الجمعة 04 ديسمبر 2020 19:19
عبدالله الغضوي (إسطنبول)
خلال السنوات العشر الماضية، ومنذ بداية الثورة السورية خسرت المعارضة الكثير من النقاط في ملعب الصراع مع النظام، وانفضت العديد من الدول الداعمة من حولها، وأصبحت المعارضة في كثير من الأحيان عبئاً على الدول الإقليمية أيضاً، فمجموعة أصدقاء الشعب السوري تبخرت وانفضت الجامعة العربية عن دعم المعارضة، وأصبحت الدول الغربية والإقليمية تمثل موظفين من وزارة الخارجية بعد أن كان كل وزراء العالم مستنفرين لأجل الأزمة السورية، والسبب الحقيقي ليس تراجع الاهتمام بالشأن السوري فحسب وإنما سلوك المعارضة ذاته الذي أضاع كل شيء في سورية حتى دماء الشعب، كل هذه الخسارات سببها المعارضة ذاتها بأدائها المتواضع وصراعاتها الضحلة على المستوى الداخلي.
في الأسبوع الماضي، ثمة حدثان يلفتان الأنظار، الأول انعقاد الجولة الرابعة من مشاورات اللجنة الدستورية، والثاني إعلان الائتلاف السوري عزمه إنشاء المفوضية العليا للانتخابات، وكان تبريره في ذلك نزع الشرعية من بشار الأسد الذي مازال الرئيس الشرعي في قانون الأمم المتحدة، بينما يفقد السيطرة على أكثر من 40 في المائة، سواء في شمال شرق سورية أو إدلب وريفها بالإضافة إلى حلب.
كان هذا الإعلان فرصة جيدة كشفت الكثير من المسكوت عنه في أروقة وتركيبة المعارضة، ذلك أن حجم الصراع في داخلها وصل إلى حد لا يمكن للشعب السكوت عنه، بسبب المستوى المتدني من الصراع الداخلي الفارغ.في موضوع مفوضية الانتخابات، انبرت مجموعة من المعارضة السابقة الهاربة من مسؤولياتها أصلاً والتي كانت إلى زمن قريب ضمن قيادة الائتلاف، معلنة حرب تحريض ضد الائتلاف واستعانت بالشارع الثوري والناشطين الغيورين – فعلاً- على مصلحة الثورة، في محاولة لزج الائتلاف في زمرة الخيانة والقبول بوجود الأسد، واستعانت بوسائل التواصل الاجتماعي للتحريض على كل الائتلاف وتشويه صورته – المشوهة أصلاً- ولم تكن الدوافع مصلحة سورية بقدر ما هي تصفية حسابات وصراعات لا تعني السوريين.
الأمر ذاته ينطبق على موضوع اللجنة الدستورية، ففي كل جولة تظهر فئة «مطمورة» من المعارضة إلى السطح تهاجم اللجنة إلى جانب فئة حقيقية لديها موقف وطني من اللجنة ومسارها، إلا أن صوت الفئة الانتهازية المطمورة الحاقدة على الائتلاف هو الذي يصدح، وفي لحظة ما يلتقي التيار الوطني الحقيقي مع الانتهازيين، لكن في النهاية الخاسر الوحيد هو المعارضة وقضيتها.
هذا التماهي الخطير بين ما هو وطني حقيقي قدم دماء على الأرض، وبين الانتهازيين في كل مرحلة خطير جداً على وعي الشعب السوري الثوري، الذي ما زال قيد الانتهازية والابتزاز الوطني، لذا لا بد من تصحيح وفرز لهذا التماهي المدمر للقضية السورية.
الخلاصة؛ لا بد من الفرز بين التيارات غير المرئية في المعارضة على المستوى الداخلي المحض، حتى يمكن فهم فك شيفرة ما يجري في كل مرحلة؛ حيث يمكن اختصارها في ثلاثة اتجاهات وتيارات؛
الأول: تيار مهزوم ترك العمل السياسي حين اشتد وطيس المعركة السياسية وفضل العودة إلى مقاعده ما قبل الأزمة السورية، وهم غالباً الصف الأول من قيادات المجلس الوطني السوري، ولهم أسبابهم في اختيار الانعزالية.والثاني، الذي ما زال يتصدر المشهد السوري المعارض ويحاول العمل ضمن الهامش المتاح في الأزمة السورية، وهم مازالوا متصدرين في الائتلاف واللجنة الدستورية ويلاحقون الاقتراحات الدولية والأممية على أمل إيجاد ضوء في آخر النفق، هذه الفئة لها أخطاء بطبيعة الحال، لكنها تحترم لبقائها في المشهد رغم كل حملات التخوين والتشويش، التي لا تضر في نهاية المطاف إلا بالثورة.
أما الشكل الثالث من المعارضة، وهو الأخطر على الثورة والشعب الآن وغداً، بما يمثل هذا الخط من شخصيات معروفة في انتهازيتها بين السوريين، فأولئك هم الذين فشلوا في العمل السياسي وهربوا من مسؤولياتهم ومن مواقعهم واتخذوا أوكاراً للتحريض ضد مؤسساتهم السياسية التي عملوا فيها، وخرجوا منها بحسابات شخصية محضة لا علاقة لها بالثورة، وهذا ليس من الأخلاق في شيء، هم كـ«النسانيس» و«الخفافيش» يظهرون في الليالي الكالحة دون أن تراهم، بيان واحد كفيل بإخراجهم من أوكارهم كما يحدث في كل مرة، هؤلاء يتماهون مع «الحالة» لإثارة الفوضى السياسية وممارسة التحريض، لا بد من الخروج عن الصمت والكشف عنهم، ومرة أخرى هذه مسؤولية الائتلاف في المكاشفة عن أعمالهم وتاريخهم وممارساتهم، دون ذلك ستبقى الأفاعي راقدة في الفراش.