موضوع تصريحاتي اليوم هو التحدث معكم عن سبيل الولايات المتحدة للمضي قدماً في سوريا.
سأبدأ بأن أشرح لكم نوعاً من السياق التاريخي والسياسي الواسع لبعض المواقف الصعبة جداً التي تواجه الشعب السوري وتثير مخاوف مختلف القوى الدولية أيضاً.
ثم أريد أن أصف لماذا من الضروري لدaفاعنا الوطني أن نحافظ على وجود عسكري ودبلوماسي في سوريا للمساعدة على وضع حد لهذا الصراع ومساعدة الشعب السوري فيما يرسم مساراً لتحقيق مستقبل سياسي جديد.
وأخيراً، أريد أن أفصّل الخطوات التي تتخذها هذه الإدارة لتحقيق سوريا مستقرة وموحدة ومستقلة، وخالية من التهديدات الإرهابية ومن أسلحة الدمار الشامل.
ثم سأجري محادثة مع الدكتورة رايس كما هو مبين.
منذ ما يقرب من 50 عاماً، والشعب السوري يعاني من دكتاتورية حافظ الأسد وابنه بشار الأسد. ومثلما هي طبيعة داعمه إيران، فإن طبيعة النظام السوري خبيثة. فقد نشر إرهاب الدولة، ومكّن الجماعات التي تقتل الجنود الأمريكيين، مثل تنظيم القاعدة. ودعم حزب الله وحماس وقمع المعارضة السياسية بعنف. وتتضمن استراتيجية بشار الأسد الكبرى استضافة العناصر الإرهابية الأكثر تطرفاً في المنطقة واستخدامها لزعزعة استقرار جيرانه. كما أن نظام الأسد فاسد، وقد أقصت أساليبه في الحكم والتنمية الاقتصادية بشكل متزايد بعض المجموعات العرقية والدينية. وسجله في مجال حقوق الإنسان شهير بالسوء في مختلف أنحاء العالم.
إن هذا القمع لا يمكن أن يستمر إلى الأبد. ومع مرور السنين، نشأ غضب كامن داخل البلاد، وانتفض العديد من السوريين وعارضوا حكم الأسد. وفي غضون أيام مما بدأ كمظاهرات سلمية عمت سوريا في العام 2011، استجاب الأسد ونظامه لشعبه بالرصاص وأحكام السجن.
منذ ذلك الوقت، أصبحت قصة سوريا قصة كارثة إنسانية. فقد قُتل حوالي نصف مليون سوري. وبات أكثر من 5,4 مليون سوري لاجئين، و6,1 مليون مشردين أو نازحين داخل البلاد. وقد دمرت مدن عن بكرة أبيها نتيجة للنزاع بين قوات النظام والمعارضة، وسيستغرق الأمر سنوات لإعادة بناء الأمة بأكملها.
لم تكن الجهود الأمريكية السابقة لوقف الصراع فعالة. وعندما استخدم الأسد الأسلحة الكيماوية ضد شعبه في العام 2013، متحدياً تهديد الخط الأحمر الأمريكي، دفع التقاعس الأمريكي النظام إلى مزيد من تجاهل أرواح المدنيين. وفي نيسان/أبريل من العام الماضي، ردت إدارة ترامب على استخدام الأسد لغاز السارين ضد المدنيين بصواريخ كروز دمرت 20% من سلاح جو الأسد. قمنا بذلك لتحطيم قدرة الجيش السوري على شن المزيد من الهجمات بالأسلحة الكيميائية، وحماية المدنيين الأبرياء، وثني النظام السوري عن استخدام الأسلحة الكيميائية أو نشرها. إن الولايات المتحدة تأخذ تهديدات الأسلحة الكيميائية على محمل الجد، ولا يمكننا أن نقف مكتوفي الأيدي ونسمح باستعمالها. وسنواصل السعي إلى تطبيق المساءلة وتحقيق العدالة لضحايا ذلك الهجوم.
