غسان المفلح
منذ أن وضع القرار الأممي ٢٢٥٤ لشرعنة المقتلة السورية وتزمين الخراب ونحن نواجه مزيداً من الدم السوري مقابل الشعارات الدولية الرنانة. من هـذه الشعارات كان شعار “إعادة إعمار سوريا”.أكثر من خمس سنوات دموية تحول هـذا الشعار إلى عنوان بحثي أو متداول على طريقة البداهة.
حتى الدول الأوروبية الغنية، ومعها اليابان مثلاً، ليس لديها النية للمساهمة في ذلك لسببين: الأول: سوريا ليست سوقاً رابحة في ظل استمرار هذا النظام من جهة، وحتى إذا سقط هذا النظام ستبقى كذلك ما لم يكون هنالك إرادة سياسية.السبب الثاني: لأن أمريكا لا تريد هذا الإعمار، فلن تجرؤ هذه الدول على الدخول في مثل هذه المغامرة. سوريا بلد تم حرقه على كافة الصعد، لا يصلح للبناء على ما بقي منه.
كل هذه الدول تقدم كافة القرائن التي تقول: إن الأسدية نظام مجرم لا يمكن الوثوق به. بنفس الوقت لا يريدون إسقاطه ويعملون كي يبقى وفقاً لتصورات لا تعرفها سوى أمريكا. فمن أين تأتي إعادة الإعمار؟ حتى التواجد الصيني في هذا الملف في النهاية لن يكون سوى اختباراً حذراً للسياسة الأمريكية تجاه الصين. ما الذي يرشح إذاً من هذه التصورات الأمريكية؟ هذا يقودنا في الحقيقة إلى متاهة من التأويلات للخطاب الأمريكي من جهة، وللممارسات العملية الأمريكية من جهة أخرى.
الموقف الأمريكي منذ انطلاق الثورة السورية آذار ٢٠١١ موقفه واضح أنه ضد إسقاط الأسد.وعملت طوال هذا العقد كي لا يسقط الأسد، سواء لجهة بناء التحالفات المؤقتة أو العداوات الطارئة أو التنسيقات المتغيرة، حسب التوقيت الأمريكي في الملف، لكي لا يسقط النظام، وكي يتم اقتلاع نصف سكان سوريا وما يبقى لا يصلح أن يكون بلداً وليس فيه دولة حتى وفقاً لأدنى المعايير. في إطار ما أسميناه منـذ انطلاق الثورة إن أمريكا تريد جريمة أسدية- دولية في سوريا وتريد إعادة تأهيل المجرمين فيها. ببساطة يمكننا وضع عنوان لهذه التأويلات هو “تدوير الخراب الذي يقتضي تدوير النفايات السياسية- الأمنية المسيطرة بقوة السلاح، بدءاً بروسيا وانتهاء بإيران، مروراً بالأسدية وقسد والجيش الوطني التابع لتركيا، إضافة لإمارة الجولاني في إدلب حتى يتغير التوقيت الأمريكي هذا في سوريا والمنطقة. إذا نتحدث عن ترميمات للقوى المسيطرة هذه فقط! هذا هو المطروح أمريكيا.
ترميمات من شأنها ترميم قوى الخراب وتدويرها في عملية تأهيل جريمة دولية موصوفة لم يعرف التاريخ مثيلاً لها. لهذا أي حديث عن إعادة إعمار هو حرف للوقائع العنيدة وإلهاء البشر بأمل غير مطروح على طاولة البحث للأسف.