيايا لعل في الجدران أجهزة تنصت .غياب الحرية و الديمقراطية كان أحد أهم أسباب زوال أكبر دولة في العالم – الإتحاد السوفيتي . و الحالة نفسها عشناها في دمشق ، كنّا حين يجري الحديث عن همجية النظام و الخراب الذي جره على البلاد والعباد في غرفتي بكلية الآداب نضع حارساً من طلبتنا المخلصين أمام الباب لمراقبة القادمين من الممر .وكان طالبنا النجيب محمد نور ،الذي اعتقل بعد الثورة دون أي سبب وخرج منهكاً من التعذيب وداء الجرب ،يشير إلينا إيماءً بأن نصمت . وكان غياب الحرية و الديمقراطية أهم أسباب الثورة السورية ، وليس غريباً أن سُميت الثورة بثورة الحرية . كما ليس غريباً أن تجري السخرية من صرخة الحرية مع العنف السلطوي بقول جلادي الطاغية : “بدكن حِرية !!؟ هاي الحرية إليّ بدكن ياها” ويسألونك عن الحرية أسئلة لا تبتغي استفهاماً بل تعلن استنكاراً و شكاً . هكذا دأب أعداء الحرية وقس على ذلك أسئلتهم عن الديمقراطية.فريقان لا يطيقون الحرية : الدكتاتورية بلباس مدني و الدكتاتورية الدينية الأصولية الجهادية . روح التسلط يطرح علينا الأسئلة الآتية : لمن الحرية؟ ومتى؟ وكيف ؟ وهل يستحق الشعب الحرية؟ وما هي الحرية التي تريدون ؟ وهل هي متوافقة مع تاريخنا وعاداتنا وتقاليدنا وديننا ؟ وهل الحرية بلا خصوصية ؟ و هل الحرية مطلقة ؟ وقس على ذلك أسئلة الخائفين على وجودهم من الديمقراطية و الذين يحتجون بمصطلح الخصوصية ، وإن الديمقراطية ظاهرة غربية ، و الأخطر من هذا القيل وذاك رفض الديمقراطية بوصفها حكم الشعب ،فيما الحكم لله ،كما يتفق جميع الإسلاميين من الأخوان إلى داعش .أجل أسئلة أعداء الحرية و الديمقراطية هي أسئلة الخائفين من كليهما .لم تُطرح هذه الأسئلة علينا من الإنسان العادي ،بل من مثقف حاصل على دكتوراه في العلوم السياسية و التاريخ وما شابه ذلك من العلوم الإنسانية .كان السؤال يُطرح بصيغة عتب المتعالم : ” يا دكتور هل شعبنا مهيأً للديمقراطية و الحرية التي تدعو إليها؟ ألا تحتاج الحرية إلى شعب مثقف ؟ ” كان الجواب بسيطاً جداً: كيف لشعب أن يتعلم الحرية و يتثقف بها وأنت تحرمه منها و تمنعه عنها وتحاسبه إذا طرحها أو مارسها. يكفي أن يعي الإنسان عبوديته كي يعي حريته . ولو لم يشعر بعبوديته ما كان له أن ليشعر بضرورة حريته.كانت السياسية حداً من حدود الحرية ، حداً لا يجوز تجاوزه مهما كانت درجة تجاوزه قليلة . وكل الأفكار التي تلامس السياسية هي الأخرى يجب أن يكون الإنسان منها على حذّر .أما تكوين أية جماعة للمطالبة بالحرية فهذا من الجرائم التي تحاسب عليها حالة الطوراء. فلقد نشأ ربيع دمشق من وحي خطاب القسم ،وراح المثقفون العلمانيون الديمقراطيون يؤيدون مشروع الإصلاح الذي تضمنه خطاب القسم، ولَم تمض شهور حتى كان قادة ربيع دمشق قد اعتقلوا . وجميعهم كانوا شيوعيين سابقين و بعثييين سابقين و ناصريين سابقين وبعض المستقلين من العلمانيين . الحرية تجربة عظيمة تنمو وتتطور حتى تصبح نمط حياة.الحرية تمنحك حب الحياة وتمنعك من ان تفكر بالموت.الحرية هي ببساطة ان تفعل ما تريد دون الحاق اي ضرر بالآخر .المتساوون بالحرية وحدهم من يمتلكون المساواة بالقوة.هل انا طوباوي؟نعم .لكن الطوبا الآن هي الواقع القادم. في الحرية تزهر آمالك دون توقف.في الدكتاتورية تموت آمالك دون توقف.إيمانك بحرية الآخر تحررك من الأحقاد تجاهه.عن الحرية قل:لا خلاص ولا تقدم ولا ابداع ولا تفجير طاقات الشعب ولا شعور بالأمان ولا صدق في التعبير ولا احترام للآخر ولا حب ولا عقل إلا في حقل الحريةالحرية هي الحل. هي الممكن الوحيد الذي يستحق الكفاح الإنساني.

مقالات ذات صلة

USA