ريان محمد
العربي الجديد:24/12/2020
يبدو أن حالة الاستعصاء في الجنوب السوري، وخاصة في محافظة السويداء، تدفع إلى شكل جديد من أشكال الصراع مع بدء مسلسل الاغتيالات بشكل مشابه لما يحدث في محافظتي القنيطرة ودرعا، الأمر الذي قد يسقط قاعدة “لا حرب لا سلم” بين النظام وأهالي السويداء في المرحلة المقبلة.واغتيل، يوم أمس الأربعاء، رجلا دين من طائفة “الموحدين الدروز”، إثر استهدف سيارة كانا يستقلانها على طريق المزرعة – الدور في ريف السويداء الغربي، هما الشيخ رأفت عادل فخر الدين الشعراني وشقيقه مازن عادل فخر الدين الشعراني، وهما من أعضاء “حركة رجال الكرامة”، ولديهما شقيق الثالث يعد أحد قياداتها في الريف الغربي.
وقالت مصادر محلية إن “الشيخين كانا عائدين من مدينة السويداء إلى بلدة الدور”، لافتة إلى أن “الأهالي في المنطقة سمعوا إطلاق نار كثيف، ما دفع مجموعات محلية إلى التحرك بهدف استطلاع المنطقة، حيث وُجدا وقد فارقا الحياة، ما يشير إلى أن الهدف ليس الخطف أو السلب”.
وتأتي عملية الاغتيال هذه في وقت تشهد فيه السويداء حالة من الاستعصاء، وهي التي تعيش منذ سنوات حالة من الصراع غير المعلن مع النظام، حيث استطاع أهلها منع الأجهزة الأمنية من تنفيذ اعتقالات تعسفية بحق الناشطين المدنيين والسياسيين والمستنكفين عن الخدمة العسكرية في القوات النظامية، وإجباره على إطلاق سراح كل من يعتقلهم خارج الحدود الإدارية للمحافظة عبر الضغط عليه بحجز ضباطه وعسكرييه الموجودين في المحافظة.
وكان النظام قد حاول مؤخرا، عبر رئيس فرع أمن الدولة في السويداء العميد سالم الحوش، أن يدفع إلى تغيير هذه المعادلة، فتم الطلب من الروس طرح ما يسميه النظام “تسوية”، خاصة للشباب المستنكفين عن الخدمة العسكرية من أبناء المحافظة، بصورة مستنسخة عن “التسوية” التي طرحت في وقت سابق من الشهر الجاري على أبناء جارتها درعا، إلا أن المجتمع في السويداء ومشيخة العقل أبديا استياءهما من الطرح ورفضهما لمثل هذه التسويات في ظل سجل القوات النظامية السيئ، رابطين حل ملف الخدمة العسكرية بحل الأزمة السورية.
من جانبه، قال ناشط في السويداء تحفظ على ذكر اسمه لأسباب أمنية، في حديث مع “العربي الجديد”، إن “الأجهزة الأمنية، وخاصة الأمن العسكري وأمن الدولة، جندت خلال الفترة الماضية مجموعات من المجرمين، من أبرز متزعميها معتز مزهر وراجي فلحوط وسليم حميد ومهران عبيد، للقيام بالمهمات التي يعجز هو عن القيام بها بشكل مباشر”، مرجحا أن “يكون أكثر المستفيدين من تلك التسوية هم هؤلاء المجرمون المرتبطون بالأجهزة الأمنية، والذين اليوم يحملون بطاقات أمنية، وعلى سياراتهم المسروقة لوحات أمنية تتبع شعبة المخابرات العسكرية، بقرار من رئيس الشعبة كفاح الملحم، أول من عمل على احتواء وتجنيد المجرمين منذ كان نائب رئيس الشعبة”.
