رينا نيتجيس باحثة هولندية مهتمة بالشؤون العربية قدمت تقارير عديدة من سوريا طوال فترة الحرب. عملت سابقًا كمراسلة في القاهرة لصحيفة “بارول” وراديو (BNR) في هولندا.
بعد اجتماع عُقد في دمشق الأسبوع الماضي بين رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي إلى سوريا دان ستوينيسكو، والمفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فيليبو غراندي، نشرت بعثة الاتحاد الأوروبي إلى سوريا بيانًا على تويتر كشف عن الفقاعة التي يتحدث عنها القليل من الدبلوماسيين الغربيين الذين لا يزالون في دمشق.
وغرّدت بعثة الإتحاد الأوروبي في إشارة إلى إعادة اللاجئين السوريين إلى أوطانهم: “سيدعم الاتحاد الأوروبي عمليات العودة التي تيسّرها الأمم المتحدة في الوقت المناسب، عندما وحالما تصبح الظروف متاحة”.لستَ مضطرًا للسفر بعيدًا عن وسط دمشق للتعرف على الواقع—وكيف بدت بعثة الاتحاد الأوروبي بعيدة عن هذا الواقع.
لا يزال السوريون يفرّون من مناطق سيطرة النظام كل يوم. يفضل العديد من المهجّرين داخليًا البقاء في مخيمات النازحين البائسة بدلًا من المخاطرة بالعودة إلى المناطق التي يسيطر عليها النظام حيث قد يتعرضون لخطر الاعتقال أو التعذيب. ومرة أخرى، سواء كانوا يعيشون في ظروف غير مستقرة في سوريا أو كلاجئين في البلدان المجاورة، يتطلع العديد من السوريين للوصول إلى أوروبا، إما عن طريق البر أو في المعابر الخطرة عن طريق البحر.في عام 2015، تحول ملايين اللاجئين السوريين الفارين من الحرب إلى “أزمة” في أوروبا. السوريون يغادرون الآن، إلى حد كبير، لأنهم يخشون من نتيجة التطبيع مع الرئيس بشار الأسد.
فمع قيام المزيد من دول الشرق الأوسط بإعادة العلاقات الدبلوماسية مع نظام الأسد بعد جمود العلاقات لأكثر من عقد من الحرب، يفقد العديد من السوريين الأمل في العيش في سوريا أو العودة إليها، طالما أنها تحت حكم الأسد الوحشي. في تركيا، التي استضافت ملايين اللاجئين السوريين، هناك مخاوف متزايدة بشأن مستقبلهم في البلاد، بالنظر إلى تزايد المشاعر المعادية للاجئين وتغيير الحكومة التركية لهجتها تجاه الأسد.
تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الأخيرة بأن تركيا لا تسعى إلى هزيمة الأسد أو إزاحته، ملمحًا إلى تطبيع العلاقات، وتصريحات وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو بأن تركيا ليس لديها شروط مسبقة للحوار مع سوريا، قد تكون مجرد حملة انتخابية قبل الانتخابات الحاسمة العام المقبل، في الوقت الذي يتطلع حزب العدالة والتنمية الحاكم بزعامة أردوغان إلى التصدي لمعارضة أقوى. لكن هذا لا يريح السوريين الذين يخشون رد الفعل المتزايد على اللاجئين في تركيا التي انهار فيها اقتصاد البلاد في السنوات الأخيرة.
شكّل آلاف السوريين في تركيا هذا الشهر قافلة للتحرك بشكل جماعي إلى حدود تركيا مع الاتحاد الأوروبي، في بلغاريا واليونان.دأبت المعارضة السياسية التركية على الدعوة إلى التطبيع مع نظام الأسد لسنوات حتى الآن، ما يعكس المشاعر التركية الشعبية.
قال جاويش أوغلو الشهر الماضي: “يجب أن نجعل المعارضة والنظام يتصالحان بطريقة ما في سوريا، وإلا لن يكون هناك سلام دائم”، وهي رسالة نقلها على ما يبدو العام الماضي إلى نظيره السوري فيصل المقداد على هامش قمة حركة عدم الانحياز في صربيا. كان هناك المزيد من المؤشرات على ذوبان الجليد الدبلوماسي بين تركيا وسوريا هذا الشهر.
وبحسب ما ورد أراد أردوغان مقابلة الأسد إذا حضر الرئيس السوري قمة عُقدت مؤخرًا في أوزبكستان، وقيل أن رئيس المخابرات التركية التقى عدة مرات مع رئيس المخابرات السورية علي مملوك في دمشق في الأسابيع الأخيرة، بناءً على طلب من روسيا.في غضون ذلك، في شمال سوريا، آخر معقل للمعارضة المناهضة للأسد، هناك مخاوف مماثلة بشأن ما يخبئه المستقبل.