في العام 2012، بدأت القوات العسكرية التابعة لنظام الأسد تعاني بشدة في قتالها ضد المعارضة المسلحة. وسرعان ما تعزز النظام من خلال مساعدة القوات المقاتلة المدعومة من إيران. ولكن على الرغم من تلك المساعدة، وبحلول آب/أغسطس من العام 2015، حققت قوات الثوار السوريين تقدماً كبيراً ضد نظام الأسد. خاف الأسد على بقائه، فناشد روسيا طالباً المساعدة، وهي حليفه منذ زمن طويل. وتدخلت روسيا لإنقاذ النظام، وذلك عن طريق توفير قوة جوية متزايدة واستخبارات ودعم بالأسلحة إلى حد كبير.
وفي كانون الأول/ديسمبر 2016، سقطت مدينة حلب الرئيسية في يد النظام بعد حملة وحشية دمرت تلك المدينة التي كان يبلغ عدد سكانها أكثر من مليوني شخص قبل الحرب. وكان ذلك رمزاً للتصميم الوحشي للنظام في استعادة الزخم في الصراع. وأدى إلى أن يظن الأسد مخطئاً أنه سيحافظ على السلطة بدون معالجة المظالم المشروعة للشعب السوري.
لقد كانت الحرب الأهلية في سوريا مروعة في حد ذاتها. لكن سوريا وقعت في حالة من الاضطراب الإضافي مع ظهور تنظيم داعش. كانت تلك دولة إرهابية طموحة داخل حدود العراق وسوريا. حيث أدى الصراع بين النظام ومختلف جماعات المعارضة التي تقاتل من أجل تغيير قبضة الأسد على السلطة إلى تهيئة الظروف اللازمة للتوسع السريع لداعش في العامين 2013 و2014. وكان تنظيم داعش قد انبثق أصلاً من رماد تنظيم القاعدة في العراق الذي كان الأسد يدعمه بالسر. وتشير الأدلة إلى أنّ الأسد قد دعم داعش أيضاً من خلال الإفراج عن إرهابيين معروفين من السجون السورية وغض الطرف عن تنامي التنظيم. وقد استغل تنظيم داعش عدم الاستقرار وغياب سلطة مركزية في سوريا لإقامة ما ادعى زوراً أنها “الخلافة” وعاصمتها مدينة الرقة السورية. وفي نهاية المطاف، توسع تنظيم داعش ليمتلك في ذروته أراضٍ تساوي رقعتها رقعة المملكة المتحدة تقريباً، إلى جانب قوة قتالية كبيرة. ومع تدفق النقد من المصارف المنهوبة والسيطرة على حقول النفط في سوريا والعراق، كان تنظيم داعش يتمتع بمختلف العناصر للبقاء وشنّ هجمات على أراضي الولايات المتحدة وحلفائنا. وإجتذب إنشاء دولة إرهابية جذرية الآلاف من الجهاديين من أكثر من 100 دولة، ودفع إرهابيين آخرين في مختلف أنحاء العالم إلى ارتكاب هجمات حيث يعيشون.
في أعقاب تصاعد داعش، فرّ الملايين من منازلهم وقراهم ومدنهم للتخلص من التطهير العرقي الذي كان يمارسه النظام الوحشي، مما أدى إلى تدفق أعداد كبيرة من اللاجئين إلى البلدان المجاورة وأوروبا والدول الاسكندنافية. وبحلول منتصف العام 2014، كان لدى داعش قاعدة مستقرة من العمليات في سوريا، وتدفقات كبيرة للإيرادات لتمويل الهجمات ضد أهداف في الغرب وضد حلفائنا الإقليميين والتخطيط لها وإلهامها وتوجيهها. وكان التنظيم يستخدم سوريا لبناء أسلحة كيميائية للاستخدام ضد شركائنا. وإدراكاً منها للقوة التدميرية للتنظيم الإرهابي المتنامي، ركزت الولايات المتحدة على هزيمة داعش عسكرياً. وعلى الرغم من التهديد الذي يشكله داعش في سوريا، ركّز الأسد بدلاً من ذلك على محاربة المعارضة السورية، حتى مع وجود الدعم العسكري الإيراني والروسي.
