عقيل حسين
المدن:3/12/2020
يبدو أن إجرءات بناء الثقة التي وعد المبعوث الدولي إلى سوريا غير بيدرسن بتحقيقها بين الوفود المشاركة في الجولة الرابعة للجنة الدستورية دخلت حيّز التنفيذ من خلال الحرص الإعلامي الذي انتهجه المشاركون في هذه الجولة، حيث بدأ وفدا المعارضة والنظام بتجنب استخدام المصطلحات المستفزة، وصولاً إلى تجنب الظهور الإعلامي عقب جلسة اليوم الثالث من الجولة التي بدأت يوم الأحد.
وكان واضحاً استخدام رئيس وفد المعارضة هادي البحرة في إحاطته الإعلامية مساء الاثنين، مصطلح “الوفد الحكومي” بدل وفد النظام، بينما استخدم الإعلام غير الرسمي المقرب من النظام مصطلح الوفود الأخرى، أما وسائل إعلامه الرسمية فتجاهلت ذكر وفدي المعارضة والمجتمع المدني، واقتصرت تغطيتها الأخيرة مساء الأربعاء على نقل مداخلات وفد النظام، تجنباً كما يبدو لاستخدام مصطلحات اعتادت عليها، مثل “وفد المعارضة التركية”، أو “الوفود الأخرى” كما أطلقت على ممثلي المعارضة والمجتمع المدني مع بداية هذه الجولة.
اللافت أيضاً كان اعتذار أعضاء وفد المعارضة عن عدم الإدلاء بتصريحات بعد انتهاء جلسة الأربعاء، استجابة لطلب تقدم به فريق المبعوث الدولي، حيث أبلغت مصادر في جنيف “المدن” أنهم حثّوا المشاركين في الجلسات على تجنب الظهور الإعلامي ما أمكن، وعلى التوقف عن تسريب تفاصيل المناقشات والاكتفاء بالحديث بشكل عام عند الضرورة، مع التأكيد على إيجابية الأجواء وعدم التطرق للنقاط الخلافية التي ما زالت قيد البحث.
وهو ما جعل المعارضين لمسار اللجنة الدستورية في أوساط الثورة والمعارضة السورية يبدون مخاوفهم من سير مفاوضات الجولة الأخيرة المخصصة لمناقشة الهوية الوطنية والمبادئ فوق الدستورية، قبل الانخراط في مناقشة المبادئ والمضامين الدستورية في الجولة القادمة المقررة في كانون الثاني/يناير 2021.
لكن عضو وفد المعارضة ديما موسى اضطرت للخروج عن صمتها لنفي أخبار تداولتها بعض المواقع وتحدثت عن طرح وفد النظام شروطاً جديدة للمشاركة في الجولات القادمة، بينها الموافقة على عودة اللاجئين دون شروط، ورفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على النظام، وعدم التفاوض مع معارضة توافق على هذه العقوبات، وإعلان الائتلاف والمنصات الأخرى الوجود التركي والغربي في سوريا احتلالاً.
ونفت موسى في اتصال مع “المدن”، أن يكون وفد النظام قد طرح هذه الشروط، لكنها فضّلت عدم الإجابة عن سؤال حول تفاصيل اليوم الثالث من المباحثات، كما لم يصدر عن وفد المعارضة أي بيان أو إحاطات كما جرت العادة يومياً.لكن مصادر خاصة أكدت ل”المدن”، أن جلسة الأربعاء لم تشهد أي جديد على صعيد الطروحات من قبل وفد النظام، الذي استمر في التركيز على قضية عودة اللاجئين ورفع العقوبات الاقتصادية، باعتبارهما “من المبادئ الوطنية الأساسية”، الأمر الذي رد عليه أعضاء من وفدي المعارضة والمجتمع المدني بالتساؤل عن السبب الذي جعل وفد النظام يتذكر بعد أربع جولات أن هناك لاجئين سوريين يجب أن يُمنحوا حق العودة إلى بلادهم.
