راديو فردا – ترجمة عبد الرحمن الحاج
محسن فخري زاده هو خبير نووي يحمل درجة الماجستير في الفيزياء، جنرال في الحرس الثوري الإيراني، والمسؤول الأهم عن البرنامج النووي العسكري والصواريخ الطويلة المدى والمتعددة الرؤوس، اغتيل مساء يوم 27 تشرين الثاني/نوفمبر 2020 بأسلحة خفيفة قرب طهران، وهو من أقران الجنرال قاسم سليماني الذي قتل في عملية أميركية بالطائرات المسيَّرة، ذكره بنيامين نتنياهو في 2018 بأنه المشرف على المشروع النووي الإيراني العسكري، وبحسب الوثائق التي كشفتها إسرائيل فإن فخري زادة أعاد إحياء مشروع “عماد” للقنبلة النووية الإيرانية الذي كان قد توقف عام 2003، وعندما قتل كان المنصب الرسمي له هو “رئيس مركز البحوث والإبداع” التابع لوزارة الدفاع، لكن العديد من الخبراء الإيرانيين يؤكدون أن العمل الفعلي كان هو الإشراف على صناعة القنبلة النووية الإيرانية والصواريخ البالستية المتعددة الروؤس.
كتب الصحفي والمحلل السياسي الإيراني (رضا حقیقت نژاد) مقالاً بعنوان (اغتيال فخري زاده: الإطاحة بـ”العقول المفكرة”) على موقع “راديو فردا”، وفيما يلي ترجمة المقال:اتبعت إيران في العقدين الماضيين ثلاثة برامج إستراتيجية مكلفة لتعزيز مكانتها وضمان استمرارها حسب منظور مرشد الثورة علي خامنئي وهي: البرنامج النووي، البرنامج الصاروخي، النفوذ الإقليمي. وكان القائد الرئيسي والعقل المدبر لبرنامج التسلل الإقليمي هو قاسم سليماني، والذي كان يحلم بتشكيل “هلال شيعي” في الشرق الأوسط، والذي كان ينفذه بسرعة بمساعدة شخصيات إقليمية مثل “أبو مهدي المهندس” في العراق، أما في مجال الصواريخ، فقد تولى “حسن طهراني” البرنامج وأصبح العقل المدبر له وكان يأمل ببناء “صاروخ إسرائيلي”.
وأما في المجال النووي فقد أُطلق على “محسن فخري زاده” لقب العقل المدبر والذي كان يحلم ببناء “قنبلة ذرية”.لقد شهدت هذه المشاريع الثلاثة على مدى العقد الماضي العديد من محطات الصعود والهبوط، ولكن أهم حدث في هذه المشاريع الثلاثة كان مقتل “مفكري” إيران الثلاثة وأبرز معاونيهم مثل أبو مهدي المهندس. اثنان قتلا بأمر من الرئيس الأميركي دونالد ترامب والآخر على الأرجح قتلته إسرائيل.
وعلى الرغم من صعوبة تقييم تأثير القضاء المادي على هؤلاء المسؤولين على سرعة العمل والأداء في البرامج التي تتبعها، فإنه يمكن القول إن محو “العقول المفكرة” الثلاثة للحكومة الإيرانية والتي كانت رموزاً لطموح إيران، ستترك أثراً نفسياً لا يمكن إصلاح آثاره لمدى طويل.
بالإضافة إلى الأهمية النفسية والدعائية لإزالة هؤلاء الرموز الكبار، فإن علينا أن ندرك أن أحداثًا مثل اغتيال “فخري زاده” ليست سوى جزء من برنامج هادف ومستمر لمواجهة المشاريع الطويلة المدى لإيران، هذا البرنامج المستهدف لا يقتصر على استهداف برنامج إيران النووي.
فقد تم نشر العديد من التقارير في السنوات الأخيرة حول الهجمات الإلكترونية على الأسلحة الصاروخية الإيرانية، وعن البرنامج السري الأميركي لمواجهة برنامج الصواريخ الإيراني، وعن اختبارات إطلاق الأقمار الصناعية الفاشلة. هي أمثلة إضافية على الإستراتيجية الكلية “التحجيم”.