إن سياسة مكافحة الإرهاب التي يعتمدها الرئيس ترامب بسيطة جداً، وهي حماية الأمريكيين في الداخل والخارج من هجمات الإرهابيين. ويتمثل أحد العناصر الأساسية لهذه السياسة بمنع التنظيمات الإرهابية والإرهابيين من تنظيم الأموال وجمعها، وتجنيد المقاتلين وتدريبهم، والتخطيط للهجمات وتنفيذها.
عندما استلم الرئيس ترامب منصبه، اتخذ إجراءات حاسمة للتعجيل بالمكاسب التي تحققت في سوريا والعراق. ووجّه وزير الدفاع ماتيس ليقدم في غضون 30 يوماً خطة جديدة لهزيمة داعش. وسرعان ما وافق الرئيس على هذه الخطة. ووجه باعتماد وتيرة عمليات من شأنها أن تحقق نتائج حاسمة بسرعة، وقام بتفويض سلطة أكبر للقادة الأمريكيين في الميدان، وأعطى قادتنا العسكريين مزيداً من الحرية لتحديد وتطبيق التكتيكات التي من شأنها أن تؤدي إلى هزيمة داعش على النحو الأفضل. واليوم، تم تقريباً تحرير كل الأراضي التي كان يسيطر عليها داعش في العراق وسوريا، أي ما يقرب من 98% من تلك الأراضي التي بلغت مساحتها في مرحلة ما مساحة المملكة المتحدة، ولم يتمكن داعش من استعادة متر مربع واحد من تلك الأراضي. وتم تدمير “الخلافة” المادية لداعش في “الرقة” في داعش، ولم تعد عاصمة الخلافة المحررة بمثابة مغناطيس لمن يأملون في بناء إمبراطورية إرهابية. وقد تم تحرير حوالى 3,2 مليون سوري و4,5 مليون عراقي من طغيان داعش. ويجدر الذكر أنّ أكثر من 3 ملايين عراقي نازح داخلياً قد عادوا الى ديارهم، وباتت الموصل، عاصمة الخلافة الثانية في العراق وإحدى أكبر المدن العراقية، خالية تماماً من داعش. وفي العراق، ولأول مرة منذ بداية الأزمة في كانون الأول/ديسمبر 2013، بلغ عدد العراقيين الذين عادوا إلى ديارهم أكثر من عدد الذين ما زالوا مشردين.
بينما نستعرض سوريا اليوم، نرى الصورة الكبيرة، وهي حالة تتسم أساساً بثلاثة عوامل:
تمت هزيمة داعش بشكل كبير، ولكن ليس بالكامل.
يسيطر نظام الأسد على نصف الأراضي السورية وسكانها.
تستمر التهديدات الاستراتيجية على الولايات المتحدة، ليس من تنظيمي داعش والقاعدة فحسب، ولكن من جهات أخرى أيضاً. وهذا التهديد الذي أشير إليه هو إيران بشكل أساسي.
كجزء من استراتيجية إيران الرامية إلى إنشاء قوس شمالي يمتد من إيران إلى لبنان والبحر المتوسط، عززت إيران بشكل كبير وجودها في سوريا من خلال نشر قوات الحرس الثوري الإيراني ودعم حزب الله اللبناني واستيراد قوات وكيلة من العراق وأفغانستان وباكستان وأماكن أخرى. ومن خلال موقعها في سوريا، باتت إيران في وضع يمكّنها من مواصلة مهاجمة المصالح الأمريكية وحلفائنا وموظفينا في المنطقة. وهي تنفق مليارات الدولارات سنوياً لدعم الأسد والحروب بالوكالة على حساب دعم شعبها.
وبالإضافة إلى ذلك، لا تزال محنة ملايين اللاجئين السوريين والنازحين داخلياً أزمة إنسانية بدون حل. ويرتبط الوضع الكارثي بشكل مباشر باستمرار انعدام الأمن والحكم الشرعي في سوريا نفسها. لقد قام الأسد باستخدام الغاز ضد شعبه، وقصف قرى بأكملها وأحياء حضرية بالبراميل المتفجرة، وقوّض بشكل متكرر أي فرصة للتوصل إلى حل سلمي للخلافات السياسية. وتتواصل هذه الانتهاكات حتى يومنا هذا، كما يتضح من الإصابات المدنية الأخيرة في الغوطة الشرقية وإدلب. وما من وسيلة لتسهيل عودة اللاجئين الآمن والطوعي على نطاق واسع بدون حل سياسي.
