مع انطلاق موسم الانتخابات العراقية، والإعلان عن تحالفات واسعة ضمّت أحزاباً تقليدية وناشئة، نأى “الحزب الديمقراطي الكردستاني” بقيادة رئيس إقليم كردستان العراق السابق مسعود البارزاني، بنفسه عن التحالفات بعد أن قرر خوض الانتخابات النيابية المقرّرة في مايو/ أيار المقبل منفرداً، فيما أوشكت أحزاب السليمانية على تشكيل تحالف ثلاثي لخوض الانتخابات، وهو ما اعتبره مراقبون تخطيطاً لوراثة أربيل في المناصب والمكاسب التي يتم الحصول عليها من بغداد.
في هذا السياق، أكد مصدر سياسي كردي أن “القوى السياسية الكردية فشلت في الاتفاق على دخول الانتخابات البرلمانية المقبلة بقائمة انتخابية واحدة”، موضحاً في حديثٍ لـ”العربي الجديد”، أن “الحزب الديمقراطي الكردستاني المسيطر بشكل شبه كامل على محافظة أربيل (عاصمة إقليم كردستان)، قرر خوض الانتخابات بشكل منفرد بعد أن فشل في إقناع الأحزاب الكردية بالدخول في تحالف واحد وفقاً لشروطه”. وأشار إلى أن “الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي سجل في مفوضية الانتخابات بشكل منفرد، يعتمد على جماهيره في محافظة أربيل، ونتائج الانتخابات هي التي ستحدد طبيعة تحالفات الحزب في المرحلة المقبلة”. وأضاف أنه “بات من شبه المؤكد صعوبة التحالف مع أحزاب السليمانية المتمثلة بحركة التغيير، والجماعة الإسلامية، والعدالة والإصلاح، التي أيدت التظاهرات التي خرجت ضد حكومة إقليم كردستان الشهر الماضي وطالبت بإسقاطها”، لافتاً إلى “وجود تقارب بين الأحزاب الثلاثة لتشكيل تحالف قوي في السليمانية يكون ممثلاً للأكراد في بغداد”.
وهذا ما أكدته عضو البرلمان العراقي عن “حركة التغيير” سروة عبد الواحد، التي ذكرت أن “حركتها متحالفة مع الجماعة الإسلامية وتيار العدالة والإصلاح بقيادة نائب رئيس الوزراء العراقي الأسبق برهم صالح، والمنافسة السياسية داخل إقليم كردستان أقوى من بقية المناطق”. وأشارت إلى أن “وضع التحالفات في إقليم كردستان اختلف هذه المرة”، مؤكدة أن “الحزب الديمقراطي الكردستاني طلب الدخول في قائمة انتخابية موحّدة لخوض الانتخابات في المناطق المتنازع عليها، لكننا رفضنا الدخول مع حزب تسبب بالفشل في الإقليم، ولم يكن قادراً على التوصل إلى حلول بشأن المشاكل التي نشبت مع الحكومة العراقية في بغداد بسبب الاستفتاء الفاشل”.
وأضافت أنه “كان يفترض حل المشاكل بالتوافق قبل الاستفتاء”، مبيّنة أن “أكراد العراق اليوم ليسوا متفقين كما كانوا في السابق في ظل تمسك البعض بخطاب قومي زائف لن يقدم شيئاً للأكراد”. وأوضحت عبد الواحد أن “التحالفات الانتخابية التي أُعلن عنها أخيراً هشة وقد تتفتت بعد الانتخابات”، لافتة إلى “وجود طبخة للمرحلة المقبلة قد تكون بسماح بعض القوى السياسية بالتدخلات الأميركية، أو ولاءات أحزاب أخرى طوعية لإيران”. ولفتت إلى أن “القوى الدولية ستساهم بشكل واضح في تشكيل التحالفات المقبلة بسبب وجود أحزاب مرتبطة بالخارج”.
