فواز تللو _,اورينت
عام 2006 نشر ما يقارب ثلاثمئة شخصية سورية ولبنانية (وأنا منهم) وثيقة “”إعلان دمشق بيروت” عن تصحيح العلاقات بين البلدين، على إثر ذلك قامت مخابرات نظام بشار بحملة اعتقالات محدودة طالت ما يقارب اثني عشر شخصاً معظمهم من شخصيات غير معروفة باستثناء الراحل ميشيل كيلو الذي كان له دور رئيسي في إعداد الوثيقة بينما اقتصر دور باقي المعتقلين على توقيعها، وغابت عن الاعتقالات الأسماء المعروفة، وكان من بين المعتقلين المحامي محمود مرعي مرشح انتخابات رئاسة الجمهورية اليوم.كان المذكور حزبياً وشخصياً من أتباع المحامي حسن عبد العظيم الذي تسلم قيادة الحزب الاشتراكي العربي الناصري بعد وفاة مؤسسه جمال أتاسي، وهو حزب لم يدخل في صدام مع حافظ أسد مكتفياً بالانسحاب من “الجبهة الوطنية الديموقراطية” وتابع عبد العظيم نفس السياسة في فترة “ربيع دمشق 2000-2001” عند وراثة بشار أسد السلطة مكتفياً بالعمل تحت سقف “المخابرات” أو “الوطن” كما تردد مخابرات النظام وهو ما يعني التزام “دفتر مواصفات المخابرات” في كل حدث تجنباً للاعتقال، وذلك عبر تلقي التعليمات للتصرف حسب المناسبة بما لا يتجاوز السقف المخابراتي “المتحرك صعوداً ونزولاً”، وهو أمر عمل به الحزب عندما كان جزءاً من “التجمع الوطني الديموقراطي” في الثمانينات (وهو تجمع يضم أحزاباً ثانوية يتكون الواحد منها من بضع عشرات) مع أن شريكهم الحزب الشيوعي/المكتب السياسي جناح رياض الترك كان تحت المقصلة وقتها، سياسة استمر بها الحزب ورئيسه لاحقاً في تجمع “إعلان دمشق” قبل انطلاق الثورة السورية ومن ثم “هيئة التنسيق الوطنية” بعدها.
تسلم حسن عبد العظيم قيادة الحزب الاشتراكي العربي الناصري بعد وفاة مؤسسه جمال أتاسي، وهو حزب لم يدخل في صدام مع حافظ أسد مكتفياً بالانسحاب من “الجبهة الوطنية الديموقراطية” وتابع عبد العظيم نفس السياسة في فترة “ربيع دمشق 2000-2001” عند وراثة بشار أسد السلطة مكتفياً بالعمل تحت سقف “المخابرات”
لابد هنا ولفهم السياق من تصحيح “أسطورة” يجري تحويلها عن سابق علم أو جهل إلى حقيقة (مع عدم صحتها) تقول أن ميشيل كيلو قد اعتقل بسبب “إعلان دمشق بيروت” بينما كنا نعرف جميعاً يومها أن السبب كان في نشر الراحل مقالاً في جريدة القدس العربي بتاريخ 16/05/2006 تحت عنوان “نعوات سورية” تحدث فيه عن نعوات المتوفين في اللاذقية مسلطاً الضوء بشكل شبه مباشر على تباينها ما بين “نعوات سنية” تعود لسكان المدينة الأصليين (كما كل مدن وبلدات الساحل السوري) التي تنحصر فيها ألقاب الراحل وأقربائه بالحاج والدكتور والمهندس وغيرها، وتلك “النعوات العلوية” التي تعود للوافدين الجدد العلويين والتي تنحصر بالضابط فلان والمتنفذ الحكومي فلان وغيرها.