باختصار، تبقى سوريا مصدراً لتهديدات استراتيجية شديدة وتحدياً كبيراً لدبلوماسيتنا.
ولكن ستواصل الولايات المتحدة مشاركتها في سبيل حماية مصالحنا الأمنية الوطنية.
ترغب الولايات المتحدة في خمس حالات نهائية رئيسية في سوريا:
أولاً، هزيمة داعش والقاعدة في سوريا بصورة دائمة، وألا يشكلا تهديداً للوطن، وألا يبرزا بأشكال جديدة، وكذلك عدم استخدام سوريا مرة أخرى كمنبر أو ملاذ آمن للإرهابيين للتنظيم والتجنيد والتمويل والتدريب وتنفيذ هجمات على المواطنين الأمريكيين في الداخل أو في الخارج أو ضد حلفائنا.
ثانياً، حل الصراع القائم بين الشعب السوري ونظام الأسد من خلال عملية سياسية تقودها الأمم المتحدة، بحسب ما هو منصوص عليه في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، وأن تعمل سوريا المستقرة والمستقلة والموحدة تحت قيادة ما بعد الأسد كدولة.
ثالثاً، تضاؤل النفوذ الإيراني في سوريا وحرمان إيران من حلمها بإقامة قوس شمالي وتمتع جيران سوريا بالأمان من كل التهديدات المنبثقة عن سوريا.
رابعاً، نشوء الظروف التي تمكّن اللاجئين والمشردين داخلياً من العودة إلى سوريا بشكل آمن وطوعي.
خامساً، خلو سوريا من أسلحة الدمار الشامل.
تقوم إدارة ترامب بتنفيذ استراتيجية جديدة لتحقيق هذه الأوضاع النهائية. وتستتبع هذه العملية إلى حد كبير زيادة العمل الدبلوماسي في أعقاب نجاحاتنا العسكرية الجارية. وستتسم جهودنا الدبلوماسية بمبادرات لتحقيق الاستقرار وتشديد جديد على الحل السياسي للصراع السوري.
ولكن دعونا نكون واضحين. ستحافظ الولايات المتحدة على وجود عسكري في سوريا يركز على ضمان عدم ظهور داعش مرة أخرى. وستبقى مهمتنا العسكرية في سوريا قائمة على شروط. لا يمكننا أن نرتكب نفس الأخطاء التي ارتكبت في العام 2011 عندما سمح الرحيل السابق لأوانه من العراق لتنظيم القاعدة في العراق بالاستمرار والتحول في النهاية إلى داعش. سمح هذا الفراغ لتنظيم داعش وغيره من التنظيمات الإرهابية بإفساد البلاد ومنح داعش ملاذاً آمناً لتخطيط الهجمات ضد الأمريكيين وحلفائنا. لا يمكننا أن نسمح أن يعيد التاريخ نفسه في سوريا. بات تنظيم داعش في الوقت الراهن قريباً جداً من النهاية، وسينتهي بالكامل عما قريب من خلال الحفاظ على الوجود العسكري الأمريكي في سوريا حتى يتم تحقيق هزيمة كاملة وشاملة لداعش.
نحن نتفهم تشكيك بعض الأمريكيين في استمرار التدخل في سوريا وفوائد الإبقاء على وجود في بلد مضطرب مماثل.
ومع ذلك، من الحيوي أن تتابع الولايات المتحدة التدخل في سوريا لأسباب عدة: الأماكن غير الخاضعة للحكم، وبخاصة في مناطق النزاع، هي أراضٍ خصبة لتنظيم داعش والتنظيمات الإرهابية الأخرى. لم تنته المعركة ضد داعش بعد. ثمة عصابات من مقاتلي داعش قد بدأت بالفعل بشن تمرد. سنطاردهم مع الحلفاء ونقتلهم أو نقبض عليهم.
