نداء بوست“ – طهران – خاص
لم تكد تمضي ساعات على إعلان الاتحاد الأوروبي نفاد صبره حيال المفاوضات الجارية مع الإيرانيين حول الملف النووي الإيراني، وتصريح المسؤولين الأوروبيين أنهم لن يبقوا يتفاوضون إلى ما لا نهاية، حتى استدعت طهران رئيس النظام السوري بشار الأسد في زيارة استغرقت ثلاث ساعات لم يُعلَن عنها مسبقاً.
صباح اليوم الأحد حطّت طائرة الأسد في مطار العاصمة الإيرانية طهران. والوفد المرافق له ضم كلاً من وزير الخارجية فيصل المقداد والمستشارة الخاصة لونا الشبل إضافة إلى بشار الجعفري ووزير الإعلام بطرس حلاق، كما ضم الوفد وزير الدفاع ونائب رئيس هيئة الأركان.
مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي الذي استقبل الأسد حرص على الظهور مرتاحاً لوضع الأسد في هذه الفترة، كذلك أشاد الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي بالأسد مذكّراً إياه بوالده. وتقول مصادر مطلعة لـ ”نداء بوست“ إنهما حذراه من الوقوع في ما أسمياه ”الفخ الخليجي“.
عاد الأسد إلى قصره في دمشق على الساعة الرابعة عصراً، بعد أن سمع في طهران نبرة حادة، تم لفت نظره من خلالها إلى ضرورة عدم المسّ بالمصالح الإيرانية في سورية استجابة لأي ضغوط محتملة من مسار التطبيع العربي الذي سارت فيه بعض الدول العربية معه.
بالإضافة إلى تنبيهه من عدم التسامح مع تهديد أعوان إيران المنتشرين على الأراضي السورية وعلى رأسهم حزب الله اللبناني وأذرع الحرس الثوري المختلفة.
الرئيس الإيراني أكد للأسد قواعد الاشتباك المعتمدة من قِبل إيران في سورية بالقول: ”إن جنوب سورية سوف نحوّله لجنوب لبنان جديد مهما كلّف الثمن“، وجاء ذلك خلال لقاء منفصل جمعه بالأسد.
.
الزيارة التي أعلن عنها التلفزيون الإيراني الرسمي هي الثانية خلال الأعوام العشرة الماضية، بعد زيارته التي قام بها في فبراير. ووفقاً لبيان نشره خامنئي على موقعه الرسمي، فإن العلاقات بين طهران ودمشق ”علاقات حيوية” مضيفاً أنه يجب بذل مزيد من الجهود المشتركة لتطوير العلاقات بين البلدين أكثر فأكثر.
خامنئي لم يتكتم على ما تضمنته المحادثات مع الأسد، وتبدَّى ذلك من خلال تصريحاته الرسمية التي قال فيها “بينما يتواصل قادة دول الجوار مع زعماء الكيان الصهيوني ويحتسون القهوة معهم، يتظاهر سكان هذه الدول (نفسها) ويرددون شعارات مناهضة للصهيونية كما في يوم القدس. هذا هو واقع المنطقة الآن“.
مم تخاف إيران في سورية؟
إيران منغمسة في دعم الأسد منذ اندلاع الثورة السورية في عام 2011، مالياً وعسكرياً واستخبارياً وسياسياً. واستنفرت كافة الجهات التابعة لها في المنطقة لمنع سقوط الأسد، زاجة بميليشياتها متعددة الجنسيات في الحرب التي شنها الأسد على الشعب السوري، مثل ”لواء فاطميون“ و ”عصائب الحق“ العراقية و“الزينبيون“ وغيرهم.وكان لكبار المسؤولين الإيرانيين كقاسم سليماني وغيره دور كبير في محاولة السيطرة على الخارطة السورية وتمشيطها من كل مظاهر المعارضة.
مستعملة التغيير الديموغرافي والتهجير والتشييع المبرمج إلى جانب دعم وتشجيع عناصر تلك الجهات على ارتكاب المجازر بحق المدنيين السوريين في كافة المحافظات.من جانبه بقي الأسد حريصاً على طمأنة إيران على أن تحالفها معها تحالف وثيق، في رد مستمر على الدعوات العربية التي تحدثت عن فك ارتباط الأسد مع إيران. وقبل عامين قدّم الأسد تعازيه لإيران باغتيال قاسم سليماني، بالقول إن سورية “لن تنسى وقوف سليماني إلى جانب القوات السورية ضد الإرهاب وداعميه“.
