على ركام النفايات وبين حاويات قمامة، تجوب نساء وعجائز، وأطفال يبحثون عما يساند أمعاءهم الخاوية ويُعيلهم بقية يومهم، وهم أبناء وسكان أكثر مناطق سورية غنىً بالنفط ومشتقاته، فحرّاقات النفط التي تدوي وراءهم في مشهد غير مألوف عكست تناقضاً جديداً من واقع السوريين، وآلاماً اعتاد عليها السواد الأعظم من المهجرين منذ سنين.
هذا المشهد الذي نقلته وكالة “فرانس برس” لأحد مكب النفايات في مدينة المالكية بريف الحسكة، شمال شرقي سورية، حقق صدىً كبيراً على مواقع التواصل الاجتماعي، ليس لأنه يعكس معاناة فئة مسحوقة ومهمشة من السوريين فقط، بل لأنه جمع أبرز معالم الغنى وأبرز معالم الفقر ضمن إطار واحد.صور المالكية التي التُقطت بعدسة المصور دليل سليمان، كانت جزءاً من آلاف الصور “المؤثرة” إعلامياً و”المؤلمة” إنسانياً، والتي أفرزتها سنوات الحرب العشرة في سورية، لتبرز على الضفة الأخرى مسؤولية ناشطي الداخل في نقل هذه المعاناة، والقفز فوق عجز المجتمع الدولي الذي يكتفي بالتعاطف.وبرصد العام الأخير من الحرب في سورية، كان للكثير من الصور وقعٌ كبير في مناطق عدة، خاصة في الشمال السوري الذي خرجت منه عشرات الصور، بدءاً من الحملة العسكرية على إدلب مطلع عام 2020، وليس انتهاءً بمشاهد غرق المخيمات بداية عام 2021.
إفطارٌ فوق الركامكان لمشاهد القصف والدمار النصيب الأكبر من مفرزات الحرب في سورية، والتي ضخها الإعلام بشكل مكثف على مدى سنوات، حتى أصبحت تلك المشاهد روتينة واعتيادية بالنسبة للبعض، وربما غاب أثرها تدريجياً.ولكن خرجت في شهر رمضان الماضي صورة من مدينة أريحا، التي شهدت حملة عسكرية وقصفاً مكثفاً من قبل قوات الأسد وروسيا مطلع عام 2020، تعود الصورة لعائلة قررت استرجاع ذكرياتها والاجتماع على مائدة الإفطار، ليس بين جدران منزلها بل فوق ركامه.
الصورة التي التقطها الناشط عارف وتد، نقلت معاناة طارق أبو زياد وعائلته، الذين نزحوا عن مدنيتهم نهاية عام 2019، وعادوا إليها منتصف عام 2020 ليجدوها ركاماً، فقرروا إحضار طعامهم والإفطار فيها ليوم واحد، متجاهلين ما يحيط بهم من أبنية مدمرة وصمت مخيف، ثم العودة إلى مكان نزوحهم من جديد.
يقول الناشط عارف وتد، في حديثه لموقع “السورية نت”، إن الصدى الذي حققته صور الإفطار فوق الركام يعود لكونها أمر غير مؤلف على المشهد السوري، أو ربما لم تغطيه عدسات الإعلام من قبل.
ويضيف أن صوراً كهذه تملك أثراً كبيراً كونها تنقل للعالم الخارجي، جزءاً من المعاناة التي يعيشها الناس في الداخل السوري، خاصة في ظل القصف والحصار والتهجير.
وتحدث عارف، الذي يعمل لصالح وكالة “فرانس برس”، عن “دور الناشطين في الداخل في إيصال صوت السوريين المظلومين، حتى وإن لم يتغير شيء على المدى القريب” على حد تعبيره، معولاً بشكل أكبر على دور الناشطين الذين استطاعوا الوصول لوكالات الأنباء ووسائل الإعلام العالمية.
