• الثلاثاء , 26 نوفمبر 2024

الحرب في سوريا صراع مجمد ولعبة صفرية ومن تراكمات حروب أمريكا على الإرهاب

إبراهيم درويش

القدس العربي:13/9/2020

طغت أخبار التطبيع التي ترعاها الولايات المتحدة بين دول خليجية وإسرائيل على النزاعات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، فالحرص على الأخبار الجيدة التي تخدم الرئيس دونالد ترامب وتؤمن له ولاية ثانية كان أهم من متابعة الحروب في اليمن وسوريا وليبيا. وتبدو هذه نزاعات مجمدة تحال الأطراف المتحاربة فيها الحفاظ على الوضع الراهن، أي تقسيمها لمناطق نفوذ.وفي سوريا تحديدا كانت زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف العاصمة دمشق على رأس وفد كبير لافتة، ليس لأنها بعد غياب سنوات عن دمشق، ولكن للوعود التي قدمها حسب الصحافة الروسية بتعزيز التعاون الاقتصادي ومساعدة سوريا على تجنب العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة خاصة “قانون قيصر” الذي لا يستهدف رموز النظام ولا شركات الدولة بل وأي كيان خارجي يتعاون مع النظام في محاولة للضغط على بشار الأسد.ولم يعد أحد يتحدث عن مسار أستانة أو جنيف ولا حتى محادثات اللجنة الدستورية التي ألغت اجتماعا لها بسبب إصابة عدد من أعضاء وفد الحكومة بفيروس كورونا. وهو مرض ينتشر بصمت في ظل تعتيم حكومي وأرقام غير حقيقية عن حجم الإصابات.وفي نزاع تحول فيه نظام الأسد إلى آلة موت وتشريد لم تعد الأرقام تهم. وتوقفت الأمم المتحدة عن إحصاء القتلى والذين تجمد عددهم على نصف مليون قتيل وتشريد نصف سكان سوريا ما قبل الحرب وملايين النازحين في داخل وطنهم، فوق دمار البلد وبناه التحتية. ولم تحترم أطراف النزاع جميعا الكرامة الإنسانية. وهناك من يقول إن الحرب انتهت وانتصر النظام من خلال الدعم العسكري والدبلوماسي الروسي إلا أن الوضع ليس كذلك. وربما رحب العالم بنهاية نظام الأسد إلا ان رحيله لن يوقف الحرب بل وسيؤدي إلى فصل جديد من النزاع، مما يعني استمرار الشعب السوري أو ما بقي عالقا تحت حكم نظام لا يرحم وعنف لا ينتهي.نهاية الأملوفي هذا السياق قدم ستيفن كوك في “فورين بوليسي” (5/9/2020) مقاربة عن الشرق الأوسط ونزاعاته وحلل فيها الأوضاع في سوريا ولبنان وليبيا وقال فيها إن حالة المنطقة لا تدعو على الأمل، فبالإضافة للحروب أكمل كوفيد-19 دائرة الألم وفي لبنان اكتملت الحلقة بانفجار مرفأ بيروت نتيجة الإهمال والفساد. وتحدث كوك عن منطقة ستظل محلا للنزاع وعدم الاستقرار، ففي الحرب السورية لم تصمت أصوات المدافع رغم ما يقال عن انتصار الأسد، فلم يتخل المقاتلون عن اسلحتهم، فيما لن تخرج تركيا من المناطق التي صممتها لحماية حدودها من منظور ولادة كيان كردي. وبات السوريون رهنا لنزاعات أخرى، خاصة في ليبيا التي تغذي الحرب فيها أطراف خارجية. ومن هنا استخدمت روسيا وتركيا مقاتلين تابعين لهما لدعم طرفي الحرب في ليبيا. وجاءت رؤية كوك ضمن طرح يدعو أمريكا لترك المنطقة ومشاكلها لأهلها. بل وفي مقال نشره موقع “بوليتيكو” (3/9/2020) ناقش أن الشرق الأوسط لم يعد مهما للسياسة الأمريكية وان على الإدارة تحديد ما هو حيوي ومهم للمصالح القومية ولا يتناقض مع القيم الأمريكية. وجاء في المقاربة التي قدمها كل من أرون ديفيد ميللر وريتشارد سوكلوسكي أن المرشح الديمقراطي جوزيف بايدن الذي وعد لو فاز بإعادة ضبط بوصلة السياسة الخارجية الأمريكية ووضع الولايات المتحدة من جديد على رأس الطاولة صحيح تعهده عندما يتعلق الأمر بالصراع مع الصين والتعاون الدولي لمواجهة الأوبئة والتغيرات المناخية ولا ينسحب على الشرق الأوسط. فمن كان الفائز في انتخابات تشرين الثاني/نوفمبر فمن المهم الاعتراف أن الشرق الأوسط المضطرب الذي تسافر إليه الأفكار لتموت لم يعد مهما للسياسة الخارجية الأمريكية ومصالح أمريكا. ولا يعكس هذا الموقف ما حصل من تحولات إقليمية