• الأحد , 24 نوفمبر 2024

إعادة إعمار أم تدوير الخراب؟

غسان المفلح

منذ أن وضع القرار الأممي ٢٢٥٤ لشرعنة المقتلة السورية وتزمين الخراب ونحن نواجه مزيداً من الدم السوري مقابل الشعارات الدولية الرنانة. من هـذه الشعارات كان شعار “إعادة إعمار سوريا”.أكثر من خمس سنوات دموية تحول هـذا الشعار إلى عنوان بحثي أو متداول على طريقة البداهة.

إعادة الإعمار تحتاج مئات مليارات الدولارات غير متوفرة، كما يحتاج إلى إرادة دولية غير موجودة. أموال غير متوفرة من أجل سوريا أيضاً ولن تتوفر لغياب الإرادة ذاتها. هل تم إعادة إعمار العراق مثلاً أو أفغانستان بعد عقدين من الاحتلال الأمريكي لهما؟.إعادة الإعمار بالنسبة لهذه الدول القادرة يجب أن تكون سوريا سوقاً استثمارية خصبة.

هـذا باعتقادي من البداهات الرأسمالية. سوريا دمرت أسدياً ودولياً كي لا يعاد إعمارها، لأن سوريا ليست سوقاً يصلح لاسترداد هذا الكم من الرساميل. هذا أيضاً يذكرنا بإعادة إعمار لبنان. إعادة الإعمار مفتاحها سياسي وإرادة سياسية بالدرجة الأولى.أين هي هذه الإرادة السياسية؟ من هو الحامل لها؟ لا إرادة سياسية ولا أموال متوفرة.. فما هو المتوفر؟ كلما تم تدمير بلد يتم رفع شعار إعادة الإعمار.

عبارة عن تسويف إعلامي وبروباغندا سياسية، لأنه من المعروف في التاريخ المعاصر على الأقل أن الأموال تمر من بوابة السياسة.هل أمريكا التي يمكن لها أن توفر الأموال منها ومن دول أخرى مطروح لديها هذا الهدف في سوريا؟ ما الذي أعادت إعماره في الجزيرة السورية؟ لاشيء، لا سياسيا ولا اقتصاديا. الأمور تسير نحو بناء إدارة أمنية قوية فقط. سنعود إلى أمريكا في النهاية. لنستعرض الدول الأخرى المتواجدة احتلالياً في سوريا.لا روسيا ولا إيران ولا تركيا تمتلك مثل هذه الأموال إذا افترضنا أن لديها الإرادة السياسية اللازمة لذلك.

حتى الدول الأوروبية الغنية، ومعها اليابان مثلاً، ليس لديها النية للمساهمة في ذلك لسببين: الأول: سوريا ليست سوقاً رابحة في ظل استمرار هذا النظام من جهة، وحتى إذا سقط هذا النظام ستبقى كذلك ما لم يكون هنالك إرادة سياسية.السبب الثاني: لأن أمريكا لا تريد هذا الإعمار، فلن تجرؤ هذه الدول على الدخول في مثل هذه المغامرة. سوريا بلد تم حرقه على كافة الصعد، لا يصلح للبناء على ما بقي منه.

كل هذه الدول تقدم كافة القرائن التي تقول: إن الأسدية نظام مجرم لا يمكن الوثوق به. بنفس الوقت لا يريدون إسقاطه ويعملون كي يبقى وفقاً لتصورات لا تعرفها سوى أمريكا. فمن أين تأتي إعادة الإعمار؟ حتى التواجد الصيني في هذا الملف في النهاية لن يكون سوى اختباراً حذراً للسياسة الأمريكية تجاه الصين. ما الذي يرشح إذاً من هذه التصورات الأمريكية؟ هذا يقودنا في الحقيقة إلى متاهة من التأويلات للخطاب الأمريكي من جهة، وللممارسات العملية الأمريكية من جهة أخرى.

الموقف الأمريكي منذ انطلاق الثورة السورية آذار ٢٠١١ موقفه واضح أنه ضد إسقاط الأسد.وعملت طوال هذا العقد كي لا يسقط الأسد، سواء لجهة بناء التحالفات المؤقتة أو العداوات الطارئة أو التنسيقات المتغيرة، حسب التوقيت الأمريكي في الملف، لكي لا يسقط النظام، وكي يتم اقتلاع نصف سكان سوريا وما يبقى لا يصلح أن يكون بلداً وليس فيه دولة حتى وفقاً لأدنى المعايير. في إطار ما أسميناه منـذ انطلاق الثورة إن أمريكا تريد جريمة أسدية- دولية في سوريا وتريد إعادة تأهيل المجرمين فيها. ببساطة يمكننا وضع عنوان لهذه التأويلات هو “تدوير الخراب الذي يقتضي تدوير النفايات السياسية- الأمنية المسيطرة بقوة السلاح، بدءاً بروسيا وانتهاء بإيران، مروراً بالأسدية وقسد والجيش الوطني التابع لتركيا، إضافة لإمارة الجولاني في إدلب حتى يتغير التوقيت الأمريكي هذا في سوريا والمنطقة. إذا نتحدث عن ترميمات للقوى المسيطرة هذه فقط! هذا هو المطروح أمريكيا.

ترميمات من شأنها ترميم قوى الخراب وتدويرها في عملية تأهيل جريمة دولية موصوفة لم يعرف التاريخ مثيلاً لها. لهذا أي حديث عن إعادة إعمار هو حرف للوقائع العنيدة وإلهاء البشر بأمل غير مطروح على طاولة البحث للأسف.

من ضمن هذه التصورات الترميمية هنالك عنوان اسمه “ترميم النظام” بطرق ملتوية لا تدين السياسة الأمريكية لكن لا تبرّئها أيضاً، لأنها سيدة الملف وتريد من العالم أن يعرف ذلك ويقتنع به ويعمل وفقاً لهذا الاحتياز الأمريكي للمنطقة ككل.

أمريكا من القوة بحيث لم تعد تحتاج كثيراً لتحريك أساطيلها، بل تكتفي بكلمتها وعلمها كي تفرض ما تريد. سبق وناقشنا هذا الموضوع في مواد سابقة على هذا الموقع. المطروح إذاً تأهيل الجريمة وليس إعادة إعمار بأي حال.

مقالات ذات صلة

USA