عدنان أحمد العربي الجديد:9/2/2021
على الرغم من الحملات العسكرية والأمنية المستمرة ضد تنظيم “داعش” في البادية السورية والتي تشارك فيها أطراف عدة، إلا أن التنظيم يواصل شنّ هجمات على نحو لافت، ما يلقي بظلال من الشك حول حقيقة هذه الحملات، ومدى جديتها، وهل تستهدف فعلاً القضاء على التنظيم، أم أن لها أهدافاً أخرى، خاصة بكل طرف؟ وفي آخر الهجمات، أعلن المرصد السوري لحقوق الإنسان أمس الإثنين أن 26 عنصراً من قوات النظام والمسلحين الموالين لها قُتلوا أمس في كمين لتنظيم “داعش” في بادية مدينة الميادين في ريف دير الزور الشرقي. كما قُتل 11 عنصراً من التنظيم، وفق المرصد، الذي أشار إلى أن قوات النظام أرسلت تعزيزات عسكرية إلى منطقة الاشتباكات.
وفي الأيام الأخيرة، بدأت قوات النظام السوري حملة عسكرية جديدة ضد “داعش” في البادية السورية، مدعومة بمليشيات محلية وأخرى مدعومة من إيران، إضافة إلى الطيران الحربي الروسي.
ووصفت مصادر النظام، كما نقلت وسائل إعلام مقربة منه، تلك الحملة بأنها “محدودة” وتستهدف تمشيط مناطق البادية التي تربط محافظات دير الزور وحمص وحماة والرقة، خصوصاً في بادية دير الزور المتاخمة لحقل التيم النفطي، بهدف رفع مستوى حماية طريق دير الزور – دمشق بشكل أساسي، بعد الهجمات الأخيرة للتنظيم على قوافل وحافلات تقل عناصر النظام.
ويردد النظام السوري، ومعه روسيا، اتهامات للقوات الأميركية الموجودة في سورية، بتسهيل تنقّل عناصر التنظيم، ودفعهم لمهاجمة قواته ومواقع المليشيات الإيرانية.
وتحدثت وسائل إعلام موالية للنظام عن استخدام عناصر “داعش” مناطق قريبة من القاعدة الأميركية في “التنف” ومنطقة 55 كلم، لشنّ هجماتهم الأخيرة على طريق دير الزور ـ دمشق.
ووفق تلك الوسائل، يسعى الأميركيون إلى استغلال نشاط خلايا التنظيم لتعطيل الطريق الذي يربط دمشق ببغداد عبر بادية دير الزور ومعبر البوكمال، في محاولة لقطع أي تواصل عسكري وميداني بين البلدين.
وتابعت أنه يُضاف إلى ذلك سعي الأميركيين لاستخدام هذه الخلايا لضرب القوات المدعومة من إيران في البلدين، ليكون ذلك مكمّلاً للغارات التي تشنها إسرائيل والطائرات الأميركية ضد هذه القوات، في محاولة للضغط عليها للانسحاب من سورية، إضافة إلى استهداف الطرق الرئيسية لنقل البضائع، بما فيها صهاريج النفط، وجعل الطرق الحيوية الرابطة بين مناطق سيطرة النظام مناطق خطرة.
كما يتهم النظام الولايات المتحدة بالسماح لعناصر “داعش” في العراق بالتنقل بحرية باتجاه سورية، ومن ثم انتقالهم نحو البادية السورية.