جديدة ولكنه مرتبط بأولويات السياسة الأمريكية المحلية ومصالحها هناك. ولم تعد القيادة ولا الخصوصية الأمريكية قادرة على إصلاح الشرق الأوسط المحطم. ولا تستطيع أمريكا والحالة هذه لعب دور يقود إلى مستقبل أفضل في المنطقة. صحيح أن الولايات المتحدة لديها مصالح يجب عليها حمايتها، لكن على الأمريكيين أن يلتزموا بالواقعية والحصافة والانضباط للحفاظ عليها. فلو تصرف الأمريكيون بانضباط فسيجنبون أنفسهم المبالغة والغرور والمشاكل التي جلبوها على أنفسهم وتسببت بمعاناة غير ضرورية لهم ولغيرهم. وعلى سياسة امريكا في مرحلة ما بعد وباء كورونا أن تكون واضحة في تقديم الأولويات المحلية على أي مغامرة في الشرق الأوسط تستنفذ المصادر وتأخذ من وقت الرئيس. وبالنظر لخريطة التحديات التي ستواجه الإدارة القادمة، جمهورية أم ديمقراطية فإن الشرق الأوسط الذي تلاشت مخاطر الإرهاب فيه لم يعد مهما بقدر الخطر الذي يمثله فيروس كورونا الذي يعيث فسادا ويقتل الأمريكيين ومصادر حياتهم ومصداقيتهم حول العالم هو الأولوية الأولى. وآخر ما تريده أمريكا هو تبذير مال تحتاج إليه بشدة على محاولات عبثية لإصلاح أو تحويل الشرق الأوسط. ولم تعد هذه المنطقة مهمة في ظل تراجع أهميتها في مجال الطاقة. وأصبحت أمريكا مكتفية بذاتها ونسبة 85 في المئة من نفط الخليج مثلا يذهب إلى الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية وليس الولايات المتحدة. وأنفقت أمريكا 6 تريليونات دولار على تأمين مصالحها والحد من الإرهاب وتأمين النفط ولم تنفق عشر المبلغ لحماية الامريكيين من كوفيد-19 الذي قتل أكثر من 190.000 أمريكي وأكثر مما خسرته أمريكا في حرب طويلة بفيتنام.أولويات بايدنومن هنا فلن يحظى الشرق الأوسط وحروبه باهتمام من الإدارة القادمة في البيت الابيض، ففي مقال نشرته مجلة “فورين بوليسي” (9/9/2020) ناقش أن المنطقة تأتي في المرتبة الرابعة من أولويات بايدن بعد منطقة المحيط الهادي وأمريكا اللاتينية وأوروبا. وسيكون منطقة عادية في هذه الأولويات. وبالنظر لتاريخ بايدن فقد كان متشككا من التدخل الأمريكي في ليبيا ومن مكافحة التمرد في أفغانستان التي قال إنها لن تنجح. وأعرب عن رغبة بوقف الدعم الأمريكي في حرب اليمن وإعادة تقييم العلاقة مع السعودية. وهو وإن ابتعد عن الشرق الأوسط فلن يطلب منه الكثير كما فعل باراك أباما ولن يحول العلاقة مع قادته كمقايضة تجارية مثلما فعل ترامب الذي أرضى القادة الديكتاتوريين فيه مقابل صفقات الأسلحة. وظل بايدن كنائب للرئيس في إدارة أوباما يحتل الجناح الواقعي، وسيواصل التقاليد هذه لو انتخب رئيسا، لا يبتعد كثيرا ولا ينخرط كثيرا في النزاعات، خاصة أنه تسلم ملف العراق، عندما قدم نوري المالكي، رئيس الوزراء البلد إلى إيران واضطهد السنة. وسيعزز بايدن علاقته مع دول عربية معتدلة مثل الأردن التي علقت في أرجل إدارة ترامب الباحثة عن تعزيز العلاقات مع مشيخات الخليج. وفي هذا الإطار لن يتعجل بسحب القوات الأمريكية من العراق ولا من سوريا. وبحسب كتاب “غضب” الذي أعده الصحافي الإستقصائي بوب وودورد فقد كانت قرارات ترامب المتعجلة لسحب القوات من سوريا سببا في استقالة وزير دفاعه جيمس ماتيس الذي رسم صورة قاتمة عن رئيس اعتبره خطيرا ويتصرف مثل الأولاد.تناقضكل هذا لا يعطي عزاء للسوريين الذين ينتظرون أن يصحح بايدن أخطاء أوباما ويتحمل المسؤولية. وكما ناقش جوش روغين في “واشنطن بوست” (3/9/2020) فبايدن سيرث سياسة خارجية فشلت وبشكل ذريع في سوريا. ووعدت حملة بايدن بزيادة دور الولايات المتحدة في سوريا وتصعيد الضغط على الرئيس السوري بشار الأسد وتأمين الكرامة والحماية والعدالة للشعب السوري، وهو نفس الوعد الذي لم يتحقق ويسمعه السوريون منذ عقد من الأمريكيين. ويحمل بايدن ونائبته كامالا هاريس الأسد وإيران وروسيا المسؤولية عن معاناة الشعب السوري.