وبالمثل، يجب أن نبقى في سوريا لإحباط تنظيم القاعدة، والذي لا يزال يتمتع بوجود كبير وقاعدة عمليات في شمال غرب سوريا. وكما هو الحال في السنوات التي سبقت 11 أيلول/سبتمبر، يحرص تنظيم القاعدة على إنشاء ملاذ للتخطيط لشن هجمات على الغرب وتنفيذها. وعلى الرغم من أنّ تنظيم داعش هو الجماعة الإرهابية التي سيطرت على العناوين الرئيسية في السنوات القليلة الماضية، لا تزال القاعدة تشكل تهديداً خطيراً، وهي تتطلع إلى إعادة تشكيل نفسها بطرق جديدة وقوية.
بالإضافة إلى ذلك، سيعيد الانسحاب الكامل للأفراد الأمريكيين في هذا الوقت للأسد زخمه ويواصل معاملته الوحشية ضد شعبه. لا يمكن لقاتل شعبه أن يولد الثقة اللازمة لتحقيق الاستقرار طويل الأجل. تحتاج سوريا المستقرة والموحدة والمستقلة في نهاية المطاف إلى قيادة ما بعد الأسد لكي تكون ناجحة. ومن شأن استمرار الوجود الأمريكي لضمان هزيمة داعش الدائمة أن يساعد أيضاً على تمهيد الطريق للسلطات المدنية المحلية الشرعية لممارسة الحكم الرشيد للمناطق المحررة. وسيهيئ رحيل الأسد من خلال عملية جنيف بقيادة الأمم المتحدة الظروف لإحلال سلام دائم داخل سوريا والأمن على طول الحدود لجيران سوريا.
سيتيح الانسحاب الأمريكي من سوريا لإيران فرصة لتعزيز موقفها في سوريا أكثر. وكما رأينا من حروب إيران بالوكالة وتصريحاتها العلنية، تسعى إيران إلى الهيمنة على الشرق الأوسط وتدمير حليفنا إسرائيل. وباعتبار سوريا دولة مزعزعة للاستقرار لديها حدود مع إسرائيل، فهي تمثّل فرصة وإيران حريصة جداً على استغلالها.
وأخيراً، اتساقاً مع قيمنا، تتاح للولايات المتحدة فرصة مساعدة شعب عانى كثيراً. يجب أن نعطي السوريين فرصة العودة إلى ديارهم وإعادة بناء حياتهم. تخدم العودة الآمنة والطوعية للاجئين السوريين المصالح الأمنية للولايات المتحدة ولحلفائنا وشركائنا. ولتخفيف الضغط الهائل لتدفقات اللاجئين إلى المنطقة المحيطة وأوروبا، يجب تهيئة الظروف اللازمة لهؤلاء اللاجئين لكي يعودوا إلى وطنهم بأمان وبصورة طوعية. وسيكون من المستحيل ضمان الاستقرار على أحد سواحل البحر الأبيض المتوسط وأوروبا إذا سادت الفوضى والظلم على الساحل الآخر، أي في سوريا.
وستقوم الولايات المتحدة، جنباً إلى جنب مع حلفائها وشركائها، باتخاذ الخطوات التالية لتحقيق الاستقرار والسلام في سوريا:
أولاً، مبادرات تحقيق الاستقرار في المناطق المحررة ضرورية لضمان عودة الحياة إلى وضعها الطبيعي وعدم عودة داعش إلى الظهور مرة أخرى. وتتألف مبادرات تحقيق الاستقرار من تدابير أساسية مثل إزالة الألغام الأرضية غير المنفجرة التي خلفها داعش، مما يسمح بإعادة فتح المستشفيات واستعادة خدمات المياه والكهرباء وعودة الفتيان والفتيات إلى المدارس. وقد أثبت هذا النهج نجاحه في العراق، إذ عاد ملايين العراقيين إلى ديارهم. ولكن في سوريا، على عكس العراق، ليس لدينا شريك حكومي وطني لجهود تحقيق الاستقرار، لذلك يجب أن نعمل مع جهات أخرى. وعلى هذا النحو، ثمة قدر كبير من الصعوبة بالنسبة إليهم. ومنذ أيار/مايو، نشرت الولايات المتحدة دبلوماسيين إضافيين في المناطق المتضررة في سوريا، وتعمل مع الأمم المتحدة وشركائنا في التحالف الدولي لهزيمة داعش ومنظمات غير حكومية مختلفة.