كانت مقالة تشير بوضوح إلى طائفية النظام وأجهزة الدولة العسكرية والمدنية، وهذا من الخطوط الحمراء لدى أجهزة مخابرات النظام الطائفية فكان اعتقال ميشيل، اعتقال أُتْبِعَ وللتغطية عليه باعتقال بضعة أشخاص ثانويين منهم اثنان لم يوجدا في بيوتهم لحظة المداهمة وظلا ملاحقين رسمياً بنفس التهمة حتى يومنا هذا!!! وهما المحامي “فيصل بدر” والذي توارى لفترة ثم عاد لحياة شبه طبيعية وغادر سوريا لاحقاً دون أي عقبات، والناشط في حزب العمال الثوري “سليمان الشمر” الموجود حتى اللحظة علناً في سوريا ولم ينقطع عن عمله السياسي وظهوره العلني دون مشكلة منذ خمسة عشر عاماً، أما باقي المعتقلين باسم “إعلان دمشق بيروت” قد أوصلت لهم المخابرات رسالة عبر المحامين حسن عبد العظيم وخليل معتوق ومهند الحسني وآخرين (وقد ذكر الحسني تفاصيل ذلك في منشور على صفحته فيس بوك مؤخراً) بتوقيع ورقة تراجع عن التوقيع على الوثيقة وخرجوا من السجن في اعتقال لم يدم أكثر من بضعة أيام (ربما يومان فقط) ومنهم المذكور “محمود مرعي”، بل بعضهم ومنهم الناشط “محمود عيسى” لم يوقع على التراجع ومع ذلك أطلق سراحه وبقي “ميشيل كيلو” وحده في السجن، وللتغطية على سبب اعتقاله (أي المقال) أعيد اعتقال “محمود عيسى” وترك الباقون سواء من وقع التراجع أو من امتنع أو من توارى ونسيته أجهزة المخابرات حتى اليوم، لتجري محاكمة كيلو وعيسى وفق “الإعلان” المذكور، لكن ومع إصرار ميشيل في المحكمة (التي حضرتها) لتوضيح موقفه في الأمر وحرج القضاة لكن الحكم كان مبرماً من قبل المخابرات بسبب مقاله المذكور. بالعودة لـ “محمود مرعي”، وبعد انطلاق الثورة السورية كان كل من المذكور والناشطة الدرزية “ميس كريدي” التي لا علاقة لها بحزب الاتحاد الاشتراكي العربي ولا بالعمل الحقوقي، كانا يترافقان لتغطية كل المناسبات الخاصة بالثورة ومنها المظاهرات التي تقام في بعض مناطق دمشق والغوطة (جوبر القابون برزة حرستا ..) ويشاركان في مظاهرات مجموعة رزان زيتونة التي تضم تجمع بضع عشرات من ناشطي الأقليات والأحزاب (الحويزبات) اليسارية والقومية وآخرين في تجمع “لجان التنسيق المحلية” الذي يضم ناشطين إعلاميين لا علاقة لهم بتنظيم المظاهرات .. وهي مشاركة من مرعي وكريدي لم تكن تشعر أحداً بالراحة حيث تتسرب أخبار الاجتماعات بقدرة قادر إلى أجهزة المخابرات، وهو ما سمعته من ناشطين مشاركين ومنهم الصديق “أدهم مسعود القاق” في لقاء جمعنا في مكتب المحامي “مهند الحسني” في تلك الفترة للتنسيق في أمور عديدة.
يوم كانت الناشطة الحقوقية “كاترين التللي” (وهي التي روت لي القصة التالية) والتي تعمل مع المحامي مهند الحسني تشارك في مظاهرة شمال دمشق (القابون أو برزة أو حرستا) وبعد مغادرتها المظاهرة بينما كانت تجري الاعتقالات بالقرب منها على قدم وساق عند بدء مداهمات المخابرات؛ تم تجاهلها باعتبارها “غير محجبة” بعكس الأجواء السائدة يومها ومعظمها ذكوري ومحافظ مما لا يوحي أنها كانت مشاركة بل مارة بالصدفة، لكن ولحظها العاثر وبقدرة قادر رآها كل من محمود مرعي وميس كريدي في المظاهرة وكانا يعرفانها، وقد كانت قد لاحظت كيف كانا يدلان عناصر المخابرات على الأشخاص المشاركين بعد أن تفرق التجمع ليقوم العناصر بملاحقتهم واعتقالهم، ليصل الأمر إلى “كاترين” ويتسببا باعتقالها حيث أوقف العناصر “ميكرو باص” عام كانت قد استقلته للتو فأنزلوها واعتقلوها بناء لوشاية مرعي وكريدي بأنها كانت مشاركة، لتبقى يومين في فرع مخابرات سياسية المدينة (منطقة الجبة حي الشيخ محي الدين) وتلاحظ يومها التعامل الطائفي العلني مع المعتقلين قولاً وفعلاً، ولتسمع من المحققين بعد أن عرفوها أسطوانة النظام الأسدي وأنصاره من الطائفة ومعهم رجال الدين المسيحي وجزء لابأس به من الطائفة: “شو بدك فيهم وأنت المسيحية .. السنة متطرفين وبدهم يخلصوا منا نحن العلويين وأنتم المسيحيين”.
لاحظت الناشطة كاترين التللي أن كلا من محمود مرعي وميس كريدي كانا يدلان عناصر المخابرات على الأشخاص المشاركين في المظاهرات بعد أن تفرق التجمع ليقوم العناصر بملاحقتهم واعتقالهم.