أظهرت الحرب المستمرة علامات جديدة على مزيد من التصعيد، بما في ذلك التوغل التركي. وعلاوة على تدهور الوضع الاقتصادي والأمني، هناك الآن احتمال أن يستعيد نظام الأسد السيطرة على المزيد من الأراضي في شمال سوريا.بالنسبة للنازحين داخليًا واللاجئين السوريين في الخارج، فإن الحسابات بسيطة. إذا كانت هناك فرصة معقولة لتحرير بلدتك أو قريتك من نظام الأسد، وأنه يمكنك العودة إلى منزلك، فستبقى في شمال سوريا أو تحاول العودة.
لكن إذا فقدت هذا الأمل إلى الأبد مع تطبيع المزيد والمزيد من الدول علاقاتها مع الأسد، فإنك ستستسلم، ثم تبدأ في التفكير في أوروبا.في المناطق القليلة المتبقية من المناطق الخارجة عن سيطرة النظام في شمال سوريا، يتزايد باطراد عدد السوريين الذين يرغبون في السفر إلى أوروبا بحثًا عن ملاذ دائم.
وينضم إليهم أشخاص يفرون من المناطق التي يسيطر عليها نظام الأسد أو قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد والمدعومة من الولايات المتحدة، حيث أن الوضع الاقتصادي أسوأ مما هو عليه في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة.
في المناطق التي لا تزال تسيطر عليها قوات المعارضة السورية بدعم من تركيا، هناك خدمات أساسية أفضل، توفرها التوصيلات بالشبكات التركية، بما في ذلك الكهرباء والانترنت والمياه، إلى جانب إمكانية التجارة عبر الحدود التركية.
كما تُستخدم الليرة التركية على نطاق واسع في مناطق المعارضة تلك، ومع كل مشاكل الليرة التركية المتعلقة بانخفاض قيمة العملة، فإنها لا تزال أفضل من الليرة السورية المتدنية بشكل كبير.قال زين العابدين، وهو صحفي سوري في الرقة، في مقابلة معه: “هناك موجة غير مسبوقة من الناس الذين يغادرون المنطقة”. وأضاف: “منذ يونيو/حزيران، يرحل شباب من مناطق شرق الفرات من دير الزور والرقة والحسكة”.
وقال أن الأسباب هي “الاعتقالات العشوائية والتجنيد الإجباري—بالإضافة إلى وفاة بعض الرجال تحت التعذيب أثناء احتجازهم من قبل قوات سوريا الديمقراطية”. وأضاف: “الوضع الاقتصادي سيء للغاية”، حيث أدى نقص المياه النظيفة إلى تفشي مرض الكوليرا المميت.
وقال زين العابدين، في إشارة إلى الجيش الوطني السوري، المعروف باسم الجيش السوري الحر، “يفر الشباب الأكراد إلى كردستان العراق أو تركيا، ويهرب الشباب من دير الزور والرقة إلى مناطق الجيش الوطني السوري، ثم إلى تركيا. من هناك، يفرون إلى أوروبا”.
وصل أكثر من 46 ألف شخص إلى بلدة رأس العين الحدودية، شمال شرقي سوريا، من مناطق سيطرة النظام وقوات سوريا الديمقراطية من أبريل/نيسان 2021 إلى أغسطس/آب 2022، بحسب حسين رعد، عضو المجلس المحلي في رأس العين والعضو في الائتلاف السوري المعارض، أكبر هيئة معارضة سورية. يسيطر الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا على رأس العين، حيث أضاف رعد أن النازحين وصلوا خوفًا من الاعتقال والتعذيب والتجنيد الإجباري في مناطق النظام وقوات سوريا الديمقراطية، بالإضافة إلى ارتفاع الأسعار بشكل كبير.
في القامشلي المجاورة، في قلب المناطق ذات الأغلبية الكردية في شمال شرق سوريا، تحدث محمد إسماعيل من المجلس الوطني الكردي، وهو ائتلاف من الأحزاب السياسية الكردية السورية، عن بيئة قاتمة مماثلة، حيث قال: “الوضع الاقتصادي سيء للغاية. لمدة عامين، لا يوجد موسم حصاد بسبب عدم هطول الأمطار” ما دمر منطقة زراعية غنية.
وقال إسماعيل: “هناك أزمة اقتصادية إضافية. الفقراء يظلون في منازلهم بينما الآخرون يفرّون إذا حصلوا على فرصة”—إلى كردستان العراق، أو إلى الدول الأوروبية إذا استطاعوا ذلك. لا توجد آفاق سياسية لهذه المنطقة ولا بوادر أمل”.
وبحسب إسماعيل، فإن البؤس يتفاقم بسبب حقيقة أن “الوضع الاقتصادي والوضع الأمني في أيدي حزب العمال الكردستاني وليس مجلس سوريا الديمقراطية”. وأضاف أن “الإدارة الذاتية ليس لديها موارد مالية”، متحدثًا عن منطقة الحكم الذاتي الواقعية الخاضعة للسيطرة الكردية في شمال غرب سوريا.
