ترجمة وتحرير موقع تلفزيون سوريا
نشر مركز “جنيف للسياسات الأمنية” دراسة مطولة، أعدتها مجموعة مختارة من الخبراء توقعوا فيها السيناريوهات المحتملة لمناطق السيطرة الثلاث في سوريا، شمال غربي سوريا التي تسيطر عليها المعارضة السورية، وشمال شرقي سوريا التي تسيطر عليها “قوات سوريا الديمقراطية”، ومناطق سيطرة النظام، خلال العام الحالي والعام المقبل.
وركزت الدراسة، التي أعدها كل من سرحات إركمن من تركيا، ونيكولاس هيراس من الولايات المتحدة، وكيريل سيمينوف من روسيا، على تحليل الأوضاع الأمنية في كل منطقة من المناطق الثلاث، لإجراء عمليات بحث وتقييم السيناريوهات المستقبلية خلال العام المقبل، والتي يمكن أن تتطور في تلك المناطق وتتفاعل فيما بينها.
شمال غربي سوريا: استقرار نسبي ومراقبة “تحرير الشام” عن كثبقالت الدراسة إنه من غير المرجح أن تشهد منطقة شمال غربي سوريا تحولات كبيرة في الأوضاع الأمنية خلال الأشهر الستة المقبلة، حيث سيتوقف الوضع الراهن في إدلب على الحفاظ على علاقة عمل جيدة بشأن القضايا السورية بين روسيا وتركيا من خلال عملية “أستانا”، بينما سيستمر نظام الأسد في تحدي المعارضة المسلحة في إدلب.
وتعتبر العلاقات التركية الروسية العامل الأهم في الحفاظ على الاستقرار الأمني في شمال غربي سوريا، حيث لدى تركيا انتشار عسكري كبير في إدلب، ويجب أن يكون قوياً بما يكفي لثني نظام الأسد عن شن حملة متجددة هناك، الأمر الذي من شأنه أن يمنع مزيدا من زعزعة الاستقرار في المنطقة، ويمنع حدوث وضع إنساني كارثي في إدلب نفسها.
ويتركز الموقف التركي في إدلب على الحفاظ على الوضع الراهن لأطول فترة ممكنة، سواء من خلال الدبلوماسية مع روسيا عبر عملية “أستانا”، أو من خلال الانتشار العسكري.كما تهدف أنقرة أيضاً إلى منع حدوث مفاجآت استراتيجية في إدلب، من شأنها تعطيل المشاركة الروسية التركية في مناطق أخرى ذات أهمية للطرفين، مثل شمال البحر الأسود وشرق البحر الأبيض المتوسط.وأشارت الدراسة إلى أنه يجب مراقبة استمرار تعزيز السلطة من قبل “هيئة تحرير الشام” في إدلب عن كثب، حيث نجحت الهيئة من حملات النظام وروسيا العسكرية على إدلب.
كما يشير استعداد “هيئة تحرير الشام” لمواجهة الجماعات المرتبة بتنظيم “القاعدة”، وتأثيرها القوي على الأرض في إدلب، إلى رغبة الغرب للعمل مع الهيئة في عملية مشابهة لكيفية تعاملها مع “الجيش الوطني السوري”، حيث تحول الهيئة إلى شريك هادئ مع الغرب ضد “القاعدة”، وقدمت معلومات استخبارية عملية عن ناشطين سلفيين وجهاديين، مما أدى إلى ضربات جوية أميركية من دون طيار ضد هؤلاء العناصر.
ولن تقف تركيا في طريق تحديث ودمج “هيئة تحرير الشام” في نظام الحسابات القومية، مما قد يؤدي إلى اعتراف المجتمع الدولي بالهيئة، ومع ذلك، هناك خطر في تطبيع الهيئة مع المجتمع الدولي، وهذا سيكون خطاً أحمر لروسيا، التي تصنف الهيئة كمنظمة إرهابية، تمنع حكومة نظام الأسد من السيطرة على إدلب.
وفي حين أن الوضع الراهن في منطقة إدلب هو السيناريو الأكثر ترجيحاً في الأشهر الستة المقبلة، والذي يصب في مصلحة تركيا، إلا أنه لا تزال هناك مخاطر في شمال غربي سوريا يجب أن تواجهها تركيا، فعلى سبيل المثال، يتعرض الجنود الأتراك المنتشرون في منطقة إدلب للتهديد المستمر بهجمات الجماعات المرتبطة بتنظيم “القاعدة” وقوات نظام الأسد.
