• الجمعة , 22 نوفمبر 2024

إخطارات جديدة بوفاة مئات المحتجزين داخل سجون الأجهزة الأمنية السورية

تحديث: ما لا يقلّ عن 700 وثيقة وفاة كانت قد وردت إلى دوائر السجل المدني في محافظة حماه وحدها في أوائل العام 2019

مقدمة:

عاودت دوائر السجل المدني التابعة للحكومة السورية، إبلاغ العديد من ذوي المحتجزين بوفاتهم داخل مراكز الاحتجاز التابعة لها، وذلك  خلال الفترة الممتدة ما بين بدايات شهر كانون الأول/ديسمبر 2018، وحتى أواخر شهر شباط/فبراير 2019، ففي محافظتي حماه وإدلب، صُدمت العشرات من عائلات الضحايا بإعلان الوفاة بعد سنوات من الانتظار، وروى العديد من شهود العيان وأهالي الضحايا لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، بأنّ دائرة السجل المدني في محافظة حماه، كانت قد قامت بتسليمهم وثائق بوفاة ذويهم، دونما تسليم للجثث أو تزويدهم بمكان الدفن، وبحسب العديد من المعلومات والوثائق التي حصلت عليها سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، فقد سُجّلت وفاة العديد من أولئك المحتجزين عقب فترة ليست طويلة من احتجازهم، لكن لم يتم الإبلاغ بوفاتهم إلا في بداية العام 2019.

وبحسب المعلومات التي حصلت عليها الباحثات الميدانيات لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة في مدينة حماه، فإنّ هنالك قرابة 700 وثيقة وفاة لمحتجزين، كانت قد وردت إلى دائرة السجل المدني في مدينة حماه وريفها، وذلك منذ بداية العام 2019، وحتى تاريخ إعداد هذا التقرير في شهر أيار/مايو 2019.

كما ذكرنّ بأنّ دائرة الأحوال المدنية في مدينة حماه، كانت قد شهدت في أواخر العام 2018، ازدحاماً غير مسبوق لذوي محتجزين، تمّ إخطارهم بوفاتهم، وأضفنّ بأن معظم المراجعين للدائرة كانوا من النساء، وخاصة أنّ لا أحد من الشبان يجرؤ على الذهاب للسؤال والاستفسار عن ذويهم المحتجزين، خوفاً من الاعتقال، كما أفدنّ بأنّه تمّ الإخطار بوفاة ما لا يقلّ عن 60 شخصاً محتجزاً، من قبل دوائر الأحوال المدنية في عموم محافظة حماه، وذلك خلال شهر كانون الأول/ديسمبر 2018 وحده.

ومنذ شهر أيار/مايو 2018، بدأت تصل إلى دوائر السجلات المدنية في أكثر من محافظة سورية، وعلى رأسها دمشق وريفها وحماه وحلب والحسكة، قوائم بأسماء معتقلين ومحتجزين، توفوا داخل سجون الأجهزة الأمنية السورية وتحت عهدة الحكومة السورية، لتعلم بعض العائلات فيما بعد، نبأ وفاة أحد أفرادها عند استخراج بيان قيد مدني (إخراج قيد) للسجين أو المفقود، أو بيان عائلي للعائلة من السجلات المدنية، وقد وثقت سوريون من أجل الحقيقة والعدالة بالتعاون مع شبكة صوت العاصمة، والوحدة السورية للصحافة الاستقصائية – سراج، من خلال هذا التقرير، عدد من الحالات لمحتجزين توفوا داخل سجون الأجهزة الأمنية السورية.[1]

وكانت لجنة التحقيق الدولية المستقلة والمعنية بالجمهورية العربية السورية، قد أصدرت بتاريخ 27 تشرين الثاني/نوفمبر 2018، ورقة[2] في أعقاب ورود معلومات حول وفاة عدد من المحتجزين والمفقودين داخل السجون السورية، مستخلصة إلى أنّ تحديث سجل هؤلاء المختفين يعني اعتراف المسؤولين الحكوميين، بمن فيهم كبار أعضاء فيلق الشرطة العسكرية في الجمهورية العربية السورية بأن لديهم معلومات عن مصير المتوفين، بما في ذلك تاريخ الوفاة المفترض. ولهذا الغرض، تُقر الدولة ضمنياً أيضاً بمعرفتها بالمكان الذي كان الشخص موجوداً فيه عند وفاته، وكذلك قيامها بدور ما في الوفاة في حالات الإعدام بموجب أمر محكمة أو حالات الإعدام خارج نطاق القضاء.

