إسطنبول- تلفزيون سوريا
موقع تلفزيون سوريا:6/11/2022
“اِنسَ اسمك- مازن الحمادة، طريق المختفي” (Oublie ton nom – Mazen el Hamada, itinéraire d’un disparu)، عنوان الكتاب الجديد الذي صدر أخيراً باللغة الفرنسية للكاتبة غارانس لوكاسن (Garance Le Caisne) بعد كتابها الأول (عملية قيصر- في قلب آلة الموت السورية) عام 2015.
ويعدّ مازن الحمادة من بين أهم الشهود على انتهاكات نظام الأسد بحق المعتقلين السوريين منذ الأشهر الأولى من الثورة، حيث اعتقل أكثر من مرة، وكان الاعتقال الأخير (في سجن المخابرات الجوية بدمشق) هو الأصعب، إذ مكث فيه ما يزيد على عام ونصف العام (بين 2012- 2014) تعرض خلالها لأشد أنواع التعذيب وكان شاهداً على العديد من ممارسات النظام الوحشية بحق المعتقلين.”
وعدَ أن يشهد
“بعد إطلاق سراحه عام 2014، اضطر مازن لمغادرة سوريا. وبعد عبوره البحر الأبيض المتوسط، انتهى به المطاف في هولندا، “البلد الذي ستذكره قنواته بنضارة نهر الفرات في طفولته. سيصبح أحد السوريين القلائل الذين ينددون علانية بالتعذيب الذي تعرض له في سجون نظام الأسد” بحسب ما ورد في تقديم الكتاب.
قصة مازن كما رواها لمؤلفة الكتاب لوكاسن خلال عامي 2017 و2018، تحكي مأساة التعذيب وفوضى الحياة الجديدة التي طال انتظارها وحلمها.
ويتذكر الحمادة الذي كان يعمل قبل الثورة كفني لدى إحدى شركات النفط العاملة في محافظته دير الزور، أن النظام “دمّر ذاكرتهم”: بستان العائلة، الخبز المُعدّ على التنّور فوق سطح المنزل، مخبأ الكتب الممنوعة، المظاهرات الأولى، وبالطبع الحياة… ابتُلعت جميعها في الزنازين المكتظة حيث اُحتجز مازن مع اثنين من أبناء أخته.”
قطع وعداً على نفسه بأن يشهد” ،
تقول مؤلفة الكتاب وتتابع: بالإضافة إلى الإيذاء الجسدي، شَهد مازن على تدمير الأرواح.
كلماته التي تم جمعها على مدى عدة أشهر، أصبحت مفككة بشكل متزايد وكشفت الحيرة التي سقط فيها بسبب استحالة سماعه من قبل القادة الغربيين الذين كان ينبغي عليهم القبض على المجرمين. تعكس عزلة مازن شهادات الناجين من معسكرات الاعتقال وشهادات الناجين من الإبادة الجماعية.
نحيف جداً كما لو أن معاناته ابتلعته، جسده كاد أن يختفي، ثم ضاع مازن. عاد إلى دمشق في الـ22 من شباط 2020. و
عند وصوله إلى مطار دمشق أدرك خطأه. وكانت عبارة “ادعوا لي” آخر الكلمات التي سُمعت من مازن.
من الكتاب/ الشاهد
يقول مازن بحسب ما ورد في سرد شهادته ضمن الكتاب:”أنا عينة من أبناء البلد وسأحدثكم عما حصل: طالبنا بالحرية فجاؤوا لقتلنا.
فقط لأننا طالبنا بالحرية، قتلونا واعتقلونا وعذبونا وذبحونا. قصفونا بكل أنواع الأسلحة، البراميل المتفجرة، الصواريخ، الفوسفور… وبكل شيء يمكنكم تخيله.
ماذا كان سيحدث لو طالبنا أيضًا بثروات البلد! أضحك ولكن كما تعلمون، لقد دمروا ذاكرتنا. دمروا طفولتنا وذكرياتنا وأحلامنا. حتى أنهم هدموا الجسر المعلق فوق نهر الفرات. لقد حاولوا محو الإنسان بداخلنا وأخلاقنا ومبادئ عالمنا، وأرادوا دفعنا نحو التطرف، وقذفوا بنا إلى البحار.
عشت بدايات الثورة؛ السجن، الحرب. كنت مطلوباً من قبل الأسد و(داعش) والفصائل المتطرفة، وفي إحدى الأمسيات، التقيت بإخوتي الأكبر سنًا وأبلغتهم أن وضعي قد أصبح صعبًا، وقد حان وقت الرحيل”.
يتابع مازن في مكان آخر من الكتاب: “نحتاج إلى متخصص يمكنه فتح رؤوسنا وتفكيك أدمغتنا ورؤية ما بالداخل، والتحقق من الروابط وجعل كل شيء على ما يرام. شخص قادر على الترتيب والتنظيف.
يجب إزالة البراميل والصواريخ والمواد الكيماوية والتعذيب والسجن وإزالة ما حدث على مدى السنوات السبع الماضية وسنتين في الاعتقال.يجب إزالة 70 بالمئة من هذه الذاكرة.
عندما وصلت إلى أوروبا، لم يكن الأمر كما لو أنني لم أر شيئًا، فأنا أعلم بأوجاع أولئك الذين عانوا.
لم يكن هناك تلفاز في زنزانتي، لذا فإن شهادتي للعالم هي جزء ضئيل مما عشناه في السجن. أن تتكلم وتسمع ليس كما ترى، والنظر إلى الوراء يكسرني. يجب أن أعيش، لكن العيش صعب أيضًا، فعندما أكون لوحدي تعود بي الذكريات إلى هناك…”.
في الـ23 من شباط 2021، وبدون سابق إنذار، فوجئ السوريون بنبأ عودة مازن الحمادة إلى دمشق، فاتحاً باب الشكوك واسعاً، إذ ليس من المعقول والمنطقي أن ينجو أحد من سجون النظام السوري ثم يعود إليها بإرادته.
خاصة وأن مازن كان قد حصل على لجوء في هولندا قبل أن يتردد بكثرة إلى ألمانيا قبيل عودته المثيرة للجدل إلى دمشق
عن مازن حمادة وشجون أخرى
ويصف أحد أقربائه المقيمين في هولندا ما حصل مع مازن بأنه “اختطاف”، مرجحاً أن تكون عودته تمت بمكيدة أعدّتها سفارة النظام السوري في برلين.
ونفى ما تم تداوله عن عودته بشكل طوعي بسبب تردي أحواله المادية والنفسية.
وأفاد قريب مازن بأنه تواصل مع أشخاص شاهدوا الأخير في مطار برلين قبيل وقت قصير من عودته إلى دمشق برفقة سيدة موالية ومقربة من سفارة النظام بألمانيا.
وحين سألوه إن كان ذاهباً إلى دمشق، أجاب بالنفي وقال لهم بأنه ذاهب إلى بيروت، لتردّ السيدة التي بجانبه قائلة: “بل إلى دمشق”.