زعماؤها يتهمونهم بمحاولة الانفصال لتشجع الإيرانيين على دعم القيادة لا المتظاهرين
اندبندنت عربية:17/10/2022
في مواجهة أكبر تحد منذ سنوات، يحاول الزعماء الدينيون في إيران تصوير الاحتجاجات الغاضبة المرتبطة بوفاة مهسا أميني على أنها انتفاضة انفصالية من جانب الأكراد تهدد وحدة الأمة وليس حكم رجال الدين.
وتوفيت أميني (22 سنة)، وهي كردية من إقليم كردستان شمال غربي إيران، على أثر احتجاز “شرطة الأخلاق” لها بسبب انتهاك القواعد الصارمة التي تطلب من النساء ارتداء ملابس محتشمة في الأماكن العامة.
وسرعان ما انتشرت الاحتجاجات التي بدأت في جنازة أميني بمسقط رأسها “سقز” الكردية، في أنحاء البلاد لتصل إلى العاصمة طهران ومدن في وسط إيران وجنوب غربي وشرقي البلاد حيث تتركز الأقليات العربية والبلوشية.
وانتشرت في أنحاء البلاد، بما في ذلك في الجامعات والمدارس الثانوية، صرخة المتظاهرين “النساء، الحياة، الحرية” والدعوات نفسها لإسقاط الزعيم الأعلى آية الله علي خامنئي، ومع ذلك ركزت حملة القمع التي شنتها قوات الأمن على الشمال الغربي حيث يعيش معظم أكراد إيران الذين يقدر عددهم بـ 10 ملايين نسمة.
أن تكون كردياً
وقال شهود إنه تم نقل شرطة مكافحة الشغب وقوات “الباسيج” إلى المنطقة من محافظات أخرى، كما تم إرسال دبابات إلى المناطق الكردية حيث تصاعدت التوترات بشكل خاص.
وهاجمت طهران الجماعات المسلحة الكردية الإيرانية في العراق المجاور قائلة إنها متورطة في الاضطرابات.
وأطلق الحرس الثوري الإيراني صواريخ وطائرات مسيرة على أهداف للمسلحين في المنطقة الكردية شبه المستقلة شمال العراق، حيث قالت السلطات إن 13 شخصاً قتلوا.وقال مسؤول أمني متشدد إن “جماعات المعارضة الكردية تستغل قضية أميني ذريعة لبلوغ هدفها المستمر منذ عقود بانفصال كردستان عن إيران، لكنها لن تنجح”.
وردد مسؤول سابق التعليقات نفسها. وقال إن كبار مسؤولي الأمن قلقون من أن “تستخدم جماعات المعارضة الكردية الدعم الذي يحصل عليه الأكراد من أنحاء إيران للضغط من أجل الاستقلال”.
ووصفت وسائل الإعلام الحكومية الإيرانية الاحتجاجات التي عمت البلاد بأنها “مؤامرة سياسية” أشعلتها جماعات كردية انفصالية، لا سيما الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني.
تهديد انفصالي
وقال أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية في بيروت علي فتح الله نجاد إنه “منذ بداية الانتفاضة حاول النظام تصويرها على أنها قضية عرقية كردية وليست قومية”، مشيراً إلى “تهديد انفصالي من المنطقة الكردية”.وأضاف أن التضامن الكبير بين الجماعات العرقية المختلفة في إيران خلال الاحتجاجات على مستوى البلاد قوض جهود السلطات.
وبالنظر عبر حدودها إلى الوضع في العراق، وأبعد غرباً في سوريا، يمكن للسلطات الإيرانية أن تشير إلى أن الطموحات الكردية في الحكم الذاتي تترسخ عندما تتعرض الحكومة المركزية لتحديات.
وفي العراق حصل الأكراد الذين قاتلوا نظام صدام حسين لسنوات على قدر من الحماية العسكرية الغربية بعد حرب الخليج عام 1991 بصورة كافية للحصول على درجة من الحكم الذاتي. وتعزز مستوى الحكم الذاتي بعد 12 عاماً على أثر الحرب التي قادتها الولايات المتحدة وأطاحت بصدام.
كما استغلت القوات الكردية – السورية الاضطرابات التي أشعلتها انتفاضة 2011 ضد بشار الأسد وتحالفت مع الولايات المتحدة ضد تنظيم “داعش” لتفرض سيطرتها في رقعة من شمال شرقي سوريا.
وفي تركيا، حيث يشكل الأكراد نحو خمس السكان البالغ عددهم 85 مليون نسمة، خاض مسلحو حزب العمال الكردستاني تمرداً مسلحاً ضد الدولة منذ عام 1984 قتل فيه عشرات الآلاف.وخرج الأكراد في العراق وسوريا في تظاهرات تضامناً مع المحتجين في إيران.وفي تركيا قال نائب زعيم حزب الشعوب الديمقراطي الموالي للأكراد إن الحزب “يحيي النساء في إيران” وينادي بحقوقهن.
وقال تونجر بكرهان، وهو رئيس بلدية سابق أقيل واعتقل على خلفية اتهامات بارتباطه بالمسلحين، “كما هو الحال في تركيا والعراق وسوريا، الأكراد في إيران هم من يسعون إلى الديمقراطية، والأكراد هم من يسعون إلى الحرية”.
معضلة الأقليات
ويكفل الدستور الإيراني حقوقاً متساوية لجميع الأقليات العرقية، ويتيح استخدام لغات الأقليات في وسائل الإعلام والمدارس، لكن منظمات حقوقية ونشطاء يقولون إن الأكراد يواجهون تمييزاً، وبالمثل الأقليات الدينية والعرقية الأخرى، في ظل الحكم الديني الشيعي في البلاد.
وقالت منظمة العفو الدولية إن “العشرات إن لم يكن المئات” من السجناء السياسيين المنتمين إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني وغيره من الأحزاب السياسية المحظورة يقبعون في السجن بعد إدانتهم في محاكمات جائرة.وقال هيوا مولانيا، وهو صحافي كردي إيراني مقيم في تركيا، “لم يعترف النظام قط بحقوق السكان الأكراد”.
وعلى رغم هذه القيود في الداخل، ونموذجي الحكم الذاتي الكردي في العراق وسوريا، يصر عدد من الأكراد الإيرانيين على أنهم لا يسعون إلى الانفصال.
وقال كافه جريشي، وهو صحافي وباحث كردي إيراني، إن “الأكراد الإيرانيين يريدون احترام حقوقهم الدستورية، والناس في إقليم كردستان يريدون تغيير النظام وليس الاستقلال”.
وقال المتخصص في الشؤون الإيرانية في مجموعة الأزمات الدولية علي واعظ، إن الاتهامات بالطموحات الكردية الانفصالية تهدف إلى خلق “حال التفاف وطني” تشجع الإيرانيين على دعم القيادة وليس المتظاهرين.
ومع ذلك فإن الخطر الحقيقي لا يكمن في أية طموحات انفصالية للأقليات الإيرانية، وإنما في تعامل القيادة الإيرانية مع هذه الأقليات.
وقال فايز إن “تجاهل النظام للمظالم المشروعة للأقليات العرقية والطائفية جعل البلاد أكثر عرضة للحرب الأهلية التي دفعت ببلدان في المنطقة مثل سوريا واليمن إلى دوامة قاتلة”.