mei.edu محمد حسان . سامر الأحمد
في العشرين من شهر كانون الثاني/ يناير، هاجمت مجموعات تابعة لتنظيم “داعش”، سجن الصناعة الواقع في الجهة الجنوبية لمدينة الحسكة أقصى شمال شرق سورية، الهجوم الذي أستمر لقرابة تسعة أيام، أنتهى بمقتل العشرات من مقاتلي التنظيم ومعتقليه داخل السجن، إضافة لمقتل قرابة 140 عنصراً من قوات سوريا الديمقراطية وحامية السجن التابعة لها.
لمحة عن سجن الصناعة
بني سجن غويران، أو سجن الحسكة المركزي، في مرحلة الوحدة بين سورية ومصر، ليستوعب ألف وخمسمائة سجين، وفي مرحلة سيطرة حزب البعث على السلطة، ضم السجن مئات المعتقلين من الناشطين الكرد المناهضين للسلطة، وشهد السجن استعصاءات ومحاولات هرب عديدة، أشهرها احتراق السجن بمن فيه من النشطاء الأكراد سنة 1992، وضم السجن لاحقاً مئات من الأكراد الذين اعتقلوا على خلفية انتفاضة سنة 2004.
بعد انطلاق الثورة السورية، هاجم تنظيم “داعش” السجن عام 2015، وانتزعه من قبضة قوات النظام، ثم هاجمته الوحدات الكردية سنة ٢٠١٦ واستولت عليه، وبدأت بزج عناصر “داعش” فيه حتى فاض العدد عن قدرته الاستيعابية، وعندما بلغ عدد السجناء أكثر من ألفي معتقل، استولت “قسد” على مدرسة ثانوية للتعليم المهني على مقربة من السجن، تدعى مدرسة الصناعة، وحولتها إلى معتقل إضافي ضم نحو ثلاثة آلاف معتقل، معظمهم ممن استسلموا في الباغوز.
وقد شهد سجن مدرسة التدريب المهني غير المعدة لتكون سجناً، نحو عشرين محاولة الهروب أو تمرد عناصر “داعش”، التي فشلت على الدوام بفضل تدخل القاعدة الأميركية القريبة، حيث تتمركز حوامات تابعة لها في ملعب الحسكة البلدي.يضم سجن الصناعة أو سجن الحسكة المركزي، قرابة 3500 سجين من عناصر تنظيم “داعش”، وأكثر من 700 طفل مما يعرف “بأشبال الخلافة”، وهو ليس الوحيد بل هناك ما لا يقل عن عشرين سجناً آخر، مثل سجن عايد في الطبقة الذي يضم نحو ألف معتقل، وسجن الاحداث في الرقة ويضم نحو ألف وخمسمائة، وسجن علايا في القامشلي الذي يضم نحو ألف وخمسمائة، والسجن الأسود أو سجن ديريك، الذي يضم أخطر المطلوبين، ويقبع فيه نحو الفي سجين، وسجن الشدادي الذي يضم نحو ستمائة سجين، وعدد من السجون المحلية الأخرى.
تفاصيل الهجوم
في قرابة الساعة السابعة من مساء يوم 20 كانون الثاني/ يناير، هاجمت خلايا تنظيم “داعش” السجن، الهجوم بدء بتفجير التنظيم سيارة مفخخة كانت متوجهة إلى بوابة السجن الرئيسية بعد أن اعترضها الحاجز المؤدي إلى البوابة معلنا بدء الهجوم، ليقوم نحو 100 عنصراً من التنظيم بحسب قوات سوريا الديمقراطية بالهجوم من عدة محاور على السجن بهدف خلق الفوضى، وتمكن مقاتلو التنظيم من إحداث خرق عند البوابة الرئيسية للسجن، بعد أن فجر انتحاري آخر نفسه بدراجة نارية على البوابة الرئيسية للسجن، ما ساعد بتسهيل مرور مقاتلي التنظيم إلى داخله.
بالتزامن مع بدء الهجوم، بدأ آلاف من السجناء استعصاء داخل السجن، حيث تمكن سجناء بعض المهاجع من خلع الأبواب وكسر الأقفال، كما نجح السجناء في أحد كتل السجن الثلاث من الخروج إلى الساحة، ومع فقدان حراسة السجن السيطرة تمكن العديد من سجناء التنظيم من الخروج خارج السجن والهروب جنوباً إلى حي الزهور الملاصق للسجن.
مقاتلي التنظيم خلال اللحظات الأولى للهجوم، قاموا بتفجير واحراق صهاريج نفط في شركة سادكوب قرب السجن، بهدف خلق سحب دخانية في المنطقة لمنع طيران التحالف الدولي من التدخل في المعركة، وهذا ما تسبب بإطالة امد المعركة، وانقسمت خلايا التنظيم خلال الهجوم على ثلاث محاور قتالية، الأول في محيط السجن وداخله، والثانية في حي غويران الشرقي المتاخم للسجن، والجبهة الثالثة في حي الزهور، وبحسب مصادر خاصة فأن “العملية نفذتها مجموعات تابعة لكتيبة العاديات، وقادة العملية أبو المقداد العراقي قائد الكتيبة والعسكري العام للتنظيم في مناطق شرق الفرات”.
