• الجمعة , 22 نوفمبر 2024

خطف وتعذيب وتجنيد قسري.. شهادات مرعبة لإرهاب PYD بحق أطفال سوريا

Trt عربي

تزايدت حالات خطف وتجنيد الأطفال بشدة بعد احتلال PKK/PYD الإرهابي مناطق واسعة من شمال شرق سوريا حسب ما وثّقته عدة مراكز ومنظمات حقوقية. تتوقف سيارة من نوع “فان” بيضاء في منتصف الطريق بين بيت سما كدّو (16 عاماً) والمعهد الخاص الذي تدرس فيه، يُفتَح الباب وتطلب منها إحدى صديقاتها الصعود لإيصالها إلى المنزل، لكن الوجهة لم تكن المنزل، بل كانت مقرّاً لمنظمة متخصصة في احتجاز الأطفال يتبع ما يُسمَّى حركة “الشبيبة الثورية” (جوانن شور شكر) التابعة لتنظيم PKK الإرهابي.

لم يبعد وقوع تلك الحادثة سوى بضعة أمتار عن مقرّ إحدى المنظمات الدولية العاملة في شمال شرق سوريا، المعنية بقضايا السلم الأهلي ورعاية الأطفال خلال الحروب، إلا أنّ تلك المنظمة وغيرها من المنظمات فشلت في الاضطلاع بمهامّها حول حماية الأطفال ومكافحة الانتهاكات التي يمارسها في حقهم PKK/PYD الإرهابي، على الرغم من أن التنظيم الإرهابي تَعهَّد أمام الممثلة الخاصة للأمين العام المعنية بالأطفال والنزاع المسلح فيرجينيا غامبا، بمنع تجنيد الأطفال دون الثامنة عشرة.يُذكَر أن حالات خطف وتجنيد الأطفال تزايدت بشدة بعد احتلال PKK/PYD الإرهابي مناطق واسعة من شمال شرق سوريا حسب ما وثّقته عدة مراكز ومنظمات حقوقية.

يقول فتحي كدو والد الطفلة سما خلال حديثه إلى موقع TRT عربي، إنّ ابنته “كانت تذهب إلى معهد خاصّ لتلقّي دروس تقوية منهجية، وفي هذا المعهد استدرجها بعض الطلبة المنتسبين إلى ما يُسمَّى “الشبيبة الثورية” سرّاً، واستطاعوا التأثير فيها بالانضمام إلى التنظيم، ثم اختطفوها على طريق العودة إلى المنزل، ولولا نجاح عملية تحريك الرأي العامّ من خلال وسائل الإعلام وشيوخ العشائر وبعض المراكز الحقوقية على مدى 25 يوماً متتالية لما أعاد التنظيم سما، ولبقي مصيرها مجهولاً كمئات الأطفال الذين جُنّدوا قسراً”.

بدء التجنيد

ينتشر أعضاء “الشبيبة الثورية” سراً في كل الأماكن التي يمكن أن يرتادها الأطفال، من مدارس ومعاهد ومنتديات ومحالّ ألعاب الإلكترونية وأندية.

كانت سما بالنسبة إليهم صيداً ثميناً، نظراً إلى صغر سنّها وانتمائها إلى عائلة كبيرة ذات تاريخ يتعلق بالوقوف ضدّ نظام الأسد وامتداد كبير في المنطقة، فبدأت إحدى صديقاتها في المعهد رمي شباكها وإقناعها بالانضمام إلى نادٍ للثقافة والموسيقى، وأنّ هذا النادي يمكن من خلاله الاطّلاع على الثقافة والفنون الشعبية، وأنها تستطيع المشاركة في أنشطته، ويمكنها الذهاب إلى النادي والعودة إلى منزلها يومياً.راقت الفكرة للطفلة سما دون أن تعرف أنّها وقعت في مصيدة تجنيد التنظيم الإرهابي PKK/PYD القسري للأطفال.

نحو المجهول

انحرفت السيارة عبر طريق فرعي ثم إلى الطريق المؤدّي إلى خارج مدينة الحسكة، لتبادر سما صديقتها بالسؤال عن وجهتهما، فهذا ليس طريق منزلها، فكانت الإجابة أنّ وجهتهما منزل يتبع المنظمة.