وقال عمر رحمون، المعروف بأنه “عراب المصالحات” بين النظام وفصائل المعارضة، في حديث لوسائل إعلام موالية للنظام، إن استهداف الحافلات التي تقل عناصر من قوات النظام، وكذلك القاعدة الروسية في الرقة، “هو إشعار بعودة داعش، ومقدمات لظهوره من جديد، ورسالة أميركية واضحة أنها غير راضية عن الوجود السوري- الروسي شرقاً، وقد تعيد داعش لتنفيذ مهمة إخلاء القوات الروسية والسورية من شرق الفرات”.وينتشر عناصر التنظيم على شكل خلايا منعزلة في مناطق شاسعة تمتد من منطقة جبل أبو رجمين في شمال شرقي تدمر، وصولاً إلى بادية دير الزور وريفها الغربي، إضافة إلى وجودهم في بادية السخنة وفي شمال الحدود الإدارية لمحافظة السويداء، ويقومون بشنّ هجمات ونصب كمائن لقوات النظام والمليشيات التي تدعمها، ومن ثم معاودة التخفي في الكهوف والأودية، أو المناطق المفتوحة في الصحراء. وتُشكّل المنطقة المقصودة نحو نصف مساحة سورية، وتبلغ 80 ألف كيلومتر مربع، وتتميز بتضاريس وكثبان رملية تسمح لعناصر التنظيم بالتخفي والتحرك، وهي تربط بين 7 محافظات سورية:
دير الزور وحماة والرقة وحمص وحلب وريف دمشق والسويداء، وتصل إلى الحدود السورية – العراقية شرقاً والحدود – الأردنية جنوباً وأطراف الرقة ودير الزور، وهي ذات كثافة سكانية منخفضة.وإضافة إلى هذه العوامل الطبيعية، يمكن رصد مجموعة أخرى من الأسباب التي تجعل مبادرات النظام وروسيا العسكرية تجاه “داعش” قليلة الفاعلية.
من هذه العوامل، بحسب المحلل العسكري هيثم الحامد، ضعف استخبارات قوات النظام وعدم درايتها بتفاصيل المنطقة التي ينتشر فيها عناصر التنظيم، واقتصار عملياتها على ردود فعل غير منتظمة، واكتفاء روسيا بالمشاركة الجوية لإسناد قوات النظام، فضلاً عن اعتماد “داعش” استراتيجيات وتكتيكات عسكرية متقنة تقوم على حرب العصابات والتخفي في البادية.وأضاف الحامد، في حديث مع “العربي الجديد”، أن النظام، وحتى روسيا، لا يملكان تقنيات “ذكية” لتعقّب عناصر “داعش” في الصحراء، وترتكز قوتهما على صب قوة تدميرية كبيرة في مكان مكتظ ومحدود المساحة لتحويله إلى أنقاض، بينما لا يتوفر هذا الوضع في محاربة عناصر “داعش” المنتشرين بأعداد محدودة في مناطق شاسعة ومجهولة بالنسبة لهم. ولفت إلى أن النظام يعلم بوجود عناصر “داعش” في البادية السورية، لكنه لم يكن يعتبر ذلك الوجود خطراً كبيراً عليه، وكانت لديه أولويات في محاربة فصائل المعارضة شمال غربي البلاد وغيرها من المناطق، لكنه اليوم بدأ يعاني من هجمات التنظيم على طرق تنقّل قواته وبضائعه عبر البادية السورية.
واعتبر الحامد أن “داعش” بات مجرد ذريعة لدى القوى الكبرى المتدخلة في الشأن السوري، إذ يسعى الروس لاستهدافه إعلامياً فقط، من دون شنّ حملة عسكرية حقيقية ضده، وذلك في إطار ردهم على الولايات المتحدة التي تقول أيضاً إنها تحارب التنظيم، مضيفاً أن إيران غير معنية كثيراً بمحاربة التنظيم، بل ربما تعتبر أن وجوده يخدم مصالحها، لأنه يقدّم المبرر لها لمواصلة إبقاء مليشياتها في سورية. وأشار إلى أن العامل الدعائي عنصر أساسي في حملات النظام وروسيا وإيران المزعومة على “داعش”، للزعم بأنها تحارب التنظيم، بينما الولايات المتحدة لا تحاربه، بل تسهل من تحركه، وفق روايتهم.
والحقيقة أن لكل هذه الأطراف أهدافاً أخرى في “حروبها” ضد “داعش”، إذ يسعى النظام وحلفاؤه إلى جانب الدعاية السياسية، لمحاولة التمدد إلى منطقة حقول النفط والثروات الأخرى، وسط تنافس غير خافٍ بين إيران وروسيا لتثبيت وجودهما في مناطق الثروات السورية، والطرق والمواقع الاستراتيجية على طريق دمشق بغداد. كما أن “قوات سورية الديمقراطية” (قسد)، والتي أعلنت يوم الجمعة الماضي، إطلاق عمليات أمنية وعسكرية في ريفي الحسكة ودير الزور من أجل القضاء على خلايا تتبع للتنظيم في هاتين المحافظتين، تستغل هذا الوضع لترهيب واعتقال معارضيها في المناطق ذات الأغلبية العربية التي تسيطر عليها، بحجة محاربة “داعش”.