عنب بلدي
على مدار عشر سنوات، تبلورت سياسة الاتحاد الأوروبي حيال النزاع في سوريا، فضرب بيد العقوبات النظام السوري وداعميه، وأشرف باليد الثانية على مسار المساعدات الأوروبية إلى سوريا والمنطقة.هذه السياسة ليست محل توافق محلي في سوريا، فبينما يواجه الاتحاد الأوروبي وواشنطن انتقادات حول أثر العقوبات على السوريين العاديين، يرد الاتحاد بتوضيح الجهات المستهدفة بها وكيف تستثني العمليات الإنسانية والتجارة المشروعة.
ويتولى الاتحاد الأوروبي حاليًا، إلى جانب الأمم المتحدة، الرئاسة المشتركة لمؤتمر بروكسل الخامس، حول دعم سوريا والمنطقة، في 29 و30 من آذار، بصيغة افتراضية، ويقول الاتحاد إن هدف مؤتمر بروكسل الأشمل هو الاستمرار بدعم الشعب السوري وحشد المجتمع الدولي دعمًا لحل سياسي شامل وموثوق للصراع في سوريا، بما ينسجم وقرار مجلس الأمن الأممي 2254.
وعلى غرار المؤتمرات الأربعة الماضية، سيتناول مؤتمر بروكسل الخامس أيضًا أكثر المسائل إلحاحًا على صعيد القدرة على الصمود والوضع الإنساني والتي تؤثر في السوريين والمجتمعات المُضيفة للاجئين من سوريا، داخل سوريا وفي المنطقة، كما سيجدّد دعمَ المجتمع الدولي السياسي والمالي للدول المجاورة لسوريا، ولا سيما الأردن ولبنان وتركيا، إضافة إلى مصر والعراق، باعتباره الفعالية الرئيسية للتعهدات المالية من أجل سوريا والمنطقة في عام 20121.
عنب بلدي قابلت الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية ونائب رئيس المفوضية الأوروبية، جوزيب بوريل، ووجهت له مجموعة من الأسئلة بشأن سياسة الاتحاد الأوروبي في سوريا، في وقت تزداد الضغوط الاقتصادية على السوريين ليصل 90% إلى ما دون خط الفقر، بينما يتحضر النظام السوري إلى انتخابات رئاسية، نتائجها محسومة لبشار الأسد، مع انسداد أفق الوصول إلى حل سياسي.
بعد عشر سنوات على النزاع في سوريا، لا يوجد يقين بشأن التوصل إلى حل سياسي ينهي الأزمة، مع تعثر المسارات التي تدعمها الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، وسحب البساط لصالح مسارات تدعمها روسيا، فما هي رؤية الاتحاد الأوروبي وأدواته للدفع باتجاه حلول مؤقتة/ مستدامة في سوريا؟
النقطة التي أشرنا إليها مرات لا حصر لها لا تزال صحيحة: لا يوجد حل عسكري لهذا الصراع. هناك العديد من الجهات الأجنبية المتورطة في أزمة الصراع السوري، لكن أيًا منها لا يملك مفتاح الأزمة. يعود الأمر للسوريين، ولجميع السوريين يجب أن أقول، لحل هذا الصراع، تحت رعاية الأمم المتحدة والقرار 2254.
نحن جيران سوريا. رؤيتنا لها بسيطة: نريدها آمنة لشعبها ومستقرة. ولن يتحقق ذلك إلا إذا كان هناك حل سياسي شامل وإنهاء للقمع. وهذا لا يعني أشخاصًا مدّمرين يعيشون في بلد مدمر. هذا يعني الاستقرار المستدام. وهذا يعني إعادة بناء البيت السوري على أسس جديدة، مما سيحول دون انهياره مرة أخرى. كيف تتم إعادة البناء، على أي أسس بالضبط، هي أمور يقررها السوريون. يتجاهل رئيس النظام السوري، بشار الأسد، الضغوط الغربية (السياسية والاقتصادية)، ويتحضر لانتخابات مقبلة، نتائجها محسومة لصالحه.
