تعاني العملية السياسية السورية من مجموعة عراقيل تعيق تقدّمها، في مقدمتها مماطلة النظام واستغلال عامل الوقت في إفراغ العملية من مضمونها، بدعم من روسيا التي تحاول حرف مسار العملية من مظلة الأمم المتحدة إلى مظلة سوتشي، في الوقت الذي تبدو فيه المعارضة أضعف من الدفع إلى تقدّم وحدها، خصوصاً مع تراجع الحماسة الدولية حيال الملف السوري، فضلاً عن شكوك باتت تعتري هيئة التفاوض السورية بجدية وحيادية الفريق الأممي في مهمته.
ويرى رئيس هيئة التفاوض السورية أنس العبدة، في حوار مع “العربي الجديد”، أن فريق الأمم المتحدة الخاص بسورية يتغاضى عن ذكر مسار أساسي في العملية السياسية وهو الانتقال السياسي، معتبراً أن هذا يجعل الدور الأممي في سورية ملتبساً، لافتاً إلى أن “الجولة المقبلة من اللجنة الدستورية ستكون محورية وستحدد طريقة تعاملنا مع هذا المسار”.
وبعد 10 سنوات من عمر الثورة السورية وأكثر من عام على بدء اجتماعات اللجنة الدستورية، يعرب العبدة عن أسفه “لأنه لم يكن لهذه العملية السياسية حتى الآن أي تأثير عملي واقعي يشعر به السوريون”، ما يعكس حالة تضاؤل الأمل في صفوف المعارضة، وهو ما عبّر عنه في وقت سابق أيضاً رئيس الائتلاف الوطني السوري المعارض نصر الحريري، حين أشار في كلمة له إلى أن الحل السياسي سيأخذ وقتاً طويلاً في ظل المعطيات الحالية.لم يكن للعملية السياسية حتى الآن أي تأثير عملي واقعي يشعر به السوريون أما عن القرار الأممي 2254 بعد خمس سنوات على إصداره، فيقول العبدة إنه “حتى الآن لم يتم تنفيذ أي بند من القرار، سواء البنود غير التفاوضية كملف المعتقلين، ووقف إطلاق النار، أو في ما يتعلق بالملف التفاوضي بما فيه المسارات الأربعة (الحكم الانتقالي، الدستور، الحوكمة الأمنية ومكافحة الإرهاب، والانتخابات)، ولم نجد حتى اللحظة أي إنجاز عملي منذ بداية العملية السياسية”.
ويطالب العبدة “الأمم المتحدة بأن تعيد النظر وتراجع ما تم العمل به، وطريقة العمل الحالية، لأن النتائج لم تصل إلى الحد الأدنى المطلوب لإنهاء معاناة الشعب السوري”، مضيفاً: “ما يثير الاهتمام أن السوريين وعدداً من الدول يلاحظون أن الأمم المتحدة تتغاضى عن ذكر مسار أساسي في العملية السياسية، وهو مسار الحكم الانتقالي”، معتبراً أن هذا التغاضي “انزلاق خطير من قِبل الأمم المتحدة من نواحٍ عدة، أولاً في فهم جذر العملية السياسية، وثانياً في فهم القرار 2254، وثالثاً في فهم ما يريده الشعب السوري وما ضحى من أجله”.
ويدعو العبدة “فريق الأمم المتحدة لمراجعة أدائه في الملف السوري”، مضيفاً “في حال قرر الاستمرار بالعمل بالطريقة ذاتها فلن يتم تحقيق أي إنجاز في المسار السياسي، بمعنى أنه لن تكون هناك نتائج تذكر”، متابعاً: “هذا الأمر غير صحيح وغير صحي، ولا يمكن للسوريين الانتظار طويلاً. المطلوب العمل الجاد على إيجاد صيغ عملية من أجل تنفيذ القرار 2254”.
وتذهب كثير من أطراف المعارضة إلى القول إن روسيا لا تريد للعملية السياسية أن تكون تحت مظلة الأمم المتحدة، بل تريد نقلها إلى منصة سوتشي، فهي تعُدّ اللجنة الدستورية أحد مخرجات مؤتمر سوتشي، وترى أن الأمم المتحدة خطفت من يديها هذا الملف.