بدوره، أبدى عضو البرلمان العراقي السابق، محمود عثمان، استغرابه من “الخلافات الحادة التي يشهدها الوسط السياسي الكردي”، مؤكداً لـ”العربي الجديد”، أن “هذه الخلافات لا تبتعد كثيراً عن الواقع السياسي العراقي الذي جاء بتحالفات ليست مختلفة عن السابق”.
عدم قدرة هذه التحالفات على تغيير الوضع السياسي الحالي، دفع “الحزب الديمقراطي الكردستاني” لخوضالانتخابات المقبلة منفرداً، بحسب القيادي في الحزب، عضو البرلمان، ماجد شنكالي، الذي كشف أن حزبه “يخشى من حدوث تزوير في الانتخابات المقبلة، وهذا ما دفعه إلى اتخاذ قرار بمقاطعة الانتخابات في كركوك” (شمال العراق)، معبراً عن خشيته من “تعرض الناخبين هناك إلى ضغوط تؤثر على توجهاتهم الانتخابية”. ولفت إلى أن “الأحزاب الكردية ستدخل الانتخابات وهي متفرقة هذه المرة، على أن تتفق بعد الانتخابات”.
وأشار إلى أن “دخول مليشيات الحشد الشعبي إلى المناطق المتنازع عليها بين الأكراد من جهة، والعرب والتركمان من جهة أخرى، يمثل احتلالاً لهذه المناطق، وقد يؤثر في نتائج الانتخابات”، مبيناً أن “الأوضاع هناك لن تستقر إلا بتطبيق الدستور”.
وجاء ذلك في وقت ازدادت فيه حدة الخلافات الكردية ـ الكردية بعد إعلان حزب “الاتحاد الإسلامي الكردستاني”، يوم الثلاثاء الماضي، انسحابه من حكومة إقليم كردستان. وأكد الأمين العام للحزب صلاح الدين بهاء الدين، أن “سبب الانسحاب يعود لعدم التزام حكومة إقليم كردستان بمذكرة الإصلاح التي قدمها الحزب في وقت سابق”. وكان “الاتحاد الإسلامي الكردستاني” قد أعلن الشهر الماضي عن إمهال حكومة إقليم كردستان حتى 15 يناير/ كانون الثاني الحالي للاستجابة للمطالب الجماهيرية بالإصلاح، ملوحاً بالانسحاب من الحكومة إذا لم تتم الاستجابة لمطالبه. وكان أربعة وزراء من “حركة التغيير”، ووزير واحد من “الجماعة الإسلامية” قد أعلنوا في 20 ديسمبر/ كانون الأول الماضي انسحابهم من حكومة الإقليم احتجاجاً على سياسات سلطات الإقليم”.
ورأى أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد حسان العيداني، أن “الخلافات الداخلية الكردية أصبحت عميقة”، مشيراً في حديث لـ”العربي الجديد”، إلى أن “هذه الخلافات أصبحت تهدد مكاسب الأكراد التي تحققت خلال السنوات الماضية”. وأضاف أنه “بعد أن كان الأكراد يطالبون بالدولة المستقلة قبل استفتاء الانفصال الذي أجري في 25 سبتمبر/ أيلول الماضي، أصبحت مطالبهم لا تتجاوز فتح المنافذ والمطارات وتوفير الرواتب”، مؤكداً أن “هذا الأمر يمثل فشلاً واضحاً في سياسة حكومة إقليم كردستان التي قادها الحزب الديمقراطي الكردستاني طيلة السنوات الماضية”.
ولفت إلى أن “تراجع حظوظ الحزب الديمقراطي الكردستاني في الانتخابات المقبلة بسبب النكسة التي تسبب بها للإقليم، قد تدفع لظهور ممثلين جدد لكردستان في بغداد”، موضحاً أن “أحزاب السليمانية، وأبرزها حركة التغيير، والجماعة الإسلامية، وتيار العدالة والإصلاح، تخطط لتكون هي الممثلة الأقوى لأكراد العراق التي تستحق الحصول على مناصب ومكاسب الأكراد المقبلة في بغداد”.
المصدر: العربي الجديد