وعن المصاعب التي تواجه الناشطين في ممارسة دورهم بشكل فعّال، اختصرها عارف بالاستهداف من قبل نظام الأسد، وعدم توفر الحماية اللازمة لهم، إلى جانب مصاعب في التعامل مع الناس ونقل معاناتهم.
أملٌ من ثقب المعاناة
في مسابقة وكالة “الأناضول” لأكثر الصور تأثيراً عام 2020، كان للحالة السورية نصيب من الجائزة، حين فازت صورة الطفل السوري محمد عن فئة “الحياة”، متفوقةً على 76 صورة من تركيا والعالم، التقطها مصورو الوكالة طيلة عام 2020.
الصورة التي التقطتها عدسة الناشط محمد السعيد على قسمين، ترصد حالة الطفل الرضيع محمد، الذي ولد دون يدين ولا قدمين في محافظة إدلب السورية، ثم تنقل الصورة ذاتها فرحته بعد تركيب أطراف صناعية له
ويظهر والد الطفل محمد في الصورة الأولى وهو يحمله ويرفعه للأعلى دون أطرافه الأربعة لترتسم الضحكة على شفاه محمد، ثم تتكرر اللقطة ذاتها في الصورة الثانية بوجود طرفين صناعيين، حملا لمحمد أملاً جديداً بالحياة.
يقول الناشط محمد إن صوراً كهذه تحمل معانٍ كثيرة، خاصة بالنسبة للوضع السوري، كونها تنقل للناس في الخارج حياة الحرب والتهجير، وتحمل قيمة كبيرة من الناحية الإنسانية على حد تعبيره.
ويضيف محمد لموقع “السورية نت” أن “فرحة الطفل الرضيع محمد” حصدت تعاطفاً عالمياً كبيراً، خاصة في تركيا، حيث تكفلت الحكومة التركية بتركيب أطراف صناعية له بعد انتشار صورته الأولى دون أطراف.
وتابع “نحن كناشطين نحاول نقل واقع السوريين في الداخل، وتسليط الضوء على معاناة المهجرين منهم، خاصة في المخيمات، على أمل أن تحقق تلك الصورة هدفها في إنهاء المعاناة”.
وتحدث الناشط المقيم في إدلب عن مصاعب تواجهه وزملاؤه، وأبرزها عمليات الاغتيال والخطف التي تلاحق الناشطين والإعلاميين في الداخل، مؤخراً، على يد مسلحين مجهولين.
صور من المخيمات.. كارثة كل عام
مع اشتداد العواصف المطرية والثلجية التي تضرب الشمال السوري، حالياً، استفاق سكان المخيمات على وقع مياه تسربت إلى فراشهم وأحاطت بخيمهم، لتنذر بأزمة شتوية شبيهة بالتي حصلت العام الماضي، أو ربما أقسى.
و انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي، خلال اليومين الماضيين، صور لمخيمات غارقة بمياه الأمطار والسيول، كانت كفيلة بنقل جزء بسيط من معاناةٍ لازمت سكان المخيمات على مدى سنوات من عمر الحرب والقصف والتهجير في سورية، دون إيجاد حل جذري ينهي تلك المعاناة، أو حتى حل مؤقت يقي النازحين حر الصيف وبرد الشتاء.
وكان لصورة الأطفال الستة الذين يفترشون بالقرب من بركة ماء شكّلتها السيول المتسربة داخل خيمتهم، الوقع الأكبر خلال كارثة الشتاء الأخيرة، حيث ينام الأطفال غير آبهين بمشهد اعتادت أعينهم على رؤيته، ليضيفوا وصمة عار جديدة للمجتمع الدولي.
ومع ذلك، تبقى الصور السابقة جزءاً بسيطاً من القهر الذي يعيشه قسم كبير من السوريين في الداخل، ودليل إدانة للمجتمع الدولي “المتعاطف” مع تلك الصور، والعاجز عن إيجاد حل ينهي السنوات العشر من الآلام.المصدر السورية نت