في هذا السياق، يرى العبدة أن “روسيا وإيران والنظام لديهم فهم للقرار 2254 مخالف تماماً لفهم السوريين والمجتمع الدولي، فهم يرون أن القرار عبارة عن حوار سوري – سوري وتحت مظلة النظام، وأنه عبارة عن مجموعة من الإصلاحات البسيطة، أما نحن فنرى القرار على أنه خريطة طريق نحو الانتقال السياسي، وهذا هو هدف العملية السياسية في سورية، وأن السوريين لن يقبلوا بغير ذلك”.
الرغم من أن مسار اللجنة الدستورية يتم تحت مظلة الأمم المتحدة وبرعايتها، إلا أن النظام وروسيا لم يدّخرا جهداً لتحويل اجتماعات اللجنة الدستورية إلى ما يُشبه المنتدى السياسي، الذي يبحث مواضيع لا صلة لها في تفويض اللجنة ومهامها، وهذا ما أثار غضب كثير من السوريين المعارضين، وأدى لصدور بيانات كثيرة تُدين مشاركة وفد المعارضة في اجتماعات اللجنة التي لم تُحقق شيئاً خلال عمرها الذي تجاوز العام، كما أن كثيراً من الانتقادات طاولت قبول المعارضة البدء بالمسار الدستوري قبل بحث ملف الحكم الانتقالي.
حول هذا الأمر، يؤكد رئيس هيئة التفاوض أنه “مسار من مسارات عدة في العملية السياسية، هدفها في النهاية تحقيق الانتقال السياسي، ولا يمكن الاعتماد على هذا المسار وحده، بل يجب العمل على سلة الحكم الانتقالي بالتوازي معه لأنها عصب العملية السياسية”،
مضيفاً: “يمكنني القول إن اللجنة الدستورية حتى اللحظة لم تخرج بأي منجز حقيقي، وإنما كانت عبارة عن أربعة اجتماعات عامة تجري فيها نقاشات عامة وليست في سياق مَهمّة اللجنة الدستورية. هذا من ناحية وفد النظام، أما وفدنا فقد بذل كل الجهد من أجل بحث السياقات الدستورية”.ويكشف العبدة أن فريق الأمم المتحدة “بات مهتماً أكثر بإرضاء النظام، لدرجة أن هذا الوفد يضع أولويته في حضور النظام، وذلك على حساب النقاشات والالتزام بورقة القواعد الإجرائية، لهذا السبب لم نرَ أي نتيجة تُذكر خلال الاجتماعات الأربعة الماضية”،
متابعاً: “الاجتماع المقبل في 25 الشهر الحالي هو الاجتماع الأول الذي سيبحث المضامين الدستورية، إذ إنه سيبحث المبادئ الأساسية في الدستور، وسننظر إلى نتائج الجولة المقبلة ويمكن بعدها أن نقيّم إذا كان هناك أمل من هذه اللجنة”.النظام اختار عدم التعاون بملف المعتقلين ولا نرى من الفريق الأممي إلا لغة دبلوماسية تحاول تغطية المشكلة ويعتبر أنه “إذا استمر النظام في طريقته الحالية العبثية في تفادي الحديث عن القضايا الدستورية، فإننا سنراجع وبشكل جدي إمكانية الاستمرار في هذا المسار”، مطالباً الأمم المتحدة بأن “يكون هناك التزام كامل بالقواعد الإجرائية، وأن تكون هناك أجندة واضحة وجدول زمني واضح، لأنه لو تُرك الأمر لوفد النظام فإن عمل اللجنة الدستورية سيستمر سنوات من دون تحقيق أي تقدّم”،
مضيفاً: “الكرة اليوم في ملعب النظام وحلفائه، وإذا قرروا الاستمرار في عملية التعطيل، فإن اللجنة الدستورية ومستقبلها سيكونان في مهب الريح”.ومن الملفات التي لم تحرز تقدماً أيضاً حتى اللحظة ملف المعتقلين، بل إن النظام حاول من خلال مسار أستانة تحويل الملف من حقيقته إلى ملف تبادل أسرى حرب، وبات يتعامل مع الملف كورقة تفاوضية من جهة، وورقة يظنّ أنها ستُسقط عنه مسؤولية الجرائم التي يرتكبها في المعتقلات، من جهة أخرى.يقول العبدة إن ملف المعتقلين في سجون النظام له مقام الأولوية في جهود هيئة التفاوض، موضحاً أنه “لدينا لجنة متخصصة تعمل على هذا الموضوع بكل الجهد الممكن، وقدّمت اللجنة كل ما لديها بالتعاون مع عدد من المنظمات الحقوقية والإنسانية السورية، وبالتعاون مع الفريق الأممي، لكن بصراحة حتى الآن لم يتم تحقيق إنجاز حقيقي”، مستدركاً أنه “حتى الآن لم نسمع ولم نرَ خطوات جدية من قبل الأمم المتحدة في ما يخص هذا الملف، كما لم نسمع من فريق الأمم المتحدة حتى اللحظة عن الطرف أو الجهة التي تُعرقل تحقيق التقدم في الملف”.