بعد أقلّ من ساعة كانت سما في منزل تقول عنه إنه مليء بصور زعيم تنظيم PKK وصور لمقاتلين يرتدون زياً عسكرياً، وكان معها فتاتان في المنزل، وكان حديث الفتاتين يركز على إقناعها بأنهم “يناضلون من أجل حماية أرض الأكراد وشرفهم”.تقول سما إنّها أدركت حجم الورطة التي هي فيها منذ دخولها إلى المنزل ومشاهدتها صور المقاتلين، وما زاد الأمر يقيناً لديها هو حديث الفتاتين معها.

ترغيب وترهيب

يقول والد سما لموقع TRT عربي: “لم ينفع بكاء ابنتي وتوسلها لهم وامتناعها عن الطعام على مدى خمسة أيام في إقناعهم بإعادتها إلى المنزل”.

كانت الفتاتان التابعتان لتنظيم PKK/PYD الإرهابي تحاولان إقناع سما بشتى الوسائل لتستجيب لهما وتكفّ عن طلب العودة إلى المنزل، وعندما رفضت بدأتا استخدام العنف معها كالزجر والنهر والتوبيخ.

إنّ أصعب ما واجه سما، كما تصف، هو عندما أجبروها على ارتداء الزي العسكري، وأخذوها إلى مركز للتدريب على السلاح بالقرب من منطقة القحطانية، ظنّاً منهم أنها قد تغيّر موقفها وتكفّ عن المطالبة بإعادتها إلى المنزل.ضغوط أثمرتبعد نحو 25 يوماً كانت ذات السيارة التي اختُطفت فيها الطفلة سما تنقلها إلى قرية “علي فرو” في ريف مدينة القامشلي، من أجل تسليمها لذويها.

يقول كدو إنه حتى الآن لا يعرف بالضبط ما الطريق الذي سلكه حتى قرر التنظيم إعادة ابنته، هل هي التقارير الطبية التي تثبت أنها تعاني مشكلات صحية ونفسية، أم تحريك الرأي العامّ، أم وساطات شيوخ المنطقة وعلى رأسهم شيخ عشيرة شمر حميدي دهام الجربا مع PYD الإرهابي، أم إنّ كل تلك الطرق مجتمعةً شكّلت ضغطاً على التنظيم فقرّر ترك طفلته وشأنها؟طلب أعضاء التنظيم الإرهابي أن يكون والد الفتاة ووالدتها في القرية ليتسلّما الفتاة، إلا أنّ والدها أصرّ على الرفض خوفاً من تَعرُّضه لضغوط من أجل الصمت عمّا جرى، فأرسل والدة الفتاة وشقيقها وعمّها لتسلُّمها.

أُنقِذَت سما من براثن التنظيم، ونجت من المصير المجهول الذي كان ينتظرها، إلا أنّ والدها يؤكّد رؤيتها عشرات الأطفال اليتامى والفقراء وأبناء وبنات قتلى مليشيات PKK/PYD يتعرضون للضرب والتعذيب في المعسكرات لإجبارهم على تنفيذ ما يُطلَب منهم، وعلى رأس تلك المطالب استخدام السلاح.

سبع سنوات عجاف

لم يستطع أهل الطفل م.خ المنحدر من إحدى قرى ريف حلب إنقاذ ابنهم الذي جنّدته مليشيات PKK/PYD قسرياً وهو في سن 14 عاماً، ولم يلقَ ذات المصير الذي لقيَته سما، لذلك هرب وعاد إلى مكان سكن أهله، ليُفاجأ في اليوم التالي بأنّه أصبح متهَماً بقضية إرهاب والانتساب إلى خلية إرهابية تتبع النظام السوري، ليُعتقَل على أثرها ويُحكَم عليه بالسجن سبعة أعوام.