عائلات تتسلّم إخطارات وفاة جديدة بمدينة حماه في بداية العام 1. 2019:

في أوائل العام 2019، وثقت سوريون من أجل الحقيقة والعدالة حصول عدد جديد من العائلات في مدينة حماة الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية، على شهادات تُثبت بوفاة ذويهم المحتجزين، على الرغم من أنّ هذه الوثائق كانت تتواجد في دائرة السجل المدني منذ أعوام سابقة، بحسب المعلومات التي أدلت بها عائلات الضحايا وأقاربهم.

“خليل.م” من مواليد مدينة حماه، متزوج ولديه أطفال، كان قد تعرّض للاعتقال من قبل عناصر تابعين لفرع الأمن العسكري/شعبة المخابرات العسكرية إثر مداهمة منزله في شهر أيلول/سبتمبر 2011، وفي بداية العام 2012، علمت عائلة “خليل” من خلال أحد المحتجزين المفرج عنهم من الفرع رقم 215 في مدينة دمشق، بأنّ “خليل” كان محتجزاً هناك، وبأنّ حالته الصحية تعاني من التدهور، ثمّ انقطعت أخبار الضحية عن عائلته تماماً حتى منتصف عام 2014، حيث علمت عائلته مرة أخرى من خلال أحد المفرج عنهم من الفرع ذاته،  بأنه كان قد توفي بسبب المرض والتعذيب، وفي بداية شهر شباط/فبراير 2019، قامت عائلته باستلام وثيقة وفاته من دائرة السجل المدني في مدينة حماه، وذلك بحسب ما روى أحد أفراد عائلة الضحية لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، حيث قال:

“اعتقل شقيقي بسبب تقرير أمني كاذب/كيدي وعندما أرسل النظام قوائم أسماء المعتقلين المتوفيين الى النفوس ذهبنا أكثر من مرة ولم نحصل على إجابة، وآخر مرة ذهبنا فيها في بداية شهر شباط/فبراير 2019، قاموا بإعطائنا شهادة وفاة له وأخبرنا الموظف أنها لم تكن واردة إليهم من قبل، وقد سُجّل تاريخ وفاته في شهر آذار/مارس 2012، أي بعد أشهر قليلة من اعتقاله.”

“سمير.م” شاب آخر من مواليد مدينة حماه، وكان قد تعرّض للاحتجاز من قبل عناصر تابعين لفرع الأمن العسكري في مدينة حماه في شهر حزيران/يونيو 2013، وتمّ نقله إلى سجن صيدنايا العسكري في شهر نيسان/أبريل 2014، حيث لم تتمكن عائلته من زيارته في السجن سوى مرة واحدة، وذلك بعد دفع مبلغ كبير من المال لأحد الوسطاء، وفي شهر شباط/فبراير 2019، علمت عائلته بوفاته هو الآخر، بينما كان أفراد العائلة متوجهين إلى دائرة السجل المدني في مدينة حماه، من أجل استخراج بيان قيد، وذلك بحسب ما روى أحد أقارب الضحية، لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة قائلاً:

“لم نكن نتوقع وفاته، فقد كانت دائماً ما تردنا أخبار بأنه حي، وكنا ندفع الأموال لأحد الأشخاص كي يقوموا بإطلاق سراحه، وكنا نحصل على وعود بالإفراج عنه، ولكن تفاجئنا عندما أخبرنا موظف السجل المدني، بوجود اسم سمير ضمن قوائم المتوفيين، حيث كان اسمه وارد لدائرة النفوس منذ زمن بعيد، ولكننا لم نعلم بوفاته حتى تشهر شباط/فبراير 2019، على الرغم من أنّ تاريخ وفاته كان قد سُجّل على الوثيقة في العام 2015.”