وعلاوة على ذلك، تحمل ردود الفعل العسكرية التركية على الهجمات التي تشنها قوات نظام الأسد مزيداً من خطر التصعيد مع دمشق، الذي قد يؤدي إلى انهيار التفاهم الروسي التركي بشأن منطقة إدلب، مع ما قد يترتب على ذلك من عواقب على الديناميكيات في أجزاء أخرى من سوريا، وخاصة في شمال شرقي سوريا.ويبدو أن منطقة إدلب ستظل تشكّل تحدياً لتركيا في سوريا واستراتيجية المنطقة، والهدف التركي المتمثل في الحفاظ على علاقات جيدة مع روسيا.
شمال شرقي سوريا: نقاط ضعف استراتيجية واقتصاد محلي هش
تقدر الدراسة أنه من غير المرجح أن تكون هناك تحولات دراماتيكية في الوضع الأمني في المنطقة التي تسيطر عليها “قوات سوريا الديمقراطية” و”الإدارة الذاتية”، على مدى الأشهر الستة المقبلة، طالما لا يزال الوجود العسكري الأميركي مستمراً في المنطقة.
وتتوقع الدراسة أن يكون المكان الأكثر احتمالاً لتدهور الظروف الأمنية، وتهديد الوضع الراهن في المنطقة سيكون في محافظة دير الزور، ومع ذلك، فإن السيناريو الذي يمثل أكبر خطر على “قسد” سيكون أزمة متعددة ومتزامنة في جميع أنحاء شمال شرقي سوريا، حيث تعتمد “قسد” بشكل كبير على المجندين المحليين الذين لا يمكن الاعتماد عليهم في أزمة مع الجهات الفاعلة المحلية.
وتوضح الدراسة أن منطقة شمال شرقي سوريا ليست منطقة متماسكة تتمتع فيها “قسد” بالسيطرة الكاملة على السكان المحليين، وتمارس العنف ضدهم، كما تخضع العديد من المناطق داخل الأراضي الأساسية لشمال شرقي سوريا للسيطرة المباشرة لمن يمكن وصفهم بأنهم “أعداء” لها، مثل منطقة “نبع السلام” المدعومة من تركيا، ومربعات أمنية في مدينتي الحسكة والقامشلي يسيطر عليها نظام الأسد، فضلاً عن وجود القوات الروسية التي تقوم بدوريات عسكرية مع تركيا في عدة مناطق هناك.كما يوجد في مناطق شمال شرقي سوريا العديد من نقاط الضعف الاستراتيجية، والتي لا تزال تمثّل تحدياً مستمراً ومتفاقماً، من جرّاء عاملين: جائحة “كورونا” والجغرافية السورية، ما يحمل تأثيراً على أمن واستقرار المنطقة على مدار العام المقبل، مثل قضايا المياه والكهرباء، والحفاظ على وصول المساعدات الإنسانية، وتدفق التجارة من وإلى المنطقة.
ومع اقتران نقاط الضعف الاستراتيجية هذه مع هشاشة الاقتصاد المحلي في شمال شرقي سوريا، من المحتمل أن يؤدي ذلك إلى تفاقم الاستياء المحلي من “قسد” في عدة مناطق ضمن شمال شرقي سوريا.
ووفق التقرير، يرغب قادة “قوات سوريا الديمقراطية”، الذين تربطهم علاقة وثيقة مع واشنطن، للتركيز على بناء شمال شرقي سوريا بدعم من الولايات المتحدة الأميركية، كما يرغب قادة “حزب العمال الكردستاني” المتمركزين في وادي قنديل شمالي العراق، إلى استخدام سوريا كعمق استراتيجي للعمليات ضد تركيا داخل الأراضي التركية وفي العراق، وهذه استراتيجية لن تدعمها واشنطن على الإطلاق، كما أنها من المحتمل أن تخاطر بعلاقة الولايات المتحدة مع “قسد”.
وعلاوة على ذلك، فإن الجدل بين القيادة العليا لـ “قوات سوريا الديمقراطية”، و”حزب العمال الكردستاني”، والذي يتضمن على ما يبدو مخاوف من محاولات اغتيال مستقبلية محتملة لقائد “قسد”، مظلوم عبدي، هو أحد الديناميكيات الرئيسية التي يمكن أن تغير بشكل كبير الظروف الأمنية والاعتبارات الجيوسياسية في شمال شرقي سوريا.
