• الإثنين , 25 نوفمبر 2024

سورية والسوريون وتحدي تقرير مصيرهم

بقلم د. محمود الحمزة

عندما نتحدث عن سورية، فاننا نتحدث عن بلد عمره آلاف النسين، ونتحدث عن التاريخ والحضارات والشعوب التي عاشت على هذه الأرض لقرون، اختلطت خلالها الدماء والثقافات والاعراق والديانات، ولم يعد بالإمكان الحديث عن عرق نقي وصافي أو غيره. وهذا عنصر قوة في المجتمع السوري، حيث يشهد العالم كم هو عظيم دور السوريين في الحضارات القديمة وفي تاريخ بلاد الشام والبلدان العربية ومن سورية انطلقت سفن الفينيقيين الى العالم وعلموا الشعوب التجارة وعرفت اول ابجدية في التاريخ في أوغاريت بالقرب من الساحل السوري.

وعلموا العالم الموسيقى، وكانت أول دولة عربية كبرى (الدولة الأموية) عاصمتها دمشق.لم يفرق السوريون يوما بين مسلم ومسيحي وعربي وكردي وسرياني، فقد شارك المسيحيون وأبناء الطوائف في بناء الحضارة العربية الإسلامية التي قدمت للبشرية إنجازات عظيمة في مختلف العلوم: الرياضيات والفلك والطب والصيدلة وعلم النبات وغيرها الكثير، وقد انتقلت هذه العلوم من بغداد ودمشق والقاهرة وفاس (في المغرب العربي) الى الاندلس ، حيث قامت حضارة راقية يفتخر بها الاسبان حتى اليوم ويعتبرونها صفحة ذهبية في تاريخهم، ووصلت تلك العلوم إلى أوروبا، التي بنت نهضتها مستفيدة من العلوم العربية واليونانية (جزء منها حفظ باللغة العربية وضاع أصلها اليوناني).

ويعترف كبار المؤرخين والعلماء الاوربيين والامريكان بفضل تلك الاسهامات العربية (والإسلامية) في تقدم الإنسانية.واثبت العلم العربي في العهد الإسلامي بأن العلم عالمي لان العلماء العرب ترجموا المخطوطات اليونانية والهندية والصينية والسريانية ، واخذها الاوروبيون وترجموها إلى اللغة اللاتينية وكتبوا عليها شروحات وتعليقات تضمنت نظريات جديدة شكلت الأساس للعلوم في أوروبا وكما قال العالم الإنجليزي الكبير اسحق نيوتن، لقد كنا نقف على اكتاف العظماء ، ويقصد ان علماء الغرب استندوا الى كل مكتشفات البشرية من البابلية والمصريةالقديمة والصينية والهندية والعربية وكان بمتناولهم كنوز من المعرفة الإنسانية المتراكمة ، شاركت في صياغتها عشرات الشعوب.

وفي العصر الحديث نجد علماء عرب كبار حازوا على ارقى الجوائز بما فيها جائزة نوبل وأشاد بانجازاتهم العالم كله. وبعد هجرة ملايين السوريين الى مختلف دول العالم نسمع باستمرار كيف يتفوق أطفالنا على أبناء بلد اللجوء الأصلي في الدراسة والعلم، وكيف يساهم السوريون في تحقيق تقدم اقتصادي واجتماعي وخدماتي أينما حلوا.

وأنا لا أتحدث عن السلبيات في كل هذه المواضيع، فذلك يحتاج لصفحات كثيرة.وما أقصده من هذه المقالة المتواضعة هو التذكير والتأكيد على أننا أصحاب حضارة، ومن حقنا أن نفكر بمستقبل لائق يضع بلادنا في مصاف أرقى الدول. ونتذكر كلمات جواهر لال نهرو الذي زار دمشق في أواسط القرن الماضي وشهد بأم عينه مجتمعا غنيا بثقافاته ومعتقداته واعراقه ومع ذلك فهو مجتمع متماسك ومنفتح ومتسامح وحضاري وديمقراطي، وقال حينها أحلم أن أبني في الهند مجتمعا مشابهاً لما هو موجود في سوريا.

ولا ننسى أيضا قول عالم الآثار الفرنسي شارل فيرلو : لكل انسان وطنان وطنه الأصلي وسورية.ونعرف كيف يفخر كل السوريين بكل تلك السمات الطيبة التي ميزت الشعب السوري على مر القرون، وما قلناه قليل عن سورية.

ولكن إلى أين وصلت سوريا اليوم؟السوريون ملأوا العالم كلاجئين مهجرين من وطنهم، وهناك مآسي وكوارث لا تعد ولا تحصى لحقت بالبشر والحجر وبكل شيء.وعندما اتكلم عن السوريين فإنني اقصد كل الشعب السوري باستثناء من تاجر بدم السوريين وارتكب جرائم بحقهم.اليوم تساوى السوريون في الفقر والجوع والمرض وانعدام الخدمات والأمان والعدالة والحقوق.سوريا اليوم موزعة تحت احتلالات مختلفة، منها دول ومنها ميليشيات طائفية إرهابية فرضت سلطة الامر الواقع على السوريين في مختلف مناطق البلاد. وكل العالم يتحدث عن وحدة سوريا ارضا وشعبا وهذا مطلب السوريين ولكن كل دولة وكل قوة مهيمنة في سورية تعمل لاجندتها الخاصة، التي لا تراعى فيها مصلحة السوريين.

واليوم تقرر بعض القوى الدولية مصير بلادنا وشعبنا، دون مشاركة السوريين سواء من الموالاة او المعارضة او الفئة الصامتة.نحن معشر السوريين أمام تحدي كبير ومصيري: إما نحافظ على سورية لكل السوريين بحيث يسودها القانون ودولة المواطنة ويعيش السوري بكرامته، وإما ستُقسَّم سورية بين الذئاب المفترسة التي تكالبت عليها من اصقاع الأرض.يجب ان نتحد جميعا في التمسك بالوطنية السورية القائمة على حقوق الانسان وحريته وعلى العدالة وعلى قاعدة عدم التمييز بين المواطنين على أساس الجنس او العرق او الدين.

نريد مجتمعا علمانيا متحررا يحترم العقائد وحرية الفكر والابداع.نريد سورية ملكاً لكل السوريين وليس لمجموعة معينة بغض النظر عن طبيعتها.كل من يعيق توحد السوريين من اجل بناء سورية الجديدة – دولة ديمقراطية تعددية، فهو عدو للشعب السوري.

مقالات ذات صلة

USA