وفي شهادة أخرى، قال أحد المقرّبين من الضحية “عامر.ن” وهو من مواليد حي البياضة في مدينة حماه عام 1990، بأنه كان قد تعرّض للاعتقال هو الآخر مع صديقه “أحمد.ح” (من حي البارودية من مواليد عام 1988)، من قبل عناصر تابعين للمخابرات الجوية بمنطقة المرابط بمدينة حماه، وذلك في شهر شباط/فبراير 2012، ليتمّ إخطار ذوي الشابين بوفاتهما عبر دائرة السجل المدني في المدينة، وتحديداً في شهر كانون الثاني/يناير 2019، رغم أنّ وفاة “عامر” كانت مسجّلة في شهر حزيران/يونيو 2014، أما صديقه “أحمد” فقد سُجّلت وفاته في شهر نيسان/أبريل 2016،   حيث تحدّث أحد المقرّبين من عائلة الضحيتين لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة قائلاً:

“اعتقل عامر وأحمد معاً من قبل الأمن الجوي وطوال فترة اعتقالهما لم تحصل عائلتهما على أي خبر عنهما، وعندما علمت عائلة عامر بوفاته عبر دائرة النفوس، قامت بإخبار عائلة أحمد، والتي توجهت بدورها إلى دائرة النفوس للتأكد من مصيره إن كان حياً أو ميتاً، وعندما ذهبوا قاموا بإعطائهم بيان وفاة له أيضاً. لقد كان عامر وأحمد يعملان معاً في توزيع الإغاثة على عائلات الشهداء، وقد أبلغ عنهما أحد المخبرين، فاعتقلا خلال رحلة ذهابهما لمنزل إحدى العائلات الفقيرة والمحتاجة في منطقة المرابط.”

وقد أفادت بعض عائلات الضحايا الذين قابلتهم سوريون من أجل الحقيقة والعدالة في مدينة حماه، بأنّ أحد الموظفين بدائرة السجل المدني، أخبرهم بورود قرابة 700 شهادة وفاة لمحتجزين من مدينة حماه وريفها، لكن وبناءّ على تعليمات إدارية فإنّ الدائرة تقوم بين فترة وأخرى بإخطار عدد من ذوي المحتجزين بوفاتهم، كي لا تُحدث ضجة بين السكان، وذلك بناءّ على تعليمات وصلت لدائرة لسجل المدني ولم يفصح الموظف عن مصدرها.

2. سحق آمال ذوي المحتجزين في أواخر العام 2018:

في أواخر العام 2018، سُحقت آمال العديد من ذوي المحتجزين في مدينة حماه، حين تسلّموا إخطارات بوفاتهم،

حيث روى “ع.ق” بأنّ قريبه “رامي.ق” 30 عاماً، كان قد توفي هو الآخر في سجون الأجهزة الأمنية السورية، وتلقت عائلته إخطاراً بوفاته في شهر كانون الأول/ديسمبر 2018، وكان الضحية قد تعرّض للاعتقال في مدينة حماه في العام 2014، وتمّ نقله بين عدّة أفرع أمنية، منها جهاز الأمن العسكري وجهاز الأمن السياسي، وفي العام 2016 تمّ نقله إلى سجن صيدنايا العسكري، حيث علمت عائلته بأنه يواجه تهمة “الإرهاب والنيل من هيبة الدولة”، إضافة إلى قتل عناصر تابعين للقوات النظامية السورية، حيث تابع قريب الضحية لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة قائلاً:

“بعد أربعة أعوام على اعتقاله، وردنا نبأ وفاة رامي داخل سجن صيدنايا، ففي أواخر شهر كانون الأول/ديسمبر 2018، أخبرنا مختار الحي بضرورة التوجه إلى دائرة النفوس في حي البارودية لاستلام هوية رامي، مع التشديد على عدم إقامة أي مظاهر للعزاء، تحت طائلة الاعتقال، وعندما توجهت والدته إلى دائرة النفوس، تمّ منحها وثيقة وفاة ابنها، وقد دوّن عليها أنه توفي نتيجة نوبة قلبية، وعندما حاولت الأم الاستفسار عن جثمان ابنها، أجابها الموظف بأنه تمّ دفنه ولا يعلم عن مكانه شيئاً.”