السياسة الإقليمية هي أيضاً عامل يعقد الأمور بشكل كبير، حيث ستكون الديناميكية الرئيسية في شمال شرقي سوريا هي التطور المستمر للعلاقات بين “قوات سوريا الديمقراطية” وروسيا، حيث لا يثق قادة “قسد” في روسيا لاعتبارها أن روسيا سمحت لتركيا بغزو منطقة عفرين ذات الأغلبية الكردية في شمال غربي سوريا في آذار من العام 2018.كما تتهم “قسد” روسيا بأنها تقف وراء عمليات تقويض الأمن في محافظتي الرقة ودير الزور، وتنظر إلى روسيا على أنها ليست شريكاً مثالياً، إلا أن قيادات “قسد” تدرك الحاجة إلى الدعم الروسي، للتخفيف من المخاطر الناجمة عن مزيد من العمليات العسكرية التركية في المنطقة، فضلاً عن علاقة عمل محتملة مع روسيا في حال انسحبت واشنطن عسكرياً من شمال شرقي سوريا.
مناطق سيطرة نظام الأسد: سعي روسي لتعزيز الأسد في السلطة
تقدّر الدراسة أنه من غير المرجح أن تكون هناك تحولات دراماتيكية في الأمن في المناطق التي يسيطر عليها نظام الأسد، ومع ذلك، من المرجح أن يستمر التوتر بين العمليات الروسية في محافظة درعا ومحافظة القنيطرة جنوب غربي سوريا وأنشطة شخصيات بارزة تتبع نظام الأسد، خاصة ماهر الأسد و”الفرقة الرابعة” المرتبطة بإيران.
كما أنه من المرجح أن تحافظ روسيا وإيران على تقسيمهما الفعال للعمل في سوريا، إلا أن موسكو تشعر بالقلق من أن أنشطة إيران في سوريا الموجهة نحو إسرائيل، وهذا سيكون عاملاً مزعزعاً للاستقرار سيهدد بتقليص الأهداف الروسية في سوريا.وستواصل روسيا البحث عن فرص للتأثير على الأحداث على الأرض في المناطق التي تسيطر عليها “قسد” في شمال شرقي سوريا، ولا سيما من خلال التواصل مع القبائل العربية المحلية.
ومع ذلك تقر روسيا بأن استمرار الوجود العسكري الأميركي في شمال شرقي سوريا يمثّل تحدياً لتوسيع نفوذها لدعم نظام الأسد هناك، كما أن حرية روسيا في المناورة محدودة في شمال شرقي سوريا، لأنها لا تسيطر على المجال الجوي، بالرغم من قيام القوات الروسية بدوريات في أجزاء من الحدود السورية التركية مع القوات التركية، وهناك قواعد عمليات أمامية روسية كبيرة في المناطق التي يسيطر عليها جيش النظام في المنطقة الأبرز في القامشلي.
كما تمثل محافظة دير الزور فرصة لروسيا لدعم حكومة نظام الأسد لترسيخ قوتها في منطقة استراتيجية، ولكنها أيضاً تمثل تحدياً لأن إيران تعمل بنشاط على بناء منطقة نفوذ منفصلة خاصة بها في دير الزور، مما يعقّد استقرار الوضع هناك بسبب الأنشطة الإيرانية التي تجذب انتباهاً إسرائيلياً غير مرغوب فيه.
ووفق الدراسة، يمكن اعتبار النهج الروسي العام للأشهر الستة المقبلة، وربما لفترة أطول، هو مواصلة العمل من أجل تعزيز موقف النظام ومحاولة الحفاظ على الهدوء بين سوريا وجيرانها، حيث توسع العديد من الدول العربية، مثل الإمارات العربية المتحدة، بحذر مشاركتها مع دمشق، والتي تأمل روسيا في الاستفادة منها في إعادة تنظيم علاقات النظام مع العالم العربي، وربما فتح قنوات الدعم المالي لإعادة الإعمار في المناطق التي يسيطر عليها
.كما يعد انخراط روسيا مع تركيا في منطقة إدلب أمراً مهماً، والوضع الراهن الذي تفاوضت عليه موسكو مع أنقرة يعزز بشكل عام سياسة روسيا بشأن سوريا، حتى مع سيطرة “هيئة تحرير الشام” على المنطقة، واختبار حكومة النظام بشكل دوري للوضع الراهن بهجمات ضد إدلب.وتجسد الصفقة الروسية مع تركيا النهج الذي تريد موسكو اتباعه تجاه سوريا، وهو التقليل من الخلافات مع دول الجوار لعقد صفقات عملية تُبقي رئيس النظام بشار الأسد في السلطة، وهي استراتيجية لا يزال النظام لا يفهمها بشكل كامل.