وتمثل الضربات الصاروخية الإسرائيلية المتكررة على المواقع الإيرانية في سوريا جزءاً آخر من اللغز الذي يهدف إلى “تحجيم” إيران في المنطقة والشرق الأوسط، وكلها تتحرك في نفس الاتجاه.حتى بالنسبة لبعض مؤيدي الاتفاق النووي، فقد لعب الاتفاق النووي دوراً رئيسياً في “الإضعاف الأقصى (التحجيم)” برنامج إيران النووي وتقييد قدرة الجمهورية الإيرانية، لكن الحكومة الإسرائيلية تعارض هذا التقييم وتعتقد أن إيران ما تزال تسعى للحصول على السلاح النووي تحت ستار صفقة اتفاق نووي يمكن إبرامها.ومن هذا المنظور فإن اغتيال فخري زاده على المدى المتوسط هو استمرار لسلسلة من الأحداث التي اشتدت منذ 30 شباط 1996:
في المرة الأولى، في فبراير 1996، سرق عملاء إسرائيليون أرشيفات البرنامج النووي الإيراني، بما في ذلك 55000 وثيقة و183 قرص مدمج، من منطقة في شراباد (طهران) في شاحنتين، ثم بعد شهرين، في مايو 1997، ذكر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو محسن فخري زاده ثلاث مرات خلال كشف النقاب عن الوثائق المسروقة، والتي قال إنها زادت بشكل كبير معرفة المخابرات الإسرائيلية بشأن برنامج إيران النووي، وبعد أربعة أشهر في سبتمبر 1997، عرض رئيس الوزراء الإسرائيلي على الجمعية العامة للأمم المتحدة صوراً لـ”منشأة سرية جديدة” في منطقة “توركوزاباد” بطهران، فاضحاً “صناعة الأسلحة النووية”، في الواقع وقعت إيران في ورطة بعد هذا الكشف الذي مضى عليه وقتها 27 شهراً، ولم تتمكن بعد من تقديم إجابة مقنعة للوكالة الدولية للطاقة الذرية، وبعد ثماني سنوات، أصدرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية قراراً آخر ضد إيران في يونيو 1999.وفي تموز (يوليو) 1999، وجهت ضربة للمرة الثالثة لبرنامج إيران النووي وانفجر مركز الطرد المركزي الإيراني في موقع نطنز النووي، مما أدى، حسب بعض التحليلات، إلى تأخير البرنامج النووي الإيراني لمدة عامين، وأخيراً الضربة للمرة الرابعة على التوالي ضد برنامج إيران النووي كانت اغتيال محسن فخري زاده.
باختصار يبدو أن الحكومة الإسرائيلية تريد القول: إنه بالإضافة إلى توسيع تطبيق إستراتيجية “التحجيم” لتطول مجالات أخرى، فإنه يمكنها التحرك ومواجهة أي نية إيرانية لتجاوز الخطوط الحمر بالاعتماد على المعرفة الاستخبارية القوية لديها.كان اغتيال “فخري زادة” أيضاً على جدول أعمال الموساد من أواخر عام 1984 إلى أواخر عام 1987 وفقاً لتقارير وسائل الإعلام الإسرائيلية الصادرة في مايو 1997، غير أن المسؤولين الإسرائيليين رأوا بأن بقاءه يمكِّنهم من متابعة أوثق لبرنامج إيران النووي، ولذلك أوقفوا الاغتيال، لكن الآن، وبعد خمسة عشر عاماً من تلك الخطة لاغتياله، قد يبعث اغتيال “فخري زاده” برسالة مفادها أنه على الرغم من مزاعم إيران، وخاصة الحرس الثوري الإيراني، حول قوتها الأمنية ومظلة الحماية المتزايدة، إلا أن إسرائيل لا تزال لديها القدرة على تنفيذ ما تريد [داخل إيران].
الواقع أنه لم يتضح بعد سبب اختيار فخري زاده للاغتيال الآن، ولكن وبحسب بعض التقارير التي نُشرت في العام الماضي حول تكثيف البعد العسكري لبرنامج إيران النووي المتمركز حول فخري زادة، ربما تكون الحكومة الإسرائيلية قد خلصت في تقييم جديد إلى أن إزالته هي “ضربة قاضية” للبرنامج وأن موته أكثر فائدة من بقائه على قيد الحياة.
حسب بعض المعلقين المحليين الذين لم يعتبروا فخري زاده عالماً نووياً، ربما لم يلعب دوراً رئيسياً في الجولة الجديدة من الأنشطة النووية الإيرانية، ومع ذلك فإن إزالته كرمز رئيسي للبرنامج هو ضربة نفسية كبيرة جرى تقييمها مسبقاً ثم تمَّ تنفيذها من قبل الفاعلين.
وأيا ما تكن الأسباب، فإن ما حصل هو تغيير مهم ويرسل رسالة صريحة إلى إيران بأن يد الإسرائيليين طويلة.