أمين العاصي
العربي الجديد:27/11/2020
تحاول “قوات سورية الديمقراطية”، المعروفة اختصاراً بـ”قسد” والتي تهمين عليها الوحدات الكردية، تكريس حقائق في الشمال الشرقي من سورية، يصعب تجاوزها في حال التوصل لتسوية سياسية شاملة للقضية السورية، من خلال عقد مؤتمرات ولقاءات تشاورية تمهد الطريق أمام إجراء انتخابات محلية في هذه المنطقة التي باتت تُعرف اصطلاحاً بـ”شرقي الفرات”، وقد تعد خطوة متقدمة تكرسها إقليماً مستقلاً.وفي هذا الصدد، أنهى ما سمي بـ”المؤتمر الوطني لأبناء الجزيرة والفرات” أعماله، الأربعاء الماضي، في مدينة الحسكة في أقصى الشمال الشرقي، والذي عُقد بحضور نحو 300 شخص يمثلون مكونات شمال شرقي سورية، إضافةً إلى شخصيات مستقلة وشيوخ ووجهاء عشائر وممثلين عن “الإدارة الذاتية” و”قوات سورية الديمقراطية”.
وانتهى هذا المؤتمر، الذي نظّمه “مجلس سورية الديمقراطية” (مسد)، وهو الجناح السياسي لـ”قسد”، بتوصيات لم تخرج عن نطاق المتوقع، لا سيما لجهة “التأكيد على وحدة الأراضي السورية واحترام سيادتها، والإقرار الدستوري بحقوق كافة المكونات القومية والدينية والاجتماعية”.
كما كرر المؤتمرون ما تورده كل اللقاءات التي تعقد من “حل الأزمة السورية وفق بيان جنيف وقرار مجلس الأمن رقم 2254 وجميع القرارات الأممية ذات الصلة”، وفق بيان صدر في ختام المؤتمر.ولكن من التوصيات اللافتة، تلك المتعلقة بالدعوة إلى “التحضير لانتخابات محلية في مناطق الإدارة الذاتية لشمال وشرق سورية خلال مدة لا تتجاوز العام”، في خطوة متقدمة تُكرس الواقع السياسي الموجود في منطقة شرقي نهر الفرات، التي تسيطر “قسد” على جلها منذ سنوات، وتديرها “الإدارة الذاتية” التي يقودها حزب “الاتحاد الديمقراطي”، والذي يتخذ من الوحدات الكردية ذراعاً عسكرية له، ويُنظر إليه باعتباره نسخة سورية من حزب “العمال الكردستاني” في تركيا.
ويشكل العرب غالبية سكان منطقة شرقي نهر الفرات، والتي تضم كامل محافظة الحسكة وجانباً كبيراً من محافظتي الرقة ودير الزور، إضافة إلى جزء من ريف حلب الشمالي الشرقي. وتعد هذه المنطقة التي تعادل نحو ثلث مساحة سورية، من أغنى المناطق بالثروات، من بترول ومياه وزراعة، ويُنظر إليها باعتبارها القسم المفيد في البلاد.كما خرج المؤتمر بتوصية تدعو إلى “إشراك مجلس سورية الديمقراطية في كامل العملية السياسية”، التي تستبعده المعارضة السورية منها بسبب اتهامات تتعلق بمحاولة الانفصال عن سورية، إضافة إلى اتهامات تطاول الوحدات الكردية بالقيام بعمليات تهجير بحق عرب وتركمان وأكراد معارضين لها. ويُتهم حزب “الاتحاد الديمقراطي” بمحاولة فرض ثقافة دخيلة على مجتمع عربي خالص، من خلال الترويج لأفكار عبد الله أوجلان زعيم “العمال الكردستاني” والمسجون في تركيا، وهو ما يوسع هوة عدم ثقة بين سكان شرقي الفرات و”الإدارة الذاتية” التي تستبعد العرب عن مفاصلها الرئيسية.وعن المؤتمر، قال نائب رئيس الهيئة التنفيذية في “مسد” حكمت حبيب، في حديث مع “العربي الجديد”، إن المؤتمر “عُقد بعد سلسلة من الندوات في مدن وبلدات الشمال الشرقي من سورية”، مشيراً إلى أن أحد أهداف المؤتمر “تطوير الإدارة الذاتية، وتكريس الحالة الديمقراطية في منطقة شرقي نهر الفرات”.
