• الجمعة , 22 نوفمبر 2024

سوريا – أوكرانيا.. أوجه التشابه والاختلاف

العقيد عبد الجبار العكيدي/موقع تلفزيون سوريا

رغم مرور أقل من أسبوعين على انطلاقة الغزو الروسي لأوكرانيا إلا أن الكثيرين بدؤوا بعقد مقارنات بين صمود الجيش والشعب الأوكراني بمواجهة هذا الاجتياح وبين ما قدمه السوريون خلال أحد عشر عاما من المواجهة مع قوات النظام وحلفائه، وعلى رأسهم الجيش الروسي نفسه، هذه المقارنة قد تبدو وجيهة من جانب وغير وجيهة وظالمة من جوانب أخرى، ولا يمكن أن تكون موضوعية بأي حال من الأحوال بالنظر إلى:

أولاً- إن ما يجري في سوريا هو ثورة شعب انتفض على نظام جائر، استقوى بقوى دولية وإقليمية تتقاطع مصالحها مع استمرار بقائه، ليواجهوا مجتمعين الشعب السوري بكل وحشية، بينما في أوكرانيا قامت قوات روسية غازية بالاعتداء على دولة ذات سيادة، وبالتالي التف الشعب الأوكراني حول قيادته للدفاع عن دولتهم وحياتهم.

ثانياً- في سوريا ثمة ثورة شعب يريد انتزاع الدولة من طاغية مستبد، بينما في الحالة الثانية دولة عظمى أرادت افتراس دولة أخرى، علما أنه يمكن أن نلاحظ في الحالة الأولى هناك نزاع على شرعية نظام الحكم بين مغتصب للدولة يسانده حلفاء خارجيون وبين شعب يريد استرداد الدولة باعتبارها ملكا له، وهذا الأمر يختلف عن الحالة الثانية التي تجري فيها المواجهة على السيادة أو على الدولة بين مواطنين ملتحمين مع نظام الحكم يدافعون عن سيادة دولتهم أمام عدو خارجي.

ثالثاً- حالة الإجماع الدولي على مناصرة القضية الأوكرانية ودعم شعبها وحكومتها بكل الوسائل السياسية والعسكرية والاقتصادية والدبلوماسية، والتقاء المجتمع الغربي في موقف موحد وحاسم وداعم للشعب الأوكراني.

رابعاً- لا يمكن المقارنة بين أوكرانيا، الدولة القائمة بكل مؤسساتها ومواردها المادية والبشرية، وجيشها المنظم والمدرب، بكامل قوامه العسكري، من قوات برية، ومنظومات دفاع جوي متطورة، وطيران حربي ومروحي، ربما لا يضاهي الطيران الروسي، ولكنه قادر على مواجهته، وهذا ما شاهدناه في الأيام الماضية من خلال إسقاط عدد كبير من الطائرات الحربية والمروحية الروسية المتطورة، بينما واجه الثوار السوريون الآلة العسكرية الروسية المتوحشة بأسلحة خفيفة ومتوسطة من جيل الستينيات والسبعينيات، بعد أن تقاعس ما يسمى بأصدقاء الشعب السوري تزويدهم حتى بذخائرها.

خامساً- في سوريا اجتمع على قتل الشعب السوري جيش النظام والشبيحة وعشرات الميليشيات الطائفية المدعومة من الحرس الثوري الإيراني، بإسناد جوي روسي من مختلف صنوف الطيران، فيما أوكرانيا تتصدى لعدو واحد يساعدها على مواجهته العالم بأكمله عسكرياً واقتصادياً.

سادساً- في أوكرانيا وقبل أن يشن بوتين الحرب عليها، تدفقت المساعدات العسكرية من صواريخ مضادات طيران (ستنغر) ومضاد دروع (جافلين)، وربما أسلحة أحدث وذات فاعلية أكبر، ومعلومات استخباراتية، وتسخير الناتو لأقماره الصناعية لخدمة القيادة الأوكرانية، وعقوبات على روسيا لم يشهد التاريخ أن تعرضت لها دولة من قبل، بينما في سوريا تم إطلاق يد إيران وروسيا والنظام وحزب الله، والتغاضي عن كل الجرائم التي ارتكبوها بحق الشعب السوري.

سابعاً- في سوريا كان الروس يستهدفون بالدرجة الأولى المدنيين (أسواق، مدارس، أفران، مشافي، سيارات الإسعاف، الخوذ البيضاء)، للضغط على المقاتلين نفسياً، بينما في أوكرانيا ركزت روسيا استهدافها على البنية التحتية العسكرية، وتجنبت سقوط ضحايا مدنيين أو إلحاق دمار واسع خوفا من رد فعل غربي.

هذا من ناحية، أما على الجانب الآخر فيعتبر الكثيرون أن التورط الروسي في معركة أوكرانيا والتصعيد الدولي الكبير ضد موسكو يمكن أن يكون فرصة جيدة للسوريين من أجل شن عمليات عسكرية تستهدف القوات الروسية في سوريا، إلا أن هذا الكلام يبدو غير موضوعي للاعتبارات التالية:

– ما تزال معركة أوكرانيا في بدايتها ولم تتضح ملامح النصر للروس أو الهزيمة، وبالتالي من السابق لأوانه الحكم على نتيجتها ومدى ارتداداتها على وضع الروس في سوريا.