ويقول: “بالإضافة إلى التهديدات المستمرة لدخول تركيا—الكل يقول أنه إذا دخلت تركيا، فسنهرب—هناك الكثير من القلق والخوف. وبعد ذلك، السيناريو الأسوأ هو تسليم المنطقة إلى النظام”.لكل هذه الأسباب، يشعر معظم السوريين بالأمان في أجزاء شمال غرب سوريا التي يسيطر عليها الجيش التركي، حيث لا يكون تأثير نظام الأسد ملموسًا.
يعيش الآن أكثر من 4 ملايين سوري، كثير منهم نازحون داخليًا، في هذا الجزء من شمال غرب سوريا، شمال وغرب حلب.
وعلى الرغم من قلة المساعدة الأوروبية للمنطقة، أو عدم وجودها على الإطلاق، بسبب المعارضة الأوروبية لتدخل تركيا في سوريا، فإن نظام الأسد سيسيطر بسهولة إذا لم يكن لدى تركيا قواتها على الأرض.
وهذا من شأنه أن يدفع الكثير من السكان إلى الفرار عبر الحدود إلى تركيا، ما يفاقم وضع اللاجئين الخطير ويزيد من الضغط على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي.الآن، مع تزايد عدد الدول التي تدعو إلى التطبيع مع الأسد، يتبخر أي شعور بالأمان النسبي في شمال غرب سوريا. لقد قامت العديد من الدول العربية بالتطبيع بالفعل، حيث تقود الإمارات العربية المتحدة هذا الطريق.
وما يثير القلق بين السوريين في تركيا هو أن تركيا تسير أيضًا في هذا الاتجاه، ما قد يؤدي إلى عودة قسرية إذا أصبح اللاجئون السوريون ورقة في أي تقارب بين الأسد وأردوغان.
في شمال شرق سوريا، هناك مخاوف متزايدة من احتمال تسليم قوات سوريا الديمقراطية للمناطق الخاضعة لسيطرتها لنظام الأسد قريبًا.
قال جاسم السيد، وهو صحفي من منبج، شمال شرق حلب، ويقيم الآن في بلدة أعزاز الحدودية: “هناك زيادة طفيفة في الأشخاص الفارين من منبج. إنهم يصلون إلى مناطق المعارضة [في الشمال الغربي] ليس بهدف البقاء هناك، ولكن لدخول تركيا ومن تركيا إلى أوروبا.
والسبب هو التجنيد الإجباري من قبل قوات سوريا الديمقراطية خارج المدينة بشكل أساسي. الجميع محتجزون الآن على الطرق من منبج إلى الشرق والجنوب.
بالإضافة إلى ذلك، فهم يخشون من أن تقوم قوات سوريا الديمقراطية بتسليم مناطق للنظام، كما فعلوا من قبل”.
في ظل هذا الأمر، يبدو أن رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي إلى سوريا غافل عن مخاوف السوريين المستضعفين من التطبيع مع نظام الأسد وكيف أن هذه المخاوف تدفع بالفعل تدفقات جديدة من اللاجئين إلى خارج سوريا.
في زيارته الأخيرة إلى سوريا، قام ستوينيسكو برحلات حظيت بدعاية كبيرة إلى دمشق وحلب يمكن أن تعزز التصور بأن الاتحاد الأوروبي منفتح على إعادة التواصل مع الأسد دبلوماسيًا وتقديم صورة خاطئة عن سوريا على أنها آمنة للاجئين العائدين.
التصريحات حول دعم عودة اللاجئين بينما يحاول الأسد إصلاح أو تبييض صورته دوليًا لن تشجع على العودة إلى الوطن، ولكن من المحتمل أن تؤدي إلى النتيجة المعاكسة: المزيد من السوريين الفارين من نظامه.
ردت كاترين لانجينسيبين، العضو الألماني في البرلمان الأوروبي، بغضب على تويتر على بيان ستونيسكو حول زيارته، مذكّرة إياه بقرار البرلمان الأوروبي لعام 2021 الذي يعارض “أي تطبيع للعلاقات الدبلوماسية مع النظام السوري طالما لا يوجد تقدم جوهري في هذا الشأن على الأرض في سوريا”. فقد كتبت: “يرجى قراءة القرار فنحن واضحون تمامًا: لا محادثات دبلوماسية مع نظام الأسد”.
أو ربما نسيت بعثة الاتحاد الأوروبي إلى سوريا هذا القرار، مثل العديد من الحكومات الأوروبية التي يبدو أنها تصدّق، دون أي دليل، أن الأسد يمكن أن يكون بطريقة ما المفتاح لـ “استقرار” البلد الممزق اليوم والسماح للاجئين في أوروبا بالعودة إلى سوريا. هذا النوع من التفكير سيقنع السوريين فقط بالتخلي عن أي أمل في تغيير سياسي فعلي في بلدهم والفرار بدلًا من ذلك إلى أوروبا.