يبني عملنا لمساعدة السلطات المحلية والإقليمية على تقديم الخدمات للمناطق المحررة الثقة عند السكان المحليين والقادة المحليين الذين يعودون إلى ديارهم. يزدهر الإرهابيون في ظل ظروف تسمح لهم بدفع رسائلهم المشوشة والبغيضة إلى الضعفاء في المناطق المنكوبة بالنزاعات. وستساعد جهودنا الرامية إلى تحقيق الاستقرار هؤلاء الناس على الابتعاد عن احتمال الإرهاب والاندماج في مجتمعاتهم المحلية.
يجب أن نكون واضحين: ليس “الاستقرار” مرادفاً لجهود بناء الأمة أو إعادة الإعمار المفتوحة الأمد. ولكنه ضروري. لا يستطيع أي طرف في النزاع السوري أن ينتصر أو يحقق الاستقرار في البلاد عن طريق الأساليب العسكرية فحسب. وجودنا العسكري مدعوم بفرق تابعة لوزارة الخارجية الأمريكية والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية تعمل بالفعل مع السلطات المحلية لمساعدة الشعوب المحررة على تحقيق الاستقرار في مجتمعاتها المحلية.
وبالتزامن مع جهود تحقيق الاستقرار، يمثّل التخفيف من تصعيد الصراع العام أيضاً خطوة حاسمة لتهيئة الظروف لتحقيق تسوية سياسية بعد الأسد. ومنذ تموز/يوليو، عملت الولايات المتحدة مع روسيا والأردن على إنشاء منطقة لتخفيف التصعيد في الجزء الجنوبي الغربي من سوريا. وقد حققت هذه الجهود وقفاً لإطلاق النار، وأنهت القصف العشوائي للسكان المدنيين، مع بعض الاستثناءات القليلة، ولكنه صمد حتى الآن. ويتناول الاتفاق في المنطقة الجنوبية الغربية أيضاً أمن إسرائيل من خلال مطالبة الميليشيات المدعومة من إيران، ولا سيما حزب الله، بالابتعاد عن الحدود الإسرائيلية. نحن بحاجة إلى أن تواصل روسيا العمل مع الولايات المتحدة والأردن لإنفاذ منطقة تخفيف التصعيد هذه. وإذا قامت بذلك، سيتيح وقف الأعمال العدائية بين المعارضة والنظام إيصال المساعدات الإنسانية بشكل آمن، ويهيئ الظروف للعودة الآمنة والطوعية للنازحين واللاجئين، ويوفر للشعب السوري الأمن للبدء في إعادة بناء المناطق التي شوهها النزاع. وقد ساعدت جهودنا اللاجئين والنازحين داخلياً على العودة إلى مناطق تخفيف التصعيد في جنوب غرب البلاد بعد أن لجؤوا إلى الأردن، وعموماً، عاد ما يقدر بـ715 ألف سوري إجمالاً إلى ديارهم في العام 2017، من بينهم 50 ألف سوري من الخارج. يمكن أن تزيد هذه الاتجاهات المبكرة ولكن الإيجابية من خلال مواصلة جهود تخفيف حدة التصعيد، ليس في جنوب غرب البلاد فحسب، ولكن في أماكن أخرى أيضاً.
وفي ما يتعلق بمكافحة الإرهاب، سنواصل العمل مع الحلفاء والشركاء، مثل تركيا، لمعالجة التهديد الإرهابي في إدلب ومعالجة مخاوف تركيا من إرهابيي حزب العمال الكردستاني في أماكن أخرى. ويحاول تنظيم القاعدة إعادة إنشاء قاعدة عمل لنفسه في إدلب. ونحن نعمل بنشاط على تطوير أفضل خيار لتحييد هذا التهديد بالتعاون مع الحلفاء والشركاء.
تدعم الولايات المتحدة بقوة جهود الأمم المتحدة الرامية إلى تحقيق الحل السياسي بموجب قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254. هذا هو الإطار السياسي للسلام والاستقرار في سوريا الموحدة الذي تم الاتفاق عليه بين أعضاء مجلس الأمن الدولي. وعلى وجه التحديد، سنعمل من خلال ما يعرف بعملية جنيف، وندعم مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا ستيفان دي ميستورا في جهوده.
