ما لا يقل عن 3364 من العاملين في الرعاية الصحية لا يزالون قيد الاعتقال/الاختفاء القسري، 98% منهم لدى النظام السوري انقضاء عام على بدء تفشي كوفيد-19 في سوريا وآلاف الكوادر الطبية في عداد المختفين قسرياً
بيان صحفي:
قالت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في تقريرها الصادر اليوم تحت عنوان “ما لا يقل عن 3364 من العاملين في الرعاية الصحية لا يزالون قيد الاعتقال/الاختفاء القسري، 98% منهم لدى النظام السوري” إنَّ آلاف الكوادر الطبية لا يزالون في عداد المختفين قسرياً على الرغم من انقضاء عام على بدء تفشي كوفيد-19 في سوريا.
وقال التقرير -الذي جاء في 26 صفحة- إنَّ استهداف المراكز والطواقم الطبية كان واحداً من أبشع الفظائع التي مورست خلال النزاع السوري، ولم تقتصر الاعتداءات على عمليات القصف العشوائي أو المقصود على المراكز الطبية، وما تتسبب به من قتل وجرح للكوادر الطبية، بل تعدى ذلك إلى ملاحقات مدروسة تطال العاملين في قطاع الرعاية الصحية، والذين ساهموا بشكل أو بآخر في تخفيف معاناة المشاركين في الحراك الشعبي، وعلاج المصابين من المتظاهرين والمعارضين للنظام السوري.
تحدث التقرير بشيء من التفصيل عن هذه الأنماط الثلاثة: الاعتقال التعسفي/ الاختفاء القسري/ التعذيب، التي تُشكل ثلاثية متصلة، موضحاً أنَّ اعتقال وإخفاء وتعذيب الكوادر الطبية كان تكتيكاً مدروساً لزيادة معاناة المجتمع، ومشيراً إلى أنه بعد مضي قرابة عام على تفشي وباء كوفيد-19 في سوريا، وعلى الرغم من جميع المناشدات بضرورة الإفراج الفوري عن جميع الكوادر الطبية؛ نظراً لحاجة المجتمع الماسة إليهم، إلا أنهم ما زالوا قيد الاعتقال/ الاختفاء القسري. يقول فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان: “إن وجود هذا العدد الهائل من الكوادر الطبية خارج مراكز الاحتجاز كان سوف يُساهم بشكل فعال في تخفيف معاناة المجتمع السوري من جائحة كوفيد-19، لكن النظام السوري المتسبب الرئيس في تهشيم المجتمع السوري، لا يكترث بمزيد من الآلام والمعاناة، ولا توجد سلطة قضائية أو تشريعية أو إعلامية لتنتقده وتحاسبه، فالأجهزة الأمنية هي السلطة المطلقة، ولن يُطلقَ سراح الكوادر الطبية، والمجتمع الدولي بما فيه مجلس الأمن ومسارات المفاوضات فشلت في إطلاق سراحهم أو مجرد الكشف عن مصيرهم”.
استعرض التقرير حصيلة الاعتقال التعسفي/ الاختفاء القسري والتعذيب بحق العاملين في مجال الرعاية الصحية على يد أطراف النزاع والقوى المسيطرة في سوريا منذ آذار/ 2011 حتى شباط/ 2021. وأجرى عمليات تحليل للبيانات استناداً إلى قاعدة بيانات الشبكة السورية لحقوق الإنسان الخاصة بالمعتقلين والمختفين قسرياً والتعذيب، والناتجة عن عمليات المراقبة والتوثيق اليومية المستمرة منذ عام 2011 حتى الآن. وفي هذا السياق قال التقرير إن النظام السوري هو المسؤول عن 98 % من حالات الاعتقال والاختفاء القسري مقارنة ببقية أطراف النزاع، مما يدل على تعمده على نحوٍ مخطط ومدروس ملاحقة واعتقال وإخفاء العاملين في قطاع الرعاية الصحية، الذين شاركوا في تقديم خدماتهم للمصابين. كما أنه المسؤول عن قرابة 96 % من حصيلة الضحايا الذين قتلوا بسبب التعذيب من العاملين في قطاع الرعاية الصحية مقارنة ببقية أطراف النزاع.
سجل التقرير ما لا يقل عن 3364 من العاملين في قطاع الرعاية الصحية لا يزالون قيد الاعتقال/ الاحتجاز أو الاختفاء القسري في سوريا، منذ آذار/ 2011 حتى شباط/ 2021، منهم 3329 بينهم 282 سيدة على يد قوات النظام السوري، و5 بينهم 2 سيدة على يد تنظيم داعش، و8 على يد هيئة تحرير الشام، و8 على يد المعارضة المسلحة/ الجيش الوطني، و14 على يد قوات سوريا الديمقراطية.
