الدكتور لؤي صافي
: شهدت مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأيام الماضية عاصفة من البيانات والمواقف المتضامنة مع استعادة الأفغان لاستقلالهم بعد عقود من الهيمنة الامريكية على البلاد.
التضامن العاطفي في الدوائر السورية قد يكون مفهوما لأنه ينبع عن تعاطف مع مجتمع خضع لإرادة خارجية سعت لإعادة تشكيله على هواها، تماما كما يحدث في سورية منذ عقد من الدعم العسكري المباشر لنظام الأسد المستبد وعقود سابقة من الدعم السياسي والاستخباراتي له.
المؤسف أن بعض الصحفيين والمحليين السياسيين انضم إلى المصفقين بما آل إليه الوضع في أفغانستان دون تقديم أي تحليل مفيد يبين سلوك طالبان في تعاطيها مع المجتمع الافغاني، او نظرتها للحريات الدينية والسياسية، او سبب انعدام الثقة بتأكيداتها في انها لن تنتقم من المواطنين ولن تفرض تفسيراتها الخاصة للإسلام على المجتمع.
من المبكر الحديث اليوم عن تداعيات المشهد الأفغاني على مستقبل تلك البلاد، أو عن ارتداد المعاني التي يتضمنها هذا المشهد على الصراع السوري الحالي، رغم الاختلافات المهمة في ظروف البلدين، فإني أود أن أسجل النقاط الآتية رغبة في تحويل المواقف من المنحى العاطفي باتجاه الإضاءة على ابعاد مهمة في المشهد.
١. الايمان العميق الملتزم بالمسؤولية الوجودية نحو رفض الهيمنة والتحكم الخارجي في المجتمع، والذي يرتبط في المشهد الأفغاني بتراث طالبان الديني، ضروري في صراع وجودي يتطلب الكثير من الصبر والتضحية بالغالي والرخيص، خاصة عند غياب توازن القوى.
٢. الاعتماد على الدعم الخارجي دون توليد تفاهمات بين ابناء الوطن وصولا الى عقد اجتماعي أساسي في توليد تلاحم وطني لا يبني الاوطان. وهذا هو واقع النخب السياسية في أفغانستان، وشريحة واسعة من النخب السياسية في سورية، التي لا زالت تأمل بهذا الدعم بعد عشر سنوات من الانتظار.
٣. تقليص الاسلام الى هوية محددة وعقيدة خاصة، وتجاهل القيم الإنسانية التي تشكل جوهر رسالته، يولد صراعات داخلية بين اصحاب القراءات المختلفة، فضلا عن الديانات والطوائف المختلفة، وهو لذلك لا يسمح بقيام مجتمع يحتضن التنوع الانساني الضروري في جميع المجتمعات المتعددة دينيا وفكريا وعقديا.
٤. خروج إدارة بايدن من أفغانستان بالشكل الذي رأيناه تاركة خلفها فوضى قاتلة للجميع يعكس الاستعلاء الذي تمارسه القيادات السياسية للدول الكبرى في تعاملها شعوب الدول النامية.
٥. التعاطي العاطفي مع المسألة الافغانية يضعف القدرة فهم سلوك الذات وسلوك الآخر، وصولا الى احكام جديدة ترفع من قدرتنا على مواجهة التحديات.