تقول والدة الطفل خلال حديثها مع موقع TRT عربي إنّها شاهدت آثار حروق وتعذيب على جسد ابنها في أول زيارة له سمح بها التنظيم، وكانت حالته الصحية متردية نتيجة التعذيب الجسدي الذي تَعرَّض له.تقول المحامية التي تنشط في مجال حقوق الإنسان في الولايات المتحدة الأمريكية رشا الأحدب المتابعة لحالة الطفل، لموقع TRT عربي، إنّه من مواليد 2004، واعتُقل في يوليو/تموز 2018 في سنّ 14 عاماً، ثم جُنّد إجبارياً.

وتضيف أنّ مجموعة صحفيين وحقوقيين “أعدّوا تقارير مفصَّلة تثبت عملية القبض على الطفل ومحاكمته بتهمة الإرهاب دون تأمين محامي دفاع، إذ كان الطفل قاصراً آنذاك وتَعرَّض للتعذيب والترهيب بمحرقة السجائر وضربه ووضعه في سجن انفرادي مع ممارسة التعذيب اليومي عليه وإجباره على التوقيع بالإكراه”.

وتضيف: “لم يعرف أهل الطفل أي شيء عنه إلا بعد ستة أشهر، بعدما أنكر القائمون على السجن وجوده، وأبرزنا أدلة تثبت وجود الطفل في السجن قُدمت للرئيس المشترك لدائرة العلاقات الخارجية التابعة للإدارة الذاتية عبد الكريم عمر الذي أبلغَنا أن الطفل متورط بعمليات إرهابية والحكم عليه بالسجن سبع سنوات”.

بعلم التحالف الدولي

وثّقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان حتّى نهاية عام 2021 ما لا يقل عن 156 طفلاً لا يزالون قيد التجنيد لدى مليشيات PKK/PYD، من أصل 537 حالة تجنيد لأطفال منذ تأسيسها، كما وثّقت 19 حالة خطف وتجنيد في شهر ديسمبر/كانون الأول من العام ذاته.

يقول المتحدث باسم تيار المستقبل الكردي في سوريا علي تمي لموقع TRT عربي، إنّ “جميع الأطفال الذين يُخطَفون هم دون 18 سنة، وإما يُختطفون من المدارس وإما يُستدرجون إلى خارج المنزل من خلال تشكيل منظمات رياضية أو ترفيهية، ومن ثم يُخطَفون ويُنقَلون إلى معسكرات خاصة في جبل قنديل لتدريبهم، وهذا بعلم التحالف الدولي داخل سوريا”.

ويضيف أنّ لديهم “لجاناً وصحفيين مهتمّين بهذا الأمر، ويوثّق حالات الخطف عدد من المنظمات ويرسلونها إلى منظمة الأمم المتحدة المعنية بحقوق الأطفال، وهم على تواصل معهم بخصوص الانتهاكات التي يتعرض لها الأطفال في مناطق شمال شرق سوريا”.

ويلفت إلى أن “مخاطر تجنيد الأطفال تتلخص بعملية غسل أدمغتهم خلال فترة قصيرة، ثم تعبئتهم بآيديولوجيا حزب PKK (الإرهابي) ثم تكليفهم تنفيذ عمليات خطف وإرهاب، وهذا ما دفع الناس إلى بيع ممتلكاتهم والهجرة خوفاً على مستقبل أطفالهم”.

ويرى أنّ “استمرار حالات الخطف يقوّض الأمن والاستقرار في المنطقة، وبالتالي يدفع الناس إلى الهجرة وبيع ممتلكاتهم بأرخص الأسعار”.

ويؤكد أن “التحالف الدولي يشكّل غطاءً سياسيّاً وعسكريّاً لتنظيم PYD (الإرهابي)، ولذلك فهم بطبيعة الحال يتحملون المسؤولية الأخلاقية عما يتعرض له أطفالنا من خطف وإرهاب”.