وفي ظل تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا تتحسب إيران من أية متغيرات يمكن أن تطرأ على طاولة مفاوضات بوتين الخفية مع الغرب، لا سيما وأن معلومات كثيرة وصلت لـ نداء بوست“ عن سعي روسي خلال الشهرين الماضيين للحد من نفوذ إيران في المنطقة الوسطى كبرى المناطق السورية، وقد وصل عدد من قيادات الفيلق الخامس المرتبط بروسيا مدينة تدمر بريف حمص الشرقي، بهدف إجراء جولة استطلاعية تمهيداً لنشر مجموعات جديدة في المنطقة.
وأفاد مراسل “نداء بوست” بأن قيادات الفيلق أجروا جولات داخل مدينة تدمر الأثرية وعلى أطرافها، تمهيداً لاستقدام مجموعات قتالية للمنطقة التي باتت تشهد انتشاراً سريعاً وكبيراً للميليشيات الإيرانية وحزب الله.مصدر مطّلع كشف لمراسلنا عن وجود خطة عسكرية من قِبل القوات الروسية تقضي بتقليص تواجُد الميليشيات الإيرانية بعمق البادية السورية لتكون الخطّ الأول في مواجَهة مقاتلي تنظيم “داعش” الذي يتخذ من المنطقة نقطة انطلاق لعملياته العسكرية ضد مواقع قوات النظام والميليشيات المساندة لها. وأوضح المصدر أنه من المتوقع إنشاء حواجز عسكرية مستقلة من الفيلق الخامس على أوتوستراد “حمص – دير الزور” والذي بات يحظى بأهمية بالغة.
يشار إلى أن أوتوستراد “حمص – دير الزور” يُعتبر الشريان الرئيسي الذي يغذي ويُمدّ مناطق سيطرة النظام بمادة النفط الخام “الفيول” والتي يتم نقلها تحت إشراف مشترك من قِبل روسيا وإيران نحو مصفاتَيْ حمص وبانياس.وفي مطلع شهر آذار/ مارس الماضي، أجرى رئيس “مكتب الأمن الوطني” التابع للنظام السوري، اللواء علي مملوك، زيارة إلى العاصمة الإيرانية طهران التقى خلالها الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، وأمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني.
وبحسب موقع الرئاسة الإيرانية، فإن رئيسي شدد خلال اللقاء بمملوك على أهمية التعاون بين طهران والنظام السوري، وضرورة “إزالة عوائق تطوير العلاقات بينهما في المجالات كافة”.وقال رئيسي حينها إن سورية “خط أمامي في مواجهة الكيان الصهيوني”، وأكد على ضرورة صيانة وحدة الأراضي السورية، كذلك اتهم الولايات المتحدة بأنها “تتابع خلق المشاكل الأمنية والاقتصادية لسورية”.
وسبق لقاء مملوك مع رئيسي، اجتماع مع أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي شمخاني، تم خلاله بحث الوجود الأمريكي ومواصلة طهران دعمها للنظام.وقال شمخاني: إن “التحركات السياسية والميدانية الأمريكية من أجل تزويد وتدريب وتوجيه الجماعات الإرهابية في سورية يهدد أمنها وأمن المنطقة”.
وذكرت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية “إرنا”، أن مملوك عرض خلال لقائه شمخاني تقريراً حول الوضع الأمني في جميع أنحاء سورية.جدير بالذكر أن حرباً شرسة تدور في سورية بين الروس والإيرانيين على النفوذ والمصالح، ما يزال الأسد يديرها بصعوبة، ولذلك يأتي استدعاء الأسد ليؤشر على تصعيد إيراني محتمل في المرحلة المقبلة سواء على الملف النووي أو في ما يتعلق بمواقفها من روسيا والعقوبات الغربية المطبقة عليها والتي قد يكون لإيران رأي آخر لا يروق لبوتين فيها انسجاماً مع مصالحها.