“
توقع المبعوث الأمريكي الأسبق إلى سوريا، جيمس جيفري، أن يكون “حل الأزمة السورية أولوية” لإدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، لأن سوريا “واحدة من مناطق القتال القليلة التي تتعرض فيها القوات الأمريكية للخطر يومياً، إضافة إلى كونها أهم مسرح لاحتواء التوسع الإقليمي لإيران، وتحدي القوة العظمى لروسيا”.وفي مقال مطول، نشره مركز “ويلسون للأبحاث”، وترجمه “الشرق سوريا”، اقترح جيفري على إدارة بايدن، “مقاربة جديدة” للحل في سوريا، تتضمن “نهجاً تدريجياً” قد يكون “جذاباً” لروسيا.
وقال جيفري، الذي يشغل حالياً منصب رئيس برنامج الشرق الأوسط في مركز “ويسلون”، إن موقف إدارة بايدن بشأن سوريا لم يتضح بعد، ولكن بالنظر إلى تعهدات حملة بايدن بمواجهة التحركات الإيرانية في المنطقة، والحاجة إلى إبقاء تنظيم “داعش” مهزوماً، وأيضاً حل الصراع السوري بطريقة أو بأخرى، يمكن أن تسعى الإدارة الأمريكية الجديدة إلى تحقيق أهداف مماثلة لأهداف سابقتها.
ورأى أن السياسة الأمريكية ضمن هذه الأهداف العامة، تشمل خيارات عدة: أولها، استمرار سياسة الضغط الدولي الحالية على رئيس النظام السوري بشار الأسد للتوصل إلى حل وسط عبر موسكو، ولكن هذا يمنح روسيا دوراً مسيطراً، ويعتمد على التنسيق الدبلوماسي الهائل، فضلاً عن الضغط الاقتصادي، ويمكن القول إن ذلك على حساب الشعب السوري إلى حد ما.
أما الخيار الثاني، فيتضمن التقليل من شأن سوريا، بما يتجاوز جهود مكافحة تنظيم “داعش، والاعتماد على الأمم المتحدة.ويشمل الخيار الثالث “تصعيد الضغط على دمشق إلى درجة تغيير النظام، والرابع، عقد صفقة مباشرة مع طهران أو دمشق.ويعتقد جيفري أنه بالنظر إلى أن “كل هذه الخيارات لها جوانب سلبية كبيرة، فضلاً عن عدم حل مشكلة ما يجب فعله مع روسيا، فقد يتم اقتراح بديل خامس”.
ويشمل هذا الخيار الأخير، بحسب جيفري، “تعديل نهج الولايات المتحدة ليشمل كلاً من أهدافها وتوقيت التنازلات، لإغراء رد روسي يحتمل أن يكون أفضل، لاسيما في ظل إدارة (أمريكية) جديدة بأربع سنوات من الاستمرارية”.
ويمكن للولايات المتحدة أن تعزز استراتيجيتها الرسمية “لا تغيير النظام” بمجموعة من الخطوات التي اتخذتها واشنطن في البداية وشجعها الروس في بعض الأحيان، لـ”الإشارة إلى قبول نظام الأسد إذا كان يلبي المصالح ذات الأولوية لواشنطن وحلفائها”.ونبّه جيفري، إلى أن ذلك “لن يشمل تأييد الأسد، وشرعنة انتخاباته الرئاسية المزورة التي لا مفر منها في وقت لاحق من هذا العام، أو التخلي عن عملية السلام بموجب القرار 2254”.
ولكن بدلاً من ذلك، “يمكن أن يبدأ هذا بخطوات مثل تخفيف عنصر أو (عناصر) العقوبات الاقتصادية التي تقودها الولايات المتحدة”، ولكن “لا ينبغي اتخاذ مثل هذه الخطوات إلا بعد تلقي تعهدات روسية مسبقة بأن يرد الأسد بالمثل من خلال ثلاث خطوات”.وتتعلق الخطوة الأولى، بـ”قبول قرار مجلس الأمن رقم 2254 رسمياً بوقف إطلاق النار على مستوى الدولة”، والثانية في “المشاركة بنشاط أكبر في محادثات اللجنة الدستورية التي أنشأها القرار 2254″، والثالثة عبر “البدء في الحد من انتشار القوات الإيرانية”.