وأوردَ التقرير رسوماً بيانية تُظهر توزع حصيلة المعتقلين/ المحتجزين أو المختفين قسرياً من العاملين في قطاع الرعاية الصحية على يد أطراف النزاع والقوى المسيطرة في سوريا، بحسب سنوات النزاع وبحسب المحافظات السورية، ووفقاً لاختصاصاتهم، وطبيعة موقع الاعتقال أيضاً. وقد أظهر تحليل الرسوم البيانية أنَّ:
• عام 2012 كان الأسوأ من حيث استهداف العاملين في قطاع الرعاية الصحية بعمليات الاعتقال -وكانت كلها على يد قوات النظام السوري-، تلاه عام 2013 ثم 2011 ثم 2014.
• الحصيلة الأعلى لحالات الاعتقال التعسفي/ الاحتجاز كانت في محافظة دمشق تليها ريف دمشق ثم حمص ثم حلب.
• الفئة الأعلى من ضحايا الاعتقال أو الاختفاء القسري من العاملين في قطاع الرعاية الصحية كانت المدنيين المتدربين ثم الممرضين ثم الأطباء ثم الفنيين فالمسعفين.
• حصيلة حالات اعتقال/ احتجاز عمال الرعاية الصحية في أثناء عملهم في المنشآت الطبية جاءت في الدرجة الأولى وتشكل قرابة ربع الحصيلة الإجمالية، تلتها حصيلة من اعتقلوا/ احتجزوا في أثناء مرورهم على نقاط التفتيش، ثم في أثناء عمليات الدهم للمنازل والمناطق التي يقيمون أو يوجدون فيها.
طبقاً للتقرير فإنَّ ما لا يقل عن87 من العاملين في قطاع الرعاية الصحية قد قتلوا بسبب التعذيب على يد أطراف النزاع والقوى المسيطرة في سوريا، منذ آذار/ 2011 حتى شباط/ 2021، بينهم 84 قتلوا على يد قوات النظام السوري، و2 على يد المعارضة المسلحة/ الجيش الوطني، و1 على يد قوات سوريا الديمقراطية. وقد أظهر تحليل الرسوم البيانية التي أوردها التقرير في هذا السياق أنَّ:
• عام 2011 هو العام الأسوأ من حيث حصيلة الضحايا بسبب التعذيب من العاملين في قطاع الرعاية الصحية، ويظهر ذلك تعمُّد النظام السوري قتل وتعذيب الكوادر الطبية التي شاركت في إسعاف المصابين في أوج الحراك الشعبي السلمي، ثم يأتي تالياً عام 2012 ثم 2014.
• الحصيلة الأعلى من الضحايا الذين قضوا بسبب التعذيب كانت في محافظتي حمص وحلب، تلتهما ريف دمشق ثم درعا فدمشق.
• الحصيلة الأعلى من الضحايا الذين قتلوا بسبب التعذيب من العاملين في قطاع الرعاية الصحية كانت من الأطباء ثم الممرضين ثم الطلاب في مجال الصحة والمسعفين، ثم متطوعي الهلال الأحمر. ووفقاً للتقرير فإنَّ ما لا يقل عن 9 من العاملين في قطاع الرعاية الصحية من المختفين قسرياً في مراكز الاحتجاز التابعة للنظام السوري، قد تم تسجيلهم في دوائر السجل المدني على أنهم متوفون، فيما تم التعرف عبر صور قيصر المسربة من مراكز الاحتجاز التابعة لقوات النظام السوري على 5 من العاملين في القطاع ذاته.
قال التقرير إن الاستهداف المتكرر على مدى عشر سنوات للمراكز والكوادر الطبية قد أنهك قدرة القطاع الصحي على التعامل مع جائحة كوفيد-19، وحمَّل النظام السوري وحلفاءه المسؤولية الرئيسة عن الغالبية العظمى من تلك الانتهاكات، وأشار إلى الإهمال الصارخ في التعامل مع الجائحة؛ موضحاً أن الحكومة التابعة للنظام السوري لم تتخذ إجراءات حقيقية وجادّة للحدِّ من تزاحم المواطنين للحصول على المواد الأساسية وفي ذلك مُخالفة صارخة لأبرز الإجراءات الاحترازية للوقاية من المرض، وأضافَ أنَّ النظام السوري لم يفكر في إطلاق سراح أي من الكوادر الطبية الـ 3329 المحتجزين لديه على الرغم من انقضاء عام على مرور الجائحة وظهور سلالات جديدة منها، وحاجة المجتمع السوري الجوهرية لجهودهم، ناهيك عن اعتقال النظام السوري مزيداً من المواطنين؛ مما يعني اكتظاظاً إضافياً في مراكز الاحتجاز.