ما سأذكره الآن أيضاً ليس سراً بل قرأه وتابعه الجميع لكن ذاكرة السمك تصر على الحضور .. شارك محمود مرعي في كل مناسبات “معارضته الوطنية” كما يسميها النظام، من مؤتمر حلبون برعاية حسن عبد العظيم الذي حضره سمير عيطة ممثلاً لميشيل كيلو، ومؤتمر السمير أميس الذي نظمه ميشيل كيلو ولؤي حسين، وأخيراً في “هيئة التنسيق الوطنية” بقيادة حسن عبد العظيم في الداخل وبرهان غليون في الخارج وعضوية كل من ميشيل كيلو وحسين العودات وصالح مسلم وآخرين في المكتب التنفيذي، لكن وفي اليوم التالي لإعلانها قرر برهان غليون الانسحاب بناء على توصية “عزمي بشارة” له حيث كانت جهود تشكيل المجلس الوطني تجري وهناك “الدسم أكبر”، وفي مساء انسحاب غليون قرر “ميشيل كيلو” الانسحاب أيضاً قراءة منه لموقف غليون، فحل هيثم المناع/العودات مكان غليون في الخارج واستمرت هيئة التنسيق في الداخل.
بعد حوالي عام وفي منتصف عام 2012 ونتيجة التلاعب بالمعارضة تحت شعار “توحيد المعارضة” وبتوافق مع رئيس المجلس الوطني برهان غليون الذي سعى جاهداً لضم هيئة التنسيق معتبراً أنها “معارضة ممثلة للثورة”؛ عقدت جامعة الدول العربية مؤتمراً تحت هذا الشعار في القاهرة، وأرسلت هيئة التنسيق ممثلاً عنها وكان في من أرسلت كلاً من “محمود مرعي” و”ميس كريدي” بتوافق ورضا من المجلس الوطني وعلى رأسه غليون ورياض سيف ونشار وجورج صبرا وهيثم المالح وبسمة قضماني وأحمد رمضان وطيفور والشقفة والبيانوني وآخرون، والمنبر الديموقراطي الذي أسسه ميشيل كيلو ومعه سمير العيطة وفايز سارة، يضاف لكل هؤلاء “كومة من المستقلين” وعلى رأسهم ريما فليحان بالإضافة للمستقيلين من المجلس الوطني كوليد البني وكمال اللبواني وعماد الرشيد وآخرين .. وبالمناسبة؛ كل من ذكرت يعرف خلفية كل من “محمود مرعي” و”ميس كريدي” ويعرف خلفية آخرين تم تسميتهم لاحقاً في الائتلاف ممثلين عن الجيش الحر ومنهم من رشح نفسه للوزارة عند أحمد طعمة (الذي يعرف أيضاً) ويعرفون خلفية هؤلاء كمخبرين؛ لكنهم جميعاً أيضاً فهموا السياسة بمبدأ: “مو وقتها، حكللي لحكلك، مرقها، ما بدنا نفتح جبهة بدنا أنصار حتى لو كانوا مخبرين، هيك بدو الداعم .. إلخ”، وهكذا جرى قبول مرعي وكريدي تماماً، كما جرى لاحقاً قبول آخرين لاحقاً مع كل الترحيب والتذلل من أمثال لؤي حسين وقصته الشهيرة مع رئيس الائتلاف “الخوجة” وهيئة التنسيق ومنصة القاهرة ومنصة موسكو وآخرين.
انتهى المؤتمر وبقي مرعي وكريدي ما بين القاهرة وإسطنبول وعمان ولم يعودا إلى دمشق فقد كان توسيع المجلس الوطني فتشكيل الائتلاف على قدم وساق ولابد من “حضور العرس للحصول على قرص”، وهكذا قرر مرعي وكريدي ومعهم عضو هيئة التنسيق “بسام الملك” تشكيل تجمع جديد تحت اسم “سوريون” لتوسيع الحصة وتركت هيئة التنسيق لتلعب “منفردة” بشخوص جدد، وهو ما حصل .. ففي توسعة الائتلاف منتصف عام 2013 تقرر ومن جولة المفاوضات الأولى ودون خلاف وبتأييد من الائتلاف بهيئته السابقة؛ تقرر دخول “بسام الملك” الائتلاف ممثلاً لتجمعه العتيد “تجمع أبو ثلاثة” كما سميته يومها نسبة لكونه مؤلف من ثلاثة أشخاص فقط (والمخابرات رابعهم)، وبعد ذلك وقد بات بسام الملك عضو ائتلاف؛ قرر مرعي وكريدي العودة إلى دمشق.بسام الملك المقيم في القاهرة والمقرب من منصتها قرر منذ بضعة أعوام العودة إلى دمشق فمنعته المخابرات وأعادته إلى لبنان، أما مرعي وكريدي فقد عادا لـ “حضن المخابرات” ثم لحقهما “باسل كويفي” من القاهرة عام 2014 أو 2015 (وقد نشرت عن ذلك يومها) وهو الذي كان يستضيف مكتب رئيس المجلس الوطني غليون مقابل دخوله عضواً في المجلس الوطني، كما استضاف مكاتب المجلس وآخرين منه أنفق عليهم وليكون حاضراً في اجتماع وصغيرة وكبيرة وليختمها بعودته المظفرة إلى دمشق معلناً أنه لم يكن يوماً إلا مخلصاً للنظام .. وهو ما حصل مع “محمود مرعي” و”ميس كريدي” اللذين عادا ليؤسس كل منهما تجمعه الوطني المعارض ويصبح ضيفاً مفضلاً على إعلام النظام وإيران وروسيا وممثلاً للنظام في سوتشي وأينما احتاجت مخابراته إلى “معارضة داخلية وطنية”، وأينما احتاجت واجهة الخارج إلى شركاء من معارضة الداخل يقعون في عشقها إرضاءً للمبعوثين الأمميين واللاعبين الإقليميين والدوليين.
