• الإثنين , 25 نوفمبر 2024

العقيد عبد الجبار العكيدي : مسرحية الأسد القادمة

مع اقتراب نهاية الولاية الثالثة لبشار الأسد كثُر الحديث عن ترشحه لولاية رابعة تمكّنه من البقاء جاثماً على صدور السوريين لسبع سنوات قادمة، من خلال مسرحية انتخابات هزلية وزائفة، مشابهة لما جرى في كل الانتخابات السابقة منذ عهد والده، تحت مسمى تجديد البيعة ونتائجها المعروفة سلفاً.

الأكيد أن وجود بشار الأسد في السلطة غير شرعي منذ أول يوم حكم فيه سوريا، وهو لم يأتِ إلى السلطة وفق قواعد التداول السلمي والنظام الديمقراطي، إنما جاء وفق نظام التوريث الذي أسس له والده والمخالف لكل المبادئ الدستورية التي تُعرّف سوريا كدولة جمهورية ديمقراطية، وجاء عبر عملية تعديل للدستور الذي وضعه حافظ الأسد نفسه، تتناقض مع أبسط القواعد القانونية، عبر تعديل عمر الرئيس من 40 سنة إلى 34 سنة بما يتناسب وعمر بشار الأسد آنذاك.

ما حدث منذ اغتصابه السلطة، وفي ولايته الثانية التي اندلعت خلالها الثورة السورية وثارت قطاعات كبيرة من المجتمع السوري ضد نظام حكمه، هو تأكيد على أن الشعب باعتباره مصدر السلطات يرفض نظام الوراثة، ويريد إعادة الشرعية الدستورية وتحقيق المطابقة ما بين سيادة سوريا كدولة مستقلة وما بين تعبير أن الشعب هو مصدر السلطات، وأن النظام هو من كان يحول دون تحقيق تلك المطابقة ويحتكر السيادة والشأن العام الوطني والسياسي وفق مفاهيمه السلطوية.

بهذا المعنى كان الشعب السوري غائباً عن ممارسة دوره كمصدر للسلطات والسيادة، وبالتالي ما حصل أن الثورة عندما انطلقت كانت بمثابة تقويض لأي شرعية يمكن أن يتذرع بها النظام.على الرغم من وضوح الأمور على الصعيد الدولي والإقليمي والعربي والمحلي بعدم وجود أدنى مراعاة لشروط عملية انتخابية نزيهة في ذلك الوقت، وكان العالم أجمع يعلم أن هذه الانتخابات سوف تتم في أجواء من الترهيب والتخويف والتزوير، ومع أن سوريا كانت في ذروة الصراع الداخلي، وكان الجو العام رافضاً لأي حديث عن إعادة تجديد البيعة لهذا الوريث، إلا إن الأسد أصرّ على الدخول في ولاية ثالثة عام 2014 متحدياً العالم ومتعاملاً مع الثورة بإنكار شديد، رافضاً ما يريده الشعب الثائر، ومستمراً بنفس العقلية الأمنية والاجراءات القمعية لتركيع الشعب وإجهاض ثورته.حتى لو افترضنا أن النظام يؤسس ترشيحه لهذه الانتخابات على أرضية دستور 2012 الذي أتاح له الترشح لولايتين جديدتين، كانت الأولى 2014 والثانية في 2021، فإن هذا الدستور جاء في خضم ثورة شعبية كبيرة امتدت إلى أغلب الجغرافيا السورية، وبالتالي لم يشارك الشعب السوري كله في ممارسة حقه في الاستفتاء عليه، سيما وأنه جاء في ظل حصار المدن والقصف والقتل الذي كان يمارسه جيشه وميليشياته الطائفية.

هذا الأمر ثابت بقرارات مجلس الأمن 2043 و2042 لعام 2012 وأيضا في خطة النقاط الست للأمين السابق للأمم المتحدة كوفي عنان، والتي طالبت بسحب الجيش من المدن والتوقف عن استخدام السلاح ضد المدنيين، وفك الحصار والسماح بحرية الحركة، ما يعني أن مجلس الأمن أقر وقائع لا يمكن تجاهلها، وهي حصار المناطق والمدن مما يمنع عملياً قدرة الناس على ممارسة حقوقها، وبالتالي عدم شرعية دستور عام 2012 وعدم الاعتراف بأي أثر قانوني يترتب عليه، ومنها قضية الانتخابات، سواء التشريعية أو الرئاسية.

هذا الدستور الذي لم يأخذ بأي مطلب من المطالب الشعبية وشكّل عملية احتيال على مطالب السوريين الذين طالبوا بإلغاء قانون الطوارئ، فقام بالالتفاف عليهم وصدّر قانون الإرهاب رقم 19 لعام 2012، واستبدل محكمة أمن الدولة بمحكمة الإرهاب، وتم استخدام القانون للتعسف، والتعسف باستخدام القانون جعل الأسد فاقداً لشرعيته كرئيسٍ حامٍ للنظام العام، ومسؤولٍ عن صون الحريات العامة للمواطنين وحماية البلد مرتكباً ما يرقى لفعل الخيانة العظمى.

