العلمانية بوصفها الثقافة السائدة لدى النخب الحاكمة في فرنسا هي التي تولد الصراع والانقسام المجتمعي، وهي التي تقف في صف من يصروا على احتقار الاديان في فرنسا وفي العالم العربي. في العالم العربي المشكلة مضاعفة لأنها تقوم على استعلاء علماني وديني هو سبب الانقسامات العميقة في المجتمع المشرقي اليوم. المشكلة في الصراع العلماني الديني في فرنسا هي مشكلة استعلاء لا مساواة.
مشكلة من يدعي أنه ينزع الحجاب بالقوة لتحرير المرأة المسلمة وهو في حقيقة الأمر يستعبدها بفرض خياره الاجتماعي والديني عليها. المرأة المسلمة المحجبة استطاعت أن تصل إلى أعلى سلطة تشريعية في أمريكا بشخص إلهان عمر، ولم تحتج إلى ماكرون أو ترامب لتحريرها بحرمانها من خيارها الانساني بممارسة حريتها بالطريقة التي تتوافق مع قناعاتها الذاتية.المساواة ليست قيمة علمانية بل ديمقراطية حديثة، وهي في أساسها رسالية لا عقلانية. فالديمقراطية الاغريقية لم تؤمن بالمساواة بين الناس.
مبدأ المساواة نفسه مبدأ رسالي ينبع من الرسالات التوحيدية، التي اكدت على تساوي البشر. وأول تحول للمبدأ الرسالي الى اطروحة سياسية واجتماعية جرت في الحضارة الاسلامية، كما نوه هيغل في كتاب فلسفة التاريخ، قبل ان تتبناه حركة الاصلاح الديني المسيحية في القرن الخامس عشر التي مثلتها عبارة مارتن لوثر “كلنا قساوسة” التي رفض فيها حصر قراءة وتفسير الكتاب المقدس بطبقة قسيسي الكنيسة الكاثوليكية. تجليات المساواة في التاريخ السياسي الإسلامي عديدة، ولعل أبرزها هو تأكيد تساوي الناس في حق اختيار الدين الذي يعتقدون وممارسته بحرية، والذي اعطى حرية التعدد الديني في المجتمعات الإسلامية، والتي أنكرتها أوربا اللاتينية لاتباع الديانات غير المسيحية آنذاك. ونحن نجد اليوم آثار التراث اللاتيني الرومي في النخب السياسية الفرنسية تحت غطاء العلمانية.ليس ثمة اساس عقلاني لمبدأ المساواة في الفلسفات القديمة والمعاصرة، والاساس الوحيد لهذا المبدأ هي النصوص التوحيدية. المرجع الاساسي للمساواة في الكتابات السياسية الغربية جون لوك. ولوك اسس هذا المبدأ بالرجوع الى نصوص العهدين القديم والجديد. عقليا ومن خلال الملاحظة البشر غير متساويين لا في القوة ولا المعرفة ولا الثروة ولا الاخلاق. الاصرار على تساويهم ينبع من موقف ايماني لا عقلي. وفي اللحظة الذي يتلاشى الايمان الديني في المجتمعات المعاصرة كليا فلن يبق اساسا للمساواة.