وتعقيباً على ما سبق، روى أحد المحتجزين المفرج عنهم من سجن صيدنايا العسكري في أوائل العام 2019، لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، بأنّه كان محتجزاً مع الضحية “رامي.ق” في ذات الزنزانة لمدة أربع أشهر متتالية، حيث ذكر بأنّ العناصر كانوا قد قاموا بإنزال الضحية إلى ساحة السجن في أواخر العام 2017، حيث تعرّض للعديد من أنواع التعذيب وتمّ شبحه لخمسة أيام متتالية، دون أن يعلم المحتجزون عنه شيئاً بعد ذلك، إلى أن علموا لاحقاً بأنه كان قد توفي نتيجة التعذيب الذي مورس عليه.

ولا يختلف مصير “رامي” عن مصير “علي.ذ” من مدينة حماه، حيث روى شقيقه لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، بأنّ أخاه “علي” 37 عاماً، كان قد تعرّض للاعتقال من قبل الأجهزة الأمنية السورية في العام 2012، حيث تمّت مداهمة منزله ليلاً، وذلك بسبب مشاركته في الاحتجاجات التي اندلعت ضدّ الحكومة السورية آنذاك، حيث تمّ اتهامه ب”مساعدة الإرهابيين”، وعلمت عائلته بأنه محتجز في مطار حماه العسكري، وتمّ نقله لاحقاً إلى جهاز الأمن العسكري في مدينة دمشق، ليتم نقله بعدها إلى فرع فلسطين، حيث وردت أنباء لعائلته أنه فقد بصره نتيجة التعذيب، وفي شهر كانون الأول/ديسمبر 2018، وبعد اعتقال دام حوالي ستة أعوام، تلقت عائلة الضحية نبأ وفاته، من قبل دائرة النفوس في مدينة حماه، وتمّ استدعائها لاستلام وثيقة وفاته، وبالفعل هذا ما حدث، فقد توجهت والدة الضحية إلى هناك، وقامت باستلام وثيقة وفاته إثر نوبة قلبية، ولدى سؤال الوالدة عن جثمان ابنها، أجاب الموظف بأنه لا يعلم عنها شيئاً، وبأنّ مهمته تقتصر فقط على إبلاغها بوفاة ابنها، بحسب الشاهد.

ومن جانبها حصلت سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، على تأكيد من قبل أحد المفرج عنهم من فرع فلسطين في شهر نيسان/أبريل 2018، وذلك بعد إمضائه أربعة أعوام من الاحتجاز في ذلك الفرع، بأنّ الضحية “علي.ذ” كان محتجزاً بصحبته في ذات “المهجع”، وبأنه علم بوفاته نتيجة التعذيب الشديد وتحديداً في بدايات العام 2018.

“ك.ق” شاهدة أخرى من مدينة حماه، قالت لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، بأنّ أخاها “غ.ق”، كان قد تمّ اعتقاله في أواخر العام 2015، إثر مشاركته في الاحتجاجات ضدّ الحكومة السورية، حيث تمّ احتجازه في فرع المخابرات الجوية في مدينة حماه، وانقطعت أخباره عن عائلته مدة ثلاث سنوات، وفي شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2018، تلقت عائلته نبأ وفاته، وحول هذا تحدّثت قائلة:

“كان عائلتي قد تلقت اتصالاً من قسم شرطة الحميدية الواقع في منطقة الحاضر، من أجل إعلامهم بوفاة شقيقي، وعندما توجهت والدتي إلى القسم، قالوا لها بأنّ شقيقي توفي إثر صدمة كهربائية، نتيجة استخدامه سخانة للطعام، وطلبوا منها التوجه إلى دائرة النفوس من أجل استلام بطاقته الشخصية ووثيقة وفاته، وأذكر أنّ والدتي عندما توجهت للنفوس، وجدت أنّ اسم شقيقي موجوداً ضمن قوائم المعتقلين الذين توفوا، فخرجت للشارع وهي تبكي وتضرب نفسها، حيث مازالت تأمل حتى هذه اللحظة بأنّ تكون وثيقة وفاته مزورة، وبأنّ يكون شقيقي حياً يرزق.”