وأوضح أن الانتخابات المحلية “كان من المقرر أن تجري بشكل دوري، ولكن الاعتداءات التركية على المنطقة كانت سبباً رئيساً في تأخير إجراء هذه الانتخابات”. وأشار إلى أن الهدف الرئيسي للانتخابات التي ستجرى خلال عام “تحقيق مشاركة واسعة من مكونات الشمال الشرقي من سورية”، مضيفاً أن “الباب مفتوح للجميع، والإدارة الذاتية ليست حكراً على أحد، بل هي لكل أبناء الجزيرة والفرات، وكل القوى مدعوة للمشاركة في العملية الانتخابية”.وجاء هذا المؤتمر بعد تعثر حوار يرقى إلى مستوى التفاوض بين حزب “الاتحاد الديمقراطي” وأحزاب أخرى تشكل معه “الإدارة الذاتية”، و”المجلس الوطني الكردي”، تحت رعاية وإشراف من وزارة الخارجية الأميركية، بسبب رفض هذا الحزب فك الارتباط بـ”العمال الكردستاني”.
كما لم يتفق الجانبان، وهما أكبر كيانين سياسيين كرديين في سورية، على عدة قضايا طُرحت على طاولة التفاوض، لعل أبرزها دخول قوات “البشمركة السورية”، المتمركزة في إقليم كردستان العراق، إلى الشمال الشرقي من سورية، إذ لا يزال “الاتحاد الديمقراطي” يرفض عودة هذه القوات إلا تحت لواء “قوات سورية الديمقراطية”. وتهدف الإدارة الأميركية إلى تشكيل مرجعية سياسية واحدة للأكراد السوريين، تمثلهم في استحقاقات الحل السياسي تحت رعاية الأمم المتحدة.
من جهته، رأى نائب رابطة الأكراد السوريين المستقلين رديف مصطفى، أن هذا المؤتمر وغيره من لقاءات قامت بها “الإدارة الذاتية” محاولات من “قسد” و”مسد” للدخول في العملية السياسية في سورية “ولكن من دون فك الارتباط مع حزب العمال والنظام السوري”. وأشار مصطفى، في حديث مع “العربي الجديد”، إلى “أن محاولات مسد التوجه نحو الحوار مع النظام وموسكو، مع الاستمرار في العلاقة مع الولايات المتحدة، وتصريحات من هنا وهناك عن الاستعداد للتحاور مع الائتلاف وتركيا، ناتجة عن انسداد الأفق السياسي أمام هذه المجموعة”. وأعرب عن اعتقاده بأن “هذه المؤتمرات والوعود الشكلية البائسة ليست بعيدة عن هذا الإطار، وهي مجرد خطوات تجميلية لشرعنة ما يسمى بتجربة الإدارة الذاتية”، مشيراً إلى أن هذه الإدارة “التي أثبتت فشلها تريد إرسال رسائل للخارج مفادها أنه لا بديل عنها في الشمال الشرقي من سورية”. وأضاف “حزب العمال الكردستاني هو الفاعل الأساسي في إدارة الأمور في منطقة شرقي الفرات”. كما أعرب عن قناعته بأن الدعوة إلى انتخابات والتصرف كإقليم مستقل وإنشاء إدارة مركزية “هي خطوات خاطئة غير وطنية، وغير منتجة فعلياً في ظل هيمنة قسد والعمال الكردستاني على المنطقة”.