يتطلع نظام الأسد بوضوح إلى روسيا كضامن لأمنه. ولذلك، تلعب روسيا دوراً هاماً في إقناع نظام الأسد بالمشاركة البناءة في عملية جنيف. وبعيداً عن تصويت روسيا لدعم قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، أكد الرئيس بوتين مجدداً على التزام روسيا بجنيف في بيانه المشترك مع الرئيس ترامب الصادر من دا نانغ في فيتنام في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي. عملت الولايات المتحدة وروسيا معاً على منطقة تخفيف التصعيد في منطقة جنوب غرب سوريا لتنجح، وأنشأنا ترتيبات لفض الاشتباك حول وادي نهر الفرات لضمان سلامة قواتنا.
ويجب على روسيا الآن أن تتابع الالتزام الذي تعهد به رئيسانا في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي لإيجاد حل نهائي من خلال عملية جنيف التي تقودها الأمم المتحدة. وتستطيع روسيا مثلاً ممارسة نفوذها الفريد على النظام السوري، الذي وافق بنفسه على المشاركة في عملية جنيف. يجب أن تسلط روسيا مستويات جديدة من الضغط على النظام، ليس للتواجد في جنيف فحسب، ولكن أيضاً للمشاركة بشكل موثوق في جهود الأمم المتحدة وتنفيذ النتائج المتفق عليها.
لن تقدم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والشركاء الإقليميون أي مساعدات إعادة إعمار دولية لأي منطقة خاضعة لسيطرة نظام الأسد. ونطلب من مختلف أصحاب المصلحة في مستقبل سوريا أن يحذوا حذونا. لن نشجع العلاقات الاقتصادية بين نظام الأسد وأي بلد آخر. وبدلاً من ذلك، سنشجع المساعدة الدولية لإعادة بناء المناطق التي حررها التحالف الدولي وشركاؤه المحليون من قبضة داعش. وبمجرد أن يتنحى الأسد عن السلطة، ستشجع الولايات المتحدة بكل سرور تطبيع العلاقات الاقتصادية بين سوريا والدول الأخرى. وتدعو الولايات المتحدة جميع الدول إلى ممارسة الانضباط في الضغط على الأسد اقتصادياً وإعادة بناء سوريا بعد انتقال سياسي. ونتوقع أن تساعد الرغبة في العودة إلى الحياة الطبيعية وأدوات الضغط هذه على حشد الشعب السوري والأفراد داخل النظام لإجبار الأسد على التنحي.
يدعو قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 أيضاً إلى إجراء انتخابات حرة تحت إشراف الأمم المتحدة في سوريا. وتعتبر الولايات المتحدة أنّ الانتخابات الحرة والشفافة التي تشمل مشاركة المغتربين السوريين الذين تشردوا وكل من أجبروا على الفرار من الصراع ستؤدي إلى رحيل الأسد وأسرته عن السلطة. ستستغرق هذه العملية وقتاً، ونحث على الصبر حتى رحيل الأسد ونشوء قيادة جديدة. قد لا يأتي التغيير المسؤول على الفور كما يأمل البعض، ولكنه سيتم من خلال عملية تدريجية للإصلاح الدستوري والانتخابات التي تشرف عليها الأمم المتحدة. ولكنّ هذا التغيير قادم لا محالة.
تعترف الولايات المتحدة وتكرّم التضحيات الكبيرة التي قدمتها قوات سوريا الديمقراطية لتحرير السوريين من داعش، ولكنّ انتصاراتها في ساحة المعركة لا توجد حلاً لتحدي الحكم المحلي والتمثيل لشعب شرق وشمال سوريا. يجب أن تظهر الترتيبات السياسية المحلية المؤقتة التي تعطي صوتاً لجميع المجموعات والأعراق الداعمة لعملية التحول السياسي الأوسع في سوريا بدعم دولي. ينبغي أن تكون أي ترتيبات مؤقتة تمثيلية بحق وألا تهدد أياً من الدول المجاورة لسوريا. وبالمثل، يجب الاستماع إلى أصوات السوريين من هذه المناطق في جنيف وفي المناقشة الأوسع حول مستقبل سوريا.