وفي السياق ذاته، روى أحد المفرج عنهم من فرع المخابرات الجوية بمدينة حماه في العام 2017، بأنّه شاهد الضحية “غ.ق” خلال فترة احتجازه في الفرع (كان قد اعتقل في العام 2016)، حيث روى بأنّ الضحية كانت يتعرض للتعذيب المستمر والضرب المبرح وخاصة على الرأس إلى أن توفي في شهر حزيران/يونيو 2016، نتيجة إصابته بكسر في الجمجمة.

عائلة الضحية “رأفت.ح” من مدينة حماه، كانت قد تلقت هي الأخرى إخطاراً بوفاته في شهر تشرين الأول/أكتوبر 2018، حيث روى شقيقه لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، بأنّ أخاه “رأفت” 40 عاماً، متزوج ولديه أطفال،  كان محتجزاً في سجون الأجهزة الأمنية السورية منذ العام 2014 ، حيث تحدّث في هذا الصدد قائلاً:

“كان شقيقي قد تعرّض للاعتقال إثر تقرير كيدي رفع بحقّه، ولم نكن نعلم عنه شيئاً سوى أنه كان محتجزاً في سجن صيدنايا العسكري، وفي شهر تشرين الأول/أكتوبر 2018، تمّ إبلاغنا من قبل دائرة النفوس في مدينة حماه بوفاته، وتمّ استدعاؤنا من أجل استلام وثيقة وفاته إثر مرض الربو، وبالفعل هذا ما حدث، فقد قامت عائلتي  باستلام وثيقة وفاته إضافة إلى بطاقته الشخصية، وعندما حاولنا الاستفسار عن جثمانه، أخبرنا الموظف بأنّ الجثة قد دّفنت فور وفاته، وعندما ألحّت والدتي بالسؤال، صرخ قائلاً بالحرف الواحد:  “اشكروا الله أنكم علمتم بوفاته”، وهو ما دفع والدتي للبكاء لدى سماعها هذه الكلمات، وعندما حاولنا إقامة عزاء يليق بشقيقي، حيث طلبت والدتي من مؤذن الجامع أن ينعي اسم أخي، فوجئنا بأنّ عناصر النظام قاموا باقتحام العزاء، بواسطة سيارات الدوشكا، ومن ثمّ قاموا بالصراخ على الناس من أجل مغادرة العزاء، مهددة إياهم بالاعتقال، فاضطررنا آخر الأمر إلى إلغاء العزاء، كي لا يصاب أحد بمكروه.”

من جهة أخرى، أكدّ أحد المفرج عنهم من سجن صيدنايا العسكري في منتصف العام 2018، لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، بأنّ الضحية “رأفت.ح” كان محتجزاً برفقته في ذات الزنزانة، وروى بأنّ الضحية كان قد أصيب بجرثومة في معدته، ما جعله يمرض مرضاً شديداً، وأدى إلى وفاته في أواخر العام 2017، وذلك نتيجة المرض الشديد وقلة الطعام والدواء.

في شهر تموز/يوليو 2018، تمّ إخطار عائلة “سامر.ل” من مدينة حماه، بوفاته داخل مراكز الاحتجاز التابعة لها، حيث قال شقيقه لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة بأنّ “سامر” 46 عاماً، كان قد تعرض للاعتقال في العام 2016، بتهمة التعامل بعملة “الدولار”، إذ تمّت مداهمة منزله الكائن في المدينة، وتكسير كافة أثاثه، من قبل عناصر الأجهزة الأمنية السورية، حيث علمت عائلته لاحقاً بأنه محتجز في سجن صيدنايا العسكري، وقامت بدفع مبلغ 5 ملايين ليرة سورية إلى أحد المحامين، من أجل إطلاق سراحه، لكن دون جدوى، إلى أن تمّ استدعاء أخيه من قبل دائرة النفوس في مدينة حماه، من أجل استلام وثيقة وفاة شقيقه وبطاقته الشخصية، مضيفاً بأنّ والدته التسعينية كانت قد توفيت لاحقاً من شدة الحزن على ابنها.