ورأى جيفري أن “هذه ليست ظروف صعبة بشكل مستحيل”، لأن “سوريا في مأزق عسكري فعلياً، وقد صادق الأسد وروسيا مراراً وتكراراً على اللجنة الدستورية، ووافقت روسيا على تقييد الوجود الإيراني بالقرب من إسرائيل منذ ما يقرب من ثلاث سنوات”.
وبالتوازي، “سيتعين على واشنطن طمأنة شركائها الإقليميين والسوريين، الذين قد يحتضنون الأسد بشكل كامل أو يستنتجون أن الولايات المتحدة تتخلى عنهم للأسد وإيران”.وبعد ذلك سيتم الانتقال إلى خطوة “أكثر صرامة”، على افتراض أن روسيا والأسد قد ردتا بالمثل فعلاً.
وأضاف جيفري أنه “لكي تتنفس إسرائيل بسهولة، سيتعين على الروس الحصول على انسحاب تم التحقق منه للقوات الإيرانية من المناطق القريبة من إسرائيل وإعادة انتشار أنظمة الأسلحة الإيرانية المهددة خارج سوريا، مع تدابير موثوقة لضمان عدم ظهورها مرة أخرى”.ولتشجيع عودة اللاجئين إلى المناطق المحيطة بحلب، يمكن لروسيا أن توسع نموذجها الجنوبي الغربي، حيث تعمل القوات البرية الروسية عن كثب مع قوات المعارضة السابقة دون تدخل يذكر من قوات الأسد.
ويأتي هذا “إلى جانب تنسيق مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، يمكن أن يفتح الباب أمام عودة اللاجئين من خلال تهدئة مخاوف اللاجئين من عقاب الأسد”، كما “يمكن أن يفتح الباب أمام المساعدة الدولية لتحقيق الاستقرار في تلك المناطق”.
وإذا نفذت إيران انسحاباً جزئياً على الأقل، يمكن للولايات المتحدة حينها تعديل وجودها العسكري في سوريا، وهو مطلب روسي طويل الأمد، بحسب جيفري.وفي هذه المرحلة، يجب تأجيل الخطوات “الصعبة”، والتي تشمل “التنفيذ النهائي للقرار 2254 ومصير الأسد، وإعادة دمج شمال شرق سوريا، بما في ذلك قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، في بعض أجهزة الدولة السورية، وانسحاب القوات التركية، ومساءلة الحكومة السورية عن برنامجها للأسلحة الكيماوية وجرائم الحرب، وتعزيز التحالف الدولي والجهود الروسية- السورية ضد (داعش)، وإنهاء وجود (هيئة تحرير الشام) في إدلب”.
ويعتقد جيفري أن “مثل هذا النهج التدريجي، الذي يعترف بالقواعد الروسية والمصالح العسكرية الأخرى في سوريا، قد يكون جذاباً لموسكو، على الرغم من أنها تتوقع على الأرجح تنازلات بشأن القضايا غير السورية لأي حل نهائي”.
وأضاف: “السؤال الكبير: هل يمكن إقناع الأسد بقبول التقسيم المستمر (وإن كان مؤقتاً) للأراضي السورية، والحمل الثقيل لطرد القدرات الاستراتيجية الإيرانية، والاستمرار في العملية السياسية للأمم المتحدة؟ يمكن فقط لروسيا (والأسد) الإجابة على هذا السؤال”.
ولكن إذا كان الجواب بالنفي، بحسب جيفري، “فإن الولايات المتحدة، بعد أن قطعت شوطاً إضافياً للتوصل إلى حل، يمكن أن تشدد الخناق على الأسد، بالنظر إلى حقيقة أن المصالح المعرضة للخطر مع سوريا تشكل الآن صراعاً من أجل الأمن الإقليمي”.وخلص إلى أنه “في مثل هذه الحالة، فإن مأزق الجمود (اللا حل) الذي يعرقل الطموحات الروسية والإيرانية أفضل من حل سيئ يُمكّنها”.