للمرة الثالثة يقوم ترامب بتغيير مستشار للأمن القومي؛ بدلًا من الجنرال ماكماستر يأتي جون بولتون. وقد استقبل تعيين الدبلوماسي السابق كمؤشرٍ على اقتراب الحرب ليس في سيؤول وحدها، بل في واشنطن أيضًا. فما الذي ينتظر روسيا من ظهور “المحارب القديم”، من زمن ريغان والرئيسين بوش الأب والابن، في الدائرة الضيقة المحيطة بالرئيس ترامب؟
كتب ريتشارد باينتر، الموظف السابق في إدارة جورج بوش الابن، على صفحته في (تويتر): “تعيين السيد بولتون هو دعوةٌ إلى الحرب. وربما الحرب النووية”. كما تقتطف Financial Times كلماتٍ السيناتور من الصقور جيسي هيلمز: “جورج بولتون واحدٌ من أولئك الناس، الذي يمكن أن تلتقي معه في *Armageddon”.
فما الذي يمثله المندوب الدائم للولايات المتحدة الأميركية السابق في مجلس الأمن (زمن جورج بوش- الابن) جون بولتون، الذي عينه دونالد ترامب مساعدًا له لشؤون الأمن القومي، بدلًا من المقال غيربرت ماكماستر؟
تذكر صحيفة (واشنطن بوست) أن بولتون، الذي سيسلم مهامه في التاسع من نيسان/ أبريل، سيكون المستشار الثالث لشؤون الأمن القومي للرئيس الأميركي، خلال عامٍ ونصف من توليه منصب الرئاسة المستشار الأول. ونشير إلى أن المستشار الأول كان السيد مايكل فلين، الذي سُرح بعد أقل من شهرٍ على توليه المنصب، بسبب الاشتباه في “اتصالاته بموسكو، واتهامه بإجراء أحاديث مع السفير الروسي لدى واشنطن. أما الجنرال ماكماستر المعد من الصقور ونصير “تحجيم” روسيا، فقد بقي مدةً أطول من سابقه الجنرال فلين، الداعي إلى الصداقة مع الروس.
يُعزل ماكماستر، الذي امتدحه ترامب لـ “خدماته الجليلة” مؤكدًا أنه “سيبقى صديقًا”، وعلى الرغم من هذا الوداع الحار، لم يكن ترامب وماكماستر على علاقة صداقة، وغالبًا ما كانت مواقفهما متباينة بشأن إيران وكوريا الشمالية، تلحظ (واشنطن بوست). وتفترض الصحيفة: تعيين بولتون يمكن أن يؤدي إلى تغييرٍ حاد في سلوك الولايات المتحدة الأميركية، أثناء الأزمات على المستوى العالمي.
تجمع وسائل الإعلام العالمية على أن تغيير مساعد الرئيس لشؤون الأمن القومي مرتبطٌ على الأرجح بالاستعدادات الجارية للقاء المزمع بين ترامب مع الرئيس الكوري الشمالي كين جون إين، نهاية أيار/ مايو، غير أن تعيين بولتون هو خيارٌ ذو طابع خاص لهذه المهمة. وتذكر (واشنطن بوست): “كان بولتون يتخذ موقفًا متشددًا على الدوام في ما يتعلق بكوريا الشمالية. فالمستشار الجديد واثقٌ من أن كوريا الشمالية تزود ليس إيران فقط، بل “الدولة الإسلامية” و”القاعدة” بالتكنولوجيا النووية. وكان بولتون، في مقالاته ولقاءاته كلها، يصرح بأن الطريقة الوحيدة “لإيقاف كوريا الشمالية عن مهاجمة الولايات المتحدة الأميركية، هي شن حربٍ وقائية”.
تذكر صحيفة (نيويورك تايمز) أن بولتون قدّم، قبل تعيينه، للرئيس ترامب نصائح مفادها أن على الرئيس الأميركي أن يقول لرئيس كوريا الشمالية: إذا لم تبدأ بيونغ يانغ مفاوضاتٍ حول نزع كاملٍ لسلاحها النووي؛ فإن “شيئًا ما سيكون”. تؤكد (نيويورك تايمز) أن بولتون كان يلمح إلى ضربة أميركيةٍ وقائية ضد كوريا الشمالية.
في كوريا الجنوبية، التي بذلت جهودًا كبيرة كي تبدأ المفاوضات، بين واشنطن وبيونغ يانغ، تخشى أن يشكل تعيين بولتون تقويضًا للقاء ترامب- كيم. في تعليقٍ له في (نيويورك تايمز)، يرى المحلل السياسي الكوري الجنوبي لي بيون تشخول: “سنرى أيضًا، بمجرد أن يفتح بولتون فمه ويشن هجماتٍ كلامية ضد كوريا الشمالية، يعطي تعيينه إمكانيةً لكوريا الشمالية للتخلي عن مقترحها الذي جاء من أعلى المستويات، وعندها سيقوم فريق ترامب-بولتون بزيادة الضغط، وسنسمع وقتها الحديث عن ضربةٍ مسبقة”.
من جانبه، وزير الخارجية اليابانية تارو كونو، الذي التقى قبل فترة مع ماكماستر ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أعرب عن استغرابه من السرعة التي جرى فيها تعيين بولتون. وإضافة إلى استقالة نصير المفاوضات مع كوريا الشمالية بيكس تيليرسون، يبدو هذا التعيين مقلقًا لحليف الولايات المتحدة الأميركية في الشرق الأقصى. يشير المحلل السياسي كويتو ناكانو، من جامعة صوفيا في طوكيو، في تعليقٍ له في (نيويورك تايمز)، إلى أن هذا التعيين يضيف تساؤلًا إضافيًا إلى صورة الولايات المتحدة الأميركية كـ “ديكٍ بلا رأس، مما يشكل أمرًا سيئًا للعالم أجمع”.
