الكاتب الإيراني (كلعلي بابايي) وفي كتابه (رسائل الأسماك ) الذي أورد فيه مذكرات قدمها له اللواء في الحرس الثوري الإيراني والمسؤول عن حماية العاصمة طهران حسين همداني والذي أصبح لاحقاً مسؤول “ملف سوريا” في فيلق القدس ثم تم قتله على يد الثوار في حلب شهر أكتوبر عام 2015تحدث فيها عن حقائق مثيرة للتدخل الإيراني في سوريا بتكليف مباشر من المرشد الأعلى وقائد فيلق القدس قاسم سليماني في يناير 2012هذه المذكرات يمكن اعتبارها الاعتراف الرسمي الأبرز حول حقيقة وتوقيت وملابسات التدخل العسكري الإيراني في سوريا لدعم نظام بشار الأسد.
وقد ورد في بعض تلك المذكرات عن همداني :“في مارس 2013 أحكم الإرهابيون الطوق على بشار الأسد وصاروا قريبين من القصر الجمهوري في دمشق ، كانت الأوضاع خطيرة جداً وتقريباً يمكن القول أن القضية السورية كانت تشرف على نهايتها، في تلك الليلة تم إسداء آخر نصيحة للأسد،
إذذ قلت له : بما أن كل شيء قد انتهى والقصر الجمهوري على وشك السقوط لابد لك من قبول اقتراحنا”طبعاً الاقتراح كان : فتح مخازن السلاح لتسليح المدنيين السوريين الموالين لنظام الأسد وتشكيل مجموعات منهم ليست ضمن المنظومة العسكرية للنظام لكنها تعمل بتوجيهاته، بمعني قطعان من (الباسيج) السوري على غرار الباسيج الإيراني، فإيران ومن خلال هذا المقترح كانت تخطط للبعيد، حيث تحولت تلك التجمعات لاحقاً للهيمنة عليها من قبل إيران عبر نشر أفكار التشيع ضمنها ، ومن هنا ابتدأت جملة التناقضات الهائلة لقادة ومعممي إيران في محاولات تبرير هذا التدخل لصالح الأسدالتناقض الأول : لعل أكبر أزمة واجهت نظام الملالي بعد قراره التدخل في سوريا كانت ولازالت مشروعية دعم بشار الأسد أو بمعنى أصح جواز دعمه كون ذلك يناقض كل أدبيات وقواعد المذهب الشيعي الذي قام بالأساس على سردية مظلومية الحسين رضي الله عنه ومجابهة الظلم والطغيان المتمثلين في شخص يزيدومع ذلك حين اصطدمت تلك السرديات الدينية والمذهبية مع مصالح معممي قم والولي الفقيه و مصالحهم السياسية و أحلامهم التوسعية سقطوا سقوطاً ذريعاً ومدوياً فقدموا المصالح السياسية والتوسعية ليجدوا أنفسهم بدعمهم للطاغية بشار الأسد يدّعون نصرة الحسين لكنهم فعلياً يقاتلون في جيش يزيد.
التناقض الآخر : الثورة السورية هي جزء من الربيع العربي الذي احتفى به سابقاً المرشد الأعلى “علي خامنئي” حين انطلق من تونس وصولاً لمصر فقد سماه حينها حرفياً (صحوة إسلامية) فلما وصل سوريا تحول هذا الربيع العربي لمؤامرة كونية ومخططات أمريكية و صهيونية، ورغم أن الفاصل الزمني بينهم كان أقل من شهرين فقط !!!
التناقض الثالث : أن إيران لم تتدخل في سوريا لدعم طاغية ضد شعبه بل لإنقاذ الشعب السوري من مؤامرات دولية ومجموعات تكفيريةلكن الحقيقة أن تدخل حزب الله اللبناني لجانب النظام السوري وفشله في إنقاذه ثم التدخل الإيراني وفشله أيضاً في إنقاذه مما استدعى تدخل قوة عظمى كروسيا لاحقاً هو الدليل الأبرز أن نظام بشار الأسد مجرد نظام أقلوي طائفي أمني معزول يخوض حرباً ضد الغالبية الساحقة من شعبه الرافضة لحكمه والثائرة عليه.السقوط الإيراني في سوريا لم يكن فقط سقوطاً أخلاقياً أو سقوطاً لسرديات تاريخية ودينية اعتمدها نظام الملالي في شرعنة وصوله للحكم وحروب الألف عام التي شنها على السُنة العرب (النواصب) بدعوى قتلهم للحسين، بل صحبه أيضاً سقوط عسكري في سوريا تمثل في الفشل الذريع طيلة أربع سنوات من التدخل العسكري والميليشياوي الإيراني في سوريا والفشل في إنقاذ يزيدها الذي كانت كل الدلائل والمؤشرات تؤكد أن سقوطه مطلع عام 2016 بات حتمياً ولولا التدخل الروسي باعتراف لافروف نفسه لانتهى نظام الأسد بالكامل خلال أسابيع .بقلم الباحث والناشط السياسيساجد تركماني