وأكد أعضاء الوفدين أن هذه العودة يجب أن تتم في ظروف أمنية وسياسية آمنة تنتهي معها الأسباب التي أجبرتهم على المغادرة، وهو ما لا يمكن أن يتحقق إلا بإقرار دستور جديد يفرض قوانين واضحة وإصلاحات جدية في الأجهزة الأمنية والقضاء، ويمنع الانتقام منهم ويمكنهم من استعادة حقوقهم، بالإضافة إلى إطلاق سراح المعتقلين والكشف عن مصير المغيبين قسرياً، وغيرها من الإجراءات غير المتوفرة حالياً.
من جانبه رد وفد النظام بأن هناك تشريعات جديدة صدرت وقوانين أقرت تصب في هذا الاتجاه، الأمر الذي رفضه وفد المعارضة بشدة، وعرض أرقاماً وتفاصيل عن عدد الأشخاص الذين اعتقلوا حديثاً، سواء من الذين عادوا إلى سوريا مؤخراً، أو ممن بقوا في مناطقهم بعد إجراء تسويات ومصالحات مع النظام.لؤي حسين رئيس تيار “بناء الدولة” المعارض، هاجم طروحات وفد النظام في اجتماعات اللجنة الدستورية، واعتبر أنها تنبع من ذهنية صبيانية، مؤكداً أن رفع العقوبات وعودة اللاجئين قضيتان نقاشهما لا يكون في جلسات مخصصة للدستور.
وقال حسين في منشور على فيسبوك: “لا أهمية إطلاقاً لوفد السلطة، ولا أهمية أصلاً للجنة الدستورية، ولكن ما يقوله الوفد هو تلقين حرفي من المخابرات أو مسؤولي القصر الرئاسي يؤكد الذهنية الصبيانية، بل الشوارعية للسلطة وجميع تجلياتها”.تعليق حسين رأى فيه بعض المعارضين موقفاً قوياً لم يعبر عنه الائتلاف أو أي من مسؤوليه مع استمرار وفد النظام بمحاولاته تعطيل جدول أعمال اللجنة الدستورية.
ورأى الصحافي السوري محمد سبسبي في حديث ل”المدن” أن “المعارضة تحاول إبداء كل ما يلزم لتأكيد جديتها في هذا الملف والالتزام بمطالب المبعوث الدولي وفريقه من أجل إنجاح مفاوضات اللجنة الدستورية”.
واعتبر أن “المعارضة تعلم أن وفد النظام ومن خلال طرح قضية اللاجئين والعقوبات الاقتصادية، إنما يريد كسب الوقت وإغراق الجميع بالتفاصيل وصولاً إلى موعد الانتخابات الرئاسية القادمة المقررة في الصيف المقبل، لكنها في موقف ضعف لا تستطيع معه فعل الكثير، كما أن وفد المعارضة يحاول قدر الإمكان أن يثبت لجمهور الثورة أنه حقق شيئاً وقطع خطوات في مسار اللجنة الدستورية، لكن عملياً ليس هناك شيء”.
يذكر أن الجولة الحالية من اجتماعات اللجنة الدستورية تنتهي يوم الجمعة، ومن المقرر أن تكون الوفود المشاركة قد انتهت مع هذه الجولة من مناقشات المدخل الدستوري والمبادئ العامة والوطنية، قبل الانتقال إلى مناقشة مضامين الدستور الجديد ومحدداته في الجولة الخامسة المقررة في كانون الثاني.وكان المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسن دعا الأربعاء، كلاً من روسيا وإدارة الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن، إلى “إيجاد أرضية مشتركة بشأن الحل في سوريا”.
وقال خلال مشاركة له في مؤتمر “حوارات البحر الأبيض المتوسط”، إن “الأوضاع في سوريا مثيرة للقلق على جميع المستويات”، مشيراً إلى أن العملية السياسية تسير ببطء شديد.وأوضح بيدرسن أن “هناك 5 جيوش أجنبية فعالة في سوريا، لذلك لا نستطيع القول إن الحل في أيدي السوريين وحدهم، أو أن الأمم المتحدة تستطيع القيام به”، مشيراً إلى أن الحل السياسي يحتاج لبناء جهود دبلوماسية دولية جادة.