• الأحد , 24 نوفمبر 2024

جميل بايق..والصداقة مع عائلة الأسد

عمرقدور /المدن

علاقتنا بحافظ الأسد وعائلته كانت وثيقة ودافئة. لا يمكننا أن نكون مناهضين لسوريا أو ضد الأسد. على الرغم من أن إدارة بشار الأسد اتبعت موقفاً بارداً وسلبياً تجاهنا بسبب ما حدث في روج آفا، إلا أننا لم نتخذ مقاربة مماثلة. حاولنا فهمهم. نريدهم أن يفهمونا أيضاً. لم نقطع علاقتنا بدمشق قط. إن لم يقوموا هم بقطعها لن نقوم نحن بقطعها أبداً. لطالما قدّرنا الصداقة بين القائد عبد الله أوجلان وعائلة الأسد.

لا يمكن لدمشق أن تقول أي شيء سلبي عنا، وإن فعلت، فسيكون ذلك تقييماً غير عادل وغير موضوعي”. ما سبق بعض من أقوال جميل بايق التي مرّت بلا انتباه يليق بها.وحده السفير التركي في لبنان أثار ضجة عقب نشر حوار موقع النهار العربي مع القيادي في حزب العمال الكردستاني جميل بايق، بالطبع لأسباب لا تتعلق بالمقتطفات أعلاه. الحوار نُشر يومَيْ 26 و27 من الشهر الفائت، والسفير احتج في مستهل هذا الشهر لأن مجموعة النهار لم تنشر رسالة الاحتجاج التي أرسلها فوراً بعد النشر، لتردّ المجموعة بأنها لم تخالف ما يفعله الإعلام عادة حتى بالحوار مع مطلوبين دوليين، مستشهدة بمقابلات أُجريت مع بن لادن والجولاني وعبدالله أوجلان.

احتجاج السفير سيكون فرصة لإعلام منظومة حزب العمال كي يحتفي بالغيظ التركي من الحوار، بصرف النظر عن محتواه ما دامت إغاظة العدو هي الهدف الأعلى.سوريّاً، لم ينل الحوار الاهتمام الذي يستحق، لا من منظومة حزب العمال ولا من الأحزاب الكردية المناوئة لها، ولا من معارضين غير أكراد. وأهمية الحوار أن جميل بايق يُعدّ الرجل القوي في الحزب ككل، ويُعدّ على نحو خاص صاحب القرار الفعلي في الشق السوري من المنظومة.

على سبيل المثال، تجددت قبل يومين الأخبار عن إقالة مظلوم عبدي من قيادة قسد، ليحلّ مكانه محمود رش المقرّب من بايق، مع إرضاء واشنطن بالإبقاء على عبدي منسقاً بين قسد وقوات التحالف الدولي.

أهمية ما قاله بايق في الحوار ليست في الإفصاح عن جديد، بل في أنه يُقرّ بما هو معروف لدى شريحة من متابعي الشأن السوري، وإقراره بالعديد من المعلومات هو بمثابة حجة لا تُدحض إذ لا يوجد من هو أعلى منه مكانة وأكثر انخراطاً في الحدث السوري ليعارضه أو ينقض معلوماته.

إنه، على نحو خاص، يدحض ذرائع يسوقها أكراد يؤيدون قسد ومسد “أو يراهنون عليهما” من دون الولاء لمنظومة الحزب، وهذه الذرائع تتعلق بدور قوات وحدات الحماية منذ مُنحت السيطرة في أماكن تواجدها، فضلاً عن فهم وتأويل مجمل العلاقة بين الفرع السوري للحزب وحكم عائلة الأسد.

هو مثلاً يقول: “النظام السوري يعرف أيضاً أنه لو وقعت روج آفا وشمال وشرق سوريا في أيدي داعش والمرتزقة، لسقطت حلب ودمشق. إن نضال الكرد والعرب والآشوريين من أجل حماية روج آفا وشمال وشرقي سوريا ضد داعش والعصابات ضمنت صمود دمشق أيضاً. ومن المعروف أن الكرد الذين يعيشون في حلب حموا أيضاً حلب بمقاومتهم”.

لندع جانباً الكلام عن داعش والمرتزقة وعن العرب والآشوريين المنضوين في مسد لكونها سلطة الأمر الواقع، فحوى القول أن القوات الكردية كانت شريكة في “الدفاع” عن حلب، وهي بمواقع سيطرتها الحالية ضامنة لـ”صمود دمشق”. لا أفصح من هذا الكلام لإثبات الشراكة والتكامل بين الطرفين، الشراكة المبنية على العلاقة الدافئة مع عائلة الأسد الحاكمة، والاصطفاف فيها لم ينتظر ولا ينتظر أداء المعارضة السورية ومرتزقتها الذين تتوجب إدانتهم ليل نهار لمجمل مواقفهم ومنها موقفهم من المسألة الكردية في سوريا، من دون أن تكون إدانتهم شهادة حسن سلوك لحزب العمال.