وقال مسؤولون في حملة بايدن إن إدارة ديمقراطية في البيت الأبيض ستعيد التعامل مع سوريا من خلال الدبلوماسية وزيادة الضغط على الأسد ومنع الدعم الأمريكي لعمليات الإعمار حتى يوقف الأسد مذابحه ويوافق على مشاركة السلطة. ويرى بعض مسؤولي إدارة أوباما الذين يعملون الآن مع بايدن أن هذه فرصتهم للتوبة. ويقول توني بلينكين، نائب وزير الخارجية في عهد أوباما ومستشار بايدن: “لقد فشلنا في منع الخسارة التراجيدية للأرواح وتشريد الملايين الذين أصبحوا لاجئين أو أصبحوا نازحين في بلدهم وهذا أمر علينا العيش معه”. وقال “هذا أمر ننظر إليه بعمق وبعد ذلك، ولو منحنا السلطة سنتحرك عليه”. فقد ارتكبت إدارة أوباما سبعة أخطاء من بينها قرار وضع خط أحمر لم تفرضه بل ووثقت بروسيا كي تقوم بنزع سلاح سوريا الكيميائي بالإضافة لتسليح المعارضة السورية بقدر يجعلهم لا ينهزمون. وبنفس السياق ارتكبت إدارة ترامب أخطاء فادحة كثيرة. فقد وجهت ضربة قوية لتنظيم “الدولة” الإسلامية لكنها خسرت السلام عندما تخلت قوات سوريا الديمقراطية بشكل أثر على جهود فرض الإستقرار في المنطقة. وفوض ترامب أمر الدبلوماسية لكل من تركيا وروسيا وشن هجومين صغيرين للاستعراض فقط ثم أعلن عن سحب القوات الأمريكية وتراجع مرتين وتفاخر بسرقة نفط سوريا. ومع ذلك أثارت حملة بايدن جدلا عندما نشرت قبل فترة خطة الشراكة للتعاون مع المجتمع العربي- الأمريكي وإرباكا عندما قالت إن بايدن “سيحشد بقية الدول لإعادة إعمار سوريا” وهو ما يريده الأسد. وأثارت هذه أسئلة حول ما إذا كان بايدن يريد تطبيق قانون العقوبات “قيصر لحماية المدنيين السوريين” وهي أقوى العقوبات ضد نظام الأسد والمقربين منه وعدد كبير من الشركات التي تملكها الدولة والكيانات الأجنبية التي تتعامل مع النظام. لكن مستشار بايدن، بلينكين قال إن قانون قيصر “وسيلة مهمة جدا” للحد قدرة الأسد على تمويل العنف والضغط عليه لتغيير سلوكه. ويعطي القانون استثناءات للمساعدة الإنسانية، مضيفا أن الأسد هو سبب معاناة الشعب السوري وليس الولايات المتحدة.هل تستطيع التخلي عن مسؤوليتها؟وتظل الأزمة السورية مرتبطة كما قال سام سويني في “ناشونال ريفيو”(6/9/2020) بلعبة صفرية رافقت سوريا منذ الاستقلال. وباستثناء ثلاث سنوات من الديمقراطية عاشت البلاد سنوات من الانقلابات والانقلابات المضادة والتي انتهت بوصول عائلة الأسد التي تحكم البلاد منذ 50 عاما. وفهم حافظ الأسد اللعبة في الحكم وهو أن بقاء العائلة مهم ويقضي التخلص من كل المنافسين. وهي لعبة صفرية واضحة في حرب العقد الأخير والتي يحاول فيها كل طرف، حكومة ومعارضة إلغاء وتخوين الآخر. والأزمة غير مفصولة عن حروب أمريكا التي شنتها خلال عقدين ردا على هجمات 9/11 التي تسببت بعهد جديد من التدخلات العسكرية في الخارج وسلطات المراقبة والأمن في الداخل. وشهد حلول عهد “الحرب على الإرهاب” انتشارا للقوات الأمريكية في أنحاء العالم ضد التطرف الإسلامي.وبعد 19 عاما، بالكاد تراجع التطرف، ولا يزال الجيش الأمريكي والأموال الأمريكية تستنزف في مستنقعات خارجية. ورأى عدد غير محدود من المدنيين بيوتهم ومجتمعاتهم تدمر في سلسلة متتالية من الكوارث السياسية من غزو أمريكا للعراق إلى ثورات الربيع العربي إلى الصراعات في سوريا وأفغانستان. ورغم ما يبدو من شعور في الغرب أن فصل أو سردية هجمات 9/11 انتهت وأصبحت جزءا من صورة تراجع أمريكا وظهور النزاعات الشعبوية في العالم بدلا من العولمة، إلا من عاشوا فصول الحرب على الإرهاب التي قادتها أمريكا لا يزالون يكتوون بنارها. وقدرت دراسة نشرها معهد واتسون للشؤون الدولية والعامة في جامعة براون هذا الأسبوع بأن ما لا يقل عن 37 مليون شخص نزحوا بسبب الحروب المرتبطة برد أمريكا على 11 أيلول/سبتمبر. وأمريكا مسؤولة باعتبار النزاعات جزءا من مأساة فترة 11 أيلول/سبتمبر.

مقالات ذات صلة

USA