ورأى أن “أبرز المهددين اليوم بالاغتيالات هم قيادات وعناصر حركة رجال الكرامة، إضافة إلى عدد من المشايخ والوجهاء الذين يعتبرون حجر عثرة أمام تنفيذ المخططات الأمنية الرامية إلى فرض سيطرة النظام على المحافظة، التي يبدو أنه يفقد السيطرة عليها يوما بعد آخر، خوفا من أن تخرج عليه ويخسر ورقة الأقليات، وهو الذي عمل على عدم الصدام مع أهالي السويداء منذ انطلاق المظاهرات المناهضة له عام 2011، وفي وقت يحاول رئيس النظام بشار الأسد مغازلة الشارع السني لكسبه إلى جانبه في المعركة الانتخابية المقبلة إن كان من بين المترشحين لها، وهذا ما برز في خطابه الأخير خلال اجتماع وزارة الأوقاف الدوري”.
ويحذر العديد من الناشطين في السويداء من أن تتزايد عمليات الاغتيالات في المحافظة خلال الفترة المقبلة، مشيرين بإصبع الاتهام إلى الأجهزة الأمنية، التي اعتمدت سياسة الاغتيالات وفرض التسويات منذ سيطرت على مناطق المعارضة في محافظة درعا عام 2018، بهدف التخلص من جميع الشخصيات المعارضة الفاعلة، بالتوازي مع عمليات محدودة لفرض تسويات جديدة تهدف إلى زج أكبر عدد من الشباب في القوات النظامية، وتهجير الرافضين لها، ما يسمح لها بالمزيد من السيطرة.
وتتزايد وتيرة عمليات الاغتيال في الجنوب بشكل ملحوظ، في ظل تشابك الصراعات على الأرض، فمع ازدياد تغول الأجهزة الأمنية والفرقة الرابعة التابعة للنظام، ومواصلة سياسة الاعتقالات والاغتيالات لشخصيات معارضة، بدأت تسجل في كل من القنيطرة ودرعا عمليات اغتيال تطاول ضباط وعسكريي النظام.وأشار “تجمع أحرار حوران”، وهو موقع إعلامي محلي في درعا، عبر موقعه الرسمي، إلى تكرار عمليات استهداف الضباط المسؤولين عن ملف الدراسات الأمنية أو ما يسمّى “المسح السياسي” لدى النظام، منذ سيطرة الأخير بدعم من حلفائه على المحافظة في يوليو/تموز 2018، حيث يضع ناشطون في المحافظة هذه الاستهدافات في سياق الانتهاكات التي تصدر عن مسؤولي الدراسات الأمنية، والضرر الذي يُلحقونه بشبان المحافظة المطلوبين للنظام عن طريق استغلالهم وطلب أموال منهم مقابل تبييض ملفاتهم الأمنية لدى النظام، واعتقال آخرين منهم.
وأفاد التجمع أن عملية اغتيال استهدفت، مساء الأول من أمس الثلاثاء، كلا من محمد غصاب الدعاس (قرية الكوم) من مرتبات الأمن العسكري، والضابط رائد حربا (القنيطرة) من مرتبات أمن الدولة، فضلا عن إصابة محمود السيد (خان أرنبة) بجروح خطرة، عبر استهدافهم بالرصاص المباشر من قبل مجهولين في قرية العجرف بريف القنيطرة جنوبي سورية.
كما نقل الموقع المحلي، عن مصادر وصفها بالخاصة، أن مجهولين أطلقوا النار، أول من أمس الاثنين، على كل من المساعد أول محمود عزيز ضاحي، عند مفرق قرية حيط في بلدة سحم الجولان غربي درعا ما أدّى إلى مقتله على الفور، ومرافقه العنصر في الفرقة الرابعة حسين نجوى الذي عمل في صفوف “الجيش الحر” سابقاً. وفي السياق ذاته، قتل مسؤول الدراسات الأمنية لدى فرع المخابرات الجوية في مدينة داعل، المساعد أول المعروف بـ”أبو إسكندر” من ريف دمشق، إثر استهدافه بالرصاص المباشر عندما كان يستقل دراجة نارية مع مرافقه مالك العلي من ريف حمص، على الطريق العام في داعل.