فعلياً تجب اليوم محاكمة بشار الأسد على الأفعال التي قام بها بدلاً من السماح له بإعادة ترشيح نفسه لولاية رابعة بدعم روسي-إيراني، وموقف دولي غامض متذبذب حيث المواقف الأوروبية والأميركية عبارة عن تصريحات إعلامية فارغة، تتحدث عن عدم الاعتراف بنتائج الانتخابات من دون اتخاذ أي إجراءات سياسية وقانونية لإنهاء تواجد ممثلي هذا النظام في المؤسسات الدولية، ممثلين لنظام القمع والإجرام وبالتالي يُفترض إنزالهم عن كل المنابر والمؤسسات الدولية وعلى رأسها مندوب النظام في الأمم المتحدة، بل ومحاكمتهم أسوة بمحاكمة إياد غريب وأنور رسلان.

في ظل غياب استراتيجية أميركية واضحة المعالم بما يخص الملف السوري، وعدم ظهور تفاصيل عملية الانتخابات التي من المفترض أن يجريها الأسد، يبدو أن الرئيس جو بايدن لم يحسم أموره بعد، وهذا طبيعي حيث إنه ما زال في أسابيعه الأولى ولديه ملفات كثيرة يقوم بترتيبها، ولكن من خلال المؤشرات ومتابعة طريقة تفكير الديمقراطيين فإن سياسة بايدن ستكون استكمالا لسياسة الرئيس السابق باراك أوباما القائمة على ترك الحبل على غاربه للأسد وحلفائه في سوريا، أو في أغلبها.بالمقابل لا بد من النظر إلى التعيينات التي قام بها بايدن في الملفات الحساسة بما يخص الملف السوري والإيراني.

فالذين تولوا هذه المناصب من أنصار الحوار مع ايران وإعطائه الأولوية، وبالتالي ستكون هناك مساومات في الملف الإيراني، وسيكون الملف اليمني ضاغطاً أكثر لتجميد القتال وإيجاد حل، وربما تتجاوب إيران مع هذه الضغوط مقابل بقاء وجود لها في سوريا ونفوذ مضمون بالحد الذي لا يهدد إسرائيل، فالملف اليمني بالنسبة للرئيس الأميركي، كما يبدو، أولوية أكثر من الملف السوري، وواشنطن غير مهتمة بوجود بشار من عدمه.

لا أعتقد أنه سيكون هناك موقف عملي من الانتخابات القادمة سوى بعض التصريحات الإعلامية.الولايات المتحدة استثمرت في الجسم العسكري والسياسي الذي تعتقد أنه الأكثر تنظيماً في سوريا وهو (قسد ومسد) وكانوا حلفاء في حربها على “داعش”، وأكثر ما يهمها هو وجود قواعد لها في هذه المنطقة الحدودية مع العراق وتركيا وتأمين طرفي الحدود، والأمر متعلق بمنع تمدد النظام والروس فيها وربما ببعض الابتزاز لتركيا.

الولايات المتحدة التي بمباركتها تم قضم كل المناطق من قبل الروس والنظام وتثبيت خطوط خطوط الاشتباك والتماس، ودعم مسار اللجنة الدستورية، من الواضح أنها غير مهتمة بهذه الانتخابات وتعتبرها تفصيلاً في سياق سوري مفتوح على كل الاحتمالات، واهتمامها ينحصر بالضغط على النظام من خلال ملف العقوبات الاقتصادية وقانون قيصر.

على الرغم من مماطلة النظام في العملية الدستورية حيث حمل بيدرسن النظام مسؤولية عرقلة عملها وقيام مندوبي أميركا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا بإصدار بيان بمفردهم أدانوا فيه النظام، إلا أنه لا يمكن الرهان على هذه المواقف، التي لا تعطي انطباعاً باهتمامٍ كافٍ يصل حدّ إيقاف الانتخابات أو إلغاء شرعية الأسد القانونية قبل إيجاد الجسم السياسي البديل.

الموضوع الأكثر حساسية المترتب على عدم اهتمام الإدارة الأميركية بالملف السوري هو الموقف العربي، حيث أنه في أواخر العام 2019 أعادت دولة الإمارات العربية المتحدة علاقاتها مع دمشق. وأثناء انعقاد اجتماع وزراء الخارجية العرب في وادي عربة أواخر عام 2019 تحضيراً لقمة تونس في آذار 2020، كانت هناك دعوة من بعض الدول العربية لإعادة نظام الأسد الى الجامعة العربية، ولكن الخارجية الأميركية وجهت رسالة شديدة اللهجة إلى الخارجية المصرية بأن إرجاع النظام خط أحمر.

فماذا لو غيرت إدارة بايدن لهجتها تجاه القضية السورية؟في ظل هذا العجز الدولي وفشل عمل اللجنة الدستورية وتجميد هيئة التفاوض -إن لم نقل موتها سريرياً- على المعارضة ترتيب بيتها الداخلي ورصّ صفوفها، واستعادة قرارها الوطني وإدارة مناطقها المحررة وتنظيم جيشها الوطني وتدريبه ورفده بالضباط المنشقين من أصحاب الكفاءات، استعداداً لكل الاحتمالات.

وعلى الجميع العمل بفعالية شعبياً ومن خلال المظاهرات والاعتصامات والحراك المدني في كل مكان يتواجد فيه السوريون، للتعبير عن رفضهم إجراء هذه الانتخابات وتأكيد عدم شرعيتها، خاصة مع انطلاق حملة “لا شرعية للأسد وانتخاباته” وهو تحدٍ أمام القوى والأحزاب والتجمعات السياسية والمدنية الثورية والمعارضة لتأكيد وجود حقيقي لها على الأرض.

مقالات ذات صلة

USA