فراس سعد موقع تلفزيون أورينت:12/9/2023
ليست السياسة هواية إنها عمل، وهي مثل أي عمل تحتاج للإخلاص، وأن تعطيها كل جهدك وعقلك وقلبك، كي تعطيك القليل، لذا فلا ينفع تخصيص أيام العطل للعمل السياسي أو النضالي، ولا ينفع تخصيص أوقات ما بعد العمل المسائية لإنجاز لقاءات عبر الزوم…السياسة مثل أي عمل، بل السياسة عمل شاق يقوم به الإنسان طوال أيام الاسبوع أو ستة أيام في الأسبوع، وفي ذروة نشاط الإنسان المتجدد مع صباح كل يوم..
يقول قائل ومن أين يعيش السياسي أو المناضل أو المكافح للشأن العام؟ أقول السياسي الحقيقي مثل أسلافنا السياسيين سيعيش من ريع عقار أو تجارة، ومثل مناضلين كثر زمن العمل السري لم يكن لهم مدخول، واليوم في أوروبا يمكن للسياسي العيش من المساعدة الاجتماعية.. أو من عمل ساعات قليلة في الأسبوع لا تتعدى عشر ساعات أسبوعياً، بشكل لا يؤثر على عمله الأساسي العمل السياسي.بطبيعة الحال السياسي الحقيقي يضحي، فهو لا يعيش إلا من أجل عمله السياسي، وهو لم يأت إلى أوروبا ليعمل كعامل أو كصاحب عمل أو كتاجر، بل جاء ليتابع عمله السياسي الذي بدأه في بلاده..المعاناة المعاشية ملازمة لمن يعمل كسياسي… بهذه الطريقة فقط يمكن تكوين جبهة من المناضلين من السياسيين الحقيقيين الذين لديهم هدف واحد في حياتهم لا ثاني له، أقصد تغيير النظام أو إسقاطه.. فهذا الهدف العام يمحو الأهداف الشخصية التي لا وجود لها هنا.والوفرة المالية لم تكن ملازمة لعمل السياسيين إلا في حالات قليلة وفي زمن محدد وفي ظرف محدد، العكس هو الصحيح، ولنا تجربة مريرة مع المال الذي دفع خلال الثورة السورية لكيانات المعارضة، ما يُسمى المال السياسي، فهذا المال الذي أغدق بسخاء على الكيانات والمجموعات وحتى على نشطاء وناشطات خارجها لم يؤد دوره المحفّز والداعم للتفرغ للعمل السياسي النضالي لدحر النظام، ولكن المال السياسي أدى إلى تكلس السياسيين وإلى إعاقة العمل وانقلبت الآية من:
مال لأجل دعم الفاعل أو الناشط السياسي إلى عمل سياسي من أجل المال، وهنا ظهر مقتل العمل السياسي وزيفه وصعود التجار والفجار على حساب العاملين المخلصين، وصار التكالب على تحصيل مقعد في كيان أو جهة سياسية أو عسكرية هدفاً لكلاب المال، ولم يعد الهم العام الجامع بداية الثورة المتمثل بإسقاط النظام أو إسقاط الأسد، بل صار الهم الشخصي بالثراء وتجميع الملايين أو الحصول على راتب شهري بالدولار هو المحرك والغاية…فكيف يمكن بعد استفحال الهم الشخصي وتجميع المال الحديث عن ثورة؟
إن المال والثورة لا يجتمعان، إلا بضبط شديد وتنظيم حديدي، وكذلك لا يمكن أن يكون الإنسان ثائراً وفي نفس الوقت يغرق في الرفاهية… من ناحية أخرى، بقاء عصابة كعصابة الأسد لم يأت من فراغ، بل هو محصلة لعمل طويل متجذر عمره نصف قرن، ولتراكم خبرات ضخمة في كل المجالات ليست الخبرة الأمنية إلا إحداها، ومن دعم جبهات إقليمية ودولية تبدو لنا متناقضة أحياناً، إضافة إلى ذلك وهو الأهم فوجود العصابة واستمرارها أتى من صيغة إقليمية مرسومة من قبل الكبار أمريكا وروسيا، يمكن تسميتها النظام الشرق أوسطي، لا يمكن تغيير أي حجر فيه دون موافقة الكبار، بشرط وجود مصلحة لهم في هذا التبديل أو التغيير وبشرط وجود نظام بديل..فكيف يمكن دحر هكذا جبهات وقوى وخبرات دون تفرغ وإخلاص وعلم ومثابرة وتضحية؟
ختاماً لا بدّ من القول إن السياسي الذي لديه هدف تغيير أو إسقاط عصابة الأسد هو أقرب ما يكون إلى الزاهد، لانه ليس لديه ما يُفكّر به أو يعيش لأجله سوى هدفه الوحيد هذا إسقاط العصابة..إن طبيعة السياسي الثوري أشبه بما كان يريدها ويدعو إليها الخليفة الراشدي عمر رضي الله عنه في كلمته المشهورة “اخشوشنوا”، وهنا تحضرني قصة الوفد الفيتنامي الذي رفض تناول الطعام في حفل أقامته وزارة خارجية دولة أوروبية وفضّل تناول الأرز الذي أحضره معه، كيلا يميّز نفسه عن الشعب الفيتنامي… ولا عجب أن شعبنا شعب الثورة صار يتهم سياسيي المعارضة بأنهم سياسيّو الفنادق.وبهذا فإن حياة السياسي الثائر حياة متعبة شاقة والسياسة في الواقع هي عمل شاق، بل وعلم معقّد لا يقدر على التنطح لها كل الناس..
. بل قلة قليلة تستمتع بالتعب ولا تبالي بالقلة والفقر في سبيل تحقيق هدفها الخاص الذي هو هدف عام في نفس الوقت، وهنا السر وجوهر العمل السياسي الناجح أن يحل الهم العام محل الهم الخاص، فيلغيه أو يدفعه إلى الوراء بحيث يصبح الإنسان يعيش لأجل تحقيق هدف السوريين جميعاً اليوم، ألا وهو هدف التخلص من هذه العصابة الحاكمة المجرمة.