ينبغي التغاضي عن بعض “المزاح” الوارد في الحوار، تحديداً المواضع التي يشير فيها بايق إلى استقلالية ما للفرع السوري PYD، ثم يعود في إجابات أخرى ليقول النقيض وهو يتحدث عن مجمل سياسات الإدارة الذاتية بلهجة من يقررها. هو مثلاً يصوّر PYD كحزب “مستقل” تبنى فلسفة آبو “أوجلان”، ليقول: اليوم، إذا كانت أفكار عبد الله أوجلان مؤثرة بين الشعب العربي والشعوب التركية، فسيكون لها بلا شك تأثير أكبر على الكرد.

بل يستطرد: تأخذ العديد من الحركات الاشتراكية الديموقراطية والحركات النسائية والحركات البيئية في العالم اليوم الكثير من فكر القائد عبد الله أوجلان. والحق أن الإفراط في المبالغة “إذا لم نستخدم تعبيراً آخر” لا يخدم الحديث عن استقلالية ما للفرع السوري، أما الإفراط في امتداح أوجلان فهو يعكس استغلال اسمه كقائد تاريخي يتستر خلفه لا أكثر، في حين آلت القيادة الحقيقية إلى المتكلم.أيضاً، يجب ألا يؤخذ على محمل الجد كلامه عن انسحاب مقاتلي حزب العمال من سوريا بعد هزيمة داعش، وهذا اعتراف بوجودهم من قبل، وبقاء مَن اختار منهم ذلك بقرار فردي! والكلام يأتي في حوار يتضمن إشارته إلى توحد المختلفين في الحزب حول أفكار أوجلان، والخروج بعد المناقشات بقرارات يجري التقيد بها من الجميع.

بعبارة أخرى، ثمة حزب منضبط فكرياً وتنظيمياً، إلا أن مقاتلين منه يقررون من تلقاء أنفسهم الجبهة التي يودون القتال فيها!ما له دلالة حالياً أن جميل بايق يتحاشى انتقاد موسكو وهو ينتقد على طول الخط تقريباً الولايات المتحدة، وحتى أوروبا التي ينشط فيها حزبه بشكل شبه علني رغم وضعه على لائحة الإرهاب الأوروبية، بل طالب واشنطن بالاعتذار عن دورها في “أسر أوجلان”.

هكذا! بينما الاعتذار غير مطلوب من عائلة الأسد التي كان لها الدور الأكبر في تسليمه منذ طرده من دمشق. لذا لا غرابة في أن يرى مطلب “دمشق وموسكو” رحيل كافة القوات الأجنبية مطلباً عادلاً، مع التنويه بموقف حزبه المساند لوحدة سوريا ومنح الأكراد حكماً ذاتياً يتضمن بقاء الدفاع والسياسة الخارجية والاقتصاد من اختصاص المركز.

لعل في تفصيله حدود “الحكم الذاتي” المطلوب يقصد توجيه رسالة إيجابية إلى عائلة الأسد، ومن دون أن يقصد يطمئن معارضين لا يرون الأكراد إلا كمشروع انفصالي.بالطبع، الحدث السوري العام منذ 2011 غائب عن أقوال جميل بايق، والحل بسيط وفي المتناول حسب رأيه: “الحل الذي نقترحه ونجده صحيحاً في سوريا ليس وجود الولايات المتحدة، بل يعتمد على مصالحة الإدارة الذاتية مع دمشق. يمثل وجود الإدارة الذاتية ونهجها السياسي ومقترحاتها القاسم المشترك الوحيد في سوريا.

لا يمكن تحقيق السلام والاستقرار في سوريا بالإصرار على الماضي أو بمقاربة المرتزقة المدعومين من الجمهورية التركية والقوى الواقعة تحت نفوذها. المصالحة بين سوريا والإدارة الذاتية ستكون حلاً يقبله جميع السوريين.”

كأنه يقول أن الحل بينه وبين بشار الأسد، وهو متاح حقاً لأنها مصالحة بين شركاء، حسب أقواله التي لم تتنصل منها الإدارة الذاتية أو قسد، وليتهما تفعلان أو ليت لديهما الاستقلالية والقدرة على التنصل.

هذا النوع من المصالحة يلائمه أن يُتوَّج بذهابه إلى قبر حافظ الأسد ليقول له: لقد أدينا الأمانة بإخلاص. وتخيُّلُ ذلك ليس فيه افتراء على الرجل، فجميل بايق “في الحوار الذي أجراه سركيس قصارجيان” تحدث بالحد الأدنى من السياسة باستثناء العلاقة مع عائلة الأسد، إذ كان حديثه عنها عاطفياً، وقول كقوله “لا يمكننا أن نكون ضد الأسد” يذكّر بعبارات في الميلودراما من قبيل: مش ح أسيبه أبداً.. بحبه يا ماما.

مقالات ذات صلة

USA