يتبنى بولتون تجاه إيران سياسةً أكثر عدوانيةً من سياسة ترامب، تلاحظ صحيفة (واشنطن بوست)؛ إذ إنه ليس مقتنعًا فقط، كما هو حال الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بأن على الولايات المتحدة الأميركية التخلي عن “الصفقة النووية” مع طهران، التي أبرمت في عهد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، ويحمل الرأي نفسه، بل إنه صرح في شهر كانون الثاني/ يناير لصحيفة (فوكس نيوز): على واشنطن ليس فقط إلغاء الصفقة وتشديد العقوبات، وإنما أيضًا العمل على إسقاط السلطة الحالية في إيران. كما أنه، في مقابلةٍ له مع صحيفة (نيويورك تايمز)، دعا مباشرةً إلى قصف إيران.
وأخيرًا وليس آخرًا، نذكر بوجهة نظر بولتون إلى روسيا الاتحادية. ففي شهر حزيران/ يونيو من العام الماضي، صرح مندوب الولايات المتحدة الأميركية السابق لدى الأمم المتحدة لوكالة (فوكس نيوز) على الهواء مباشرةً: يجب أن تكون العقوبات على روسيا، كما العقوبات على إيران وكوريا الشمالية، “شاملةً وسريعة؛ بحيث لا تتمكن ضحيتها من اتخاذ إجراءاتٍ مضادة”.
ودعا بولتون إلى إيقاف الروس في منطقة الشرق الأوسط، و”إخراج روسيا من سورية”. كما وصف المستشار الحالي للرئيس ترامب مناورات العام الماضي الروسية- البيلاروسية “الغرب- 2017″، بأنها “اختبارٌ لردة فعل الغرب”، وزعم أن بوتين “لن يتراجع عن عدوانه”.
من السهل الإجابة على السؤال: “من هو السيد بولتون”، إذا لجأنا إلى التلميحات، كتعاونه مع قناة (فوكس نيوز)، كونه لسان حال لدعاية في عهد جورج بوش الابن. وبحسب موقع Defense News، فقد بدأ بولتون مسيرته المهنية في واشنطن في عهد الرئيس ريغان، وكان مساعدًا لوزير الخارجية في عهد إدارة جورج بوش الأب. وفي عهد جورج بوش الابن، شغل منصب مندوب الولايات المتحدة الأميركية في مجلس الأمن، حيث صرح حينئذٍ: “ليس هناك مفهوم، مثل الأمم المتحدة، يوجد فقط مجتمعٌ دولي، الذي يمكن أن تقوده دولةٌ واحدة هي الولايات المتحدة الأميركية”. وفي هذا الصدد، يقول الخبير بالشؤون الأميركية، البروفيسور ألكسندر دومرينلصحيفة (فزغلياد):
“أتابع بولتون منذ نهاية التسعينيات، وقد كتب حينذاك مقالةً شهيرة حول أن” القانون الدولي ليس قانونًا”، مما يعني بصريح العبارة، أن القانون الدولي لا يتمتع بأي قوةً بالنسبة إلى الولايات المتحدة الأميركية”.
لم يمنع هذا الموقف بوش الابن من تعيين بولتون في الأمم المتحدة. وفي الوقت نفسه، فإن بولتون “شخصيةٌ بغيضة”، لدرجةٍ جعلت مجلس النواب “في ظاهرةٍ فريدة، يرفض المصادقة على ترشيحه”، إلا أن بوش تجاهل المجلس. ومن المثير، بحسب (واشنطن بوست)، أن بعضًا من الصقور: رأس البنتاغون جيمس ماتيس ورئيس جهاز البيت الأبيض جون كيللي، لم يكونا سعيدين بهذا التعيين.
جون بولتون، لا ينتمي إلى مجموعة (ماتيس- كيللي) التي أطاحت بماكماستر. كما لا يجوز، بحسب رأي خبراء Financial Times، نسبته إلى مجموعة المحافظين الجدد، التي برزت في عهد بوش الابن. ويلحظ الكاتب في (فاينينشال تايمز) إدوارد ليوس: “يؤمن المحافظون الجدد بأن القيم الأميركية يجب أن تكون عالمية، في حين يعتقد بولتون بتغليب المصالح القومية الأميركية بالقوة، وهذان أمران مختلفان”.
يخلص ألكسندر دومرين إلى أن تعيين بولتون لن يحمل أي شيءٍ جيد لروسيا. كما أن رئيس لجنة مجلس الاتحاد للشؤون السياسة الإعلامية ألكسي بوشكوف يرى أن تعيين بولتون سيكون ذا نتائج سلبية على روسيا: سيحل “سوبر صقر” مكان “الصقر”!
“ماكماستر جنرال، أما جون بولتون فهو رجل أيديولوجي من عصر الحرب الباردة، وخصمٌ مبدئي لروسيا”، أكد السيناتور الروسي على (تويتر). ويذكر دومرين أنه، بمجرد توقع انتصار ترامب في الانتخابات، فتح صفحةً على (فيسبوك): “الروس يدعمون ترامب”، ولكن الآن “يجب إغلاق هذه الصفحة. فلا يمكن للروس أن يدعموا ترامب بعد الآن، بعد أن أحاط نفسه بهذه الشخصيات”.
*آرما غيدون- Armageddon)): بحسب المعتقدات المسيحية المبكرة، هو موقع المعركة الفاصلة والنهائية، بين قوى الخير والشر، في آخر الزمن. وأصبح يستعمل للدلالة على نهاية العالم، بغض النظر عن السيناريو.