استنتجَ التقرير أن النظام السوري عبر استهدافه المراكز الطبية واعتقاله التعسفي وإخفائه القسري لآلاف الكوادر الطبية السورية، قد انتهك المادة 3، المشتركة بين اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949، كما انتهك المادة 22 في البند الثاني من دستور سوريا الذي اعتُمد في عام 2012 التي تنص: “تحمي الدولة صحة المواطنين وتوفِّر لهم وسائل الوقاية والمعالجة والتداوي”.
وانتهك أيضاً القانون الدولي لحقوق الإنسان الذي يحظر الحرمان من الحرية تعسفاً. والحق في الصحة، المكرَّس في العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والذي انضمت سوريا إلى أطرافه، ويتضمن التزاماً غير قابل للاستثناء بتأمين حق الاستفادة من المرافق الصحية والحصول على السلع والخدمات الصحية على أساس غير تمييزي.
كما خرق النظام السوري وبقية أطراف النزاع بشكل صارخ عدداً من المبادئ الأساسية للقانون الدولي لحقوق الإنسان مثل: الحق في الحياة، عدم الإخفاء قسرياً، عدم التعذيب، الحق في الصحة، وعدداً كبيراً من قواعد القانون العرفي الإنساني والمادة 3 المشتركة من اتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949.
وتشكل عمليات الإخفاء القسري والتعذيب التي مارسها النظام السوري بحق الكوادر الطبية في مختلف المحافظات السورية، وعلى خلفية مشاركتهم في الحراك الشعبي ضده، نمطاً من الهجوم الواسع وترقى إلى جرائم ضد الإنسانية وفقاً للمادة السابعة من ميثاق روما الأساسي.
بحسب التقرير فقد أثرت الانتهاكات الواسعة التي طالت القطاع الطبي في سوريا على الاستجابة لوباء كوفيد-19 ويتحمل النظام السوري وحلفاؤه المسؤولية عن قرابة 85 % من مجمل الانتهاكات. وتشكل الحوادث المسجلة في قاعدة بيانات الشبكة السورية لحقوق الإنسان والتي ورد جزء منها في هذا التقرير، تُشكِّل خرقاً لقرار مجلس الأمن رقم 2286 القاضي بوقف الانتهاكات والتَّجاوزات التي ترتكب في النِّزاعات المسلحة ضدَّ العاملين في المجال الطبي والعاملين في تقديم المساعدة الإنسانية الذين يزاولون حصرياً مهامَ طبية، وضدَّ وسائل نقلهم ومعداتهم، وكذلك ضدَّ المستشفيات وسائر المرافق الطبية الأخرى.
طالب التقرير مجلس الأمن الدولي باتخاذ خطوات فورية للكشف عن مصير آلاف الكوادر الطبية المختفين قسرياً، وذلك استناداً إلى القرارات الصادرة عنه وفي مقدمتها القرارين رقم 2139 و2254. وإحالة الملف السوري إلى المحكمة الجنائية الدولية ومحاسبة جميع المتورطين في ارتكاب الانتهاكات بحق الكوادر الطبية.
واعتبر التقرير أنه في ظلِّ انقسام مجلس الأمن وشلَلِه الكامل، يتوجب التَّحرك على المستوى الوطني والإقليمي لإقامة تحالفات لدعم الشَّعب السوري، ويتجلى ذلك في حمايته من عمليات الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب، وزيادة جرعات الدَّعم المقدَّمة على الصَّعيد الإغاثي.
والسَّعي بشكل أكبر إلى ممارسة الولاية القضائية العالمية بشأن هذه الجرائم أمام المحاكم الوطنية، في محاكمات عادلة لجميع الأشخاص المتورطين.
وأوصى التقرير الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية بتقديم الدعم لعوائل المختفين قسرياً وللمنظمات الوطنية العاملة في هذا المجال، ولمنظمات حقوق الإنسان السورية. كما قدم توصيات أخرى إلى كل من المفوضية السامية لحقوق الإنسان ولجنة التحقيق الدولية المستقلة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، وإلى النظام السوري.