وفي هذا الصدد، تستمع الولايات المتحدة إلى مخاوف تركيا الحليفة في حلف شمال الأطلسي (الناتو) وتأخذها على محمل الجد. نحن ندرك المساهمات الإنسانية والتضحيات العسكرية التي قدمتها تركيا لهزيمة داعش، ودعم الملايين من اللاجئين السوريين، وتحقيق الاستقرار في المناطق السورية التي ساعدت على تحريرها. يجب أن يكون لدينا تعاون وثيق من تركيا لتحقيق مستقبل جديد لسوريا يضمن الأمن لجيران سوريا.
وأخيراً، يعتمد تقليص النفوذ الإيراني الخبيث وطرده من سوريا على أن تكون سوريا ديمقراطية. كانت سوريا في ظل حكم بشار الأسد ولسنوات عديدة دولة عميلة لإيران. ستتمتع الحكومة المركزية السورية التي لا تخضع لسيطرة الأسد بشرعية جديدة لتأكيد سلطتها على البلاد. وستخفض إعادة تأكيد السيادة الوطنية من قبل حكومة جديدة، إلى جانب جهود تخفيف حدة التصعيد وتدفقات جديدة من المساعدات الدولية، من حدة العنف وتهيئ ظروفاً أفضل للاستقرار وتسرّع في رحيل المقاتلين الأجانب.
نحن ندرك أنّ سوريا تمثّل تعقيدات عدة، ولن تكون حلولنا المقترحة سهلة التحقيق. ولكن من الضروري أن نمضي قدماً في هذه السبل من أجل أمننا وأمن حلفائنا. لن نكرر أخطاء الماضي في العراق، ولن نكرر الأخطاء التي ارتكبت في ليبيا.
تنشئ التدخلات العسكرية الحسنة النية والمستقلة عن عمليات الاستقرار والاستراتيجيات السياسية مجموعة من العواقب السلبية غير المقصودة. ولهذا السبب، نسعى إلى تهدئة الحرب الأهلية في سوريا، والعمل من أجل السلام، وتشجيع جميع الأطراف على التوجه إلى طاولة المفاوضات. ومن المرجح أن يؤدي استمرار القتال إلى تدهور الأوضاع الإنسانية، وزيادة الفوضى، وزيادة التدخل العسكري الإقليمي في سوريا. محور تركيزنا هو بناء مسار سياسي إيجابي يكرّم إرادة الشعب السوري ويحافظ على وحدة سوريا وسلامتها الإقليمية.
وكما هو الحال مع كل تحديات سياستنا الخارجية تقريباً، لا نستطيع اتخاذ الخطوات لتحقيق أهدافنا بمفردنا. سنواصل العمل بشكل وثيق مع الحلفاء والشركاء. تعرض حلفاؤنا في أوروبا إلى هجومات إرهابية عدة في خلال السنوات القليلة الماضية، فشهدوا لسوء الحظ مباشرة ما تستطيع مجموعات مثل تنظيم داعش والقاعدة القيام به. نحن بحاجة إلى حلفاء وشركاء لدعم استراتيجيتنا من أجل التخفيف بشكل دائم من المخاطر التي تمثلها هذه التنظيمات الإرهابية وغيرها على الأمن.
وأخيراً، تحمل الشعب السوري سبع سنوات من الفوضى والمشقة التي لا يمكن تصورها. إنهم بحاجة إلى مساعدة. مسار العمل الجديد هو بديل مفضل لمزيد من سنوات التفكير المتأمل. ستخدم سوريا المستقرة والمستقلة والموحدة المصالح الأمنية الوطنية للولايات المتحدة وحلفائها وشركائها. إذا تحقق هذا الواقع، سيكون الانتصار للجميع وسيدعم قدرة الشعب السوري على متابعة حقوقهم الخاصة التي منحها لهم الله، ألا وهي الحق بالحياة والحرية والسعي لتحقيق السعادة.
المصدر: U.S. Embassy in Damascus