كيف يتعامل الاتحاد الأوروبي مع هذه الانتخابات؟ وهل توجد ظروف يمكن تهيئتها لتنفيذ انتخابات قريبة يشارك فيها اللاجئون والنازحون السوريون بمراقبة أممية؟
يقدم الاتحاد الأوروبي الدعم للعمليات الانتخابية في كل مكان في العالم. بالطبع سنكون مستعدين لدعم الانتخابات في سوريا أيضًا. ولكن، إذا كنا نريد انتخابات تساهم في تسوية الصراع، يجب أن تعقد وفقا لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة 2254، تحت إشراف الأمم المتحدة، وتسعى إلى تلبية أعلى المعايير الدولية: يجب أن تكون حرة ونزيهة، ويجب أن يسمح لجميع المرشحين بالترشح واجراء الحملات الانتخابية بحرية، وهناك حاجة إلى الشفافية والمساءلة، وأخيرًا وليس آخرًا، يجب أن يكون بإمكان جميع السوريين، بمن فيهم مَن في الشتات، المشاركة. ولا يمكن لانتخابات النظام في وقت لاحق من هذا العام أن تفي بهذه المعايير، وبالتالي لا يمكن أن تؤدي إلى تطبيع دولي مع دمشق.لقد ذكرت العالم العربي. وأود أن أؤكد أنني أرى الدول العربية شريكًا أساسيًا في إرساء سلام دائم في سوريا. بالطبع، في نهاية المطاف، يجب على سوريا أن تعود إلى العائلة العربية. ولكننا نعتقد أن هذا ينبغي أن يتم فقط عندما يكون الانتقال السياسي جاريًا على نحو راسخ. الانتخابات المقبلة التي لا تتماشى مع 2254 لا يجب أن تؤدي إلى التطبيع. تزداد الضغوط الاقتصادية على الشعب السوري، ليصل 90% منهم إلى ما دون خط الفقر بتقديرات الأمم المتحدة، ولا يمكن تجاهل تأثير العقوبات الغربية اقتصاديًا على السوريين في الداخل في ظل التعنت السوري الرسمي.
فما هي مقاربة الاتحاد الأوروبي لاستهداف بنية النظام السوري وأدواته العسكرية والسياسية المسؤولة عن العنف بالعقوبات، مع مراعاة هذا الأثر على المواطنين العاديين. نحن ندرك تمامًا الوضع الاقتصادي في سوريا. والاتحاد الأوروبي، بما في ذلك الدول الأعضاء، هو إلى حد بعيد المانح الرئيسي لمعالجة عواقب سنوات الحرب العشر. لقد قدمنا ما يقرب من 25 مليار يورو بالكامل لمعالجة عواقب الأزمة، داخل سوريا وفي المنطقة. هذا مبلغ ضخم من المال. بالطبع كنا نفضل إنفاق تلك الأموال لإعادة بناء البلاد واستثمارها على الأمد البعيد.
ولكن كان علينا أن ندعم السوريين، واللاجئين السوريين، والبلدان والمجتمعات المحلية التي تتحمل عبء استضافتهم.لقد شهد الاقتصاد السوري سقوطًا حرًا منذ أواخر عام 2019. هناك أسباب عديدة وراء ذلك: سوء الإدارة، والموقف المفترس للمقربين من النظام، وربما أهمها في الآونة الأخيرة، عواقب الأزمة اللبنانية، وجائحة “كورونا المستجد” (كوفيد- 19). تستهدف العقوبات التي فرضناها في معظمها الأفراد والكيانات الذين شاركوا في القمع أو ساعدوا في تمويله.
وهي مصمَّمَة لكي لا تضّر السوريين، ولا تمنع التجارة المشروعة، ولا تؤثّر على المساعدات الإنسانية. لم يتغير نهج الاتحاد الأوروبي وعقوباته نفسها منذ أن فرضناها لأول مرة في عام 2011. فكيف يمكن لها أن تكون سبب دوامة الهبوط في العامين الماضيين! ما الأثر الذي يتوقعه الاتحاد الأوروبي من دفع عمليات المحاكمة والملاحقة لمجرمي الحرب السوريين في المحاكم الأوروبية، خاصة في حال كان المسؤولون عن هذه الانتهاكات في سوريا أو خارج دول الاتحاد.العديد من الفظائع التي ارتكبت في سوريا منذ عام 2011 مؤهلة لتكون جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. وسوف يسعى الاتحاد الأوروبي بلا هوادة إلى المساءلة عن هذه الأعمال.
ونحن نرى أن هذا هو الأساس الذي لا غنى عنه للمصالحة الوطنية ومن أجل تحقيق سلام دائم في سوريا.وسنواصل دعم الجهود الرامية إلى جمع الأدلة، وكذلك دعم الهيئات الدولية للمساءلة.
وقد طالبنا مرارا بإحالة الوضع في سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية.وفي غياب هذا السبيل للعدالة الدولية، فإن المحاكمة على هذه الجرائم في إطار الولاية القضائية الوطنية حيثما أمكن، كما حدث في ألمانيا، والمبادرة الأخيرة لهولندا وكندا، تمثل إسهامًا مهمًا صوب ضمان العدالة للضحايا.