في اليوم الأول للهجوم، تمكن مقاتلي التنظيم من أسر وقتل العشرات من حراس وموظفي السجن والاستيلاء على أسلحتهم، واستخدم التنظيم هؤلاء الأسرى في عمليات التفاوض خلال أيام المعركة التسعة، حيث أطلق العديد منهم مقابل الحصول على الطعام والشراب لمقاتليه المحاصرين في السجن، إضافة لعلاج المصابين منهم، اما قسم من الأسرى قام مقاتلي التنظيم بإعدامهم ميدانياً خاصة في اليومين الأخيرين للهجوم.
قوات سوريا الديمقراطية التي بدت مرتبكة خلال اليومين الأول والثاني من الهجوم، تمكنت من استعادة توازنها في اليوم الثالث، حيث بدأت بتطويق بؤرة الاشتباك وتقليصها لتقتصر على داخل السجن ومحيطه القريب، وبدأت بمحاولة تسليم مقاتلي التنظيم المتواجدين داخل السجن لأنفسهم بدون قتال، حيث استسلم في الدفعة الأولى قرابة 1000 معتقل من كبار السن والمصابين والمعاقين من مقاتلي التنظيم، فيما سلم البعض الآخر نفسه في اليوم الرابع والخامس، اما آخر المستسلمين كان مجموعة قتالية اتخذت من قبو السجن مكان لها وتحصنت داخله طيلة فترة الهجوم واستسلمت في 29 يناير اخر أيام العملية.
وبحسب بيان قوات سوريا الديمقراطية عن الحصيلة النهائية للهجوم، فقد بلغ عدد القتلى 117 من قوات “قسد”، 77 من حامية السجن و40 من المقاتلين، إضافة لمقتل أربعة مدنيين، بينما بلغ عدد قتلى التنظيم من المهاجمين والسجناء قرابة 374 شخصاً.
فرار بعض قادة التنظيم
تضاربت المعلومات الواردة حول عدد عناصر التنظيم الفارين من السجن نتيجة العملية والفوضى المرافقة لها، فمنها من قال إن عدد الفارين تجاوز 100 عنصراً، وآخرين قالوا ان عدد الذين تمكنوا من الفرار لا يتجاوز الـ 30 عنصراً، بينهم قياديين مهمين في التنظيم كانوا معتقلين داخل السجن.
مصادر محلية تمكنا من الوصول لها كانت في حي غويران أثناء اليوم الأول للهجوم وأخرى من ريف محافظة الحسكة الجنوبي، أكدت: “ان التنظيم تمكن من تأمين فرار ما يزيد على 300 عنصراً من المعتقلين داخل السجن، تمكنوا من الخروج في اليوم الأول للهجوم مستغلين حالة الفوضى”.
وبحسب المصادر ” فان مقاتلي التنظيم قاموا بنقل الفارين بسيارات مدنية يملكونها وأخرى استولوا عليها عند دخول حي غويران على دفعات، من محيط السجن إلى منطقة السبع صكور في ريف الحسكة الجنوبي، من ثم عبر طرق فرعية بين منطقتي الشدادي والهول إلى بادية تويمين في ريف ديرالزور ثم إلى بادية الروضة على الحدود السورية العراقية، التي تشهد وجود ونشاط لخلايا التنظيم.كما أضافت المصادر” أن 4 من بين الفارين هم قادة مهمين في التنظيم عرف منهم، أبو دجانة العراقي أحد القادة العسكريين في التنظيم، وأبو حمزة شرقية قيادي سوري من ريف محافظة ديرالزور وينتمي لعشيرة الشعيطات، وبحسب المعلومات فان قسم من الفارين تم تهريبهم عبر نهر الفرات ومناطق سيطرة النظام السوري إلى البادية السورية بين مدينتي حمص وديرالزور، حيث يتواجد التنظيم هناك.
هدف الهجوم وأسباب فشله
تنقسم اهداف هجوم التنظيم على قسمين، الأول متعلق بزعيم التنظيم سعيد مولى “الهاشمي” وأخرى تتعلق بالتنظيم ككيان، أما هدف زعيم التنظيم فكان محاول تحقيق إنجاز خاص به يثبت به مكانه ومكانته، خصوصاً امام قادة التنظيم المحتجزين داخل سجون قوات سوريا الديمقراطية، والذي سيبدو امامهم بصورة البطل المخلص، وقد فشل في ذلك على نحو ذريع، بعد تحول الخلاص إلى مذبحة.
فيما يتعلق بالأهداف على مستوى التنظيم يمكن حصرها في عدة نقاط، أولها تحرير الآلاف من مقاتليه المحتجزين، ما سيرفده بعدد كبير من المقاتلين من ذوي الخبرة والباع في مختلف الاختصاصات، بخاصة ان التنظيم يعاني الآن من تراجع عمليات تجنيد مقاتلين جدد في مناطق وجوده في سورية والعراق.