بدوره أكدّ أحد المفرج عنهم من سجن صيدنايا العسكري في شهر تموز/يوليو 2017، بأنّ الضحية “سامر.ل” كان محتجزاً برفقته في الزنزانة ذاتها، وذكر بأنه وقبيل الإفراج عنه بفترة، تمّ استدعاء الضحية إلى باحة السجن، حيث انقطعت أخباره عن بقية زملائه المحتجزين مدة أسبوعين، إلى أن علموا لاحقاً بنبأ وفاته نتيجة التعذيب على حد وصفه.

  1. إخطارات جديدة في محافظة إدلب:

محافظة إدلب، كانت قد شهدت هي الأخرى، إخطار البعض من ذوي المحتجزين بوفاتهم، من قبل دوائر السجل المدني التابعة للحكومة السورية، ففي شهر نيسان/أبريل 2019، تلقت عائلة الضحية “عبد الله مازن السعود” من مواليد منطقة معرة النعمان عام 1989 إخطاراً بوفاته، حيث نشر أحد أقارب الضحية على مواقع التواصل الاجتماعي، منشوراً ينعي فيه الضحية وينشر من خلاله شهادة وفاته، ويذكر أنّ سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، كانت قد وثقت احتجاز الضحية من قبل الأجهزة الأمنية السورية في 21 شباط/فبراير 2012 وتحديداً عندما كان طالباً جامعياً في قسم علم الاجتماع بكلية الآداب في جامعة حلب.[3]

والد الضحية “أحمد عبد الحميد المصطفى” من مواليد بلدة كرناز في ريف حماه عام 1980، كان قد تلقى هو الآخر نبأ وفاة ابنه في سجون الأجهزة الأمنية السورية، وذلك بتاريخ 9 كانون الأول/ديسمبر 2018، حيث قامت دائرة السجل المدني في مدينة محردة والتي تتبع لها سجلات بلدة كرناز في ريف حماه، باستدعائه من أجل إبلاغه شفهياً بوفاة ابنه في أحد السجون/دون تحديدها منذ تاريخ 25 أيار/مايو 2012، حيث كان”أحمد” كان قد تعرّض للاعتقال على إحدى الحواجز العسكرية التابعة للقوات النظامية السورية في مدينة إدلب وتحديداً بتاريخ 7 آب/أغسطس 2011، حيث روى أحد أقاربه ويدعى “حسين وردة” لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة في هذا الخصوص قائلاً:

“كان أحمد حائزاً على شهادة التعليم الثانوي، كما أنه والد لثلاثة أطفال، وكانت قوات النظام قد اعتقلته خلال تواجده في مدينة إدلب وتحديداً في العام 2011، حيث قامت أحد الحواجز العسكرية التابعة للنظام بتوقيفه للتفتيش واحتجازه بينما كان يستقلّ سيارته، وذلك حسبما أخبرنا به أحد ضباط النظام والذي تواسط لنا وأبلغنا بالحادثة بعد فقداننا لأحمد بأكثر من أسبوع،  ومنذ ذلك الحين لم نسمع أيّ  خبر عن أحمد ولم نعرف حتى ما هي التهمة الموجهة إليه، وبعد شهر من اعتقاله تمكنا من الحصول على سيارته، وخلال رحلة بحث والده وزوجته عنه في العام 2016، علموا أنّ أحمد محتجزاً في سجن القابون في دمشق، ولدى سؤالهم عنه أحد الضباط هناك، أكدّ لهم بأنّ أحمد لازال على قيد الحياة.”