ومع ذلك، فإن روسيا ليست متمسكة بإبقاء بشار الأسد في السلطة، وستكون منفتحة على رئيس بديل أو نظام حكم، طالما أن الرئيس الجديد والحكومة يحترمان التزاماً بالوجود العسكري الروسي غير المحدود في سوريا، وضمان مصالح روسية أخرى طويلة الأمد في البلاد.
سيناريوهات العام المقبل: التغيير الجذري والمحوري غير مرجح
يمكن اعتبار السيناريو الأكثر ترجيحاً في شمال غربي سوريا هو الحفاظ على الوضع الراهن مع تغييرات طفيفة، نظراً لأن الديناميكيات التي تؤثر على شمال غربي سوريا تعتمد بشكل أساسي على قضايا أكبر، مثل توازن القوى الإقليمية، أو التغييرات الرئيسية في تفضيلات السياسة الخارجية للدول الأطراف في القضية السورية.
وفي الوقت الحالي، يبدو إجراء أي تغيير ولو بسيط في شمال غربي سوريا مكلفاً للغاية بسبب الوجود العسكري التركي، وهو ما يعزز هذا السيناريو على المدى القصير، ما لم يكن هناك تغيير جذري في تركيا والولايات المتحدة، أو العلاقات التركية الروسية أو مشكلات دولية.
وفي شمال شرقي سوريا، يتسم الوضع الراهن بين القوات المدعومة من تركيا و”قوات سوريا الديمقراطية” في المناطق الشمالية على الحدود السورية التركية بالتوتر، ويتميز بالعنف المتكرر بين الجانبين، لكن وجود كل من الولايات المتحدة وروسيا في تلك المنطقة يخفف أيضاً من حدة التوتر.
وبالرغم من أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن أشارت إلى أنها ستستمر في الحفاظ على الوجود العسكري في سوريا، وتوفير تمويل الاستقرار لمناطق ما بعد “داعش”، إلا أن “قوات سوريا الديمقراطية” في نقطة انعطاف، لأن التحديات الاقتصادية والجيوسياسية الموضوعة أمام منطقة شمال شرقي سوريا أصبحت صعبة للغاية.
أما في مناطق سيطرة النظام، فلا تزال هناك أرضية مشتركة بين إيران وروسيا، حيث أن كلا البلدين مستعدان لمزيد من الدعم لنظام الأسد، ومواصلة عملهما مع تركيا كجزء من صيغة أستانا.ومع ذلك، إذا وضعنا الخطاب الرسمي جانباً، يمكن وصف العلاقات بين موسكو وطهران على المسار السوري بأنها تقسيم لمجالات النفوذ والاختصاصات، حيث هناك مناطق متنازع عليها ويستمر التنافس فيها، مثل محافظة درعا ومحافظة القنيطرة جنوب غربي سوريا.
كما يحاول الجيش الروسي منع الوجود المفرط للميليشيات الموالية لإيران على طول الحدود مع إسرائيل، مع الحفاظ على قوات المعارضة التي أجرت تسويات وتعمل تحت راية “الفيلق الخامس” الموالي لروسيا.وستستمر درعا والقنيطرة تشهد تحركات خلايا المعارضة المسلحة السرية، التي تهاجم كلا من قوات الأمن التابعة لحكومة النظام وعناصر المعارضة المسلحة السابقة الذين “خانوا الثورة” وانحازوا للنظام أو انضموا إلى “اللواء الثامن” من “الفيلق الخامس”.
ويفيد هذا الوضع أيضاً قوات الأمن التابعة للأسد، التي تجد صعوبة متزايدة في توجيه تهم جنائية رسمياً ضد المتمردين المتصالحين، حيث يمكنهم الآن استخدام مواردهم الخاصة، بما في ذلك تلك الموجودة بين المتمردين السابقين الذين بدؤوا الخدمة في أجهزة المخابرات السورية، للقضاء على أعضاء المعارضة المسلحة الذين أجروا تسويات، لكنهم غير مناسبين لحكومة النظام، مثل عناصر “اللواء الثامن” التابع للفيلق الخامس.
كما أن هناك تهديدا باستفزاز القوات الموالية لإيران المنتشرة في المنطقة ضد إسرائيل، والتحركات المضادة للجيش الإسرائيلي، ولن يتجاوز هذا التصعيد على الأرجح نطاق الإجراءات التي حدثت بالفعل من قبل، بما في ذلك الضربات الجوية والمدفعية الإسرائيلية المتقطعة.لذلك، وبالرغم من أن التوتر في محافظتي درعا والقنيطرة سيظل واضحاً، إلا أن أي تغيير جذري أو محوري خلال الأشهر الستة المقبلة غير مرجح.