ويكشف المتحدث باسم تيار المستقبل الكردي في سوريا لموقع TRT عربي أنّهم أخبروا التحالف الدولي بتلك الانتهاكات، لكن “حتى الآن يلتزم التحالف الصمت، وهذا ما يترك عديداً من إشارات الاستفهام”، وفق تعبيره.الشبيبة الثورية “جوانن شور شكر”يشير فتحي كدو إلى أنّ ما يُسمَّى “الشبيبة الثورية” ينتشر في كل مكان، في المدارس والمعاهد والصالات الرياضية ومراكز الأنشطة الخاصة بالأطفال وغيرها، ويستهدف الأطفال لا سيما من الطبقة الفقيرة، ويُغرونهم ويستدرجونهم للتجنيد.

وترتبط حركة الشبيبة الثورية مباشرة بتنظيم PKK/PYD الإرهابي، وعقدت يوم 11 سبتمبر/أيول مؤتمرها الأول تحت ظلّ صورة زعيم تنظيم PKK عبد الله أوجلان في مدينة الرقة التي يحتلّها التنظيم.

مهمة الشبيبة الثورية تجنيد الأطفال في صفوف PKK وأذرعه العسكريَّة من خلال معسكرات وفاعاليات تدريبيّة عسكريّة وآيديولوجيَّة، فضلاً عن مهاجمة المظاهرات المناهضة للتنظيم، وإثارة الشغب كما جرى في نهاية ديسمبر العام الماضي عندما هاجمت معبر سيمالكا الحدودي بين العراق وسوريا واعتدت على موظفيه من الجانب العراقي، بسبب إغلاقه مؤقتاً، بالإضافة إلى هجمات متكررة على مكاتب المجلس الوطني الكردي.

تنشط الشبيبة الثورية أساساً في مجال خطف الأطفال وتجنيدهم، وآخر عملياتهم كانت خطف الطفل مصطفى فاضل، 14 عاماً، الذي أُفرجَ عنه لاحقاً في ظروف لم تُعرَف ملابساتها.

تجاهل أممي

في 14 سبتمبر 2022 أصدرت لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بالجمهورية العربية السورية تقريراً قدّمته لمجلس حقوق الإنسان في دورته 51، وفي حين أنّ التقرير ذكر عديداً من الانتهاكات التي تقول اللجنة إنّ قوى المختلفة في سوريا قد ارتكبتها، فإنّه لم يذكر في أي من صفحاته قضايا اختطاف PKK/PYD الإرهابي الأطفال وتجنيدهم.وكانت شبكة يكيتي ميديا الكردية وثّقَت خلال النصف الأول من العام الحالي أسماء 22 طفلاً اختطفهم PKK/PYD الإرهابي والشبيبة الثورية التابعة له في سوريا.

يقول السياسي والمحامي رديف مصطفى إنّ “تجنيد القاصرين عموماً في PKK هو ممارسة منهجية يتبعها بجميع أسمائه المستعارة، بما فيها YPG، وسابقاً كان PKK يجنّد القُصّر على أساس إيهامهم وخداعهم بالشعارات قبل الثورة السورية التي انطلقت في فبراير/شباط 2011، أما بعد الثورة فبات يجنّدهم قسراً وعبر الخطف”.

ويضيف: “نحن هنا من الناحية القانونية أمام جريمة مركَّبة؛ أولاً هي اعتداء وانتهاك لاتفاقية حقوق الطفل، وثانياً هي اعتداء على القانون الدولي الإنساني، يبلغ في زمن الصراعات الحربية درجة جريمة حرب ترتكبها هذه الجهات، وثالثاً هي عملية خطف تندرج ضمن إطار الإخفاء القسري، وهذه جريمة أيضاً بحدّ ذاتها، بمعنى أنها من الناحية القانونية مركَّبة لها عدة أبعاد قانونية”.

ويؤكّد مصطفى أنّ “لهذه الجريمة آثاراً وتداعيات إنسانية كبيرة كأن يُحرَم الطفل التعليم والحقوق الأساسية”.

ولا يجوز تجنيد القُصَّر بأي شكل، ولو لم يمارسوا الأعمال الحربية”، ويشير إلى أنه “مع أنّ مسؤولي PYD وقّعوا عدة اتفاقيات دولية تُعنى بمنع تجنيد القصّر، فإن PKK (الإرهابي) لم يلتزم ذلك”.

مقالات ذات صلة

USA