– عدم تبلور الموقف التركي حتى الآن، ما يعني أن اتفاقيات أستانا وتفاهمات سوتشي ما زالت قائمة، ولا يستطيع أي من فصائل المعارضة العسكرية خرقها.

– حتى إن وجدت النية لدى بعض الفصائل لفتح الجبهات ضد قوات النظام، على اتجاهي إدلب والساحل، فستكون هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة) عائقاً في وجه أي عمل عسكري، لأنها تُعتبر الأمين على تنفيذ كل التفاهمات الدولية، بالإضافة لالتزامها باتفاقية المدن الأربعة الموقعة مع الإيرانيين عام 2017، وسيشكل وجودها وتصنيفها عائقا إذا ما فكرت أميركا والغرب بإعادة تسليح ودعم فصائل الجيش الحر.

– لدى روسيا قدرات عسكرية هائلة، وطيرانها قادر على تغطية سوريا وأوكرانيا وأوروبا، وهي أصلا ليس لديها قوات برية على الأرض السورية، ما يعني أن بضع طائرات حربية في قاعدة حميميم قادرة على إحداث مجازر كبيرة في البقعة الجغرافية الصغيرة المكتظة بالسكان، في شمال وشمال غرب سوريا وتدميرها وتهجير سكانها، ما يتسبب بعامل ضغط إضافي على تركيا وأوروبا.

– إذا ما فكر الغرب بشكل جدي في إزعاج الروس في سوريا وتقليم أظافرهم بإسقاط حليفهم الأسد، فستكون جبهة البادية السورية الممتدة من الباغوز شرقاً إلى حدود محافظات حمص وحماة والسويداء وصولا إلى القلمون الشرقي، هي الأكثر ملاءمة وتأثيرا، وذلك من خلال دعم الفصائل الموجودة في قاعدة التنف (جيش مغاوير الثور)، غير المرتبطين بأي اتفاقيات أو تفاهمات مع الروس، وذلك بتقديم الدعم المادي والعتاد والسلاح النوعي، لمحاصرة العاصمة دمشق. هذا التطور الفارق الحاصل اليوم على وقع هذا الغزو يفرض على قوى الثورة والمعارضة السورية استجابات من نوع آخر تتجاوز الأداء السياسي والعسكري في التعامل مع الوجود والدور الروسي بسوريا وفق الخطوات والآليات التالية:

أولاً- استغلال حالة الارتباك التي تواجه نظام بوتين في صراعه الحالي مع الغرب، من خلال حرمانه في الملف السوري من سيطرته وتحكمه بالمسارين السياسي والعسكري، واتخاذ موقف رافض بحزم للترتيبات التي فرضتها روسيا في السنوات الماضية.

ثانياً- مراجعة أدوار الفصائل والقوى العسكرية للثورة في هذه المرحلة ومطالبة العالم بدعمها وتزويدها بالأسلحة النوعية القادرة على زعزعة الوجود العسكري الروسي في سوريا واستنزافه والتصدي له في حال اتجه بوتين للتغطية على فشله في أوكرانيا بتحقيق ضربات انتقامية بسوريا.

ثالثاً- إعلاء صوت السوريين في هذه المرحلة التي تتلقف فيها الآذان الدولية كل من يدين ويرفض السياسات الروسية في المنطقة والعالم، لإعادة تسليط الضوء على القضية السورية المغيبة عن جدول الأعمال الدولي، من خلال استنهاض الحاضنة الشعبية للثورة، ولفت أنظار الرأي العام العالمي للجرائم التي ارتكبها بوتين وجيشه في سوريا، بالتوازي مع تحضير السوريين الواقعين في مناطق سيطرة النظام والمتضررين من الاحتلال الروسي للتعبير عن رفضهم لهذا الاحتلال.

رابعاً- تشكيل لجنة طوارئ سورية مؤلفة من سياسيين وعسكريين، لوضع خطة تحرك، والتوجه إلى المؤسسات الدولية لفضح جرائم روسيا وتفعيل مسار المحاكمات الدولية لملاحقة ومحاسبة مسؤوليها وقادتها المتورطين بجرائم الحرب في سوريا.

لعل تركز أنظار السوريين إلى ما يجري في أوكرانيا يعكس بصورة كبيرة مدى تعويل أو حجم الآمال لدى السوريين على هزيمة روسيا في هذه المعركة التي سيتوقف عليها تغييرات عميقة في الملف السوري، لكن كل ذلك مرهون بمسارات ومجريات المعركة وما سيتلقاه الجيش الروسي في أوكرانيا من ضربات موجعة لا تقل بأضرارها عن تداعيات العقوبات الاقتصادية التي فرضها الغرب على نظام بوتين في الداخل الروسي.

مقالات ذات صلة

USA