وتابع “وردة” بأنّ دائرة السجل المدني في مدينة محردة لم تقم بتزويد والد “أحمد” بأيّ وثيقة وفاة أو حتى بطاقته الشخصية، وحول ذلك تابع وردة قائلاً:

“تم استدعاء والد أحمد من قبل دائرة السجل المدني في مدينة محردة، للحضور في أقرب وقت ممكن، مما أثار حفيظة الأب الذي سعى لأكثر من 6 سنوات، ما بين الأفرع والسجون ودوائر القضاء التابعة لقوات النظام، من أجل سماع أيّ خبر عن ابنه، إلا أنّ كلام الموظف في دائرة نفوس محردة أغلق جميع الأبواب والمنافذ أمام والد أحمد، والذي تلّقى كلمات الموظف والدموع تنهمر من عيناه وقلبه يكاد يتوقف من الحزن، حين علم أنّ ابنه توفي بعد 10 أشهر فقط من اعتقاله، وقد تمّ إبلاغ والد أحمد بوفاة ابنه شفهياً دون تزويده بأيّ وثيقة ممهورة بختم أو توقيع، وعندما حاول الوالد الاستفسار عن جثمان ابنه، أكدّ له الموظف بأنه لا يعلم عنها شيئاً.”

“صطوف طالب الأحمد” من مواليد ناحية محمبل في محافظة إدلب عام 1989، متزوج ولديه طفلان، كان قد احتجز هو الآخر من قبل جهاز الأمن العسكري في منطقة الرمل الجنوبي في محافظة اللاذقية، وتحديداً بتاريخ 25 تشرين الأول/أكتوبر 2014، لتبلغ عائلته بوفاته هو الآخر وذلك في أواخر العام 2018، حيث تحدّث شقيقه “عماد” لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة في هذا الصدد قائلاً:

“في ذلك اليوم، تمّت مداهمة منزلنا من قبل عناصر تابعين لجهاز الأمن العسكري، في منطقة الرمل الجنوبي بمحافظة اللاذقية، حيث عمدوا إلى اعتقال شقيقي واقتياده إلى جهة مجهولة، علمنا لاحقاً أنها مفرزة الأمن العسكري في اللاذقية، بحسب ما أخبرنا به أحد المحتجزين الذين احتجزوا هنالك برفقة “صطوف”، وأفرج عنه لاحقاً، كما أخبرنا بأنّ التهمة التي كانت موجهة لشقيقي، هي التظاهر ضدّ الحكومة وتشكيل مجموعات إرهابية، ونتيجة الضغط النفسي والأسى الذي شكّله غياب “صطوف” عن المنزل، والتفكير الدائم بمصيره، قرر والدي أن يتجه إلى دمشق، رغم كبر سنه، للبحث عن ابنه ودفع المال للمحامين علّه يحصل على أيّ خبر قد يهدئ باله، إلى أن التقى بمحامٍ طلب منه دفع مبلغ  400 ألف ليرة سورية، لتحويل “صطوف” إلى سجن عدرا بدلاً من سجن صيدنايا سيء الصيت، فما كان من والدي إلا الموافقة على دفع المبلغ، وبعد عودة والدي إلى المنزل بعشرة أيام، اتصل به المحامي طالباً منه المجيء إلى دمشق، فظنّ والدي أنه سيرى ابنه أخيراً، لكنّه فوجئ عندما أخبره المحامي بأنّ “صطوف” قد توفي بتاريخ 14 تشرين الثاني/نوفمبر 2015، أي بعد عام تقريباً من اعتقاله، كما أعلمه بأنّ عليه التوجه إلى الشرطة العسكرية في منطقة القابون في مدينة دمشق، كي يتأكد ويحصل على الثبوتيات، وبالفعل توجه والدي وهو هائم على وجهه إلى هناك وبعد أسبوع، شاهد اسم شقيقي ضمن قائمة تضمّ أسماء المعتقلين المتوفين لأسباب صحية، ومن هول حزنه ومصابه، قرر العودة دون الحصول على وثيقة وفاته.”

من شدّة الألم والأسى الذي ألمّ به، أصيب والد “صطوف” بذبحة صدرية فقد حياته على إثرها، في حين لازالت والدته تعيش على أمل لقاء ابنها وبقائه علت قيد الحياة، وحالها كحال أطفال “صطوف” والذين تتراوح أعمارهم ما بين 4 إلى 6 سنوات، والذين يعيشون هم أيضاً على أمل لقاء والدهما حتى يومنا هذا.

المصدر: سوريون من أجل الحقيقة والعدالة

 

مقالات ذات صلة

USA