ويؤكد على ضرورة “أن تكون الأمم المتحدة أكثر وضوحاً في هذا الملف، فالنظام اختار عدم التعاون، ولا نرى من الفريق الأممي إلا لغة دبلوماسية تحاول تغطية المشكلة”، مضيفاً أن “الأمم المتحدة مطالبة بإبلاغ السوريين والمجتمع الدولي أين وصلت في هذا الملف، وأين تتوجه الجهود الخاصة بفريقها الأممي. نحن قدّمنا كل المعلومات المطلوبة، ولا نجد الضغط الكافي على النظام وحلفائه”. ويشدّد العبدة على أنه “لا يوجد مبرر للنظام في إخفاء آلاف السوريين قسرياً، وقتل السوريين تحت التعذيب، وبناء سجون سريّة، ومحاكمة الناس أمام محاكم استثنائية.
النظام يتعامل مع ملف المعتقلين كورقة أخيرة، إذ يعتبرهم رهائن من أجل تحقيق مصالحه، ولا قيمة لحل سياسي من دون الانطلاق من القضايا فوق التفاوضية كملف المعتقلين والمهجرين”.في السياق، كانت لافتة في الشهرين الماضيين محاولات روسيا لاستغلال ملف عودة اللاجئين في سبيل رفع العقوبات الاقتصادية عن النظام، وتمويل عملية إعادة الإعمار.
فحاولت روسيا من خلال المؤتمر الذي تم عقده في دمشق، مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أن تحشد تأييداً لعودة اللاجئين السوريين إلى مناطق النظام، وهذا بطبيعة الحال يستلزم رفع العقوبات من أجل تأمين عودتهم إلى مناطقهم، إلا أن هذا المؤتمر فشل بعد مقاطعة دولية واسعة، وتأكيد المجموعة المصغرة أن عودة اللاجئين وإعادة الإعمار مرتبطان بتحقيق تقدم في مسار العملية السياسية.
عن هذا الملف، يقول العبدة إن “هناك أكثر من 13 مليون سوري ما بين لاجئ ونازح، هذا يعني أن أكثر من نصف الشعب السوري مُهجر بسبب ممارسات النظام وحلفائه”، موضحاً أن هيئة التفاوض ستُقيم “فعالية دولية خلال الشهر الحالي، وسيكون خلالها بث مباشر من داخل سورية وخارجها، من المخيمات، وذلك من أجل إطلاع الجانب الدولي على حال السوريين وأوضاعهم”.
ويضيف أن “موقع السوريين النازحين واللاجئين مهم في العملية السياسية، بل يمكن القول إنه موقع أساسي، إذ لا يمكن الحديث عن الحل السياسي من دون أخذ مصالح ومتطلبات وحقوق هؤلاء النازحين واللاجئين بعين الاعتبار”، معتبراً أن “النظام يحاول استغلال هذا الملف من أجل رفع العقوبات والبدء بعملية إعادة الإعمار، ورأينا هذا من خلال المؤتمر الذي عقده بدعم روسي في دمشق، والذي فشل فشلاً ذريعاً على كل الأصعدة”.ويرى العبدة أن على “النظام وحلفائه إدراك أنه لن تكون هناك عودة للاجئين إلا عبر تحقيق انتقال سياسي، ووسط بيئة آمنة ومحايدة”، متابعاً: “رأينا أن كثيراً من السوريين الذين عادوا إلى سورية واجهوا مخاطر أمنية جسيمة واعتقال من قبل الأجهزة الأمنية للنظام”.