بسام الملك المقيم في القاهرة والمقرب من منصتها قرر منذ بضعة أعوام العودة إلى دمشق فمنعته المخابرات وأعادته إلى لبنان، أما مرعي وكريدي فقد عادا لـ “حضن المخابرات” ثم لحقهما “باسل كويفي” من القاهرة
منذ بضع سنوات مرضت “ميس كريدي” فانهالت عليها دعوات الشفاء بمن فيهم زملاء لها في معارضة الخارج العتيدة، ومنذ بضع سنوات قتل ابن أخ “محمود مرعي” (من قرية تلفيتا) المجند في الحرس الجمهوري أثناء قتاله الغوطة المحاصرة وقتل أطفالها فنعاه عمه الذي انهالت عليه التعازي بمن فيهم أشاوس في المعارضة الخارجية، تماماً كما حصل عام 2013 (أو 2012) عندما قتل على يد الجيش الحر شقيق “أحمد رمضان” وهو الشقيق الذي أسس وقاد مجموعة شبيحة في حلب، فانهالت التعازي على “أحمد رمضان” من زملائه في المعارضة.خريف عام 2012 استضافت قناة معارضة من القاهرة كلاً من “مرعي وكريدي” وكان الضيف الثالث على الهواء الناشط الإعلامي “هادي العبد الله” الذي وجه بعض الانتقادات الخفيفة للمعارضة مع طلب الدعم لفصائل الجيش الحر التي كانت تقاتل في القصير وحمص المحاصرة بعد سقوط حي “بابا عمرو”، فكان أن انفلت كلٌ من مرعي وكريدي” بوجه هادي العبد الله مقرعين له بل موجهين الإهانات وكأنهما ينتظران الفرصة لصب كل حقدهما عليه مع صمت مقدم البرنامج الجاهل بدوره بالسياسة والثورة والأشخاص وتاريخهم، ومع ارتباك هادي العبد الله وهو من لا يعرف عن “مرعي وكريدي” شيئاً سوى أنهما من “قادة المعارضة” متحرجاً من الرد عليهما غير مدرك حقيقتهما ككثير من الأشخاص غيرهم، حاله كحال معظم (بل كل) السوريين مع مرعي وكريدي وكثير من وجوه المعارضة بمن فيهم المخضرمة، معظم وربما كل الوجوه التي عرفوها فقط عندما قفزت للواجهة بعد انطلاق الثورة وبعضها بدون أي تاريخ نضالي معارض كرئيس أول مجلس وطني، وجوه كان بينها مخبرون وعملاء للنظام معروفون من قبل المخضرمين قبل الثورة .. وجوه من الانتهازيين تعرف عليها السوريون فقط بعد الثورة من خلال فشلها أو فسادها ..
وما زال الجهلاء يصفقون لها.”محمود مرعي” اليوم هو كما الأمس وكما عرفناه منذ خمس عشرة سنة لم يتغير، ومثله آخرون، عرفناهم وعرفه كل من في الواجهة ولقاليقهم؛ ولم يتغير فيه شيء ولن يتغير، لكنهم صمتوا عنه وعن غيره وسيبقون صامتين عنه وعن أمثاله كل لأسبابه غير المشرفة..
من هذه الزاوية فقط يمكن النظر لهذا الشخص/المخبر/المرشح؛ شريك كل هؤلاء بأشكال مختلفة، أما مهزلة مشاركته في الانتخابات بل مناقشة الانتخابات بحد ذاتها أو انتظار أو ربط أي تحرك للملف السوري بسببها فمجرد تفاهة وتضييع وقت لا تعنيني.