ثانياً، إعلامي، يدور حول جعل التنظيم مجدداً محور اهتمام دولي، بعدما خفت نجمه، ولم يعد يسمع به أحد، وقد تحقق هذا الهدف خلال أيام العملية.برغم من دلالات هجوم التنظيم، وجراءة منفذيه إلا أنه حمل فشلاً ذريعاً وخيبة أمل لأنصاره، ويعود الفشل لأسباب كثيرة، منها، أولاً افتقار التنظيم للواقعية والاستراتيجية، إذ لم يتعامل بشكل جيد مع حجم العملية التي استهدفت العمق الاستراتيجي لأهم خصومه في المنطقة.
أما السبب الثاني فهو افتقار المجموعات المهاجمة للسلاح النوعي والكميات الكافية لخوض مثل هذه المعركة، فالتنظيم حتى لو فرضنا أنه نجح في إطلاق سراح معتقليه، إلا أنه لا يملك السلاح الكافي لتزويدهم والاستفادة منهم في المعركة، بينما فرصة هربهم بهذه الأعداد سوف تكون ضرباً من المستحيل وهم في حيز جغرافي شاسع تُسيطر عليه “قوات سوريا الديموقراطية”.ثالثاً، زج “قسد” لأعداد كبيرة من مقاتليها وتدخل فرق من القوات الخاصة الأميركية مع سلاح الجو كان عاملاً مهماً في إفشال الهجوم
قسد مخترقة
عملية سجن الصناعة، كشفت كمية الاختراق الأمني الذي يملكه التنظيم داخل صفوف قوات سوريا الديمقراطية، هذا الاختراق هو ما ساعد التنظيم في نقل مقاتليه وأسلحته من مناطق متفرغة إلى محيط السجن برغم عشرات الحواجز في المنطقة، التي تعتبر المربع الأمني الأهم لقوات “قسد” في عموم محافظة الحسكة، إضافة إلى نسف عمل جهازها الأمني الذي يعتبر من أهم أدواتها الاستباقية لحماية أمنها وأمن مناطق سيطرتها، وهذه ما أكده مصدر رفيع داخل “قوات سوريا الديموقراطية” رفض الكشف عن اسمه يقول: “العملية جاءت بمساعدة عناصر من قسد، يعملون بشكل سري مع داعش، كان لهم دور كبير في تسهيل نقل المقاتلين والسلاح الخاص بهم إلى محيط السجن، مع تقديم معلومات مهمة عن حامية السجن والقوى الموجودة في منطقة الهجوم.”الاختراق الأمني لصفوف “قوات سوريا الديموقراطية” ليس وليد عملية السجن، لكن الأخيرة كشفت أشكالاً جديدة له غير تقليدية، فالتنظيم بعد عودته إلى العمل الأمني ما بعد سقوط مخيم الباغوز عام 2019، سعى إلى الاستفادة من عناصره السابقين الذين انضموا إلى “قسد”، بهدف تجنب عمليات الملاحقة الأمنية ومحاولة حماية أنفسهم من المجتمعات المحلية الناقمة على التنظيم، عبر الإبقاء عليهم داخل تلك القوات ليكونوا أداة خرق تنقل المعلومات والتحركات العسكرية لقادة التنظيم وخلاياه المنتشرة في مناطق شرق الفرات، وهذا ما جنب التنظيم الكثير من عمليات الملاحقة وساهم في استمرار هجماته إلى يومنا هذا.عملية السجن، كشفت تغير أساليب التنظيم في عمليات تجنيد المتعاونين معه داخل “قسد”، إذ بات التنظيم يعتمد على عناصر جدد لم يرتبطوا معه خلال فترة وجوده بين عامي 2014 و2019.
هؤلاء العناصر يمثلون الجيل الثاني من المقاتلين الذين جندهم التنظيم بعد الهزيمة الجغرافية في سوريا، وقام بتدريبهم أمنياً ثم تركهم يدخلون صفوف “قسد” ومجالسها العسكرية، ما ساهم في إبعاد الشبهات منهم وسهل تدرجهم داخل تلك القوات والوصول للخدمة في أماكن حساسة عجز المتعاونون من عناصره السابقين والمنضوين الآن في “قسد” من الوصول لها، وهذا إن دل على شيء، فيدل على التطور الأمني للتنظيم مقابل تراجع استخباراتي لـ”قسد” والتحالف الدولي.
قسد الرابح
قوات سوريا الديمقراطية، بعيداً من خسائرها البشرية، فقد خرجت من المعركة بمكاسب كبيرة أولها، كسبها جولة أخرى على حساب التنظيم، ثانياً استعادة تعاونها مع التحالف الدولي ودعمه لها، ثالثاً لفت الأنظار لها إعلامياً كـقوة————-
ميدل ايست جورنال