تعد أزمة اللجوء إلى أوروبا بعد الأحداث في سوريا أكبر أزمة في التاريخ، ونحن اليوم أمام شقاق واضح بين دول الاتحاد حيال اتفاقيات الهجرة الموجودة حاليًا، وتهرب بعض الدول من التزاماتها، فهل يملك الاتحاد الأوروبي أدوات لاحتواء هذا الخلاف؟ وما المطلوب للوصول إلى اتفاقيات تضمن حقوق دول الاتحاد ولا تنتهك حقوق طالبي اللجوء الذين يحاولون الوصول إلى هذه الدول؟
يضمن الميثاق الجديد بشأن الهجرة واللجوء أن يستفيد كل شخص من تقييم فردي لطلب اللجوء الخاص به، كما سيتم احترام الضمانات الأساسية في كل إجراء من إجراءات اللجوء، بما في ذلك إجراءات الحدود. وهذا من شأنه أن يحمي الوصول الفعال إلى إجراءات اللجوء، والحق في الحرية، وحقوق الطفل، فضلًا عن الحق في الحصول على سبيل انتصاف فعال.
نحن نلغي لائحة دَبلن، التي نظمت القواعد المتعلقة بتحديد المسؤولية عن طلبات اللجوء حتى الآن. وللائحة الجديدة نطاق أوسع بكثير، وهي تضع نظاما متوازنا وشاملا لإدارة الهجرة.
آلاف السوريون في الدول المجاورة لبلدهم، أو في دول داخل الاتحاد في اليونان مثلًا، ينتظرون إجراءات لم الشمل وإعادة التوطين، وقد يكون هذا التأخير عائدًا لأسباب أمنية وإجراءات إدارية أحيانًا، لكن هل من حلول ممكنة لتخفيف فترات الانتظار، وزيادة عدد المعاد توطينهم؟
يجب أن نأخذ جائحة “كوفيد-19” بعين الاعتبار. وللأسف، فقد غيّر ذلك الطريقة التي نعمل بها جميعًا: من الطريقة التي نقوم بها بعمل السياسة الخارجية، إلى الطريقة التي ننفذ بها الإجراءات الإدارية.ومع ذلك، فلقد أصدرنا بالفعل في نيسان/أبريل 2020 توجيهات بشأن إعادة التوطين في فترة “كوفيد-19″، وطلبنا من الدول الأعضاء تعزيز عمليات إعادة التوطين وتعزيز التنفيذ. وعلى الرغم من القيود المفروضة في أوروبا، أبدت دول أعضاء عديدة قدرة على التكيف ومرونة.
واعتمدت أساليب عمل جديدة مثل إجراء المقابلات عن بعد للحفاظ على استمرار عمليات إعادة التوطين. ويدعم هذا العمل المكتب الأوروبي لدعم اللجوء، الذي ركز على استجابة “كوفيد-19” في العام الماضي.
ونحن نبذل قصارى جهدنا، ولكننا ندرك مع ذلك أن هناك اعتبارات صحية وأمنية لا تزال تشكل مشاكل في السياق الحالي.
ما موقف الاتحاد الأوروبي من قرارات الدول الأعضاء المنفردة بترحيل اللاجئين إلى مناطق تعتبرها آمنة في سوريا، على غرار ما فعلته الدنمارك، خاصة مع حديث مماثل في ألمانيا والسويد؟
لم يتغير موقفنا في الاتحاد الأوروبي بشأن العودة. وفي حين أننا نتفهم وندعم تطلعات بعض السوريين للعودة الطوعية إلى ديارهم، فإننا ما زلنا نعتقد أن الظروف اللازمة للعودة على نطاق واسع لم تتوفر بعد.
نحن نتبع المعايير التي وضعتها مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والتي توضح تمامًا أن الظروف داخل سوريا لا تسمح في الوقت الحاضر بتعزيز عمليات العودة على نطاق واسع في ظروف آمنة وكريمة بما يتماشى مع القانون الدولي.
لقد رأينا ما حدث مع حالات العودة المحدودة التي حدثت والعقبات والتهديدات العديدة التي لا تزال تواجه النازحين داخليًا واللاجئين العائدين. وأفكر بصفة خاصة في التجنيد الإجباري، والاحتجاز العشوائي، والاختفاء القسري، والتعذيب، والعنف البدني والجنسي، والتمييز في الحصول على السكن والأرض والممتلكات، فضلًا عن الخدمات الأساسية السيئة أو غير الموجودة.يجب أن يشعر جميع السوريين بالأمان وأن يعيشوا حياة كريمة من أجل العودة وإعادة بناء بيتهم السوري